أبحاث تمهيدية ـ الجزء الثالث : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

أبحاث تمهيدية ـ الجزء الثالث : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16

الموضوع: أبحاث تمهيدية ـ الجزء الثالث : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    157
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-07-2012
    على الساعة
    04:45 PM

    افتراضي أبحاث تمهيدية ـ الجزء الثالث : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد

    ج 3 - أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة !
    أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .
    نكمل
    و نتسأل قبل أن نبدأ
    :" مَنْ الذي يقدم لنا المرأة العصرية / المرأة النموذجية !؟ " كمثال يحتذى ونموذج يقتدى به !؟
    :" ما هي مواصفات هذه المرأة النموذجية العصرية !؟"
    :" هل هي تتغير وتتبدل من عصر إلى آخر ؛ أو من وسط إلى سواه ؛ أو من بيئة إلى غيرها!؟
    :" متى يحق أن نوافق / نعدِّل / نحدِّث / نبدل هذا النموذج !؟ ،
    ومَنْ له هذا الحق في التبديل / التعديل / التغيير / الإضافة / التحسين !؟ "
    :" من خلال أي الوسائط المتاحة نتعرف على هذه المرأة النموذجية
    وكيف تفعِّل / تحاول المرأة أن تقلد / تتشبه بالمرأة العصرية !؟ " أو تتمثل بالمرأة النموذجية !؟"
    :" هل يمكننا تعميم هذا الخطاب على كل الناس !؟"
    :" هل المرأة بمفردها لها الحق في الحديث عن هذا الموضوع : المرأة النموذجية / العصرية !؟
    :" عن أي مرأةٍ نتحدث ؛ أنتحدث عن الطفلة التي ستكبر أم الفتاة التي قاربت سن النساء ومرحلة الأنوثة وزمن الخصوبة ، أم الشابة صاحبة الأنوثة وملكة الإخصاب ، أم المرأة صاحبة البعل والأولاد وربة البيت ومديرته ، أم السيدة التي تجاوزت دورها البيولوجي إلى دورها الإجتماعي الفذ ؛ وهي في كل أدوارها ومرحل عمرها وسني حياتها تقوم بدورها الإجتماعي المتميز .
    أهذا لها وحدها !؟
    أم يشاركها الرجل ، ويأتي - سلبياً - دور المتسلط والأمر والناهي والمتكبر والظالم ؛ الذي لا يرى إلا رغباته ولا يحس إلا بمشاعره ولا يريد إلا نزواته، أم أقصد الرجل ؛ الذي إذا أقبلت خلع غطرته (1) وفرشها لتجلس عليها فهي زينة رأسه ، فبقعودها ... عطرتها بآريجها فكسب قربها وهذا له فخر ـ أقرأ المعلقات إن أردت ... وكسب عطرها ... يتزين به وبقى من آثرها ما لا يمحى ، والغطرة ـ بجوار أنفه يتشممها دون تطفل غريب أو حاسد موتور لئيم ، فإذا لامست أشعة الشمس بشرتها اسرع ونشر شماغه حرصاً على نصاعة آهابها بالقرب من سمائها وعلى مقربة من سنائها فتصبح كمنارة في الربع الخالي ترشد الحيارى في البوادي وهو على رأسهم ـ بدونها زعيم ؛ فإذا عطشت عصرَ المُزن بيمينه وأبردها فوق جبال تهامة بالقرب من وادي " الغيل " لتجلس في جنة بين نارين (2) ؛ نار الشوق لرؤية محياها وبعد لحظات ... نار البعد إن غادرت المكان وأوقفت بذهابها الزمان ، فالمرأة لا تريد ظلَ " ذكر " على حائط النسيان بل تريد قلب " رجل " محب ولهان ... فإذا بدأت بإلقاء السلام خرجت كلماتها مشبعة بأكثر من 38 نوع من العسل (3) أحلى كلماتها عسل حضرمي وأحلاه من نبتة السدر وأعلاه ما تساقط من المَن ( وَأَنزَلْنَا .. الْمَنَّ ) ... تركيبة كلماتها لا تفك شفرتها كشفرة عسل النحل لا يقلد .
    الواقع يظهر أن هناك نموذج المرأة الغربية / الأمريكية وقبلها نموذج المرأة المسلمة ، إذ أن كل منهما تحمل عقيدة ووجهة نظر في الحياة تخالف كل منهما الآخرى ، ولا يوجد لهما ثالث ، وبدخولنا جميعاً ـ شئنا أن أبينا ـ العولمة والحداثة على النمط الغربي وأمركة الشعوب والأمم ؛ أي جعل نمط الحياة الأمريكية هو السائد والمتحكم نسأل

    :" هل استطاعت المرأة المسلمة أن تقف أمام هذا التيار الجارف من القناعات والمفاهيم والآراء والمصطلحات والتقاليد والأعراف وبيوت الأزياء والمجلات والقنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة ، أم حدث ولو بشكل أو آخر تزاوج / تلاقح بين الأمريكية التي تبوأت كراسي الوزارة ( الخارجية الأمريكية ثلاث مرات) أو مقعد رئاسة الوزارة كبريطانيا العظمى (تاتشر) أو تركت حقيبة زينتها على المقعد الخلفي لسيارتها المستشارة الألمانية الحالية بما تحمل ـ جميعهنَّ من مبادئ التحرر والمساواة وقيم إجتماعية وثقافية ، تزواج / تلاقح أفكار بينهنَّ وبين المسلمة بما لديها من قناعات وأسس حياتية !؟ فتُعد الطبخة الجديدة في موقد الحداثة ومرجل العولمة على نار هادئة من المؤتمرات والأعراف وإرساليات التبشير والمساعدات الإنسانية المبطنة .. فتأتي المرأة بنموذج حديث يناسب بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة للميلاد ومنتصف الألفية الثانية للهجرة.
    وأخيراً
    :" ما العيب أو الضرر الذي يلحق بالمرأة المسلمة إذا قلدت المرأة الغربية / الأمريكية ، وهل توجد مناطق يسمح لها بالتقليد والمحاكاة ومناطق آخرى لا يجوز ـ بالتعبير الفقهي ـ !؟ التفكير فيها والإقتراب ، أم :" لكم دينكم ولي دين " ، فنغلق الكتاب ونمحو من على طاولة البحث كلمات من نور كــ :" .. جادلوا .." .. " .. تعارفوا .. " .
    ونتسأل من جديد :
    متى يحين الوقت لعرض اطروحة :" المرأة العصرية / النموذجية " من خلال الكتاب الكريم والسنة المحمدية الطاهرة بدلا من الشعارات الجوفاء وهي لا تسمع ، والمطالبة البلهاء بأمر لا يمكن تحقيقه .

    الكاتب يبحث عن طرح اساسه الذكر الحكيم وعمادة هدي النبي الكريم إذا طرح تقبلته العامة على الفور وإذا سمع باشرته المرأة أينما كانت بدلا من الفوضى الخلاقة التي أعلنتها آحدى بنات العم سام (وزيرة الخارجية السابقة السمراء) ويجري تنفيذها على عين بصيرة بألسنة دعاة الفضائيات وما أكثرهم وجيش يماثلهم من العلمانيين والمتأسلمين .

    ألا يعمد كثير بتقديم المثال/ النموذج العصري للمرأة من خلال وجهة نظر الإسلام في الحياة ، فكلا الطرفين ؛ الأمريكي/ الغربي صاحب مبدأ الديموقراطية والتشريع الوضعي والمسلم صاحب مقولة لا حل إلا بالإسلام ؛ كلاهما يريد أن يعرض بضاعته ، إن الوسائط المتاحة للأول يملكها من جميع أطرافها والثاني عالة عليها ، وقد تمنع بقرار سيادي (فرنسا مثال) .!؟
    اسئلة اطرحها أمام نظر القارئة/ القارئ ولنثري الحوار معاً!
    وكي لا تكون دعوة بلا داع أو اطروحة بلا خطة ، أعرض نموذجاً إسلامياً أريد تفعيله في واقع المجتمع والحياة ، وبالتأكيد ستنجح المرأة أولاً في وضع التصورات الذهنية والخطوط الأساسية .. فهذه قضيتها .

    فهل لدين الله أنصار أمثال خديجة رضي الله عنها وأرضاها؟
    نعم
    **
    توطئة :

    لحظة أن تصل السيدة خديجة زوج النبي رضي الله عنها إلى الملتقى هذا ضيفاً كريماً ومرحباُ بها ... لحظة أن تبحر السفينة الليبية أمل إلى غزة - فلسطين المعراج ، ولحظة أن يصل عبر الأثير كلمتي هذه يتناقل الأثير نفسه تهديدات بني صهيون إلى مسامع المسلمين/ العرب قبل أن تصل إلى أسماع قبطان الباخرة وقبلها في نهاية شهر مايو الماضي ذبح بنو صهيون كرامة المسلم (مليار ونصف المليار ) وعزته وعروبة مدعي العروبة على ترانيم قداس حماية المياة الإقليمية والحفاظ على الشرعة الدولية وحق المغتصب الأثيم في أرض فلسطين وبحضور المحافل الرسمية الدولية ومشاركة أعضاء الجامعة العربية وأعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي ووقف في الصفوف الخلفية حلف النيتو يراقب ، هذا وحتى هذ اللحظة ومازلنا نتحدث عن دبلوماسية راقية في أروقة الأمم المتحدة ورسائل ضبط النفس وطلب الإعتذار لأن َّ الجندي حامي أرض الميعاد قتل رجال الإنسانية الأتراك ، وخطابات وزارات الخارجية بين عواصم العالم وتل أبيب بالرغبة بإيجاد لجنة تحقيق محايدة ، بيَّد أن التاريخ يشهد أن امرأة استغاثت بحاكم مسلم فرد عليها وعلى العالم أجمع وقال :" من أمير المؤمنين إلى كلب الروم " ؛ عذراً هذا تاريخ ...

    إلى كل مسلمة أسعى أن أقدم ـ مع قلة علمي ـ مثالاً يحتذى ونبراسًا يُقتدى ، لواحدةٍ من أمهاتِ المؤمنين لتحيا القلوب بسيرتِها العطرة والوجدان ويعتمل العقل بخصالِها النبيلة والإدراك ، فتربى بنات الجيل الحالي على أنغام مشيتها في طريقها إلى ابن عمها ـ الحبر ورقة بن نوفل ؛ لتستوضح خبر الزوج الحبيب بدلا من التمايل على أنغام موسيقى المادونا أو شاكيرا وتتعلم نساء الإسلام من نساء محمد عليه السلام وعليهنَّ رضوان الله كيف تكون المرأة مع زوج حبيب في كل الأحوال وعلى مر الظروف بدلا من تعلم العنج من أفلام / مسلسلات ... تارة أمريكية وآخرى تركية مُأمركة وثالثة مصرية مقتبسة من بلاد العم سام ؛ فقد قالت آحداهن:" نحن نقتل الوقت الممل " ، فقلتُ في الدرس :" بل انتنَّ بهذه الفرجة المجانية قتلتنَّ الفضيلة والعفة والطهارة في محراب الزمن الردئ ، وينبغي علينا أن نترجم الآيات القرآنية إلى سلوك عملي في واقع الحياة والمجتمع ونترجم سير الجيل الأول إلى واقع ملموس وأود أن أنبه على :
    (1. ) خطأ جسيم أن يكتب الباحث عن هذه الشخصيات باعتبارها تاريخ مضى دون تفعيلها مع الواقع المعاش ،
    (2. ) والخطأ الثاني أن يطالعها القارئ كتاريخ مفصول عن واقعه وأنها حكايات من زمان .
    (3. ) فئة وعاظ المعابد ورجال الكهنوت الإسلامي افلسوا حين تعرض هذه النماذج الرائعة على أنها " حواديت " وإستخدام تعبير :" قد كانت ..." وقد كانوا .." إذ بذلك التصوير يعطي للسامع بأن هذا الرعيل الأول صنف غير البشر أو ملآئكة يمشون على الأرض وليسوا بشر مثلنا ؛ صحيح تم اختيارهم لزمنهم وتم اختيارنا لزمننا غير أن المنبع الصافي واحد والهدي والمدرسة النبوية مازالت قائمة بالفعل .
    فئة وعاظ المساجد التقليديين تربوا في مدرسة الوعظ الكنائسي ؛ بمعنى أنه توجد خطيئة أصلية عند الإنسان ينبغي على مؤمن الكنيسة أن يتحلل منها بالتعميد والاعتراف ؛ فيقرِّون بخطيئةٍ ولدتْ مع الإنسان فيبذرون أشواك اليأس في نفس بشرية خُلقت على الفطرة بتوحيد الإله والاعتراف بربوبيته ووجدت على الهداية على سنن الأنبياء ؛ والنبي محمد واحد منهم بل خاتمهم .

    الغرض من هذه السلسلة ليس عرض/ تقديم تاريخ وقصص بل المقصود تقديم نموذج حي لعلاقة بشرية يمكننا أن نعيد جزئياتها بشكل يناسبنا ..

    **
    قال الزبير بن بكار :" كانت تدعى قبل البعثة الطاهرة". (4) هي أوّلُ زوجات (5) النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمّ أولاده ، وخيرة نسائه ، وأول من آمن به وصدقه ، أم هند ، خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية .
    **

    ميلاد خديجة :

    ولدت بمكة ؛ أم القرى قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة أي تقريباً 68 ق. هـ ~ 556 ب. م. .
    **
    نسب خديجة :
    هِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ (6) بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ ( هذا ما ذكره ابن هشام ) بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وخويلد هذا جد الزبير بن العوام.
    وَأُمّهَا قرشية من بني عامر بن لؤي ؛ فهي فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ ؛ العامرية بنت جندب ، بْنِ الْأَصَمّ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حَجَرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ ( السيرة النبوية : ابن هشام ) .
    وَأُمّ فَاطِمَةَ : هَالَةُ بِنْتُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ (السيرة : ابن هشام ) .
    وَأُمّ هَالَةَ قِلَابَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ ، ( ابن هشام )
    وفاطمة هذه هي عمة الصحابي الجليل ابن أم مكتوم .
    وكانت من أعرق بيوت قريشٍ نسبًا وحسبًا وشرفًا ، وقد نشأت على التخلُّق بالأخلاق الحميدة ، وكان من صفاتها الحزم والعقل والعفة .
    يلتقي نسبها بنسب (7) النبي في الجد الخامس فتجتمع مع النبي محمد صلي الله عليه وسلم في جده قصي ؛ فهي أقرب أمهات المؤمنين إلى النبي ، وهي أول امرأة تزوَّجها ، وأول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين .

    **
    يتبع باذن الله تعالى ....
    ـــــــ
    المراجع والهوامش :
    (1. ) قال المباركفوري في شرح الترمذي : لم أجد في فضل العمامة حديثاً مرفوعاً صحيحاً ، وكل ما جاء فيه فهي إما ضعيفة أو موضوعة. اهـ. وأما الغطرة فلم يرد أنه صلى الله عليه وسلم لبسها .
    (2. ) سر تسمية هذا الجبل بوادي "الغيل" فذلك يعود إلى كثرة العيون المتدفقة بالماء العذب والينابيع طوال أيام السنة ؛ الأمر الذي جعله الوادي الذي يسيل بالماء الجاري دائماً . يقع وادي "الغيل" على الحدود الشرقية لمحافظة المجاردة ويتميز هذا الوادي بطبيعةٍ رائعةِ الحسنِ والجمال ، عمادها الخضرة الدائمة بأشجار الموز والبن والكادي وغيرها من النباتات المثمرة والعطرية ، التي اشتهر بها هذا الوادي إضافة إلى اعتدال الجوى مما دفع الأولين إلى وصفه بأنه « جنة بين نارين » يقصدون بذلك الحر الشديد لصيف تهامة والبرد القارس لشتاء السراة .
    (3. ) ثبُت علمياً أن أفضل أنواع العسل فائدة من الناحية الطبية ، هو العسل الجبلي ، يليه العسل المستخرج من الشجر ، وأخيراً العسل المستخرج من العرائش التي يصنعها الناس ، وهذا الترتيب موافق للترتيب القرآني :
    1- اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا
    2- وَمِنَ الشَّجَرِ
    3- وَمِمَّا يَعْرِشُونَ . هذا وفق النص القرآني المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله في قوله :" وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [النحل: 69]. نقلاً من موقع الأستاذ عبدالدايم كحيل الإلكتروني، الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، بحث "من آيات الهّ في النحل" .
    (4. ) الإصابة في تميز الصحابة ؛ الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
    (5. ) صلى الله عليه وسلم تزوجَ خمس عشرة امرأة ، دخل بثلاث عشرة منهنَّ ، واجتمع عنده منهنَّ إحدى عشرة ، وقبض عن تسع . (المصدر : السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ص 697 .
    (6. ) قصي بن كلاب بن مرة (400 - 480 ب. م.) هو الجد الثاني لشيبة بن هاشم المشهور باسم عبدالمطلب ، جد النبي محمد بن عبدالله الرابع . حصل على نفوذ واسع في مكة . ويعتبر أشهر رئيس في قبيلة قريش في عصر ما قبل الإسلام . أمه : فاطمة بنت سعد بن شبل الأزدي القضاعية .

