بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إبنتي الكريمة بنت الجوابرحفظك الله ورعاك
لا شك أن الله فضل بني إسرائيل على العالمين
وقد ذكر الله تعالى ذلك في العديد من الآيات فقد جاء في سورة البقرة في الآية 47 وفي الآية 122 من نفس السورة
( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ )
ولكن قبل أن أخوض في هذا الموضوع أردت أن أنوه إلى بعض الحقائق التي نعتقدها نحن كمسلمين
أولها - أننا نعتقد اعتقادا جازما أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
ونعتقد كذلك أن الله خالق كل شيء ومليكه
وأن الله خلق آدم عليه السلام من تراب وأنه خلق الخلق كلهم من ذريته
وكذلك نعتقد أن الله اصطفى من الناس خيرهم وأفضلهم لحمل رسالته وهم الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام
ولذلك فإننا كمسلمين نحب الأنبياء ونوقرهم ونجلهم جميعا دون استثناء ومن جملة الأنبياء الذين نكن لهم كل ود ومحبة وإجلال نبي الله إسرائيل عليه الصلاة والسلام
فإسرائيل هو نبي الله ابن نبي الله إسحق ابن نبي الله إبراهيم ووالد نبي الله يوسف ووالد الأسباط عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام
فالقاعدة عندنا أننا نحب لله ونكره لله
وعليه فإننا نحب ونجل من أحبه الله وفضله وإسرائيل عليه السلام أحدهم ، وكذلك لا نكره ولا نبغض إلا من كرهه الله ولعنه وفرعون عدو بني إسرائيل أحدهم ،
وفي هذا ردا على من يتهمنا بكراهية بني إسرائيل
( من الغرابة أن يتهمنا بعض المسيحيين بكراهية بني إسرائيل ، مع العلم أن المسيحيين هم من يصفون بني إسرائيل بأولاد الأفاعي وأنهم من أب هو إبليس ،
والمسيحيون هم من أحرقوا بني إسرائيل في الهولكوست ،
والمسيحيون هم من وضعوا بني اسرائيل في أفران الغاز وهم الذين صنعوا من شحوم بني إسرائيل نوعا من الصابون ،
فعلوا كل هذا وأكثر ، ثم يتهموننا نحن بمعاداة بني إسرائيل )
نعود للتفضيل
فما هو المقصود بتفضيل بني إسرائيل ؟
هل المقصود أن الله فضلهم على باقي أبناء آدم بالأجسام والقوة ؟
فهذا لا يعقل ، لأن آدم عليه السلام أبو البشرية جمعاء ، والأبناء في أغلب الأحيان غير متساوين ، فيهم القوي وفيهم الضعيف فيهم الطويل وفيهم القصير وهكذا ،
كما أن هناك من هم أضخم أجساما من بني إسرائل وأشد قوة فهل هم أفضل من بني إسرائيل بسبب ذلك ؟
ثم هل المقصود بالتفضيل أن الله فضلهم بالعلوم الحياتية وكثرة المال ؟
وهذا أيضا غير صحيح ، فلم يسبقوا البشرية بشيء من العلوم والاختراعات ، بل نراهم أقل علما واختراعا وصناعة من اليابانيين والصينيين والهنود ، بالرغم من أنهم جميعا وثنيين أو عابدو بقر
فهل هم أفضل من بني إسرائيل بسبب تقدمهم التكنلوجي ؟
ثم إذا كان العرب والمسلمون أقل شأنا من بني إسرائيل بسبب حصول بعضهم على عدد كبير من شهادات نوبل وغيرها من الشهادات ،
ففي اعتقادي أنه لا يقول بذلك إلا أحمق أو جاهل
