وماذا تقول في تلك الإبادات يا بابا؟!!
كتب: د / أحمد عبد الحميد عبد الحق*
10/02/1432 الموافق 15/01/2011
لا يكاد البابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان منذ أن وصل لكرسيه يغفل لحظة عن التطاول على الإسلام ونبيه وقرآنه ، مع تكثيف جهوده لفرض التنصير بالقوة ، مستغلا حال المسلمين المتردي أمام التعالي والغطرسة الأمريكية ، وزادت جرأته لما رأى المسلمين عاجزين حتى عن دفع التهم عن أنفسهم بعد أن صار يتحدث باسمهم من ليسوا مؤهلين لدحض افتراءاتهم ، اللهم إلا قلة من علماء خفي صوتهم وسط الضجيج العالي ..
ولم يكتف البابا أمام هذا الوضع المزري للمسلمين بكيل التهم لهم صباح مساء ، بل انتقل إلى طور التحريض على الإسلام والمسلمين ، ومحاولة دفع الأوربيين والأمريكان لإعادة الزحف تجاه العالم الإسلامي وإعادة احتلاله ، وليس هذه المرة بزعم فرية مكافحة الإرهاب التي فقدت بريقها ، وإنما بزعم حماية النصارى في بلاد المسلمين ، وبالأخص في البلدان العربية متبعا نفس النهج الذي انتهجه سلفه أوربان الثاني يوم أن ناشد في مجمع كليرمونت في نوفمبر 1095م كل الأوربيين بالزحف تحت شعار الصليب تجاه الشام بحجة حماية النصارى المتجهين للحج إلى بيت المقدس ، رغم أن هؤلاء الحجاج النصارى تعود المسلمون ـ على مر تاريخهم ـ على استضافتهم وتقديم العون والمساعدة لهم في رحلتهم إلى القدس ، فضلا عن الطعام والشراب الذي كان يتبارى الفقراء والأغنياء في تقديمه لهم...
وقد رأى العالم أجمع كم كانت وحشية هؤلاء الذين حشدهم أوربان من سائر مدن أوربا ، حيث أكلوا الأخضر واليابس ، وتلذذوا بأكل لحوم القتلى من المسلمين ، وغاصت أرجل خيولهم في الدماء في المدينة المقدسة وسط هتاف من قساوستهم : " إن هذا مما يرضي الرب " ..
ويبدو أن البابا بنديكت السادس عشر لم يروِ ظمأه ما سال من دماء ملايين المسلمين في البلقان وفلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان وإفريقية على أيدي بني ملته النصارى فصار يؤز حكام الغرب أزا على التحرك مرة أخرى نحو الدول العربية بزعم حماية النصارى في الشرق الأوسط ، وحجته في ذلك التفجيران اللذان حدثا في الأيام الماضية في العراق ومصر ، وأكاد أجزم أن البابا بنديكت السادس عشر يعلم يقينا أن التفجيرين ليس لهما علاقة على الإطلاق لا بالإسلام ولا بالمسلمين ، فالأول وقع في العراق التي تحتلها أمريكا تناصرها جيوش عشرات الدول العاتية ، ومعروف للصغير والكبير ، العالم والجاهل ، أن الدولة المحتلة بصفتها المتحكمة في أمور البلاد هي المسئولة عن منع مثل تلك التفجيرات ، كما أنه إلى الآن لم تثبت التحقيقات من قام بهذا التفجير ؛ مما يعني أن القوات المحتلة قد تكون هي من وقف وراءه ، أو على الأقل تعرف من قام به ، ولا عبرة بما تردد من أن تنظيم القاعدة في العراق هو المسئول عنه وأنه صرح بذلك ؛ لأن أي شخص بإمكانه أن يخرج ويقول : إنه تابع للقاعدة وأنه يتبنى التفجير ولو كان غير مسلم ..
وأما التفجير الذي حدث في مصر فمن المحال أن يكون قام به مسلم مصري إلا إن كان عميلا للموساد أو غيره من القوى المعادية لمصر ، فالكردونات الأمنية التي كانت قائمة حول الكنيسة تحول دون وصول أي فرد مشتبه فيه مكان التفجير ، والجميع يعلم أيضا أن المصريين مشغولون بلقمة عيشهم في ظل الحياة الصعبة ، وليس لديهم وقت للتفكير في مثل تلك الأمور ، وليس بينهم وبين النصارى الذين يساكنونهم أي عداوة ، بل أكاد أجزم أن كل نصراني في مصر يجد من جاره المسلم أو زميله المسلم في العمل من الود ما لا يجده من النصارى أنفسهم ...
وأعود إلى البابا بنديكت السادس عشر الذي حرص على أن يستغل هذين الحادثين في التأليب على المسلمين وأسأله ماذا قال أمام تلك الإبادات التي تحدث كل يوم في باكستان على أيدي الأمريكان الذين لا تفتأ طلعاتهم الجوية تلقي بالكتل النارية على عوام الناس ، ولا يمر أسبوع دون أن تحصد العشرات من الأبرياء..