    تاريخ قصي : يروى أن اسمه زيد وسمي قصياً لأن أمه تزوجت بعد وفاة أبيه كلاب بن مرة القرشي بـــربيعة بن حرام بن سعد بن زيد القضاعي وانتقلت به إلى الشام مع زوجها فسمي قصياً لقصوه عن أهله.
    يروي أبو القاسم السهيلي ، في الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام ، صفحة 1083:" شب في حجر ربيعة بن خزام لا يرى إلا أنه أبوه إلى أن كبر فنازع بعض بني عذرة فقال له العذري: " الحق بقومك فإنك لست منا "، قال : " ومن أنا؟ " ، قال: "سل أمك تخبرك " ، فقالت له: " أنت أكرم منهم أباً ؛ أنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وقومك إلى الله في حرمه وعند بيته ، " .
    فكره قصي المقام دون مكة فأشارت عليه أمه أن يقيم حتى يدخل الشهر الحرام ثم يخرج مع حجاج قضاعة ففعل فقدم مكة وعرف له قومه فضله ، فلما صار تزوج إلى حُليل (بضم الحاء المهملة) بن حبيشة الخزاعي ابنته " حيي " ، وكان حليل يلي لأمر الكعبة فأوصى بمفتاح الكعبة لبنته " حيى "، فقالت: " لا أقدر على السدانة " ، فأوصى به لأبي غُبشان ( بضم العين المعجمة ) وهو سليم بن عمرو بن بوى بن ملكان بن أفصى ، فاشترى قصي منه المفتاح فقالت العرب: " أخسر صفقة من أبي غبشان " ، فعظم ذلك على خزاعة وكثر كلامهم عن قصي فدعا قصي قريشاً وبني كنانة إلى حرب خزاعة فأجابوه وانضم إليهم قضاعة ، واقتتلوا ءاخر ايام منى وكثر القتل والجرح في الفريقين ثم اتفقوا على أن يحكموا "عمر بن عوف" فحكم بإسقاط الدماء بينهم وحكم لقصي بولاية البيت فصارت إليه "السدانة" و "الرفادة" و"السقاية" ، وجمع قبائل قريش وكانت متفرقة في البوادي وجعلها اثني عشر قبيلة وأسكنها نواحي مكة بطاحها وظواهرها ولذلك سمي "مجمعا" ، وإلى ذلك اشار حذافة بن غانم في قصيدته:
    أبوكم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
    وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم به زيدت البطحاء فخرا على فخر
    هم ملكو البطحاء مجدا وسؤددا وهم طردوا عنها غزاة بني عمرو
    ثم جمع قصي أحسن أمواله وهدم الكعبة وبناها بناءً حسناً وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل قيل: ولم يسقفها أحد قبله، ثم بنى دار الندوة وهي أول دار بنيت بمكة فلم يكن يعقد أمرا يجتمع فيه قريش إلا فيها ، وقسم جهات البيت بين قريش فبنوا حوله وكانوا يهابون قطع الشجر الذي في البيوت ، فصارت له مع الرفادة والسقاية سدانة الكعبة (الحجابة *) الندوة واللواء والقيادة .
    أما " الرفادة " فهي الطعام لسائر الحجاج تمد لهم الأسمطة أيام الموسم .
    وأما " السقاية " فهي سقاية الحجيج للماء العذب في حياض توضع بفناء الكعبة وينقل إليها الماء العذب لكونه عزيزا قبل حفر زمزم .
    وأما " الحجابة " فهي " سدانة " البيت أي تولية مفتاح البيت .
    وأما " الندوة " فهي الدار التي بناها لاجتماع قريش فيها للمشورة في المهمات ويعقد فيها لواء الحرب .
    وأما " اللواء " فهو الراية يعقدها قصي بيده على رمح علامة للعسكر في الحرب يجتمعون تحته .
    وأما " القيادة " فهي إمارة الجيش إذا خرجوا للحرب .
    ثم هذه الأمور بعد وفاة قصي تقسمت فصارت السقاية والرفادة والقيادة لبني عبدمناف ، والحجابة واللواء والندوة لبني عبدالدار .
    تزوج من حُبّى بنت ابن حبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعية ، كما اسلفتُ ، وولدت له :
    1 ـ عبدمناف.
    2 ـ عبدالدار.
    3 ـ عبدالعزى، فأسد بن عبدالعزى بن قصي رهط خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، والزبير بن العوام رضي الله عنه.
    4 ـ عدي.
    (المرجع: د. كمال يوسف الحوت)
    (7. ) محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو القاسم ، سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم‏ .‏
    فأما ما بعد عدنان من آبائه إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل صلى الله عليهما وسلم ففيه اختلاف كثير في العدد والأسماء ، لا ينضبط ولا يحصل منه غرض فتركناه لذلك ، ومضر وربيعة هم صريح ولد إسماعيل باتفاق جميع أهل النسب ، وما سوى ذلك فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً . (المرجع: أسد الغابة في معرفة الصحابة لمؤلفه : عزالدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبدالكريم الجزري ؛ الشهير بابن الأثير)
    ــــ
    ملحق (*)
    وردت بعض المصطلحات قد يغيب عن الذهن معناها ؛ فوجدت فائدة لذكرها إذ أن لــ" السدانة " مصطلحات أخرى مرادفة لها ، يستعملها الناس وهي ، الحجابة ، والخِزَانَةُ . وهي في اصطلاح الإسلام : ولاية مخصوصة ، لقومٍ مخصوصين ، لشيءٍ مخصوص . فالمقصود بالولاية : خدمة الكعبة ، وكِسْوتها ، وتولي أمرها ، وفتح بابها وإغلاقه ، وهي مقدَّرة شرعاً لأناس مخصوصين من بني عبدالدار بن قصي من قريش ، لأمر مخصوص وهو بيت الله الحرام . وهي مأثرة من مآثر قريش التي أبقاها الإسلام ولم يبطلها ، شأنها شأن السقاية التي كانت للعباس بن عبدالمطلب بن هاشم ولعقبه ، ويقال لمن يلي هذه الولاية : حاجب الكعبة ، أو حاجب بيت الله ، والجمع حَجَبَة ، والنسبة إليهم حَجَبِيّ بالفتح . واختصَّ الشيخ بألقاب منها ، وهي : فاتح الكعبة ، وحاجب الكعبة ، وخازن الكعبة ، ورئيس السدنة ، وشيخ الحجبة ، والسادن الكبير ، وما كان نحو ذلك . وهي مقصورة على بني أبي طلحة لا أنها عامة في بني عبدالدار بن قصي بن كلاب ، ثم انحصرت بعدُ في بني شيبة بن عثمان الأوقص بن أبي طلحة ، الذين يملكون مفتاح الكعبة اليوم ، فتطلق عليهم ليبين الحَجَبِيُّ مِن غير الحَجَبِيِّ ، فَحَقُ حِفْظ مفتاح الكعبة ، وَالسِّدَانَةِ ، مَنُوطَانِ بآلِ أبي طَلْحَةَ إلى آخر الزمان . وليس وظيفة السدنة قاصرة على فتح الكعبة وإغلاقها وملك مفتاحها ، بل وفي الولاية على كسوتها ، وفي تجمير البيت ، وتطيبه ، وإصلاحه ، وهو ما يسميه القرآن العظيم " عِمَارَةُ المسجد " ، ذلك في قوله تعالى في سورة التوبة : {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)} . فسقاية الحاج كانت لبني هاشم ، أقرَّها النبيُّ في يد عمِّه العباس بن عبدالمطلب ، وعمارة المسجد الحرام ، كانت في بني عبدالدار ، أقرَّها النبيُّ في عِتْرَةِ أبي طلحة ، فمكث العباس على سقايته بمكة ولم يهاجر ، وكان يكتم إسلامه ، ومكث شيبةُ بن عثمان على حجابته على جاهليته ، كلاهما بمكة ، فنَزلت الآية لما تفاخرا بذلك بعدُ ، وتعللا بتلك العلة ، فسمعهما الإمامُ علي بن أبي طالب فقال لهما كالمنكر عليهما : " ما أدري ما تقولون !! " ، لقد صلَّيتُ إلى القبلة ستةَ أشهرٍ قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد. فنَزلت الآيةُ في تصديق علي بن أبي طالب ( الموسوعة الحرة ) .

    المراجع العامة :
    (1. ) موقع نصرة محمد رسول الإسلام .
    (2. ) صفحة قصة الإسلام الإلكترونية .
    (3. ) الموسوعة الحرة .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    7,558
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    21-01-2019
    على الساعة
    03:09 PM

    افتراضي


    بسم الله ماشاء الله

    موسوعة قيمة جدااا

    هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية كانت تدعى قبل البعثة

    الطاهرة.

    رضى الله عنكِ

    رضى الله عنكِ يا من كان صدرا حنونا للحبيب النبى محمد صل الله عليه وسلم

    فى بداية الدعوة

    رضى الله عنكِ ... وجمعنا بك فى الصالحين

    رضي الله عن أم المؤمنين السيده خديجه و عن جميع زوجات النبي صل الله عليه و سلم

    و أعاننا الله على الإقتداء بهن


    شكرا لك اخى الكريم د\ الرمادى

    .. جعله الله فى ميزان حسناتك
    توقيع نضال 3


    توقيع نضال 3

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    157
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-07-2012
    على الساعة
    04:45 PM

    افتراضي

    نعم أعاننا الله سبحانه وتعالى على الاقتداء بالحبيب المصطفى الهادي لأوضح السبل البشير النذير صلى الله عليه وآله وسلم
    نعم أعاننا الله السميع البصير على السير على خطى الصحابة رضوان الله تعالى عليهم اجمعين
    نعم أعاننا الله القادر على كل شئ أن نكون أمثالهم فإ ن لم نقدر فنتشبه بهم
    اسعدني اهتمامك .. أختى الكريمة لما أكتب .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    157
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-07-2012
    على الساعة
    04:45 PM

    افتراضي

    كما نبهني أحد الفضلاء الكرام بجعل السلسلة في موقع واحد لسهولة الرجوع ، وتعبير الأخت الكبيرة الفاضلة "نضال" باعتبار ما يكتب عن أم المؤمنين السيدة خديجو موسوعة قمت بجمع ما كتبته عنها في هذه الصفحة ارجو من السميع العليم التوفيق ومن أخوتي النصح والإرشاد
    الجزء الثاني "
    النجوم المضيئة والدرر البهيجة المنثورة على طريق السيدة خديجة ؛ صاحبة النسب والحسب والشرف والجمال والمال ...
    الجزء الثاني السيدة الطاهرة « خديجة بنت خويلد »


    توطئة

    يرتعش القلم وتتجمد قطرات المداد بداخله ؛ وكأنها لا تريد أن تسطر حرفاً أو ترسم اسماً ، وتهتز ورقة القرطاس أمام ناظري بل تتوقف النظرات و لا تتحرك حدقة العين ؛ فهي توقفت في فلكها ... فصحاب القلم المعوج يرغبُ أن يكتبَ عن مَنْ !! ..

    يريد أن يكتب عن امرأةٍ جاءها رسول السماء مِن قِبل مَلِك الأرضين ورافع السموات بغير عمد نراها وبث فيها الأفلاك والأنوار والشهب والنيازك ؛ مَلَكٌ هبطَ مِن السماوات العلى ليلقي على ضيفتنا ؛ ونحن على طهارة بدنية وطهارة حسية وطهارة إيمانية وطهارة جوفية وطهارة مناخية ، فالأولى طهارة الصلاة والقيام ، والثانية طهارة مداومة قراءة القرآن كل يوم نقرأ جزء منه ، والثالثة قلب امتلئ بيقين الإيمان والرابعة جوف ثلثه امتلئ بحلال الطعام والشراب والخامسة طهارة الزمان فنحن في شهر سُلسلت فيه الشياطين والمردة ـ اقول جاء أمين السماء ليخبر أمين الأرض والسماء ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن يلقي السلام عليها ويخبرها ببشارة ؛ كما جاء من قَبل نفس المَلَك بأمر من رب العزة إلى العذراء البتول عروس الأزمان ليلقي عليها السلام ويخبرها ببشارة ، فأيُّ نساءٍ بكعب العفة بلغنَّ قممَ العزة والإباء والشرف ؛ وأيُّ نساء امتطينَّ أعلى سنام الفخر والمجد والثناء والدرجات العلى ، فلتنحني الإنسانية تقديراً وإجلالاً لدورهنَّ ، وليركع التاريخ أمام نساءٍ صنعنَّ عظماء التاريخ بل هم مَن سطروا التاريخ بأيديهم فأوجدوا منارة الهدي بوحي السماء وأضاءوا نجوم الإيمان في حالك الأزمان ...

    نكمل حديث اليوم بضوء ثاقب من النجوم المضيئة والدرر البهيجة المنثورة على طريق السيدة خديجة ؛ صاحبة النسب والحسب والشرف والجمال والمال ...
    **

    المتتبع لحركة التاريخ ومساره يلاحظ أنه توجد حالة من الاصطفاء والاختيار لرجال بعينهم ونساء ، وحين يعاد النظر تجد شخصيات محورية لعبت دوراً أساسياً فحركوا عجلة التاريخ كما رأوا وكما يريدون ، وحين يعاد التركيز على حقبة زمنية محددة بعينها يلاحظ وجود جيل الأوائل (1) وهم نخبة النخبة وصفوة الصفوة ؛ طراز خاص من البشر ليسوا بملآئكة فيرتفعون إلى سماء بل هبطت سماء المجد لترفعهم فوق رؤوس الآخرين ..

    السيدة خديجة بنت خويلد جمعت لألئ عقد فريد جمع كل الأوائل فهي : المرأة الأولى في حياة محمد بن عبدالله الشاب الوسيم ، وهي الزوجة الأولى في حياة رجل يعرف كيف يعامل المرأة ويعالج النساء ، وهي الزوجة الأولى التي أنجبت له الأولاد ، وهي حبه الأول الذي ما فارقه وإن صعدت روحها للرفيق الأعلى ، وهي أول مؤمنة بعقيدة التوحيد ورسالة الإسلام ، وهي أول إنسان في عهد النبوة المحمدية يأتيها ملك من السماء برسالة من الله عز وجل وبشرى ، وهي أول امرأة ردت السلام على الله السلام وعلى رسول آله السلام جبريل عليه السلام ، وهي أول مسلمة تسمع الوحي الإلهي ـ القرآن الكريم ـ من فم خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ، وهي المرأة الأولى التي ركعت وسجدت لها تعالى في باكورة كوكبة الموحدين في جوف مكة وهي ؛ المدينة التي تعلوها أصنام الشرك ثم هي المرأة التي ربت علي بن أبي طالب حين احتضنه زوجها .
    **

    قال الزبير بن بكار :" كانت تدعى قبل البعثة الطاهرة ". (2)
    **

    ميلاد خديجة :
    ولدت بمكة ؛ أم القرى قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة أي تقريباً 68 ق. هـ ~ 556 ب. م. .
    **

    نسب خديجة :
    هِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزّى بْنِ قُصَيّ (3) بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ (4) بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وخويلد هذا جد الزبير بن العوام.
    وَأُمّهَا قرشية من بني عامر بن لؤي ؛ فهي فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ ؛ العامرية بنت جندب ، بْنِ الْأَصَمّ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حَجَرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ (5) .
    وَأُمّ فَاطِمَةَ : هَالَةُ بِنْتُ عَبْدِمَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ (6) .
    وَأُمّ هَالَةَ قِلَابَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ . (7) .
    وفاطمة هذه هي عمة الصحابي الجليل ابن أم مكتوم .

    فخديجةُ بنت خويلد من أعرق بيوت قريشٍ نسباً وحسباً وشرفاً ، وقد نشأت على التخلُّق بالأخلاق الحميدة ، وكان من صفاتها الحزم والعقل والعفة .

    يلتقي نسبها بنسب (8) النبي في الجد الخامس فتجتمع مع النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم في جده قصي ؛ فهي أقرب أمهات المؤمنين إلى النبي ، وهي أول امرأة تزوَّجها ، وأول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين .

    **

    يتبع باذن الله تعالى ....