وذلك أن العرب والمسلمين مضى عليهم ما يزيد على قرن من الزمان لا يملكون زمام أمرهم ، فالحروب العالمية انهكتهم وأفقدتهم ملايين الملايين من شبابهم ، كما واستعمرت بلدانهم ومزقت من أجل سيادة المستعمر ، ونهبت ثرواتهم وخيراتهم ، حتى كتب التراث وقطع الآثارهم لم تسلم من النهب ، ولم تعطى لهم الفرصة أن يلملموا جراحهم خوفا من أن يعيدوا بناء مجدهم
( والكل يعلم أن العرب والمسلمين كانوا صناع الحضارة وأساتذة البشرية في كل العلوم )
ففي هذه الأيام نجد أن من حاز من العرب والمسلمين على درجة علم حازها بمجهوده الفردي بعد مشقة وعناء ، وقد انقطع السبيل بالكثير من المبدعين بسبب شح المال وعدم توفر الفرص والإمكانيات ،
أما بالنسبة للذين حازوا من اليهود على العلوم وجوائز نوبل فقد توفرت لهم الأموال وذللت لهم الصعاب وسخرت لهم المعاهد والجامعات بكل إمكاناتها ، والأهم من ذلك أن اللجان التي تمنح الجوائز وغيرها إن لم يكون اليهود عصبها فهم يسيطرون عليها ، لذلك تختارهم قبل غيرهم ،
كما وإنني على ثقة أن بعض الأطروحات ردت بسبب العنصرية أو كراهية لدين صاحبها وتثبيطا له ، بينما قبلت أطروحات أقل شأنا إرضاءً لصاحبها أو بتأثير من لوبي معين
( ذات يوم كنت وصديقي في مكان عام فلفت انتباهي لوحة فنية فأخذت أتأملها ، وإذ بأحد المسؤلين يقف إلى جانبي قائلا هل تعلم كم هو ثمن هذه اللوحة ؟
فقلت لا ، فقال ثمنها عشرة آلاف دينار ،
فقلت له لو أن الرسام بعدما انتهى منها وضع عليها إسمي أنا مكان إسمه فكم يكون ثمنها ؟
فقال لا شيء
فإن كانت العنصرية تتحكم في الكثير من جوانب الحياة في المجتمعات الراقية قبل المتخلفة ، وإن زعموا غير ذلك ، فإن في جعبتي الكثير من الأمثلة الدالة على ذلك ، ولكن لا مجال لذكرها الآن ،
لذلك أقول قد يكون التفاضل بين البشر بسب الجنس أو اللون أو العرق أو الدولة ذات النفوذ
ولكن الله رب العالمين وخالقهم لا يعقل أن يكون هذا ميزانه وأن يفاضل بين خلقه بسبب عرق أو جنس هو الذي اختاره لهم دون رغبتهم ودون مشورتهم
وعليه فلا يعقل أن يكون الله فضل بني إسرائيل لعرقهم أو عنصرهم ، وأن يكون خلق الجنة لتكون حكرا على ذلك العرق الذي لا تساوي نسبته إلى البشرية إلا نذرا يسيرا ،
وأنهم أصحاب الجنة وحدهم حتى وإن بدر منهم الكفر والعصيان
لذلك فإن التفاضل بين الخلق في ميزان الله محكوم بطاعته وتقواه ، كما بين ربنا في كتابه العزيز إذ قال
( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )
وقد رغب الله بني إسرائيل بحفظ العهد حتى يكونوا مميزين عن غيرهم
(فالان ان سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب.فان لي كل الارض )
خروج 19/5
ثم يأتي الوعيد
