الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سياج الدين
كيف تستعيد الأمة الإسلامية خيريتها؟

الجمعة 10/06/2011

أوضح لنا القرآن الكريم أن خيرية الأمة الإسلامية ليست منحة إلهية ستحصل عليها هذه الأمة من دون عمل وكفاح، بل هي مرتبطة بما ألزم الله به أمة الإسلام في كل العصور لكي تهتدي وتسير على طريق الحق والعدل وتقود غيرها من الأمم إلى العدل والخير وتعمير الأرض ومحاربة كل الرذائل والمنكرات .

يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله . . .” .

الخطاب في الآية الكريمة بقوله تعالى: “كنتم” موجه للمؤمنين الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ولمن أتى بعدهم واتبع تعاليم الإسلام إلى يوم الدين .

قال الإمام ابن كثير في تفسيره: الصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة، كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم كما قال سبحانه في الآية الأخرى “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” .

والمعنى: وجدتم يا معشر المسلمين العاملين بتعاليم الإسلام وآدابه وسنته وشريعته خير أمة أخرجت وأظهرت للناس من أجل إعلاء كلمة الحق وإزهاق كلمة الباطل ونشر الإصلاح والنفع في الأرض .

ثلاثة واجبات رئيسية

يقول الدكتور أحمد كمال أبوالمجد: لقد نوه القرآن الكريم بفضل وخيرية الأمة الإسلامية ووصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس، لكن هذه الخيرية ليست منحة إلهية يعطيها لأمة ويمنعها عن أمة أخرى، فقد اقتضت سنة الله واقتضى عدله بين خلقه ألا يميز فرداً على فرد ولا جماعة على جماعة ولا أمة على أمة إلا بالعمل المثمر المفيد والالتزام بالمنهج الإلهي العادل، وقد ربط القرآن الكريم خيرية الأمة الإسلامية بثلاثة واجبات رئيسية هي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله . . وعندما تتخلى الأمة عن هذه الواجبات وتقصر في واجباتها والتزاماتها لا تستحق هذه المنحة أو المكافأة الإلهية .

يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة: لقد أعلى القرآن الكريم من شأن الأمة الإسلامية ومن قدرها بين الأمم . . لكن أمة الإسلام للأسف لا تعي ذلك ولا تقوم بدورها الذي اختاره الله لها، وهو نشر كلمة التوحيد في الأرض وإحقاق الحق وإبطال الباطل شكراً لله تعالى على جعله إياها خير أمة أخرجت للناس . ويضيف: إن واقع المسلمين المليء بالضعف والهوان والفسوق والعصيان يدمي قلوب المؤمنين الصادقين ويحملهم على أن يبلغوا رسالات الله دون أن يخشوا أحداً سواه، حتى تكون كلمته هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى .

إخلاص العبادة

وقد بين الله سبحانه وتعالى الأسباب التي جعلت الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس فقال: “تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” . والمعروف هو كل قول أو عمل حسّنه الشرع وأيدته العقول السليمة . . والمنكر: هو عكسه .

والمعنى: وجدتم خير أمة أخرجت للناس لأنكم تأمرون بالمعروف أي: بالقول أو الفعل الجميل المستحسن في الشرائع والعقول: “وتنهون عن المنكر” أي كل قول أو فعل قبيح تستنكره الشرائع ويأباه أهل الإيمان القويم والعقل السليم . “وتؤمنون بالله” أي تصدقون وتذعنون بأنه لا معبود بحق سواه، وتخلصون له العبادة والخضوع، وتطيعونه في كل ما أمركم به أو نهاكم عنه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم . وهكذا نجد أن خيرية الأمة الإسلامية كما يقول المفسرون منوطة بتحقيق أصلين أساسيين:

أولهما: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهما سياج الدين، ولا يمكن أن يتحقق بنيان أمة على الخير والفضيلة إلا بالقيام بهما، فهما من الأسباب التي استحق بنو إسرائيل اللعنة من أجل تركهما . . فقد جاء في الحديث الصحيح عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول له: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد على حاله فلا يمنعه ذلك أنه يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوبهم بعضهم ببعض” ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: “لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون” . ثم قال: “كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً أي لتحملنه على اتباع الحق حملاً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم” .

الإيمان بالله

الأمر الثاني الذي يحقق الخيرية للأمة هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبجميع ما أمر الله تعالى بالإيمان به .

هذان هما الأمران اللذان يجب أن يتحققا لتكون هذه الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس لأن الأمة التي تهمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تؤمن بالله لا يمكن أن تكون خير أمة بل لا توصف بالخيرية قط، لأنه لا خير إلا في الفضائل والحق والعدل، ولا تقوم هذه الأمور إلا مع وجود الإيمان بالله وكثرة الدعاة إلى الخير والناهين عن الشر، ويكون لدعوتهم آثارها القوية التي تحيا معها الفضائل وتزول بها الرذائل: وكأنه سبحانه قد أخر “الإيمان بالله” عن “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” ليكون كالباعث عليهما لأنه لا يصبر على تكاليفهما ومتاعبهما إلا مؤمن يبتغي وجه الله ويركن في كفاحه إليه . . فهذا الإيمان بالله هو الباعث للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر على أن يبلغوا رسالات الله من دون أن يخشوا أحداً سواه .

وقيل: إنما أخر الإيمان على الأمر بالمعروف والنهي على المنكر مع تقدمه عليهما وجوداً ورتبة كما هو الظاهر، لأن الإيمان مشترك بين جميع الأمم من دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهما أظهر في الدلالة على الحيوية للأمة الإسلامية .

المكانة المفقودة

قال الإمام ابن كثير في تفسيره بعد أن ساق بضعة عشر حديثاً في فضل الأمة الإسلامية: هذه الأحاديث في معنى قوله تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا المدح كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب رأى من الناس دعة في حجة حجها فقرأ هذه الآية: “كنتم خير أمة أخرجت للناس” ثم قال: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها . . وقال ابن جرير: ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله: “كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه” .

ويقول الدكتور أبوالمجد: إن الأمة الإسلامية بوضعها الحالي لا تستحق لقب “خير أمة” بل هي بخلافاتها ونزاعاتها وصراعاتها الطائفية وتخلفها علمياً وحضارياً واقتصادياً وما فيها من ركود وتلوث ومظاهر تراجع وتخلف تحتل المرتبة الأخيرة بين الأمم . . ولكي تستعيد الأمة مكانتها المفقودة لابد أن تؤمن إيماناً صادقاً وينعكس هذا الإيمان على كل ما فيها من عمل وإنتاج وعلم وعلاج للمشكلات القائمة، ولابد أن تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تبدأ بنفسها . . فالأمة حكاماً ومحكومين أحوج ما تكون إلى الالتزام بالمعروف والنهي عن المنكر .