هل ترى مشاركتك هنا مكانها؟ أم أنها حيلة لصرف المتابع عن هذا الموضوع؟! وإنه لأمر عجيب أن تظن يا مسيحي أننا أمة الإسلام نأخذ تفاسير آيات الله عنك أو عن أمثالك من عباد الصليب فأنت واهم وتهرف بما لا تعرف ـ كما عودنا أمثالك من قبل ـ إليك التفسير عن علماء الإسلام إن أردت أن تفهم!
قوله: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} المعنى: إن الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، هو الذي أنزل عليك الكتاب يعني بـ"الكتاب"، القرآن.
وأما قوله:" مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ " فإنه يعني: من الكتاب آيات. يعني بـ"الآيات" آيات القرآن. وأما"المحكمات"، فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل، وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جُعلن أدلة عليه من حلال وحرام، ووعد ووعيد، وثواب وعقاب، وأمر وزجر، وخبر ومثل، وعظة وعِبر، وما أشبه ذلك.
ثم وصف جل ثناؤه: هؤلاء"الآيات المحكمات"، بأنهن:"هُنّ أمّ الكتاب". يعني بذلك: أنهن أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود، وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم، وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم وآجلهم.
وأما قوله:" وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ " أي متشابهات في التلاوة، مختلفات في المعنى، كما قال جل ثناؤه:( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) [سورة البقرة: 25]، يعني في المنظر، مختلفًا في المطعم وكما قال مخبرًا عمن أخبر عنه من بني إسرائيل أنه قال:( إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ) [سورة البقرة: 70]، يعنون بذلك: تشابه علينا في الصفة، وإن اختلفت أنواعه.
فتأويل الكلام إذًا: إن الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، هو الذي أنزل عليك يا محمد القرآن، منه آيات محكمات بالبيان، هن أصل الكتاب الذي عليه عمادُك وعماد أمتك في الدّين، وإليه مفزعُك ومفزعهم فيما افترضت عليك وعليهم من شرائع الإسلام وآيات أخر، هنّ متشابهاتٌ في التلاوة، مختلفات في المعاني.
قوله: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق وانحرافٌ عنه.
قوله: { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ } ما تشابهت ألفاظه وتصرَّفت معانيه بوجوه التأويلات، ليحققوا بادّعائهم الأباطيلَ من التأويلات في ذلك ما هم عليه من الضلالة والزّيغ عن محجة الحقّ، تلبيسًا منهم بذلك على من ضعفت معرفته بوجوه تأويل ذلك وتصاريف معانيه،
قوله: "ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ" إرادةُ الشبهات واللبس فمعنى الكلام إذًا: فأما الذين في قلوبهم هيلٌ عن الحق وحَيْفٌ عنه، فيتبعون من آي الكتاب ما تَشابهت ألفاظه، واحتمل صَرْف صارفه في وجوه التأويلات - باحتماله المعاني المختلفة - إرادةَ اللبس على نفسه وعلى غيره، احتجاجًا به على باطله الذي مالَ إليه قلبه، دون الحق الذي أبانه الله فأوضحه بالمحكمات من آي كتابه.
قال أبو جعفر: وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك، فإنه معنىّ بها كل مبتدع في دين الله بدعةً فمال قلبه إليها، تأويلا منه لبعض مُتشابه آي القرآن، ثم حاجّ به وجادل به أهل الحق، وعدل عن الواضح من أدلة آيه المحكمات، إرادةً منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين، وطلبًا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك، كائنًا من كان، وأيّ أصناف المبتدعة كان من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية، أو كان سَبئيًا، أو حروريًّا، أو قدريًّا، أو جهميًّا، كالذي قال صلى الله عليه وسلم:"فإذا رأيتم الذين يجادلون به، فهم الذين عنى الله، فاحذروهم".
قوله: { وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } الذي طلبه القوم من المتشابه، هو معرفة انقضاء المدة ووقت قيام الساعة, وأن ذلك التأويل لا يعلمه إلا الله .
قوله: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } وما يعلم وقتَ قيام الساعة، وانقضاء مدة أكل محمد وأمته، وما هو كائن، إلا الله، دونَ منْ سواه من البشر الذين أمَّلوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب والتنجيم والكهانة. وأما الراسخون في العلم فيقولون:"آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا " - لا يعلمون ذلك، ولكن فَضْل عِلمهم في ذلك على غيرهم، العلمُ بأن الله هو العالم بذلك دونَ منْ سواه من خلقه.
قوله: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ } يعني بذلك جل ثناؤه: وما يتذكر ويتّعظ وينزجر عن أن يقول في متشابه آي كتاب الله ما لا علم له به، إلا أولو العقول والنهى.
(راجع تفسير الطبري)
المفضلات