    الرمادي
    صفحة من ملف الهدى
    الرابع من رمضان 1431 هـ ~ 14 أغسطس 2010م
    ــــــ
    الهوامش :
    (1. ) قال صاحب كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون : علم الأوائل علم يتعرف منه على أوائل الوقائع والحوادث بحسب الموطن والنسب وهو من فروع علم التاريخ والمحاضرات " وفيه كتب كثيرة منها كتاب " الأوائل " لأبي هلال الحسن بن عبدالله العسكري المتوفى سنة 295هـ وهو رحمه الله أول من صنف فيه . وجاء في هامش لطائف المعارف لمحققيّه الأستاذين إبراهيم الابياري وحسن كامل الصيرفي :" أول من آلف هذا الفن ـ الأوائل ـ ابن قتيبة الدينوري سنة 276 هـ . وفي كتاب المعارف :" .. وابن رسته أبو علي أحمد بن عمر في القرن الثالث الهجري في كتابه الاعلاق النفيسة والطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب سنة 360 هـ .
    (2. ) انظر : الإصابة في تميز الصحابة ؛ الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني .
    (3. ) قصي بن كلاب بن مرة (400 - 480 ب. م.) هو الجد الثاني لشيبة بن هاشم المشهور باسم عبدالمطلب ، جد النبي محمد بن عبدالله الرابع . حصل على نفوذ واسع في مكة . ويعتبر أشهر رئيس في قبيلة قريش في عصر ما قبل الإسلام . أمه : فاطمة بنت سعد بن شبل الأزدي القضاعية .

    تاريخ قصي :
    يروى أن اسمه زيد وسمي قصياً لأن أمه تزوجت بعد وفاة أبيه كلاب بن مرة القرشي بـــربيعة بن حرام بن سعد بن زيد القضاعي وانتقلت به إلى الشام مع زوجها فسمي قصياً لقصوه عن أهله.
    يروي أبو القاسم السهيلي ، في الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام ، صفحة 1083:" شب في حجر ربيعة بن خزام لا يرى إلا أنه أبوه إلى أن كبر فنازع بعض بني عذرة فقال له العذري: " الحق بقومك فإنك لست منا "، قال : " ومن أنا؟ " ، قال: "سل أمك تخبرك " ، فقالت له: " أنت أكرم منهم أباً ؛ أنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وقومك إلى الله في حرمه وعند بيته ، " .
    فكره قصي المقام دون مكة فأشارت عليه أمه أن يقيم حتى يدخل الشهر الحرام ثم يخرج مع حجاج قضاعة ففعل فقدم مكة وعرف له قومه فضله ، فلما صار تزوج إلى حُليل (بضم الحاء المهملة) بن حبيشة الخزاعي ابنته " حيي " ، وكان حليل يلي لأمر الكعبة فأوصى بمفتاح الكعبة لبنته " حيى "، فقالت: " لا أقدر على السدانة " ، فأوصى به لأبي غُبشان ( بضم العين المعجمة ) وهو سليم بن عمرو بن بوى بن ملكان بن أفصى ، فاشترى قصي منه المفتاح فقالت العرب: " أخسر صفقة من أبي غبشان " ، فعظم ذلك على خزاعة وكثر كلامهم عن قصي فدعا قصي قريشاً وبني كنانة إلى حرب خزاعة فأجابوه وانضم إليهم قضاعة ، واقتتلوا ءاخر ايام منى وكثر القتل والجرح في الفريقين ثم اتفقوا على أن يحكموا "عمر بن عوف" فحكم بإسقاط الدماء بينهم وحكم لقصي بولاية البيت فصارت إليه "السدانة" (*) و "الرفادة" و"السقاية" ، وجمع قبائل قريش وكانت متفرقة في البوادي وجعلها اثني عشر قبيلة وأسكنها نواحي مكة بطاحها وظواهرها ولذلك سمي "مجمعا" ، وإلى ذلك اشار حذافة بن غانم في قصيدته:
    أبوكم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
    وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم به زيدت البطحاء فخرا على فخر
    هم ملكو البطحاء مجدا وسؤددا وهم طردوا عنها غزاة بني عمرو
    ثم جمع قصي أحسن أمواله وهدم الكعبة وبناها بناءً حسناً وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل قيل: ولم يسقفها أحد قبله، ثم بنى دار الندوة وهي أول دار بنيت بمكة فلم يكن يعقد أمرا يجتمع فيه قريش إلا فيها ، وقسم جهات البيت بين قريش فبنوا حوله وكانوا يهابون قطع الشجر الذي في البيوت ، فصارت له مع الرفادة والسقاية سدانة الكعبة (الحجابة (*) الندوة واللواء والقيادة .
    أما " الرفادة " فهي الطعام لسائر الحجاج تمد لهم الأسمطة أيام الموسم .
    وأما " السقاية " فهي سقاية الحجيج للماء العذب في حياض توضع بفناء الكعبة وينقل إليها الماء العذب لكونه عزيزا قبل حفر زمزم .
    وأما " الحجابة " فهي " سدانة " البيت أي تولية مفتاح البيت .
    وأما " الندوة " فهي الدار التي بناها لاجتماع قريش فيها للمشورة في المهمات ويعقد فيها لواء الحرب .
    وأما " اللواء " فهو الراية يعقدها قصي بيده على رمح علامة للعسكر في الحرب يجتمعون تحته .
    وأما " القيادة " فهي إمارة الجيش إذا خرجوا للحرب .
    ثم هذه الأمور بعد وفاة قصي تقسمت فصارت السقاية والرفادة والقيادة لبني عبدمناف ، والحجابة واللواء والندوة لبني عبدالدار .
    تزوج من حُبّى بنت ابن حبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعية ، كما اسلفتُ ، وولدت له :
    1 ـ عبدمناف.
    2 ـ عبدالدار.
    3 ـ عبدالعزى، فأسد بن عبدالعزى بن قصي رهط خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، والزبير بن العوام رضي الله عنه.
    4 ـ عدي. (المرجع: بحث د. كمال يوسف الحوت)
    ملحق (*)
    وردت بعض المصطلحات قد يغيب عن الذهن معناها ؛ فوجدت فائدة لذكرها إذ أن لــ" السدانة " مصطلحات أخرى مرادفة لها ، يستعملها الناس وهي ، الحجابة ، والخِزَانَةُ . وهي في اصطلاح الإسلام : ولاية مخصوصة ، لقومٍ مخصوصين ، لشيءٍ مخصوص . فالمقصود بالولاية : خدمة الكعبة ، وكِسْوتها ، وتولي أمرها ، وفتح بابها وإغلاقه ، وهي مقدَّرة شرعاً لأناس مخصوصين من بني عبدالدار بن قصي من قريش ، لأمر مخصوص وهو بيت الله الحرام . وهي مأثرة من مآثر قريش التي أبقاها الإسلام ولم يبطلها ، شأنها شأن السقاية التي كانت للعباس بن عبدالمطلب بن هاشم ولعقبه ، ويقال لمن يلي هذه الولاية : حاجب الكعبة ، أو حاجب بيت الله ، والجمع حَجَبَة ، والنسبة إليهم حَجَبِيّ بالفتح . واختصَّ الشيخ بألقاب منها ، وهي : فاتح الكعبة ، وحاجب الكعبة ، وخازن الكعبة ، ورئيس السدنة ، وشيخ الحجبة ، والسادن الكبير ، وما كان نحو ذلك . وهي مقصورة على بني أبي طلحة لا أنها عامة في بني عبدالدار بن قصي بن كلاب ، ثم انحصرت بعدُ في بني شيبة بن عثمان الأوقص بن أبي طلحة ، الذين يملكون مفتاح الكعبة اليوم ، فتطلق عليهم ليبين الحَجَبِيُّ مِن غير الحَجَبِيِّ ، فَحَقُ حِفْظ مفتاح الكعبة ، وَالسِّدَانَةِ ، مَنُوطَانِ بآلِ أبي طَلْحَةَ إلى آخر الزمان . وليس وظيفة السدنة قاصرة على فتح الكعبة وإغلاقها وملك مفتاحها ، بل وفي الولاية على كسوتها ، وفي تجمير البيت ، وتطيبه ، وإصلاحه ، وهو ما يسميه القرآن العظيم " عِمَارَةُ المسجد " ، ذلك في قوله تعالى في سورة التوبة : {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)} . فسقاية الحاج كانت لبني هاشم ، أقرَّها النبيُّ في يد عمِّه العباس بن عبدالمطلب ، وعمارة المسجد الحرام ، كانت في بني عبدالدار ، أقرَّها النبيُّ في عِتْرَةِ أبي طلحة ، فمكث العباس على سقايته بمكة ولم يهاجر ، وكان يكتم إسلامه ، ومكث شيبةُ بن عثمان على حجابته على جاهليته ، كلاهما بمكة ، فنَزلت الآية لما تفاخرا بذلك بعدُ ، وتعللا بتلك العلة ، فسمعهما الإمامُ علي بن أبي طالب فقال لهما كالمنكر عليهما : " ما أدري ما تقولون!! " ، لقد صلَّيتُ إلى القبلة ستةَ أشهرٍ قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد. فنَزلت الآيةُ في تصديق علي بن أبي طالب
    (4. ) هذا ما ذكره ابن هشام .
    (5. ) انظر : السيرة النبوية : ابن هشام .
    (6. ) انظر المرجع السابق .
    (7. ) انظر المرجع السابق .
    (7. ) انظر المرجع السابق
    (8. ) محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو القاسم ، سيد ولد آدم صلى الله عليه وآله وسلم‏ .‏
    فأما ما بعد عدنان من آبائه إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل صلى الله عليهما وسلم ففيه اختلاف كثير في العدد والأسماء ، لا ينضبط ولا يحصل منه غرض فتركناه لذلك ، ومضر وربيعة هم صريح ولد إسماعيل باتفاق جميع أهل النسب ، وما سوى ذلك فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً . (المرجع: أسد الغابة في معرفة الصحابة لمؤلفه : عزالدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبدالكريم الجزري ؛ الشهير بابن الأثير) .
    ــــ
    يتبع بإذنه سبحانه وتعالى

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    157
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-07-2012
    على الساعة
    04:45 PM

    افتراضي

    « الطاهرة خديجة بنت خويلد »
    بحث (*) في
    سيرة أم المؤمنين رضي الله عنها

    ابن كثير (1) في بدايته ذكر عن أبي هريرة إنه قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏ :« ‏ما بعث الله نبياً إلا راعي غنم‏ »‏‏.‏ فقال له أصحابه‏:‏« وأنت يا رسول الله‏؟‏»، قال ‏:« ‏وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط‏» (2) ‏‏.‏
    وكتب صاحب الرحيق المختوم تحت عنوان :
    " حياة الكدح "
    ‏ثم روى البيهقي من طريق الربيع بن بدر - وهو ضعيف - عن أبي الزبير، عن جابر قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏ :« ‏آجرتُ نفسي من خديجةَ سفرتين بقلوص‏ » (3). " الحديث لا يصح " (4)
    ولم يكن له؛ صلى الله عليه وآله وسلم عمل معين في أول شبابه، إلا أن الروايات توالت أنه كان يرعى غنماً، رعاها في بني سعد، وفي مكة لأهلها على قراريط، ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين شبَّ، فقد وردَ أنَّه كان يتجر مع السائب بن أبي السائب المخزومي فكان خير شريك له، لا يدارى ولا يمارى، وجاءه يوم الفتح فرحب به، وقال ‏:‏‏« مرحبًا بأخي وشريكي ‏‏»‏(5) . يكمل صاحب الرحيق المختوم فيقول :
    وسمعةُ المرءِ تسبقه قبل أن يحل على قوم ولعلها صاحبة المال والتجارة سمعت عن محمد الشاب الأمين والقرآن يصرح بهذا في قوله : ‏‏﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [28 القصص : آية ٢٦]‏ ، ومرت الأيام ووصل إلى مسامعها ذكر " محمد بن عبدالله " كريم الأخلاق، الصادق الأمين، وكان قلَّ أن تسمع في الجاهلية بمثل هذه الصفات .
    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :‏" وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَاتُ شَرَفٍ وَمَالٍ تَسْتَأْجِرُ الرّجَالَ فِي مَالِهَا، وَتُضَارِبُهُمْ إيّاهُ بِشَيْءِ تَجْعَلُهُ لَهُمْ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْماً تُجّاراً، فَلَمّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وسَلّمَ مَا بَلَغَهَا، مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ بَعَثَتْ إلَيْهِ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالٍ لَهَا إلَى الشّامِ تَاجِرًا، وَتُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنْ التّجّارِ مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةُ فَقَبِلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ مِنْهَا، وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ وَخَرَجَ مَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ حَتّى قَدِمَ الشّامَ "(6) .

    ثم يكمل صاحب الرحيق المختوم قوله :" وفي الخامسة والعشرين من سِنِّهِ خرج تاجراً إلى الشام في مال خديجة رضي الله عنها، كما قال ابن إسحاق‏، وذكر ابن هشام في سيرته أن رسول الله :" وميسرة نزلا في سوق بُصْرَي فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ فِي ظِلّ شَجَرَةٍ قَرِيباً مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنْ الرّهْبَانِ يقال له نسْطورا (7 )، فَاطّلَعَ الرّاهِبُ إلَى مَيْسَرَةَ؛ وكان يعرفه فَقَالَ لَهُ
    :" مَنْ هَذَا الرّجُلُ الّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشّجَرَةِ ؟ "،
    قَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ :" هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ "،
    فَقَالَ لَهُ الرّاهِبُ :" مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشّجَرَةِ(8) قَطّ إلّا نَبِيّ " (9) .
    ثم قال الراهب له :" في عينيه حمرة ؟ "،
    فرد ميسرة :" نعم لا تفارقه ".
    قال الراهب :" هو .. هو ؛ وهو آخر الأنبياء ، وليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج " .
    فوعي ذلك ميسرة .
    ثُمّ بَاعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ سِلْعَتَهُ الّتِي خَرَجَ بِهَا، وَاشْتَرَى مَا أَرَادَ أَنّ يَشْتَرِيَ ثُمّ أَقْبَلَ قَافِلاً إلَى مَكّةَ، وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ فَكَانَ مَيْسَرَةُ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - إذَا كَانَتْ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدّ الْحَرّ، يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلّانِهِ مِنْ الشّمْسِ - وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بِمَالِهَا، بَاعَتْ مَا جَاءَ بِهِ فَأَضْعَفَ أَوْ قَرِيباً . فلما أخبر مَيْسَرَةُ السيدةَ خديجةَ رضي الله عنها بذلك وَحَدّثَهَا عَنْ قَوْلِ الرّاهِبِ وَعَمّا كَانَ يَرَى مِنْ إظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ إيّاهُ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً مَعَ مَا أَرَادَ اللّهُ بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ، فَلَمّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ وتذكرت قول الرجل(10) الذي دخل علي نساء قريش وأخبرهنَّ بأمر النبي المنتظر علمت أن هذا النبي هو محمد فبَعَثَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآ له وسَلّمَ فَقَالَتْ لَهُ - فِيمَا يَزْعُمُونَ
    :‏‏« يَا بْنَ عَمّ إنّي قَدْ رَغِبْتُ فِيك لِقَرَابَتِك، وَسِطَتِك فِي قَوْمِك وَأَمَانَتِك، وَحُسْنِ خُلُقِك، وَصِدْقِ حَدِيثِك ‏‏» (11 )، ورغبت أن تكون زوجاً له، فأرسلت السيدة نفيسة بنت منبه [تذكر بعض المصادر .. بنت منــيـــة] إلي محمد بن عبد الله الشاب القوي الأمين .
    قال ذلك أبو محمد عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري المُعَاِفري [وقيل الذُّهْلِي؛ [المتوفى سنة 213هـ في مصر بالفسطاط] تحت عنوان :‏‏« خديجة ترغب في الزواج منه »؛ صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يكمل فيقول :" وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهن شرفاً، وأكثرهنَّ مالاً؛ كل قومها كان حريصاً على ذلك منها لو يقدر عليه ‏‏.‏‏" (12 ) .
    **

