سئل فضيلة الشيخ
عن قول من يقول إنَّ الإنسان يتكون منْ عنصرين عنصر منَ التراب و هو الجسد ، و عنصر منَ الله و هو الروح ؟
فأجاب بقوله :
هذا الكلام يحتمل معنيين :
أحدهما : أنَّ الروح جزء منَ الله .
و الثاني : أنَّ الروح منَ الله خلقا .
و أظهرهما أنه أراد أنَّ الروح جزء منَ الله ، لأنه لو أراد أنَّ الروح منَ الله خلقا لم يكن بينها و بين الجسد فرق
إذ الكل منَ الله تعالى خلقا و إيجادا .
و الجواب على قوله أنْ نقول :
لا شك أنَّ الله أضاف روح آدم إليه في قوله تعالى : ( فإذا سويته و نفخت فيه منْ روحي )
و أضاف روح عيسى إليه فقال : ( و مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا )
و أضاف بعض مخلوقات أخرى إليه كقوله : ( و طهر بيتي للطائفين و القائمين )
و قوله : ( و سخر لكم ما في السموات و ما في الأرض جميعا منه )
و قوله عن رسوله صالح : ( فقال لهم رسول الله ناقة الله و سقياها )
و لكنَّ المضاف إلى الله نوعان :
أحدهما : ما يكون منفصلا بائنا عنه ، قائما بنفسه أو قائما بغيره ، فإضافته إلى الله تعالى إضافة خلق و تكوين
و لا يكون ذلك إلا فيما يقصد به تشريف المضاف أو بيان عظمة الله تعالى ، لعظم المضاف
فهذا النوع لا يمكن أنْ يكون منْ ذات الله تعالى ، فلأن ذات الله تعالى واحدة لا يمكن أنْ تتجزأ أو تتفرق
و أما كونه لا يمكن أنْ يكون منْ صفات الله فلأن الصفة معنى في الموصوف لا يمكن أنْ تنفصل عنه
كالحياة ، و العلم ، و القدرة ، و القوة ، و السمع ، و البصر ، و غيرها
فإنَّ هذه الصفات صفات لا تباين موصوفها
و منْ هذا النوع إضافة الله تعالى روح آدم و عيسى إليه ، و إضافة البيت و ما في السموات و الأرض إليه ، و إضافة الناقة إليه
فروح آدم ، و عيسى قائمة بهما ، و ليست منْ ذات الله تعالى ، و لا منْ صفاته قطعا
و البيت و ما في السموات والأرض ، و الناقة أعيان قائمة بنفسها ، و ليس منْ ذات الله و لا منْ صفاته
و إذا كان لا يمكن لأحد أنْ يقول :
إنَّ بيت الله ، و ناقة الله منْ ذاته و لا منْ صفاته ، و لا فرق بينهما إذ الكل بائن منفصل عن الله عزل و جل
و كما أنَّ البيت و الناقة منَ الأجسام فكذلك الروح جسم تحل بدن الحي بإذن الله
يتوفاها الله حين موتها ، و يمسك التي قضى عليها الموت ، و يتبعها بصر الميت حين تقبض ، لكنها جسم منْ جنس آخر .
النوع الثاني منَ المضاف إلى الله : ما لا يكون منفصلا عن الله بل هو منْ صفاته الذاتية أو الفعلية
كوجهه ، و يده ، سمعه ، و بصره ، و استوائه على عرشه ، و نزوله إلى السماء الدنيا ، و نحو ذلك
فإضافته إلى الله تعالى منْ باب إضافة الصفة إلى موصوفها ، و ليس منْ باب إضافة المخلوق و المملوك إلى مالكه و خالقه .
و قول المتكلم ( إنَّ الروح منَ الله ) يحتمل معنى آخر غير ما قلنا : إنه الأظهر
و هو أنَّ البدن مادته معلومة ، و هي التراب ، أما الروح فمادتها غير معلومة ، و هذا المعنى صحيح
كما قال الله تعالى : ( و يسألونك عن الروح قل الروح منْ أمر ربي و ما أوتيتم منَ العلم إلا قليلا )
و هذه - و الله أعلم – منَ الحكمة في إضافتها إليه أنها أمر لا يمكن أنْ يصل إليه علم البشر
بل هي مما استأثر الله بعلمه كسائر العلوم العظيمة الكثيرة التي لم نؤت منها إلا القليل
و لا نحيط بشيء منْ هذا القليل إلا بما شاء الله تبارك وتعالى
فنسأل الله تعالى أنْ يفتح علينا منْ رحمته و علمه ما به صلاحنا و فلاحنا في الدنيا و الآخرة