العلم والعمل في الاسلام

* محمد عبدالسلام الصرايرة


قال الله تعالى (الرحمن ، علم القرآن ، خلق الإنسان ، علمه البيان) نرى أهمية تعليم الإنسان والأخذ بيده للكشف عن المعنى المقصود تفكيرا وهو كشف استبيان واستيضاح ودراسة وبحث للوصول إلى ما يراد الوصول إليه. فالإنسان الذي علمه الله سبحانه وتعالى وأعطاه القدرة والإرادة لتنمية العقل والتفكير وطالبه بضرورة التدقيق والتبصر في كل شأن من شؤون الكون ودعاه إلى العلم لا يقبل منه بأية حال أن يعطل كل ذلك.

في قوله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) دلالة واضحة على أن العمل جهد إنساني لا يمكن أن يحصر أو يحدد في هذا المجال أو ذاك فقد قضت حكمة الله أن يترك الإنسان حرا عاملا مبدعا مفكرا ليكون الجزاء على قدر أتساع دائرة النشاط و الإبداع والتفكير ولم تكن مثل هذه الحرية وهي حرية عريضة واسعة إلا من النعم التي أنعم بها الله على الإنسان.

مثل هذه الحرية الإنسانية في العمل تفكيرا و ابداعا وفعلا وعلما ما كانت لتضغط أو توضع في مساحة ضيقة لأن أعطاء الإنسان السيادة على هذا العالم وربطه بالفكر والعلم منذ بداية الخلق ارتبط بإعطاء مثل هذه الحرية الواسعة وكانت مثل هذه الحرية في العمل ومثل هذه الحرية في التفكير و الإبداع والتبحر في العلم حرية إطلاق لكل المواهب الإنسانية لتأخذ في الوصول إلى أبعد حد ممكن الاستفادة من الكون المسخر.

المواهب المتعددة والمتنوعة الموجودة لدى الإنسان نعمة من الله وتمييز وتفضيل وطبيعي أن تكون حركة هذه المواهب حركة فاعلة بانية مبدعة مؤثرة نامية باستمرار ولا يكون كل ذلك بغير التوجه الكلي لفعل العمل بمفهومه الواسع إذ العمل متطور من خلال ارتباطه بالمواهب الإنسانية ورجوعه إلى درجة إبداعها وكلما ازدادت هذه المواهب إبداعا وحركة فاعلة بناءة كلما أخذ العمل مجاله الأرحب الأوسع.

إن العمل الذي قد يبدأ من حركة الفرد ووضع خطواته على هذا الدرب أو ذاك ويتصل بالنشاط اليومي والسعي إلى تأمين الرزق الحلال وإنتاج السلع وسواها مما يشبع حاجاته وبذل الفعل المؤثر في بناء وتماسك المجتمع يصل إلى كل فعل وسعى وإبداع وإعمال فكر في كل شأن من شؤون الدين والدنيا وهو ما يتصل اتصلا وثيقا بمفهوم العمل الشامل في الإسلام على أساس أن العمل الإسلامي مرتبط بكل نشاط إنساني على وجه العموم ما دام هذا النشاط نشاط خير وعطاء وبناء.

إن عدم التحديد والتقييد في مفهوم العمل حث على التوسع في العطاء وحض على التنويع في الإبداع وطبيعي أن يكون العمل مقرونا بالحاجة التي يفرضها المجتمع ويتطلبها حسب كل تطور حاصل إذ أن التطور من طبيعة الحياة ومن طبيعة الكون القابل والمتأثر بكل فعل إنساني مبدع ما دام مسخرا لخدمة الإنسان وحين يحدد العمل أو يقي فهو مناف ومجاف لطبيعة الزمن والحياة والتطور الحاصل باستمرار والله الخالق المبدع ترك للإنسان حرية مطلقة وكبيرة في التواصل مع العمل حسب مقتضيات كل تطور وحسب ما يطلبه المجتمع الإسلامي وما يتطلبه.

هكذا نفهم طبيعة العمل وارتباطه بالعلم في الدين الإسلامي وحين يقصر الفهم عن إستيعاب هذا المعنى فهو تقصير في فهم طريقة التطبيق لا في المبدأ الشامل إذ أن العمل في الإسلام اتساع وشمول وبناء وجهاد وتوحد وما شئت من أفعال توضع في مكانها الصحيح الساعي إلى مرضاة الله وقد كانت شمولية النظرة إلى العمل في الإسلام دافعا ومحركا لا يمكن معهما أن يتوقف عطاء المسلم عند حد إذ أن العطاء والجهد الإبداعي متصلان بحياة المسلم متداخلان مع كل دقيقة من دقائقها لا يفترقان عنها ولا ينفصلان ولا يخرج كل هذا بطبيعة الحال عن المعنى العام للعبادة.

في مثل هذا الاتساع والشمول الكبير في العمل يأخذ العلم مكانة خاصة متميزة في الإسلام ليكون عملا مبدعا بناء على أساس من التفكير والبحث والدراسة والتعميق في النظر إلى كل الأمور من خلال عقل ميزة الخالق بالإبداع والقدرة على الاكتشاف لذلك كان الربط بين خلق الإنسان ومن ثم التعليم دعوة إلى ضرورة الفهم والكشف وتنمية التفكير في كل شأن من شؤون الكون.


Sarayrah.mohammad@hotmail.com


Date : 11-02-2011