    يتبع باذن الله تعالى ..
    (*) شهر الصيام الفضيل 1431هـ ،
    الصفحة الثالثة من ملف الهدى
    الرمادي
    التاسع عشر من رمضان 1431 هـ ~ 29 أغسطس 2010م
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المراجع / الهوامش :
    (1. ) الإمام الحافظ عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير قرشي النسَب؛ دمشقي الدار ، المتوفى سنة 774هـ ، النص كما ورد في في بدايته؛ ‏ج 2؛ ص‏ : 361 ،
    (2. ) رواه المحدث الإمام « البخاري » عن أحمد بن محمد المكي، عن عمرو بن يحيى به، النص كما ورد في صحيح البخاري :« ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم ... كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة » عن أبي هريرة ؛ رضي الله عنه ، [ الرقم: 2262] .
    (3. ) ‏‏« آجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه من خديجة بنت خويلد سفرتين إلى جرش كل سفرة بقلوص‏‏» . راوي الحديث: جابر بن عبدالله؛ المحدث: ابن القيم؛ المصدر: زاد المعاد؛ الرقم: 1/155، الحديث لا يصح .
    (4. ) الاسلوب المتبع في هذه السلسلة ؛" سلسلة الهدى" كسابقتها عندما تحدثنا عن أم المؤمنين السيدة الطاهرة أم إبراهيم ابن النبي المصطفى خاتم الأنبياء والمرسلين :« ماريا بنت شمعون المصرية »، أو عندما عرضنا لسيرة أم المؤمنين السيدة صفية بنت حيي؛ فالاسلوب المتبع : هو التحرير ثم التوثيق فالتحقيق، وهذا يعطي للبحث قيمةعلمية أكثر من مجرد سرد الأحداث وقص المواقف .
    (5. ) عن عبدالله بن السائب قال :‏« كنت شريكاً ». [ يعني للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ] راوي الحديث : مجاهد، المحدث: أبو حاتم الرازي، المصدر: العلل لابن أبي حاتم، الرقم: 1/290، خلاصة حكم المحدث: عبدالله بن السائب ليس بالقديم والشركة بأبيه أشبه. وعن السائب بن أبي السائب أنه كان شريك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أول الإسلام في التجارة فلما كان يوم الفتح قال :‏‏« مرحباً بأخي وشريكي لا تداري ولا تماري». راوي الحديث : السائب بن أبي السائب، المحدث: الإمام الذهبي، المصدر: المهذب الرقم: 5/2205، خلاصة حكم المحدث: فيه إرسال. بعض السادة العلماء و الفقهاء تعتبر الحديث المرسل وتأخذ به .
    (6. ) الروضُ الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، للفقيه المحدث أبي القاسم عبدالرحمن بن عبدالله بن أحمد بن أبي الحسن الخثعمي؛ السهيلي [508~581هـ ــــــــ 1114~ 1185 ب.م.] .
    (7. ) يعلق السهيلي في روضه فيقول :" وَهَذَا الرّاهِبُ ذَكَرُوا أَنّ اسْمَهُ نَسْطُوراً وَلَيْسَ هُوَ بَحِيرَى " .
    (8.) يعلق السهيلي في شرحه بروضه الأُنف :" فَالشّجَرَةُ عَلَى هَذَا مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ؛ بعد أن قال :" يُرِيدُ مَا نَزَلَ تَحْتَهَا هَذِهِ السّاعَةَ إلّا نَبِيّ، وَلَمْ يُرِدْ مَا نَزَلَ تَحْتَهَا قَطّ إلّا نَبِيّ . لِبُعْدِ الْعَهْدِ بِالْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ الْخَبَرِ : " قَطّ "، فَقَدْ تَكَلّمَ بِهَا عَلَى جِهَةِ التّوْكِيدِ لِلنّفْيِ وَالشّجَرَةُ لَا تُعَمّرُ فِي الْعَادَةِ هَذَا الْعُمْرَ الطّوِيلَ حَتّى يَدْرِيَ أَنّهُ لَمْ يَنْزِلْ تَحْتَهَا إلّا عِيسَى، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السّلَامُ وَيَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ شَجَرَةٌ تَخْلُو مِنْ أَنْ يَنْزِلَ تَحْتَهَا أَحَدٌ، حَتّى يَجِيءَ نَبِيّ إلّا أَنْ تَصِحّ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَنْزِلْ تَحْتَهَا أَحَدٌ بَعْدَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاق" .
    (9 .) الروض الأنف؛ السهيلي .
    (10. ) سنتعرض لهذه الرواية في فصل قادم بإذنه سبحانه وتعالى .
    (11. ) السهيلي؛ الروض الأنف ويؤكد ذلك صاحب أسد الغابة .
    (12.) السيرة النبوية ؛ لابن هشام .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    يتبع بإذن الخالق الواجد المنعم المدبر سبحانه وتعالى

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    157
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-07-2012
    على الساعة
    04:45 PM

    افتراضي

    النجومُ المضيئةُ والدررُ البهيجة .. المنثورةُ على طريقِ السيدة خديجة؛ صاحبةِ النسبِ والحسب والشرف والجمال والمال ..
    بحثٌ (*) في سيرة أم المؤمنين
    « الطاهرة خديجة بنت خويلد » رضي الله عنها

    الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .
    تمهيد للتمهيد :
    المنقبُ في بطونِ الأسفار الواسعة والمعاجم الكبرى وكتبِ السيّر يصل إلى بعض الحقائق التي غابت عن عمدٍ عند الحديث عن العرب وشبه جزيرتهم قبل البعثة المحمدية، وبعض الكتّاب تنقل لنا أخبار العرب من صنف واحد من المصادر أو المراجع والبعض الآخر اعتمد ما صدر من مداد المستشرقين أو من اقلام عملائهم من الذين تربوا في حظيرتهم أو من المضبوعين بالثقافة الغربية والمتأثرين بحضارة المستعمر من أبناء جلدتنا العرب المتفرنجة، إذ كان ينبغي أن أمهد الطريق عند الحديث عن السيدة الفاضلة خديجة بنت خويلد فاذكر حالةَ العرب ومكةَ وحالة قريش الإجتماعية عند البعثة، وأكتب عن بيوتات قريش وخصائصها، ثم اذكر ديانة أهل مكة عند البعثة .. فأمر مرور المقيم على مقام النساء في قوم خديجة فمقام خديجة عند قومها ففضائل خديجة والفضائل عند قومها فجمال جديجة والجمال عند قومها فثراؤها والثراء عند قومها فمن الظلم أن نختصر سيرة العرب والحالة الإجتماعية فقط في مسألة وأد البنات التي قام بها بعض الحمقى والفقراء ونعممها على صورة العربي الجاهلي وإن أثبتها القرآن بيد أن إثبات القرآن لها كان كمثال .. عزفتُ أن أمهد لموضوع السيدة خديجة بهذه المقدمة في التحرير والتوثيق والتحقيق خشية الإطالة على القارئ الكريم وإن كنت اود أن أشركه معي وعورة الطريق لمعرفة تراث أمة وتاريخها والزمه عناء البحث الاكاديمي وصعوبته بل واحياناً كثيرة جموده، إذ أن هناك جوانب مازالت غامضة غيّر أن المواد الأولية للبحث جاهزة تحتاج لمعالجة (1) . والمتتبع يجد محاولات جادة صدرت من اقلام علمية نزيهة تنقب عن الحقيقة بين رمال التاريخ وغبار الأزمان لإيضاح حالة العرب قبل البعثة، والحديث عن هذا الموضوع ارحله إلى وقت قريب إن شاء مَلِك الزمان ومقلب الأيام . فإنَّه لما كان لأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها من المزايا والسجايا ما تكل دونه الأقلام من تعداد فضائلها ومكارمها، ونور فراستها ومبلغ كياستها، وحصافة عقلها وحزمها، وحسن صنيعها بالرسولِ المصطفى الهادي صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه وسلم؛ والرسالةِ وسبْقها بالإيمان؛ أحببتُ إيراد طرفٍ منها لإيقاظ من كان غافلاً عنها، وأن كان ذلك من إيضاح الواضح .
    فهي أول من آمن بخاتم الأنبياء وسيد المرسلين من النساء والرجال، وجدّة الذرية المباركة، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة، أم هِند، وسميت في الإسلام خديجة الكبرى، وأم البتول، ويلقبها أهل مكة بالجيدة، مما يدل على ما لها من حظوة في قلوبهم .. وهذا هو الجزء الرابع من سيرتها العطرة

    نشأة خديجة بنت خويلد :
    تربت في بيت مجد ورياسة، وكانت من أعرق بيوت قريشٍ نسباً وحسباً وشرفاً، وقد نشأت على التخلُّق بالأخلاق الحميدة، وكان من صفاتها الحزم والعقل والعفة، جليلة، مصونة، كريمة .. وشرفُ قبيلةِ خديجة رضي الله عنها معلوم مع التحقيق فقد كان لقصي وأولاده شرف على سائرِ القبائلِ القرشية، فكان بيدِ قصيّ جميع مناصب الشرف في مكة . وأولاده هم عبدالعزى «جد خديجة»، وعبدالدار الذين منهم بنو شيبة حَجَبة الكعبة، والمطلب، وعبدمناف الذي ولد هاشماً والمطلب وعبدشمس ونوفلاً. وقد شرف عبدمناف وأخوه المطلب في حياة أبيهما قصيّ. وقد ورث قصيّ جميع المناسب لابنه عبدالدار وأكبر أولاده ليلحقه بأخويه في الشرف . وبعد وفاة عبدالدار وأخيه عبدمناف تنازل أولادهما فتوزعت المناصب بين عشرة بيوت من قريش. فلبني أسد بن عبدالعزى؛ رهط خديجة وورقة بن نوفل والزبير بن العوام وحكيم بن حزام المشورة. ولبني هاشم بن عبدمناف السِّقَاية والعمارة وهي منع السفه في بيت الله . ولبني أمية بن عبدشمس بن عبدمناف القيادة. ولبني نوفل بن عبدمناف الرِّفادة وهي إطعام المنقطعين من الحجاج . ولبني عبدالدار : السدانة واللواء والندوة، وهي دار المشورة، لا يعقد لواء حرب إلا فيها ولا يتزوج رجل امرأة من قريش إلا فيها . ولبني مخزوم بن مرة رَهْط أبي جهل وخالد بن الوليد: الأعنَّة والقبة، وهي الخيمة التي تضرب ليجمع فيها ما يجهز به الجيش . ولبني تميم بن مرة رهط أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيدالله : الإشناق وهي الديات والمغارم . ولبني عدي بن كعب رهط عمربن الخطاب : السفارة. ولبني سهم بن كعب رهط عمرو بن العاص : الأموال المحجرة وهي المسماة لآلهتهم . ولبني جمح رهط أمية بن خلف : الأيسار وهي الأزلام والأقداح ... هذه البيوتات التي تربت في مناخها وفوق بساطها وتحت فسطاطها خديجة، ولكَ أخي القارئ الكريم أنت تعلم هذا فتعلم مَن تكون ضيفتنا .. وليس في أزواجه صلوات الله عليه وسلامه من أولاد قصيّ إلا خديجة وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية . وقد مات والدها يوم حرب الفِجَار (2). وكان لخديجة رضي الله عنها حظٌ وافر من التجارة، فكانت قوافلها لا تنقطع بين مكّة والمدينة، لتضيف إلى شرف مكانتها وعلوّ منزلتها الثروةَ والجاه ، حتى غدت من تجّار مكّة المعدودين .
    ***
    حياة خديجة قبل زواجها الميمون من الشاب القوي الأمين :
    يروى انها تزوجت (3) مرتين قبل زواجها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من سيدين من سادات قريش هما : عتيق بن عائذ (4) المخزومى وقد انجبت منه ابنة هي هند بنت عتيق ، وأبو هالة بن زرارة بن النَّباش بن عدي التميمى وانجبت منه جارية وغلاماً : هاله وهند .
    **
    بداية التعارف :
    لاحت لوائحُ النبوة قبل ميلاده عليه السلام، واتَّسعت آياتها، وانتشرت الأخبار بقرب ظهور نبيّ من العرب حلَّ ميقاته، فكان بذلك أمر النبوة معروفاً لدى قريش .
    قال ابن إسحاق :« كانت الأحبار من يهود، والرهبان من النصارى، والكهَّان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه لما تقارب زمانه . فأما الأحبار فَلِمَا وجدوا في كتبهم من صفته عليه السلام وصفة زمانِه . وأما الكهان فَلِمَا جاءتهم به الشياطين فيما يَسْتَرِقونَ من السمع مما كانت تتذاكره الملائكة في السماء قبل وجوده صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ كانت الشياطين لا تحجب من ذلك كما حجبت عند ولادته عليه السلام ومبعثه » .
    وورد أن راهباً يدعى « عيص » كان يسكن بمر الظهران فإذا دخل مكة قال :« يوشك أن يولد فيكم مولود تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه » .
    وكان بمكة يهودي اسمه « يوسف » على ما ذكره الواقدي . قالت عائشة :« فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك اليهودي في مجلس من مجالس قريش :« ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة وهو منكم معاشر قريش » .
    وبالجملة كَثُر تحدُّث الأحبار والرهبان والكهان في اليمن والشام والمدينة ومكة عن قرب مولده ومبعثه صلى الله عليه وآله وسلم . ولابد أن تكون قد انتشرت بين قريش أحاديث أمه فيما شاهدت وسمعت حين الحمل وحين الولادة .
    وكذلك انتشرت بينهم الآيات التي ظهرت لمولده عليه السلام، وأحاديث حليمة، وحديث الراهب بحيرا لعمه أبي طالب حين تفرَّس بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال :« سيكون لابن أخيك هذا شأن » ، وغير ذلك مما هو في السير مذكور ومعروف(5) ؛ وقد نفصل في المسألة في القريب .

    كما توجد رواية نذكرها(6) إذ فى ليلة غارت نجومها وازداد ظلامها جلست خديجة فى بيتها بعد أن طافت مراراً بالكعبة وبعدها ذهبت إلى فراشها وقد ارتسمت على شفتيها علامات الرضا والابتسام ولم يدر فى ذهنها أى خاطر فى ذلك الوقت وما أن اسلمت جنبها للرقاد حتى استسلمت للنوم وراحت فى سبات .ورأت فيما يرى النائم شمساً(7) عظيمة تهبط من سماء مكة لتستقر فى دارها وتملآ جوانب الدار نوراً وبهاءاً ويفيض ذلك النور من دارها ليغمر كل ما حولها بضياء يبهر النفوس قبل ان يبهر الأبصار والعيون بشدة ضيائه فهبت خديجة من نومها وراحت تدير عينيها فيما حولها بدهشة فإذا بالليل ما يزال يسربل الدنيا بالسواد إلا أن النور الذى بهرها فى المنام لا يزال مشرقاً فى وجدانها ساطعاً فى أعماقها وعندما غادر الليلُ الدنيا غادرت خديجة فراشها ومع إشراقة الشمس وصفاء الكون فى الصباح الباكر كانت الطاهرة فى طريقها إلى دار بن عمها ورقة بن نوفل (8) لعلها تجد عنده تفسيراً لحلمها البهى فى ليلتها الماضية .
    دخلت خديجة على ورقة فوجدته قد عكف على قراءة صحيفة من الصحف السماوية التى شغف بها فراح يقرأ سطورها كل صبح ومساء، وما أن مس صوت خديجة أذنيه حتى رحب بها وقال متعجباً :" خديجة !؟ الطاهرة !؟ "، قالت :" هى، هى ! " .قال ورقة فى دهشة :" ما جاء بك الساعة ؟ " . فجلست خديجة وراحت تقص عليه ما رأت فى منامها حرفاً حرفاً ومشهداً مشهداً وكان ورقة يصغى إلى خديجة فى اهتمام جعله ينسى الصحيفة فى يده وكان شيئاً ما قد نبه إحساسه وجعله يتابع سماع الحلم إلى النهاية . وما إن انتهت خديجة من كلامها حتى تهلل وجه ورقة بن نوفل بالبشر وارتسمت على شفتية أبتسامة الرضا ثم قال فى هدوء ووقار :" ابشرى يا ابنة العم .. لو صدق الله رؤياك (9) ليدخلنَّ نور النبوة دارك وليفيضنَّ منها نور خاتم النبيين .. " (10) .
    الله اكبر الله اكبر ماذا تسمع خديجة !؟ ما الذى يقوله ابن عمها !؟ وجمت خديجة لحظات .. سرت فى بدنها قشعريرة، جاشت فى صدرها عواطف زاخرة بالأمل والرحمة والرجاء . ظلت خديجة رضى الله عنها تعيش على جناح الأمل وعبير الحلم الذى رأته تتمنى أن تتحقق رؤياها وتكون مصدر خير للبشرية ومصدر نور للدنيا فقد كان قلبها منبعاً للخيرات .
    **
    كانت خديجة رضى الله عنها إذا تقدم لها سيد من سادات قريش لخطبتها تقيسه بمقياس الحلم الذى رأته والتفسير الذى سمعته من ابن عمها ورقة بن نوفل ولكن الى الآن لم تنطبق صفات خاتم النبيين على الذين تهافتوا على خطبتها والاقتران بها فكانت تردهم رداً جميلاً وتخبرهم إنها لا تريد الزواج فقد كانت تحس إحساساً غامضاً أن القدر الألهى يخبئ لها شيئاً رائعاً لا تدرى ما هو ولكنها تستشعر أن منه ما يدخل الطمأنينة على قلبها .

