لماذا سمّى القرآن اليهود بالمغضوب عليهم، والنصارى بالضّالّين؟
والجواب: من علم بمواقف اليهود مع موسى عليه السلام وأنبيائهم لن يستنكر أبداً تسميتهم بالمغضوب عليهم، فلم تكد تجف أرجلهم من طين البحر حتى قالوا له: (اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) وعبدوا العجل، وظلوا يتمادوا حتى قالوا (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) وحين أمرهم بالجهاد قالوا (اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون) وحين أمرهم أن يذبحوا بقرة قالوا (أتتّخذنا هزواً) وغير ذلك، كما قتلوا كثيراً من أنبيائهم، يقول ابن كثير (قتلت بنو إسرائيل ثلاثمئة نبي من أوّل النهار وأقاموا سوق بقلهم من آخره!)، وكفروا بالمسيح عليه السلام واتّهموه بأنّه ساحرٌ ابن زانية، ثمّ كفروا بمحمّد صلى الله عليه وسلّم بعد أن وجدوا اسمه ووصفه في كتبهم، فكتموا الحقّ وحاربوه وناصروا أعداءه عليه وحاولوا اغتياله، وهم قتلة الأبرياء كإيمان حجّو ومحمد الدرّة. ولم يتركوا ميثاقاً أو عهداً مع الله إلّا خانوه، وكذلك مع الناس.
أمّا النصارى سماهم الضالّين لأنّها الحقيقة. والفعل ضلّ يعني ضاع، نقول ضلّ اللبن في الماء. وهم ضالّون لأنّ بعضهم يؤمن بربٍّ بأقنومٍ واحد، وطبيعةٍ واحدة، وبعضهم يؤمن بأقنوم واحدٍ بطبيعتين ومشيئةٍ واحدة، وبعضهم يؤمن بثلاثة أقانيم مرتبطة مع بعضها بالامتزاج، وآخرون يقولون بل مرتبطة مع بعضها بالاختلاط، وغيرهم يقولون أن المسيح هو الله (هو هو) بطريق الظهور، ومنهم من يعدّ الروح القدس جزءاً من الإله، ومنهم من لا يعدّه كذلك، ومنهم من يقول أنّ الأب أعلى درجة من الابن، ومنهم من يقول بل هما بنفس الدرجة، وهكذا إذا اجتمع عشرة نصارى يتذاكرون دينهم تفرّقوا عن أحد عشر مذهباً.. وما زالوا حتّى اليوم مختلفين في شأن كتبهم، أسفارٌ قانونيّة وأسفارٌ غير قانونيّة وأسفارٌ يؤمن بها بعض مذاهبهم دون آخر مثل الأبوكريفا التي تأخّر الاعتراف بها أصلاً، وأسفارٌ ما تزال على الرفّ تنتظر أن يُحكم بشأنها مثل إنجيل فيليبّوس.
كم مجمعاً اجتمعوا في تاريخهم لحلّ مسائل الخلاف وفي كلّ مرّةٍ يجتمعون على الضلال ويفترقون على اللعن، يلعن بعضهم بعضاً.. أضلالٌ كلّ هذا أم لا؟!
والنصارى أخصّ بالضلال لأنّهم أمّة جهلٌ ضاعوا عن الحق، واليهود أخصّ بالغضب لأنّهم أمّة عناد عرفوا الحق وعدلوا عنه، أمّا هذه الأمّة أمّة الإسلام فهم المنعم عليهم، لأنّهم لم يمزّقوا أمر الدين ويأخذوا جزءاً من الحقّ دون آخر، بل أخذوا أمر الدين كاملاً وساروا على الصراط المستقيم (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 135 قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 136 فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 137) البقرة.