( لكن ان لم تسمعوا لي ولم تعملوا كل هذه الوصايا15وان رفضتم فرائضي وكرهت انفسكم احكامي فما عملتم كل وصاياي بل نكثتم ميثاقي 16 فاني اعمل هذه بكم.اسلط عليكم رعبا وسلا وحمى تفني العينين وتتلف النفس وتزرعون باطلا زرعكم فياكله اعداؤكم17 واجعل وجهي ضدكم فتنهزمون امام اعدائكم ويتسلط عليكم مبغضوكم وتهربون وليس من يطردكم18 وان كنتم مع ذلك لا تسمعون لي ازيد على تاديبكم سبعة اضعاف حسب خطاياكم19 فاحطم فخار عزكم واصير سماءكم كالحديد وارضكم كالنحاس20 فتفرغ باطلا قوتكم وارضكم لا تعطي غلتها واشجار الارض لا تعطي اثمارها21 وان سلكتم معي بالخلاف ولم تشاءوا ان تسمعوا لي ازيد عليكم ضربات سبعة اضعاف حسب خطاياكم22 اطلق عليكم وحوش البرية فتعدمكم الاولاد وتقرض بهائمكم وتقللكم فتوحش طرقكم23 وان لم تتادبوا مني بذلك بل سلكتم معي بالخلاف24 فاني انا اسلك معكم بالخلاف واضربكم سبعة اضعاف حسب خطاياكم25 اجلب عليكم سيفا ينتقم نقمة الميثاق فتجتمعون الى مدنكم وارسل في وسطكم الوبا فتدفعون بيد العدو26 بكسري لكم عصا الخبز تخبز عشر نساء خبزكم في تنور واحد ويرددن خبزكم بالوزن فتاكلون ولا تشبعون27 وان كنتم بذلك لا تسمعون لي بل سلكتم معي بالخلاف28 فانا اسلك معكم بالخلاف ساخطا واؤدبكم سبعة اضعاف حسب خطاياكم29 فتاكلون لحم بنيكم . ولحم بناتكم تاكلون30 واخرب مرتفعاتكم واقطع شمساتكم والقي جثثكم على جثث اصنامكم وترذلكم نفسي31 واصير مدنكم خربة ومقادسكم موحشة ولا اشتم رائحة سروركم32 واوحش الارض فيستوحش منها اعداؤكم الساكنون فيها 33 واذريكم بين الامم واجرد وراءكم السيف فتصير ارضكم موحشة ومدنكم تصير خربة34 حينئذ تستوفي الارض سبوتها كل ايام وحشتها وانتم في ارض اعدائكم.حينئذ تسبت الارض وتستوفي سبوتها35 كل ايام وحشتها تسبت ما لم تسبته من سبوتكم في سكنكم عليها36 والباقون منكم القي الجبانة في قلوبهم في اراضي اعدائهم فيهزمهم صوت ورقة مندفعة فيهربون كالهرب من السيف ويسقطون وليس طارد37 ويعثر بعضهم ببعض كما من امام السيف وليس طارد ولا يكون لكم قيام امام اعدائكم38 فتهلكون بين الشعوب وتاكلكم ارض اعدائكم39 والباقون منكم يفنون بذنوبهم في اراضي اعدائكم . وايضا بذنوب ابائهم معهم يفنون)
لاويين 26/14
لذلك فان ميزان الله في التفضل بين العباد لا يكون إلا بالتقوى فقط ، وبكل ما تحمله كلمة التقوى من معنى ،
فالأتقى لله هو الأفضل بغض النظر عن العرق أو الجنس أو اللون
لذلك في فترة من الزمن فضل الله بني إسرائيل على العالمين بكثرة الرسل والأنبياء ، مما يستلزم أن يكونوا أشد تمسكا بشرع الله ووصاياه ، فيكونوا بذلك أقرب إلى الله من غيرهم ، وخاصة أن الله فضل الله عليهم كبيرا ، فقد أنقذهم من العبودية ومن ظلم فرعون وبالرسل والآيات ، وعلى مشهد منهم أغرق عدوهم فرعون وجنوده ،
لذلك كان الأولى بهم أن يطيعوا الله ولا يعصونه
ولكن لم يطل بهم المقام فتبدل حالهم من الطاعة إلى المعصية ،
فأخذت رسلهم بأيديهم الطاعة مرة أخرى ، ثم عادوا إلى المعصية ، فأرسل الله إليهم رسلا يذكرونهم بعهد الله ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر ، وتوالت الأنبياء والرسل تسوسهم ، وقد اجتمع عليهم في بعض الأزمان أكثر من نبي ، إلا أن بني إسرائيل لم يكونوا مستقرين على حال ، فكانوا مذبذبين بين الطاعة والمعصية ، بل وتعدى ذلك إلى تكذيب بعض الأنبياء وقتل بعضهم