    **
    وتوجد رواية آخرى :" ومما علمت من الرجل الذي دخل علي نساء قريش في عيد لهنَّ وأخبرهنَّ أن نبياً سوف يبعث فمن استطاعت أن تكون له زوجاً فلتفعل، فلقد ذكر صاحب الإصابة عن المدائني بسند له عن ابن عباس أن " نساء أهل مكة اجتمعنّ في عيد لهنّ في الجاهلية فتمثل لهنّ رجل فلما قرب نادي بأعلي صوته :" يا نساءَ مكة إنّه سيكون في بلدكنّ نبي يقال له « أحمد » فمن استطاعت منكنَّ أن تكون زوجاً له فلتفعل، فحصبنه ـ أي أبعدنه ـ إلا خديجة فإنها عضت على قوله ولم تعرض له؛ الرواية بتمامها عن ابن عباس وما ذكر في الكتاب المقدس بعهديه العتيق والجديد تشير إلى ما كان يتناقله أهل الكتاب عن مبعث نبي يأتي في آخر الزمان، فاليهود كانت تنتظره وبالتالي النصارى كذلك، وهذا يظهر بوضوح من خبر ورقة بن نوفل؛ ابن عم السيدة خديجة وقد تنصر. (11)
    **
    .. ولعل هذا من ارهاصات النبوة ...
    **
    يتبع باذن الله تعالى ..
    (*) شهر الصيام الفضيل 1431 هـ ،
    الصفحة الرابعة من ملف الهدى
    الرمادي
    21 من رمضان 1431 هـ ~ 31 أغسطس 2010م
    ــــــــــــــــــ
    المراجع / الهوامش :
    (1. ) نبهني لهذه الجزئية بشكل واضح الشهيد عبدالحميد الزهراوي [ مواليد مدينة حمص؛ عام 1288 هـ ] عند قراءة كتابه :" السيدة خديجة؛ أم المؤمنين "، والصادر من مكتبة النافذة؛ ط:1/ 2006م، الجيزة، مصر. وإن كنت اعترف أن سبقه بعض الأساتذة أصحاب العلم والفضل لهذا التنبيه، ويحضرني الآن ما كتبه محمد حسين هيكل في كتابه :"حياة محمد" ط13، 1968م ص: 47 :"يتقيد كتَّاب العصر الحاضر بالمنهج العلمي والنقد العلمي"، وله مقدمة جيدة تستحق المراجعة . فوجب التنبيه.
    (2. ) الخبر تجده في طبقات ابن سعد 1: 132،133 .
    (3. ) تحقيق مسألة أزواجها قبل الشاب الأمين " محمد بن عبدالله " : قبل بحث هذه المسألة أحب أن اتعرض لجزئية علمية/ فنية تعتبر من مآثر علماء المسلمين وخاصية ذات خصوصية إسلامية بل صنعة إسلامية خالصة ؛ وهي مسألة التحقيق، والمتتبع لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا التراث الباقي لنا على مر الدهور والأعوام لشاهد على دقة التعبير : " التحقيق "، فعلماء الإسلام هم رجال هذا الفن وفرسانه ومن جاء بعدهم لحقهم فالأمم السابقة ليس لديها هذا التثبت من الروايات :" التحقيق " ، بل هو مما نقل من الحضارة الإسلامية إلى الغرب ومعاهدِه واكاديمياتِه وجامعاتِه ومراكزِ البحوث.
    قال صاحب سير أعلام النبلاء :" كانت خديجة أولاً تحت أبي هالة بن زرارة التميمي، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ". [ سير أعلام النبلاء ( 3 / 57 )] يؤكد هذا أبوعمر يوسف بن عبدالبر النمري في الإستيعاب فيقول :" وأما الجرجاني النسابة فقال‏ :‏ كانت خديحة قبل عند أبي هالة هند بن النباش ابن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم فولدت له هِند ثم اتفقا فقالا‏:‏ ثم خلف عليها بعد أبي هالة عتيق ابن عائذ بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم "‏، ثم يكمل القول فيقول أبوعمر يوسف بن عبدالبر النمري في الاستيعاب :" وقال قتادة‏ :‏ كانت خديجة تحت عتيق ابن عائذ بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم ثم خلف عليها بعده أبو هالة هند بن زرارة بن النباش .. هكذا قال قتادة‏:‏ والقول الأول الأصح إن شاء الله تعالى‏. "، ورجح ابن عبدالبر أنَّ خديجة قد تزوجت أبا هالة قبل عتيق ونسبه إلى الأكثرين. وولدت لأبي هالة ابنين ذكرين، وهما: هِند والحارث أبو الطاهر، وبنتاً اسمها زينب، وقيل هند . فأما الحارث فقد قتله أحد المشركين عند الركن اليماني. وأما هِند فقد أدرك الإسلام وأسلم وشهد أحداً، وسكن البصرة، وقُتِل مع عليّ يوم الجمل، وقيل: مات في طاعون البصرة. وقد مات في ذلك اليوم سبعون ألفاً فشغل الناس بجنائزهم عن جنازته فلم يوجد من يحملها فقالت نادبته :« واهنداه بن هنداه !! اربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » فلم تبق جنازة إلا تُرِكَت وحُمِلَت جنازته على أطراف الأصابع . وكان هِند يقول :« أنا أكرم الناس أماً وأباً وأخاً وأختاً : أبي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأمي خديجة، وأخي القاسم، وأختي فاطمة ». وكان بارعاً في الوصف، روى عنه ابن أخته الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وصفه لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله الذي لم يأت أحد بمثله في الوصف. والحديث مذكور في «شمائل الترمذي» . وجاء عند العسقلاني في الإصابة :" وعن قتادة عكس هذا إن أول أزواجها عتيق ثم أبو هالة ووافقه بن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه وهكذا في كتاب النسب للزبير بن بكار لكن حكى القول الأخير أيضًا عن بعض الناس . هذا مِن علماء السلف الأماجد، وأبو هالة «هند بن زرارة بن النباش التميمي» وكان يلقَّب النباش كما ذكره السهيلي، وقد مات عنها . أما من علماء العصر الحديث فنذكر على سبيل المثال لا الحصر السيدة بنت الشاطئ (الميلاد 06 نوفمبر 1912م، دمياط ؛ مصر ، الوفاة : 01 ديسمبر 1998) د. عائشة عبدالرحمن في موسوعتها " تراجم سيدات بيت النبوة رضي الله عنهنَّ "، ص: 211، الطبعة الأولى 1408هـ ~ 1988م، دار الريان للتراث : " تذكر عتيق بن عائذ أولا ثم ابا هالة هند بن زرارة التميمي " وذكرت مصادرها أسفل الصفحة فكتبت :" هذه؛ تقصد ما اثبتته في متن الكتاب، رواية السيرة (4/193) وتاريخ الطبري (3/175) ، والسمط الثمين (13) وعيون الأثر (1/ 51)، ولدقة بحثها رحمها الله ذكرت بعد ذلك :" قابل على رواية الاستيعاب، و على رواية ابن حبيب في (المحبر) .
    (4. ) وقيل: عتيق بن عايد المخزومي. وكان أخوه عمرو بن عائذ هو والد فاطمة أم عبدالله والد النبي عليه السلام. ولدت خديجة لعتيق جارية اسمها هِند وغلاماً اسمه عبدمناف .
    (5. ) ورقة مقدمة من الشيخ منصور محمد فهد الشريدة .
    (6. ) نعتمد اسلوب التحرير ثم التوثيق والتحقيق، وهذا الاسلوب قد يستغرق من الكاتب بعض الوقت، فنقل الأخبار والآثار من بطون الكتب أو الإطلاع عليها وقراءتها من صفحات الشبكة العالمية للمعلومات سهل ميسور، وكما أشار الكاتب من قبل :" لا نريد السرد والنقل بل نريد التحرير والتحقيق "، لذا فالموقع والكاتب يستسمح القارئ الكريم في بعض الوقت للتحقيق مما حرره كتابةً إذا ورد النص دون مراجعة أو توثيق .
    (7. ) عريان؛ ماجِستير: هدى عبداللطيف، الشخصية النسائية في القصة القرآنية، ص: 322 ، الطبعة الأولى : 1426هـ ~ 2005م ، دار غار حراء ، دمشق سورية .
    (8. ) وَكَانَ قَدْ خَرَجَ هُوَ وَزَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل لَمَّا كَرِهَا عِبَادَة الْأَوْثَان إِلَى الشَّام وَغَيْرهَا يَسْأَلُونَ عَنْ الدِّين، فَأَمَّا وَرَقَة فَأَعْجَبَهُ دِين النَّصْرَانِيَّة فَتَنَصَّرَ، وَكَانَ لَقِيَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الرُّهْبَان عَلَى دِين عِيسَى وَلَمْ يُبَدَّل وكان امرأً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وَتعَلَّمَ اللِّسَان الْعِبْرَانِيّ وَالْكِتَابَة الْعِبْرَانِيَّة فَكَانَ يَكْتُب الْكِتَاب الْعِبْرَانِيّ كَمَا كَانَ يَكْتُب الْكِتَاب الْعَرَبِيّ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْكِتَابَيْنِ وَاللِّسَانَيْنِ . وكان شيخاً كبيراً قد عمي . [ المقطع الآخير من صحيح البخاري].
    (9. ) تتشابه هذه الرواية مع رواية قصتها علينا السيدة صفية بن حيي رضي الله عنها؛ ذكرها الكاتب عند الحديث عن سيرتها وقد نشرها الموقع .
    (10. ) جمعة؛ أحمد خليل، نساء اهل البيت، ص: 18 ـ 20، اليمامة للطباعة والنشر، دمشق ~ سورية .
    (11. ) نقلاُ عن أسد الغابة في معرفة الصحابة.
    ـــــــــــــــــــــــــــ
    يتبع إن شاء الرحمن الرحيم مالك يوم الدين

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    157
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-07-2012
    على الساعة
    04:45 PM

    افتراضي

    النجومُ المضيئةُ والدررُ البهيجة .. المنثورةُ على طريقِ السيدة خديجة؛ صاحبةِ النسبِ والحسب والشرف والجمال والمال ..
    بحثٌ (*) في سيرة أم المؤمنين
    « الطاهرة خديجة بنت خويلد » رضي الله عنها
    الزواج الميمون من الشاب القوي الأمين

    الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .
    قال العسقلاني في الإصابة :" وكان تزويج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خديجة قبل البعثة بخمس عشرة سنة، وقيل أكثر من ذلك " . وجاء في الموسوعة التاريخية :" كان زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها العام : 28 ق. هـ. العام الميلادي: 595 ".
    **
    حَدِيثُ التَزْوِيجِ ؛ و مَنْ الّذِي زَوّجَ خَدِيجَةَ ؟
    توجد روايات متعارضة وقد وَهمَ بعض الكُتَّابِ القدماء في هذه المسألة ويعود ذلك لما توفر وقتئذ لديهم من مرويات وسنذكرها ثم نحققها : فقد روى الحافظ ابن كثير في بدايته :" عن مقسم بن أبي القاسم - مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل - أن عبدالله بن الحارث حدثه‏أن عمار بن ياسر كان إذا سمع ما يتحدث به الناس عن تزويج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وما يكثرون فيه، يقول‏ :"‏ أنا أعلمُ الناس بتزويجه إياها، إني كنت له ترباً، وكنتُ له إِلفاً وخِدناً‏.‏ وإني خرجتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ذاتَ يومٍ حتى إذا كنَّا بالحَزورةِ(1)، أجزنا على أختِ خديجةَ وهي جالسة على أدم تبيعها فنادتني، فانصرفتُ إليها، ووقف لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت‏ :"‏ أما بصاحبِكَ هذا من حاجةٍ في تزويج خديجة "‏.‏ قال عمار ‏:"‏ فرجعتُ إليه فأخبرتُه "، فقال‏ :" ‏بل لعمري ‏"‏‏.‏
    فذكرتُ لها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت‏ :"‏ اغدوَا علينا إذا أصبحنا ". فغدونا عليهم فوجدناهم قد ذبحوا بقرةً، وألبسوا أبا خديجة حلة وصفرت لحيته، وكلمتْ أخاها، فكلم أباه، وقد سقى خمراً، فذكر له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومكانه، وسألته أن يزوجه فزوجه خديجة، وصنعوا من البقرةِ طعاماً فأكلنا منه‏ .‏ ونامَ أبوها ثم استيقظَ صاحياً فقال‏ :"‏ ما هذه الحلة‏ وما هذه الصفرة، وهذا الطعام‏؟ ". ‏ فقالت له ابنته التي كانت قد كلمت عماراً ‏:‏" هذه حلة كساكها محمد بن عبدالله ختنك، وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة "، فأنكر أن يكون زوجه، وخرج يصيح حتى جاء الحجر، وخرج بنو هاشم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاؤه فكلموه ‏.‏ فقال ‏:"‏ أين صاحبكم الذي تزعمون أني زوجته خديجة ‏؟‏ ، فبرز له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما نظر إليه قال ‏:"‏ إن كنت زوجته فسبيل ذاك، وإن لم أكن فعلت فقد زوجته " ‏.‏
    وقد ذكر الزهري في سِيره أن أباها (2) زوجها منه(3) وهو سكران؛ وهذه الرواية فيها نظر ولا يترك المسألةَ السهيليُّ هكذا دون بيان فيقول في روضه :" وَذَكَرَ الزّهْرِيّ فِي سِيَرِهِ وَهِيَ أَوّلُ سِيرَةٍ أُلّفَتْ فِي الْإِسْلَامِ؛ كَذَا رُوِيَ عَنْ [عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عُبَيْدٍ ] الدّرَاوَرْدِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ قَالَ لِشَرِيكِهِ؛ الّذِي كَانَ يَتّجِرُ مَعَهُ فِي مَالِ خَدِيجَةَ :" هَلُمّ فَلْنَتَحَدّثْ عِنْدَ خَدِيجَةَ " وَكَانَتْ تُكْرِمُهُمَا وَتُتْحِفُهُمَا، فَلَمّا قَامَا مِنْ عِنْدِهَا جَاءَتْ امْرَأَةٌ مُسْتَنْشِئَةٌ - وَهِيَ الْكَاهِنَةُ - كَذَا قَالَ الْخَطّابِيّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَتْ لَهُ :" جِئْت خَاطِباً يَا مُحَمّدُ " ، فَقَالَ :"كَلّا"، فَقَالَتْ :" وَلِمَ ؟؛ فَوَاَللّهِ مَا فِي قُرَيْشٍ امْرَأَةٌ وَإِنْ كَانَتْ خَدِيجَةَ إلّا تَرَاك كُفْئًا لَهَا"، فَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ خَاطِباً لِخَدِيجَةَ مُسْتَحْيِياً مِنْهَا، وَكَانَ خُوَيْلِدٌ أَبُوهَا سَكْرَانَ مِنْ الْخَمْرِ فَلَمّا كُلّمَ فِي ذَلِكَ أَنْكَحَهَا، فَأَلْقَتْ عَلَيْهِ خَدِيجَةُ حُلّةً وَضَمّخَتْهُ بِخَلُوقِ فَلَمّا صَحَا مِنْ سُكْرِهِ قَالَ مَا هَذِهِ الْحُلّةُ وَالطّيبُ ؟ فَقِيلَ إنّك أَنْكَحْت مُحَمّداً خَدِيجَةَ وَقَدْ ابْتَنَى بِهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ ثُمّ رَضِيَهُ وَأَمْضَاهُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ أَبَاهَا كَانَ حَيّا، وَأَنّهُ الّذِي أَنْكَحَهَا . كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ . وَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ فِي ذَلِكَ :
    لَا تَزْهَدِي خَدِيجَ فِي مُحَمّدِ نَجْمٌ يُضِيءُ كَإِضَاءِ الْفَرْقَدِ
    **
    وَقِيلَ إنّ عَمْرَو بْنَ خُوَيْلِدٍ أَخَاهَا هُوَ الّذِي أَنْكَحَهَا مِنْهُ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ . وحكى السهيلي في الروض الأنف فقال في الجزء الأول :" مَشْيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ إلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ مَعَ عَمّهِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ خُوَيْلِداً كَانَ إذْ ذَاكَ قَدْ أُهْلِكَ وَأَنّ الّذِي أَنْكَحَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا هُوَ عَمّهَا عَمْرُو بْنُ أَسَدٍ، قَالَهُ الْمُبَرّدُ وَطَائِفَةٌ مَعَهُ وَقَالَ أَيْضاً :" إنّ أَبَا طَالِبٍ هُوَ الّذِي نَهَضَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ وَهُوَ الّذِي خَطَبَ خُطْبَةَ النّكَاحِ وَكَانَ مِمّا قَالَهُ فِي تِلْكَ الْخُطْبَةِ :"
    أَمّا بَعْدُ فَإِنّ مُحَمّدًا مِمّنْ لَا يُوَازَنُ بِهِ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ إلّا رَجَحَ بِهِ شَرَفًا وَنُبْلًا وَفَضْلًا وَعَقْلًا، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ قُلّ، فَإِنّمَا ظِلّ زَائِلٌ وَعَارِيَةٌ مُسْتَرْجَعَةٌ وَلَهُ فِي خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَغْبَةٌ وَلَهَا فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ " . فَقَالَ عَمْرٌو :" هُوَ الْفَحْلُ الّذِي لَا يُقْدَعُ أَنْفُهُ "، فَأَنْكَحَهَا مِنْهُ ، وَيُقَالُ قَالَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ.
    ويتابع السهيلي الحديث في روضه فيقول :" .. وَاَلّذِي قَالَهُ الْمُبَرّدُ هُوَ الصّحِيحُ لِمَا رَوَاهُ الطّبَرِيّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ كُلّهِمْ قَالَ :" إنّ عَمْرَو بْنَ أَسَدٍ هُوَ الّذِي أَنْكَحَ خَدِيجَةَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ وَأَنّ خُوَيْلِداً كَانَ قَدْ هَلَكَ قَبْلَ الْفِجَارِ، وَخُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ هُوَ الّذِي نَازَعَ تُبّعًا الْآخَرَ حِينَ حَجّ وَأَرَادَ أَنْ يَحْتَمِلَ الرّكْنَ الْأَسْوَدَ مَعَهُ إلَى الْيَمَنِ، فَقَامَ فِي ذَلِكَ خُوَيْلِدٌ وَقَامَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ ثُمّ إنّ تُبّعًا رُوّعَ فِي مَنَامِهِ تَرْوِيعًا شَدِيدًا حَتّى تَرَكَ ذَلِكَ وَانْصَرَفَ عَنْهُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ " .
    التحقيق في مسألة التزويج :
    يقول صاحب الرحيق المختوم :" ولما رجع صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأي فيه صلى الله عليه وآله وسلم من خِلالٍ عَذْبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت ضالتها المنشودة ـ وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبي عليهم ذلك ـ فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه(4) . ويتمم صاحب أسد الغابة المشهد بقوله :" فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أني قد رغبتُ فيك، لقرابتِك مني، وشرفِك وأمانتِك، وحسن خلقك، وصدق حديثك "، وصاحب الرحيق المختوم يقول :" ونفيسة بنت منبه؛ هذه ذهبت إليه صلى الله عليه وآله وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضى بذلك، وخبر السيدة نفيسة بنت منبه جاء في طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام(5) .
    صاحب الرحيق المختوم يذكر عن نفيسة بنت منبه أنها قالت:" كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة شريفة مع ما أراد الله لها من الكرامة والخير وهي يومئذ أوسط قريش نسباً وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً وكان كل قومه حريصاً علي نكاحها لو قدر علي ذلك قد طلبوها وبذلوا لها الأموال، وهذا ما ذكره صاحب الروض الأنف :" ثُمّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمئِذٍ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَباً، وَأَعْظَمَهُنّ شَرَفاً، وَأَكْثَرَهُنّ مَالًا، كُلّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ . " فأرسلتني دسيساً إلي محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت :" يا محمد ما يمنعك أن تتزوج ؟"، فقال :" ما بيدي ما أتزوج به! " . فقلت : "فإن كفيت ذلك ودعيت إلي المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟" قـال :" فمن هي ؟ " قـلت :" خديجة" . قـال : " وكيف لي بذلك ؟ " قلت :" عليّ ". قال :" فأنا أفعل " . فذهبت فأخبرتها، قالت :" فأرسلت إليه أن ائت الساعة كذا وكذا فحضر وأرسلت إلي عمها عمرو بن أسد ليزوجها فخرج أبو طالب مع عشرة من قومه حتي دخلوا علي عمها فخطبها منه، ثم قال :" الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضي معد (6) وعنصر مضر وجعلنا حضنةَ بيته وسوّاس حرمه وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً وجعلنا حكام الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبدالله لا يوزن به رجل إلا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً وإن كان في المال قلاً (قلة) فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل، وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة وقد بذل لها من الصداق عاجله وآجله اثنتي عشرة أوقية ونشا، فقال عمرو بن أسد عمها : هو الفحل لا يقدع أنفه(7).
    *****
    محصلة التحقيق :
    قال عمر بن أبي بكر المؤملي‏ :" المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه"، وهذا هو الذي رجحه السهيلي، والذي أُسند عن عائشةَ عند العسقلاني في الإصابة إذ قال :" ثم أسند عن عائشة أن الذي زوجها عمها عمرو لأن أباها كان مات في الجاهلية، قال الواقدي :"هذا المجمع عليه عندنا " وحكاه عن ابن عباس وعائشة قالت‏ :‏" ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 362)‏ وكان خويلد مات قبل الفجار"‏.‏ وذكر ابن إسحاق في آخر السيرة ‏:"‏ أن أخاها عمرو بن خويلد هو الذي زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالله أعلم‏ .‏ ابن كثير البداية والنهاية .
    وبهذا التحقيق فقد وهم من ظنَّ بأن الزواج تم على يد خويلد وهو سكران فهو كما حققه المؤملي والواقدي والسهيلي : فقد هلك قبل حرب الفجار .
    **
    عُمر الشاب الأمين وقت زواجه :
    اختلفت الأقوال في عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمر خديجة حين زواجهما، ولكن غايتنا هنا ليس هو ترجيح العام بقدر ذكر الحدث نفسه . فقد قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :" فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ خَمْساً وَعِشْرِينَ سَنَةً تَزَوّجَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ، فِيمَا حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ (8)، وقد أولم عليها رسول الله ، " فنحر جزوراً أو جزورين وأطعم الناس وأمرت خديجة جواريها أن يغنينَّ ويضربنَّ بالدفوف .وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بَكْرة " (9).
    **
    يرجح صاحب أسد الغابة في معرفة الصحابة المسألة بقوله :" .. لما تزوج خديجة كان عمره خمساً وعشرين سنة، وكانت هي ابنة أربعين سنة" ولكنه يحتاط فلا يجزم فيقول :".. وقيل‏:‏ غير ذلك " .
    **
    صداق السيدة خديجة : ‏‏
    قال صاحب الروض الأنف :" قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً وَكَانَتْ أَوّلَ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَتَزَوّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا حَتّى مَاتَتْ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا " . وصاحب أسد الغابة يبين صداقها بقوله :" فخطبها وتزوجها على اثنتي عشرة أوقية ونصف الأوقية وأربعون درهماً‏. وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسباً وثروةً وعقلاً، ولما تزوج خديجة كان عمره خمساً وعشرين سنة، وكانت هي ابنة أربعين سنة، وقيل‏:‏ غير ذلك‏."، وأصدقها عشرين بَكْرة (المصدر: السيرة النبوية لعلي محمد الصلابي ( 1 / 70 ) .
    **
    وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت‏ .