وماذا قال أمام تلك الإبادة التي يتعرض لها الشعب الأفغاني الأعزل على أيدي الأحزاب التي أتت بها أمريكا من كل البلاد لتقتل بها رجالا ونساء وأطفالا لا يعرفون لمَ يقتلون ، ولعل نيافته لم يسمع عن عشرات الأسر التي كانت تتراكم عليها كتل النيران في أفراحهم لتجمع بين العروسين في القبر بعد أن تتفحم لحومهما؟!! ..
وماذا قال عن الملايين التي قتلت في العراق على أيدي جنود الرحمة والحرية والديمقراطية الأمريكان ؟!!..
وماذا قال عن آلاف الأطفال الذين صبت عليهم النيران في غزة في الحرب الأخيرة (الرصاص المصبوب ) على أيدي اليهود الذين يشاركونه في الإيمان بنصف ما جاء في الكتاب المقدس ( أي العهد العهد القديم ) ؟!!..
وماذا قال عن المحارق والإبادات الجماعية التي حدثت للمسلمين في البوسنة والهرسك وفي كوسوفو على أيدي النصارى الصرب ؟!!..
وماذا قال عن عمليات القتل المنظم التي يتعرض لها المسلمون في نيجريا على أيدي النصارى ؟؟!..
وماذا قال عن التهميش المتعمد الذي يتعرض له المسلمون في أثيوبيا رغم أنهم الأكثرية ؟!!
وماذا قال عما تعرض له المسلمون في ساحل العاج ذات الأغلبية المسلمة على أيدي قوات غباغبو الذي لم يكتف بما فعلته قواته بالمسلمين حتى وصلت به البجاحة إلى درجة أنه رفض أن يعترف بنتائج الانتخابات التي فاز فيها منافسه المسلم الحسن وتارا ، وذلك بتواطؤ من حكومات الغرب ، وعلى رأسهم فرنسا الذي يرفع رئيسها ساركوزي صوته الآن ويطالب بالتدخل لحماية المسيحيين في الشرق الأوسط ، وهو لا يخجل من الملايين التي قتلتها جنوده في الجزائر والمغرب العربي وغيرهما من بلاد إفريقيا في القرن الماضي وقبل الماضي ..
إذن فالمآسي التي تحدث للمسلمين أكثر من أن تحصى ، ويتحملها المسلمون محتسبين أجرها عند الله سبحانه وتعالى ، وفي مقابل هذا الاحتساب ينبغي على البابا أن يراجع نفسه ، ويكف عن النفخ في النار ، ولا يكن مسعر حرب ، وكفى البشرية ما لحقها من دمار على مر التاريخ بسبب الحرب التي كان يشعل نارها أسلافه ، وليعلم من حوله أن الانخداع بدعوته والسعي لاستفزاز المسلمين قد يدفع بالبشرية لحروب تأكل الأخضر واليابس ، ولن يكون وقودها المسلمون وحدهم وإن تخيل البابا أن موازين القوى ليست لصالحهم ....
وأكرر مرة أخرى أن المسيحيين الذين يعيشون في العراق ليست مسئولية حفاظ أمنهم موكولة للمسلمين العراقيين الذين لا حول لهم ولا قوة أمام الجيوش الغازية في العراق ومن يعاونهم من الخونة ..
وأما المسيحيون في مصر فهم ينعمون بحياة لا تتوفر لأي أقلية في العالم ، فرغم أن نسبتهم تتراوح ما بين 4 :6 % إلا أنهم يسيطرون على حوالي 40% من اقتصاديات البلد ، ويستحوذون على حوالي 25 % من الوظائف الإدارية العليا ، ويهيمنون على تجارة المجوهرات والأدوية في مصر ، ولا يوجد مسلم في مصر على الإطلاق ينظر لهم نظرة حسد ـ كما نرى في الغرب ـ على هذا النعيم الذي هو بقدر الله واجتهادهم..
وذلك لأن شعب مصر المسلم يعد من أكثر شعوب الأرض سماحة وعفوا ، وأسأل الله عز وجل أن يديم عليه تلك النعمة ، ولا تتسبب دعوة البابا بنديكت السادس عشر والمتطرفين النصارى في استفزازه ، وجعله يحس أنه متهم مهما أحسن إلى جيرانه وزملائه من النصارى ، وعندها أقل ما سيحصل أن يقوم المسلمون بمقاطعة النصارى فيموتون جوعا ، لأن من هؤلاء النصارى الأطباء الذين لا يجلبون مصدر رزقهم إلا من المسلمين ، والصيادلة الذين لا يتكسبون إلا من المسلمين ، والتجار الذين لا يبيعون إلا للمسلمين ، والمدرسون الذين يحسنون دخلهم من الدروس الخصوصية لأبناء المسلمين ، ويوم يفكر المسلمون في مقاطعتهم ستضيق بهم الدنيا .
هذا كما قلت أقل ما يمكن أن يلحق بالنصارى في مصر لو فكر قادة الغرب في الضغط عليها بحجة حمايتهم وتوفير الأمن لهم ..
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنب البشرية الفتن ما ظهر منها وما بطن ويقيها شر دعوات المتهورين ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
مدير موقع التاريخ الالكتروني
المصدر : موقع التاريخ
المفضلات