وقد كان المسيح عيس ابن مريم عليه السلام آخر أنبياء بني إسرائيل
جاءهم بعدما ضلوا عن سبيل الله ، وهذه شهادته عليهم بذلك
( فاجاب وقال لم أرسل الا الىخراف بيتاسرائيل الضالة )
متى 15/24
فكان موقف بني إسرائيل من المسيح عليه السلام التكذيب والرفض والوشاية به ، وقد أجمعوا على قتله ، لا لشيء سوى أنه يريد العودة بهم إلى ربهم ( وقصته معهم معروفة )
ومن الممكن الدخول على هذا الرابط ففيه بعض التفصيل
إبنتي الكريمة
نرضى بأن يكون القرآن الكريم حكما بيننا وبين من يستشهد بآية من آيات القرآن الكريم التي تدل على فضل بني إسرائيل
لذلك نقول أن على من يريد أن يستشهد بتلك الآية أن يجمع بينها وبين باقي آيات الكتاب التي تتحدث عن بني إسرائيل ،
فلا يعقل أن يأخذ بالآيات التي توافق هواه يقبلها ويعتبرها صحيحة
، أما التي تخالف رغبته فلا يقبلها ويعتبرها غير صحيحة ،
لكل منصف أقول
أن الله عز وجل بعدما تبدلت أحوال بني إسرائيل إلى الكفر والمعصية غضب الله عليهم فقال
جاء ذلك في الآية 112 من سورة ال عمران ،
وقد جاء في الآية 155 من سورة النساء
وقد جاء أيضا في الآية 78 من سورة المائدة
كما أن الشاهد الأكبر على أن الرضى يتبع الطاعة وأن الغضب يتبع المعصية
أن بني إسرائيل في عهد موسى عليه السلام غضب الله عليهم عندما عبدوا العجل
فقد جاء في الآية 54 من سورة البقرة
وكذلك في الآية 61 من نفس السورة
وكذلك في سورة الأعراف في الآية 152 توعدهم ربهم بالغضب والذلة
الخلاصة
أنه عندما استقامت بنو إسرائيل على أمر الله فضلها ربها على سائر الأمم في زمان استقامتها
وأنها عندما ضلت وغوت واتبعت الشيطان ونقضت ميثاقها وكفرت بآيات الله خرجت من دائرة الخيرية ومن رحمة ربها وباءت بغضب الله
أحب أن أضرب مثالا للتقريب
هب أن أحد الملوك اختار عشرة أشخاص من بين حاشيته ، وضع ثقته فيهم ومنحهم بعض الصلاحيات وأغدق عليهم الأموال وأوكل إليهم مهمة المحافظة على أسرته وعلى القصر أثناء سفره ، وقسم المهام بينهم
بعد عودته من السفر
وجد أن بعضهم كان مخلصا أمينا وقد أدى واجبه على أكمل وجه
ووجد أن بعضهم استغل غياب الملك فسرق بعض المجوهرات
ووجد أن بعضهم أهمل وترك القصر بعد سفر الملك وذهب في رحلة صيد استغرقت معظم أيام غياب الملك
ووجد أن أحدهم قام بتسريب الوثائق إلى جهة مناوئة للملك
هنا يأتي السؤال :
هل سيبقى هؤلاء العشرة بعد قدوم الملك على ما كانوا عليه من ثقة وصلاحيات ؟
حتما سيقول الجميع لا
سيبقي الملك على المخلص والأمين منهم فقط
أما الباقون فستسحب منهم كل الصلاحيات وسيوضع بعضهم في السجن وسيضرب أعناق بعضهم
ولله المثل الأعلى
سيكون كذلك حساب رب العالمين يوم القيامة للأفراد وليس للجماعات
فالمحسن والتقي والورع ومن التزم شرع ربه يفوز برضوان الله عز وجل
أما الظالم والكافر والمنافق فلا ينفعه ساعتها ندم وسيكون مصيرهم إلى النار والعياذ بالله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
المفضلات