    *****
    يتبع باذن الله تعالى ..
    (*) شهر الصيام الفضيل 1431 هـ ، الصفحة الخامسة من ملف الهدى
    21 من رمضان 1431 هـ ~ 31 أغسطس 2010م
    ــــــــــــــــــ
    المراجع / الهوامش :
    (1. ) الحزوَرة : بفتح الواو تارة وتشديدها تارة أخرى ، وهي في اللغة : الربوة الصغيرة ، وفي الاصطلاح المكي هي : سوق عند باب الوداع ، أو هي ما بينه وبين باب سيدنا إبراهيم فهي منطقة قديمة أمام المسجد الحرام من الجهة الغربية. وكونها ربوة أمام الحرم يحتمل أن يكون ذلك قبل تسوية الأرض المحاطة بالمسجد الحرام ، ولعلها ذهبت مع السيول . قال الأزرقي في تاريخه : روى سفيان عن ابن شهاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالحزورة :" أما والله إنك لاحب البلاد إلى الله سبحانه ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت "( الحديث رواه الترمذي [3860] وابن ماجه [3099] ). وعن الزهري عن أبي سلمة عن عبدالله بن عدي بن حمراء الزهري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقفاً على الحزورة فقال :" والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" نفس المرجع السابق . قال سفيان : وقد دخلت الحزورة في المسجد الحرام . وفي رواية : عن أبى سلمة عن عبدالله بن عدي بن حمراء قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله سلم وهو واقف على راحلته بالحزورة في سوق بمكة وذكر الحديث بكامله . وجاء في شفاء الغرام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقف يوم فتح مكة على راحلته بالحزورة وهو يقول لمكة :" والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت) . وكان ذلك في ليلة الهجرة النبوية ، وهي أمام باب سيدنا إبراهيم قبل التوسعة السعودية ، وأمام المدرسة الفخرية ، وبعدها مبنى (الداودية) وهي رباط أنشأه داود باشا في عهد الدولة العثمانية ، وكان في الرباط مدرسة وميضئة مياه ، وفي الجنوب الشرقي تقع التكية المصرية . وفي مكان آخر يقول الفاسي :" إن الناس من قديم يثصحفونها" ، وكان عندها سوق الحناطين بمكة وهي في أسفلها عند منارة المسجد الحرام التي تلي أجياد ، وما وقع للطبراني من أن الحزورة في شرقي مكة تصحيف صوابه سوق مكة كما وقع مصرحاً به في مسند أحمد بن حنبل وذكر بعض المكيين أن الحزورة بفناء دار الأرقم يعني دار الخيزران التي عند الصفان ، وقال الأزرقي : والأول – أنها كانت عند الحناطين – أثبت وأشهر عند أهل مكة .[ المصدر : تاريخ الزهور المقتطفة ج2 ص690 ] . ومكان هذه السوق هو محل توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله للمسجد الحرام في الجهة الغربية منه . والسوق أمام هذه الأبواب من المسجد الحرام : باب الوداع ، وباب سيدنا إبراهيم وباب أم هاني ، وباب الشبيكة من الجهة الغربية .
    (2. ) جاء في الموسوعة الحديثية ما نصه :" أن عمها [ أي خديجة بنت خويلد ] عمرو بن أسد زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أباها مات قبل الفجار . وراوي هذا الخبر: عبدالله بن عباس ومحمد بن جبير بن مطعم وعائشة والمحدث هو الواقدي وجاء الخبر في تاريخ الطبري برقم: 2/282، ودرجة الحديث : ثبت محفوظ.
    (3. ) ابن هشام كتب تحت عنوان :" الرسول صلى الله عليه وسلم يتزوج من خديجة بعد استشارة أعمامه :" فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه عمه حمزة بن عبدالمطلب، رحمه الله، حتى دخل على خويلد ابن أسد، فخطبها إليه، فتزوجها ‏‏.‏‏ " وصاحب الروض الأنف يروي حادثة فيقول :" فَلَمّا قَالَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَعْمَامِهِ فَخَرَجَ مَعَهُ عَمّهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَحِمَهُ اللّهُ حَتّى دَخَلَ عَلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ فَخَطَبَهَا إلَيْهِ فَتَزَوّجَهَا ". وهذه رواية ابن كثير في بدايته أيضاً ج: 2، ص: 359 .
    (4. ) جاء عند الإصابة في معرفة الصحابة الجزء الثامن ما نصه :" أسلمت نفيسة بنت منية وهي التي مشت بين خديجة والنبي صلى الله عليه وسلم حتى تزوجها‏ " .
    (5. ) رواية العسقلاني عن نفيسة :" وقد أسند الواقدي قصة تزويج خديجة من طريق أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت منية أخت يعلى . قال :" كانت خديجة امرأة شريفة جلدة كثيرة المال، ولما تأيمت كان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها فلما أن سافر النبي صلى الله عليه وسلم في تجارتها ورجع ربح وافر رغبت فيه فأرسلتني [أي السيدة نفيسة] دسيساً إليه فقلت له:" ما يمنعك أن تزوج"، فقال :" ما في يدي شيء"، فقلت :" فإن كفيت ودعيت إلى المال والجمال والكفاءة " ، قال:" ومن !"، قلت :" خديجة!"، فأجاب" .
    (6. ) أي من نسل معد .
    (7. ) وصاحب الاستيعاب يؤكد هذه الرواية بقوله :" زوجه إياها عمرو بن أسد بن عبدالعزى بن قصي‏.
    (8. ) وكان عمر رسول الله يومها خمساً وعشرين عاماً وكان عمرها أربعين سنة أو تزيد قليلاً علي الأرجح ، ويوجد تحقيق عند ابن كثير في بدايته فيقول :" قال ابن هشام‏ :"‏ وكان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة خمساً وعشرين سنة، فيما حدثني غير واحد من أهل العلم منهم‏ :‏ أبو عمرو المدني‏ .‏ وقال يعقوب بن سفيان كتبت عن إبراهيم بن المنذر حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي ، حدثني غير واحد ‏:‏ أن عمرو بن أسد زوج خديجة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره خمساً وعشرين سنة وقيل: كان خمسا وعشرين وقيل سبعا وعشرين وقيل ثلاثين وقيل غير ذلك، وأما عُمرُ خديجةَ فكذلك تضاربت الأقوال بين خمس وثلاثين وأربعين وغير ذلك، وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ثيب، وقريش تبني الكعبة‏.‏
    وهكذا نقل البيهقي عن الحاكم ‏:‏ أنه كان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة خمساً وعشرين سنة، وكان عمرها إذ ذاك خمساً وثلاثين، وقيل ‏:‏ خمساً وعشرين سنة‏ "، فبنى بها وله خمس وعشرون ... هذا ما جاء في سير أعلام النبلاء ( 3 / 57 ) ، و صاحب الاستيعاب يذكر لنا تاريخاً آخر فيقول :" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تزوج خديجة ابن إحدى وعشرين سنة وقيل ابن خمس وعشرين سنة وهو الأكثر وقيل ابن ثلاثين سنة ".
    (9. ) السيرة النبوية لعلي محمد الصلابي ( 1 / 70 ) .
    ـــــ
    يتبع إن شاء القادر رب العزة سبحانه وتعالى

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    157
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-07-2012
    على الساعة
    04:45 PM

    افتراضي

    النجومُ المضيئةُ والدررُ البهيجة .. المنثورةُ على طريقِ السيدة خديجة؛ صاحبةِ النسبِ والحسب والشرف والجمال والمال ..
    بحثٌ (*) في سيرة أم المؤمنين
    « الطاهرة خديجة بنت خويلد » رضي الله عنها

    إسلام السيدة خديجة
    تمهيد :
    توجد شخصيات لم تسطر التاريخ أو تكتبه فحسب أو تتعايش معه فقط بل صنعته وشاركت في صياغته؛ من هذه الشخصيات السيدة خديجة رضي الله عنها ؛ أم المؤمنين أم القاسم والفاطمة الزهراء البتول ؛ سيدة نساء الجنة والعالمين، ونخرجُ من الروايات التي ذكرها كُتَّاب السير بنتيجة وهي أن السيدة خديجة اختارت برغبتها الزواج بالشاب الأمين محمد، وهي الزوج التي مكثت مع الشاب القوي الأمين خمسة عشر عاما قبل البعثة وكانت نِعم المرأة الصالحة التي تقف بجوار زوجها وكان لها دورا متميزا عند البعثة، كانت خديجة رضي الله عنها قد ألقى الله في قلبها صفاء الروح، ونور الإيمان، والاستعداد لتقبُّل الحق، كان قد مضى على زواجها من محمد 15 عاماً، وقد بلغ محمد الأربعين من العمر، وكان قد اعتاد على الخلوة في غار "حراء" ليتأمل ويتدبر في الكون . قال السهيلي في روضه الأنف :" وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَصَدّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللّهِ وَوَازَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ وَكَانَتْ أَوّلَ مَنْ آمَنَ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَصَدّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ فَخَفّفَ اللّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ فَيَحْزُنُهُ ذَلِكَ إلّا فَرّجَ اللّهُ عَنْهُ بِهِ إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبّتُهُ وَتُخَفّفُ عَلَيْهِ وَتُصَدّقُهُ وَتُهَوّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النّاسِ؛ رَحِمَهَا اللّهُ تَعَالَى ". فلنتبعها عن كثب .

    بداية البعثة ودور (*) أم المؤمنين خديجة في تثبيت النبي المصطفى صلوات الله عليه وآله وسلم والوقوف بجواره بما آتاها الله من رجحان عقل وقوة شخصية ليبشّره ورقة بن نوفل باصطفاء الله له خاتماً للأنبياء عليهم السلام، وفي ليلة القدر، عندما نزل الوحى على محمدٍ واصطفاه الله ليكون خاتم الانبياء والمرسلين كما :
    حَدَّثَنَا ‏يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏اللَّيْثُ ‏‏عَنْ ‏عُقَيْلٍ ‏عَنْ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏عَنْ ‏عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ‏عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏أَنَّهَا قَالَتْ:« ‏أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ‏ ‏مِنْ الْوَحْيِ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ ‏‏فَلَقِ‏ ‏الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ وَكَانَ يَخْلُو ‏ ‏بِغَارِ حِرَاءٍ ‏ ‏فَيَتَحَنَّثُ (1) ‏فِيهِ ‏- ‏وَهُوَ التَّعَبُّدُ -‏ ‏اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ ‏ ‏قَبْلَ أَنْ ‏ ‏يَنْزِعَ ‏ ‏إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى‏ ‏خَدِيجَةَ‏ ‏فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ (2) وَهُوَ فِي‏غَارِ حِرَاءٍ ‏ ‏فَجَاءَهُ ‏الْمَلَكُ (3) فَقَالَ :"‏ ‏اقْرَأْ "، قَالَ :" مَا (4) أَنَا بِقَارِئٍ "، قَالَ :" فَأَخَذَنِي‏ ‏فَغَطَّنِي‏ ‏حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ ‏ ‏أَرْسَلَنِي " ، ‏فَقَالَ :" اقْرَأْ "، قُلْتُ :" مَا أَنَا بِقَارِئٍ "، فَأَخَذَنِي ‏فَغَطَّنِي ‏الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ ‏ ‏أَرْسَلَنِي، ‏‏فَقَالَ :" اقْرَأْ "، فَقُلْتُ :" مَا أَنَا بِقَارِئٍ " (5)، فَأَخَذَنِي ‏ ‏فَغَطَّنِي (6)‏ ‏الثَّالِثَةَ ثُمَّ ‏ ‏أَرْسَلَنِي ‏ ‏فَقَالَ : ‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ ‏‏عَلَقٍ ‏ ‏اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ [ 96 / العلق / الآية - 1 - 5 ] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ‏ ‏يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى‏ ‏خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏فَقَالَ ‏:" ‏زَمِّلُونِي ‏ ‏زَمِّلُونِي "؛ ‏فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ‏ ‏الرَّوْعُ (7) فَقَالَ ‏ ‏لِخَدِيجَةَ :" لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي "‏ ‏(8) وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ " .
    فبماذا ردت السيدة الكريمة على زوجها في هذا الموقف العصيب وكيف تصرفت!! ؛ فلنسمع لقولها بعد أن طمأنته قائلةً ‏ ‏خَدِيجَةُ له :" ‏ ‏كَلَّا؛ وَاللَّهِ ‏ ‏مَا يُخْزِيكَ (9) ‏اللَّهُ أَبَدًا : إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ‏ ‏الْكَلَّ‏ ‏وَتَكْسِبُ ‏الْمَعْدُومَ ‏وَتَقْرِي‏ ‏الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى‏ ‏نَوَائِبِ ‏‏الْحَقِّ (10) فَانْطَلَقَتْ بِهِ‏ ‏خَدِيجَةُ ‏حَتَّى أَتَتْ بِهِ ‏وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى؛ ‏ابْنَ عَمِّ ‏ ‏خَدِيجَةَ،‏ ‏وَكَانَ امْرَأً قَدْ ‏ ‏تَنَصَّرَ ‏(11) ‏فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ (12) مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ ‏خَدِيجَةُ :" ‏ ‏يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ " (13)، فَقَالَ لَهُ ‏وَرَقَةُ :" ‏‏يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى !؟" فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ‏خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ ‏وَرَقَةُ ‏:" ‏هَذَا ‏ ‏النَّامُوسُ ‏الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى‏ ‏مُوسَى (14)، ‏يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا (15) لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ !"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ :"‏ ‏أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ !! "(16)، قَالَ :" نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ (17) وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا ‏ ‏مُؤَزَّرًا "،‏ ‏ثُمَّ لَمْ ‏ ‏يَنْشَبْ (18)‏ ‏وَرَقَةُ ‏ ‏أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ .. حتى حزن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيما بلغنا [هكذا يقول البخاري]، حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل، فقال : يا محمد، إنك رسول الله حقا . فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك .‏» [ هذه رواية البخاري في صحيحه ] .
    انها حالة نادرة الحدو ث وتحتاج لتثبت وموقف السيدة خديجة؛ زوج النبي وتصرفها يمتاز بالتثبت من أهل العلم ومراجعة ما يقولون .
    ‏قَالَ ‏ ‏ابْنُ شِهَابٍ‏ ‏وَأَخْبَرَنِي ‏أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ‏ ‏أَنَّ ‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ ‏ ‏قَالَ‏ ‏وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ :" بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا ‏ ‏الْمَلَكُ‏ ‏الَّذِي جَاءَنِي ‏‏بِحِرَاءٍ ‏جَالِسٌ [ قاعد] عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَرُعِبْتُ مِنْهُ (19) [فجئثت منه،حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي ] فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ :" ‏زَمِّلُونِي ‏ ‏زَمِّلُونِي " [وجاء عند البخاري والشوكاني :" فدثروني ، وفي رواية للبخاري أيضا (فزملوني) ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
    (20) يَا أَيُّهَا ‏الْمُدَّثِّرُ ‏ ‏قُمْ فَأَنْذِرْ ‏.... ‏إِلَى قَوْلِهِ ...‏ ‏وَالرُّجْزَ ‏ ‏فَاهْجُرْ‏


    قبل أن تفرض الصلاة ، - قال أبو سلمة : وهي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدون، فَحَمِيَ‏ ‏الْوَحْيُ (21) وَتَتَابَعَ. ‏تَابَعَهُ (المقصود يَحْيَى بْن بُكَيْر) ‏عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ‏‏وَأَبُو صَالِحٍ ‏وَتَابَعَهُ ‏هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ ‏عَنْ ‏الزُّهْرِيِّ ‏ ‏وَقَالَ ‏يُونُسُ ‏وَمَعْمَرٌ ‏ ‏بَوَادِرُهُ (22) [ هذه الرواية جاءت أيضاً في صحيح البخاري ] .
    يروي ابن حجر العسقلاني روايةً في الإصابةِ فيقول :" وعند أبي نعيم في الدلائل بسند ضعيف عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً معها (أي السيدة أم المؤمنين خديجة) إذا رأى شخصاً بين السماء والأرض فقالت له خديجة:" ادن مني فدنا منها " ، فقالت :" تراه!" ، قال :" نعم "، قالت :" أدخل رأسك تحت درعي "، ففعل فقالت :" تراه ! "قال :" لا "، قالت :" أبشر ؛ هذا ملك إذ لو كان شيطاناً لما استحيا ". [ضعيف]
    وجاء في فتح الباري لابن حجر العسقلاني أيضاً من رواية إسماعيل بن ابي حكيم : أن خديجة قالت :" أي ابن عم [ ارادت المصطفى الهادي ] أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاء ؟"، قال :" نعم"، فجاءه جبريل، فقال :" يا خديجة، هذا جبريل"، قالت:" قم فاجلس على فخذي اليسرى"، ثم قالت :" هل تراه ؟" قال :" نعم"، قالت:" فتحول إلى اليمنى كذلك"، ثم قالت :" فتحول فاجلس في حجري كذلك"، ثم ألقت خمارها وتحسرت وهو في حجرها وقالت :" هل تراه ؟" قال :"لا" ، قالت :" اثبت"، فوالله إنه لملك وما هو بشيطان " . [ الحديث مرسل ] (23) .
    وجاء أيضا عند ابن حجر العسقلاني في فتح الباري من رواية أبي ميسرة :" أنه صلى الله عليه وآله وسلم قصَّ على خديجة ما رأى في المنام فقالت:" له أبشر فإن الله لن يصنع بك إلا خيراً"، ثم أخبرها بما وقع له من شق البطن وإعادته، فقالت له:" أبشر إن هذا والله خير "، ثم استعلن له جبريل فذكر القصة فقال لها:" أرأيتك الذي كنت رأيت في المنام فإنه جبريل استعلن لى بأن ربى أرسله إلى" ، وأخبرها بما جاء به فقالت:" أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا فاقبل الذي جاءك من الله فإنه حق وأبشر فإنك رسول الله حقا" . [ الحديث مرسل ]
    وتوجد رواية آخرى جاءت في كتاب " السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص 230 " : قال ابن إسحاق:"عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله:" أي ابن عم؛ أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟" قال:" نعم"، فجاءه جبريل عليه السلام، فقال رسول الله لخديجة:" يا خديجة هذا جبريل قد جاءني"، قالت:" قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى"؛ فقام رسول الله فجلس عليها، قالت:" هل تراه؟" قال :" نعم"، قالت :"فتحول واجلس على فخذي اليمنى"; فتحول رسول الله فجلس على فخذها اليمنى، فقالت:" هل تراه؟" قال:" نعم"، قالت:" فتحول واجلس في حجري"، فتحول رسول الله فجلس في حجرها، قالت :" هل تراه؟" قال:" نعم"، [وفي رواية أخرى] أدخلت رسول الله بينها وبين درعها، ثم ألقت خمارها عن وجهها، ورسول الله جالس في حجرها، ثم قالت:" له هل تراه؟" قال:" لا"، فذهب عند ذلك جبريل، فقالت:" يا ابن عم؛ اثبت وأبشر ؛ فو الله إنه لملك وما هذا بشيطان".وهذا حديث لا يثبت.
    ثم رآه بأجياد فنزل إليه وبسط له بساطاً وبحث في الأرض فنبع الماء فعلمه جبريل كيف يتوضأ فتوضأ وصلى ركعتين نحو الكعبة وبشره بنبوته وعلمه « اقرأ باسم ربك » ، ثم انصرف فلم يمر على شجر ولا حجر إلا قال :" سلام عليك يا رسول الله " ، فجاء إلى خديجة فأخبرها فقالت :" أرني كيف أراك فأراها فتوضأت كما توضأ ثم صلت معه وقالت أشهد أنك رسول الله " . ثم يقول في الإصابة في تميز الصحابة، الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في نهاية الرواية ؛ قلت :" وهذا أصرح ما وقفت عليه في نسبتها إلى الإسلام " .

    ... يتبع إن شاء الله تعالى
    (*) الصفحة السادسة من ملف الهدى
    12 شوال من العام الهجري 1431 ~ 19 سبتمبر من العام الميلادي 2010 .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    الهوامش والمراجع :
    (1. ) جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام ابن حدجر العسقلاني :" بِمَعْنَى يَتَحَنَّف، أَيْ : يَتَّبِع الْحَنِفِيَّة وَهِيَ دِين إِبْرَاهِيم، وَالْفَاء تُبْدَل ثَاء فِي كَثِير مِنْ كَلَامهمْ . وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن هِشَام فِي السِّيرَة " يَتَحَنَّف " بِالْفَاءِ أَوْ التَّحَنُّث إِلْقَاء الْحِنْث وَهُوَ الْإِثْم، كَمَا قِيلَ يَتَأَثَّم وَيَتَحَرَّج وَنَحْوهمَا . ‏ قَوْله :" وَهُوَ التَّعَبُّد "‏ هَذَا مُدْرَج فِي الْخَبَر، وَهُوَ مِنْ تَفْسِير الزُّهْرِيّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الطِّيبِيُّ وَلَمْ يَذْكُر دَلِيله، نَعَمْ فِي رِوَايَة الْمُؤَلِّف مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْهُ فِي التَّفْسِير مَا يَدُلّ عَلَى الْإِدْرَاج . ‏قَوْله :" اللَّيَالِي ذَوَات الْعَدَد" ‏يَتَعَلَّق بِقَوْلِهِ يَتَحَنَّث، وَإِبْهَام الْعَدَد لِاخْتِلَافِهِ، كَذَا قِيلَ . وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُدَد الَّتِي يَتَخَلَّلهَا مَجِيئُهُ إِلَى أَهْله، وَإِلَّا فَأَصْل الْخَلْوَة قَدْ عُرِفَتْ مُدَّتهَا وَهِيَ شَهْر، وَذَلِكَ الشَّهْر كَانَ رَمَضَان رَوَاهُ اِبْن إِسْحَاق .
    (2. ) وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ :" إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ كَانَ أَوَّل شَأْنه يَرَى فِي الْمَنَام، وَكَانَ أَوَّل مَا رَأَى جِبْرِيل بِأَجْيَاد، صَرَخَ جِبْرِيل :" يَا مُحَمَّد " فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَفَعَ بَصَره فَإِذَا هُوَ عَلَى أُفُق السَّمَاء فَقَالَ " يَا مُحَمَّد ، جِبْرِيل " فَهَرَبَ فَدَخَلَ فِي النَّاس فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهُمْ فَنَادَاهُ فَهَرَبَ . ثُمَّ اِسْتَعْلَنَ لَهُ جِبْرِيل مِنْ قِبَل حِرَاء، ‏فَذَكَر قِصَّة إِقْرَائِهِ ( اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك ) ‏وَرَأَى حِينَئِذٍ جِبْرِيل لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ يَاقُوت يَخْتَطِفَانِ الْبَصَر، وَهَذَا مِنْ رِوَايَة اِبْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي الْأَسْوَد، وَابْن لَهِيعَة ضَعِيف . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا " لَمْ أَرَهُ - يَعْنِي جِبْرِيل - عَلَى صُورَته الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا إِلَّا مَرَّتَيْنِ "وَبَيَّنَ أَحْمَد فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ عِنْد سُؤَاله إِيَّاهُ أَنْ يُرِيه صُورَته الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَة عِنْد الْمِعْرَاج . وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيق مَسْرُوق عَنْ عَائِشَة " لَمْ يَرَ مُحَمَّد جِبْرِيل فِي صُورَته إِلَّا مَرَّتَيْنِ : مَرَّة عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى، وَمَرَّة فِي أَجْيَاد " وَهَذَا يُقَوِّي رِوَايَة اِبْن لَهِيعَة، وَتَكُون هَذِهِ الْمَرَّة غَيْر الْمَرَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضُمّهَا إِلَيْهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُون رَآهُ فِيهَا عَلَى تَمَام صُورَته، وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى .
    (3. ) وَوَقَعَ فِي السِّيرَة الَّتِي جَمَعَهَا سُلَيْمَان التَّيْمِيُّ فَرَوَاهَا مُحَمَّد بْن عَبْدالْأَعْلَى عَنْ وَلَده مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جِبْرِيل أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فِي حِرَاء وَأَقْرَأهُ [ اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك ] ثُمَّ اِنْصَرَفَ، فَبَقِيَ مُتَرَدِّدًا، فَأَتَاهُ مِنْ أَمَامه فِي صُورَته فَرَأَى أَمْراً عَظِيماً .
    (4. ) " مَا " نَافِيَة، إِذْ لَوْ كَانَتْ اِسْتِفْهَامِيَّة لَمْ يَصْلُح دُخُول الْبَاء، وَإِنْ حُكِيَ عَنْ الْأَخْفَش جَوَازه فَهُوَ شَاذّ، وَالْبَاء زَائِدَة لِتَأْكِيدِ النَّفْي، أَيْ : مَا أُحْسِنُ الْقِرَاءَة . [العسقلاني]
    (5. ) فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا قِيلَ لَهُ ( اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك ) أَيْ : لَا تَقْرَؤُهُ بِقُوَّتِك وَلَا بِمَعْرِفَتِك؛ لَكِنْ بِحَوْلِ رَبّك وَإِعَانَته؛ فَهُوَ يُعَلِّمك، كَمَا خَلَقَك وَكَمَا نَزَعَ عَنْك عَلَق الدَّم وَغَمْز الشَّيْطَان فِي الصِّغَر، وَعَلَّمَ أُمَّتك حَتَّى صَارَتْ تَكْتُب بِالْقَلَمِ بَعْد أَنْ كَانَتْ أُمِّيَّة، ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيّ . وَقَالَ غَيْره : إِنَّ هَذَا التَّرْكِيب - وَهُوَ قَوْله مَا أَنَا بِقَارِئ - يُفِيد الِاخْتِصَاص . وَرَدَّهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُفِيد التَّقْوِيَة وَالتَّأْكِيد، وَالتَّقْدِير : لَسْت بِقَارِئ أَلْبَتَّةَ . فَإِنْ قِيلَ : لِمَ كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا ؟ أَجَابَ أَبُو شَامَة بِأَنْ يُحْمَل قَوْله أَوَّلًا " مَا أَنَا بِقَارِئ " عَلَى الِامْتِنَاع؛ وَثَانِيًا عَلَى الْإِخْبَار بِالنَّفْيِ الْمَحْض؛ وَثَالِثًا عَلَى الِاسْتِفْهَام . وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي رِوَايَة أَبِي الْأَسْوَد فِي مَغَازِيه عَنْ عُرْوَة أَنَّهُ قَالَ : كَيْفَ أَقْرَأ وَفِي رِوَايَة عُبَيْد بْن عُمَيْر عَنْ اِبْن إِسْحَاق : مَاذَا أَقْرَأ ؟ وَفِي مُرْسَل الزُّهْرِيّ فِي دَلَائِل الْبَيْهَقِيّ :" كَيْفَ أَقْرَأ ؟" كُلّ ذَلِكَ يُؤَيِّد أَنَّهَا اِسْتِفْهَامِيَّة . وَاَللَّه أَعْلَم .
    (6. ) ‏بِغَيْنٍ مُعْجَمَة وَطَاء مُهْمَلَة، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ بِتَاءٍ مُثَنَّاة مِنْ فَوْق كَأَنَّهُ أَرَادَ ضَمَّنِي وَعَصَرَنِي، وَالْغَطّ حَبْس النَّفَس، وَمِنْهُ غَطَّهُ فِي الْمَاء، أَوْ أَرَادَ غَمَّنِي وَمِنْهُ الْخَنْق . وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده بِسَنَدٍ حَسَن : "فَأَخَذَ بِحَلْقِي".
    (7. ) فَزَمَّلُوهُ ‏أَيْ : لَفُّوهُ . وَالرَّوْع بِالْفَتْحِ الْفَزَع .
    (8. ) قَوْله :" لَقَدْ خَشِيت عَلَى نَفْسِي "،‏ دَلَّ هَذَا مَعَ قَوْله " يَرْجُف فُؤَاده " عَلَى اِنْفِعَال حَصَلَ لَهُ مِنْ مَجِيء الْمَلَك، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ " زَمِّلُونِي ".
    وَالْخَشْيَة الْمَذْكُورَة اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِهَا عَلَى اِثْنَيْ عَشَر قَوْلًا :
    أَوَّلهَا : الْجُنُون وَأَنْ يَكُون مَا رَآهُ مِنْ جِنْس الْكَهَانَة، جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي عِدَّة طُرُق، وَأَبْطَلَهُ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ وَحُقّ لَهُ أَنْ يُبْطِل، لَكِنْ حَمَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ قَبْل حُصُول الْعِلْم الضَّرُورِيّ لَهُ أَنَّ الَّذِي جَاءَهُ مَلَك وَأَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه تَعَالَى .
    ثَانِيهَا : الْهَاجِس، وَهُوَ بَاطِل أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرّ وَهَذَا اِسْتَقَرَّ وَحَصَلَتْ بَيْنهمَا الْمُرَاجَعَة .
    ثَالِثهَا : الْمَوْت مِنْ شِدَّة الرُّعْب .
    رَابِعهَا : الْمَرَض، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ اِبْن أَبِي جَمْرَة .
    خَامِسهَا : دَوَام الْمَرَض .
    سَادِسهَا : الْعَجْز عَنْ حَمْل أَعْبَاء النُّبُوَّة .
    سَابِعهَا : الْعَجْز عَنْ النَّظَر إِلَى الْمَلَك مِنْ الرُّعْب .
    ثَامِنهَا : عَدَم الصَّبْر عَلَى أَذَى قَوْمه .
    تَاسِعهَا : أَنْ يَقْتُلُوهُ .
    عَاشِرهَا : مُفَارَقَة الْوَطَن .
    حَادِيَ عَشَرهَا : تَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ .
    ثَانِيَ عَشَرهَا : تَعْيِيرهمْ إِيَّاهُ .
    وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ وَأَسْلَمهَا مِنْ الِارْتِيَاب الثَّالِث وَاَللَّذَانِ بَعْده، وَمَا عَدَاهَا فَهُوَ مُعْتَرَض . وَاَللَّه أعلم .
    (9. ) " كَلَّا " ‏ مَعْنَاهَا النَّفْي وَالْإِبْعَاد، وَيَحْزُنك بِفَتْحِ أَوَّله وَالْحَاء الْمُهْمَلَة وَالزَّاي الْمَضْمُومَة وَالنُّون مِنْ الْحُزْن . وَلِغَيْرِ أَبِي ذَرّ بِضَمِّ أَوَّله وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالزَّاي الْمَكْسُورَة ثُمَّ الْيَاء السَّاكِنَة مِنْ الْخِزْي . ثُمَّ اِسْتَدَلَّتْ عَلَى مَا أَقْسَمَتْ عَلَيْهِ مِنْ نَفْي ذَلِكَ أَبَدًا بِأَمْرٍ اِسْتِقْرَائِيّ وَصَفَتْهُ بِأُصُولِ مَكَارِم الْأَخْلَاق؛ لِأَنَّ الْإِحْسَان إِمَّا إِلَى الْأَقَارِب أَوْ إِلَى الْأَجَانِب؛ وَإِمَّا بِالْبَدَنِ أَوْ بِالْمَالِ؛ وَإِمَّا عَلَى مَنْ يَسْتَقِلّ بِأَمْرِهِ أَوْ مَنْ لَا يَسْتَقِلّ؛ وَذَلِكَ كُلّه مَجْمُوع فِيمَا وَصَفَتْهُ بِهِ .
    (10. ) وَالْكَلّ بِفَتْحِ الْكَاف : هُوَ مَنْ لَا يَسْتَقِلّ بِأَمْرِهِ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ( وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ ) ‏وَقَوْلهَا " وَتَكْسِب الْمَعْدُوم " ‏ فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ وَتُكْسِب بِضَمِّ أَوَّله، وَعَلَيْهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الصَّوَاب الْمُعْدِم بِلَا وَاو أَيْ : الْفَقِير؛ لِأَنَّ الْمَعْدُوم لَا يَكْسِب . قُلْت : وَلَا يَمْتَنِع أَنْ يُطْلَق عَلَى الْمُعْدِم الْمَعْدُوم لِكَوْنِهِ كَالْمَعْدُومِ الْمَيِّت الَّذِي لَا تَصَرُّف لَهُ، وَالْكَسْب هُوَ الِاسْتِفَادَة . فَكَأَنَّهَا قَالَتْ : إِذَا رَغِبَ غَيْرك أَنْ يَسْتَفِيد مَالًا مَوْجُودًا رَغِبْت أَنْتَ أَنْ تَسْتَفِيد رَجُلًا عَاجِزًا فَتُعَاوِنَه . وَقَالَ قَاسِم بْن ثَابِت فِي الدَّلَائِل : قَوْله يَكْسِب مَعْنَاهُ مَا يَعْدَمهُ غَيْره وَيَعْجِز عَنْهُ يُصِيبهُ هُوَ وَيَكْسِبهُ . قَالَ أَعْرَابِيّ يَمْدَح إِنْسَانًا : كَانَ أَكْسَبَهُمْ لِمَعْدُومٍ، وَأَعْطَاهُمْ لِمَحْرُومٍ وَأَنْشَدَ فِي وَصْف ذِئْب ‏ ‏كَسُوب كَذَا الْمَعْدُوم مِنْ كَسْب وَاحِد‏ ‏أَيْ : مِمَّا يَكْسِبهُ وَحْده . اِنْتَهَى . وَلِغَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيّ " وَتَكْسِب " بِفَتْحِ أَوَّله، قَالَ عِيَاض : وَهَذِهِ الرِّوَايَة أَصَحّ . قُالْ ابن حجر : قَدْ وَجَّهْنَا الْأُولَى، وَهَذِهِ الرَّاجِحَة، وَمَعْنَاهَا تُعْطِي النَّاس مَا لَا يَجِدُونَهُ عِنْد غَيْرك، فَحَذَفَ أَحَد الْمَفْعُولَيْنِ، وَيُقَال : كَسَبْت الرَّجُل مَالًا وَأَكْسَبْته بِمَعْنًى . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ تَكْسِب الْمَالَ الْمَعْدُومَ وَتُصِيب مِنْهُ مَا لَا يُصِيب غَيْرك . وَكَانَتْ الْعَرَب تَتَمَادَح بِكَسْبِ الْمَال، لَا سِيَّمَا قُرَيْش . وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَبْل الْبَعْثَة مَحْظُوظًا فِي التِّجَارَة . وَإِنَّمَا يَصِحّ هَذَا الْمَعْنَى إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ مَا يَلِيق بِهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ مَعَ إِفَادَته لِلْمَالِ يَجُود بِهِ فِي الْوُجُوه الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْمَكْرُمَات . ‏وَقَوْلهَا عليها رضوان الله تعالى:" وَتُعِين عَلَى نَوَائِب الْحَقّ " ‏هِيَ كَلِمَة جَامِعَة لِأَفْرَادِ مَا تَقَدَّمَ وَلِمَا لَمْ يَتَقَدَّم وَفِي رِوَايَة الْمُصَنِّف (البخاري) فِي التَّفْسِير مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ مِنْ الزِّيَادَة " وَتَصْدُق الْحَدِيث " وَهِيَ مِنْ أَشْرَف الْخِصَال . وَفِي رِوَايَة هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّة " وَتُؤَدِّي الْأَمَانَة " . وَفِي هَذِهِ الْقِصَّة مِنْ الْفَوَائِد اِسْتِحْبَاب تَأْنِيس مَنْ نَزَلَ بِهِ أَمْر بِذِكْرِ تَيْسِيره عَلَيْهِ وَتَهْوِينه لَدَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ نَزَلَ بِهِ أَمْر اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُطْلِع عَلَيْهِ مَنْ يَثِق بِنَصِيحَتِهِ وَصِحَّة رَأْيه .
    (11. ) أَيْ : صَارَ نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ هُوَ وَزَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل لَمَّا كَرِهَا عِبَادَة الْأَوْثَان إِلَى الشَّام وَغَيْرهَا يَسْأَلُونَ عَنْ الدِّين، فَأَمَّا وَرَقَة فَأَعْجَبَهُ دِين النَّصْرَانِيَّة فَتَنَصَّرَ، وَكَانَ لَقِيَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الرُّهْبَان عَلَى دِين عِيسَى وَلَمْ يُبَدَّل، وَلِهَذَا أَخْبَرَ بِشَأْنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَالْبِشَارَة بِهِ، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَفْسَدَهُ أَهْل التَّبْدِيل .
    (12. ) "فَكَانَ يَكْتُب الْكِتَاب الْعِبْرَانِيّ فَيَكْتُب مِنْ الْإِنْجِيل بِالْعِبْرَانِيَّةِ" وَفِي رِوَايَة يُونُس وَمَعْمَر :" وَيَكْتُب مِنْ الْإِنْجِيل بِالْعَرَبِيَّةِ" . وَلِمُسْلِمٍ :" فَكَانَ يَكْتُب الْكِتَاب الْعَرَبِيّ"، وَالْجَمِيع صَحِيح؛ لِأَنَّ وَرَقَة تَعَلَّمَ اللِّسَان الْعِبْرَانِيّ وَالْكِتَابَة الْعِبْرَانِيَّة فَكَانَ يَكْتُب الْكِتَاب الْعِبْرَانِيّ كَمَا كَانَ يَكْتُب الْكِتَاب الْعَرَبِيّ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْكِتَابَيْنِ وَاللِّسَانَيْنِ . وَوَقَعَ لِبَعْضِ الشُّرَّاح هُنَا خَبْط فَلَا يُعْرَج عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا وَصَفَتْه بِكِتَابَةِ الْإِنْجِيل دُون حِفْظه لِأَنَّ حِفْظ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل لَمْ يَكُنْ مُتَيَسِّرًا كَتَيَسُّرِ حِفْظ الْقُرْآن الَّذِي خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّة، فَلِهَذَا جَاءَ فِي صِفَتهَا :" أَنَاجِيلهَا صُدُورهَا " .
    (13. ) قَوْلهَا رضوان الله تعالى عليها :" يَا اِبْن عَمّ " هَذَا النِّدَاء عَلَى حَقِيقَته، وَوَقَعَ فِي مُسْلِم :" يَا عَمّ " وَهُوَ وَهْم؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِجَوَازِ إِرَادَة التَّوْقِير لَكِنَّ الْقِصَّة لَمْ تَتَعَدَّد وَمَخْرَجهَا مُتَّحِد، فَلَا يُحْمَل عَلَى أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، فَتَعَيَّنَ الْحَمْل عَلَى الْحَقِيقَة . وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ - كما قال ابن حجر - فِيمَا مَضَى فِي الْعِبْرَانِيّ وَالْعَرَبِيّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَام الرَّاوِي فِي وَصْف وَرَقَة وَاخْتَلَفَتْ الْمَخَارِج فَأَمْكَنَ التَّعْدَاد، وَهَذَا الْحُكْم يَطَّرِد فِي جَمِيع مَا أَشْبَهَهُ . وَقَالَتْ رضي الله عنها فِي حَقّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ :" اِسْمَعْ مِنْ اِبْن أَخِيك" . لِأَنَّ وَالِده عَبْداللَّه بْن عَبْدالْمُطَّلِب وَوَرَقَة فِي عِدَد النَّسَب إِلَى قُصَيّ بْن كِلَاب الَّذِي يَجْتَمِعَانِ فِيهِ سَوَاء، فَكَانَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّة فِي دَرَجَة إِخْوَته . أَوْ قَالَتْهُ عَلَى سَبِيل التَّوْقِير لِسِنِّهِ . وَفِيهِ إِرْشَاد إِلَى أَنَّ صَاحِب الْحَاجَة يُقَدَّم بَيْن يَدَيْهِ مَنْ يُعْرَف بِقَدْرِهِ مِمَّنْ يَكُون أَقْرَب مِنْهُ إِلَى الْمَسْئُول، وَذَلِكَ مُسْتَفَاد مِنْ قَوْل خَدِيجَة لِوَرَقَةَ : "اِسْمَعْ مِنْ اِبْن أَخِيك "؛ أَرَادَتْ بِذَلِكَ أَنْ يَتَأَهَّبَ لِسَمَاعِ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَذَلِكَ أَبْلَغ فِي التَّعْلِيم .
    (14. ) عند البخاري :"هَذَا النَّامُوس الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى "؛‏ ولِلْكُشْمِيهَنِيّ " أَنْزَلَ اللَّه "، وَفِي التَّفْسِير " أُنْزِلَ " عَلَى الْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " هَذَا " إِلَى الْمَلَك الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فِي خَبَره، وَنَزَّلَهُ مَنْزِلَة الْقَرِيب لِقُرْبِ ذِكْره . وَالنَّامُوس : صَاحِب السِّرّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّف؛ الإمام البخاري فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء . وَزَعَمَ اِبْن ظَفَر أَنَّ النَّامُوس صَاحِب سِرّ الْخَيْر، وَالْجَاسُوس صَاحِب سِرّ الشَّرّ . وَالْأَوَّل الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور . وَقَدْ سَوَّى بَيْنهمَا رُؤْيَة بْن الْعَجَّاج أَحَد فُصَحَاء الْعَرَب . وَالْمُرَاد بِالنَّامُوسِ هُنَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَوْله " عَلَى مُوسَى " وَلَمْ يَقُلْ "عَلَى عِيسَى" مَعَ كَوْنه نَصْرَانِيًّا؛ لِأَنَّ كِتَاب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مُشْتَمِل عَلَى أَكْثَر الْأَحْكَام، بِخِلَافِ عِيسَى . وَكَذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ . أَوْ لِأَنَّ مُوسَى بُعِثَ بِالنِّقْمَةِ عَلَى فِرْعَوْن وَمَنْ مَعَهُ، بِخِلَافِ عِيسَى . كَذَلِكَ وَقَعَتْ النِّقْمَة عَلَى يَد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بِفِرْعَوْن هَذِهِ الْأُمَّة وَهُوَ أَبُو جَهْل بْن هِشَام وَمَنْ مَعَهُ بِبَدْرٍ . أَوْ قَالَهُ تَحْقِيقًا لِلرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّ نُزُول جِبْرِيل عَلَى مُوسَى مُتَّفَق عَلَيْهِ بَيْن أَهْل الْكِتَاب، بِخِلَافِ عِيسَى فَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْيَهُود يُنْكِرُونَ نُبُوَّته، وَأَمَّا مَا تَمَحَّلَ - هكذا يرى ابن حجر - لَهُ السُّهَيْلِيّ مِنْ أَنَّ وَرَقَة كَانَ عَلَى اِعْتِقَاد النَّصَارَى فِي عَدَم نُبُوَّة عِيسَى وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ أَحَد الْأَقَانِيم فَهُوَ مُحَال لَا يُعَرَّج عَلَيْهِ فِي حَقّ وَرَقَة وَأَشْبَاهه مِمَّنْ لَمْ يَدْخُل فِي التَّبْدِيل وَلَمْ يَأْخُذ عَمَّنْ بَدَّلَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ عِنْد الزُّبَيْر بْن بَكَّار مِنْ طَرِيق عَبْداللَّه بْن مُعَاذ عَنْ الزُّهْرِيّ فِي هَذِهِ الْقِصَّة أَنَّ وَرَقَة قَالَ : نَامُوس عِيسَى . وَالْأَصَحّ مَا تَقَدَّمَ، وَعَبْداللَّه بْن مُعَاذ ضَعِيف . نَعَمْ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة لِأَبِي نُعَيْم بِإِسْنَادٍ حَسَن إِلَى هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّة أَنَّ خَدِيجَة أَوَّلًا أَتَتْ اِبْن عَمّهَا وَرَقَة فَأَخْبَرَتْه الْخَبَر فَقَالَ :" لَئِنْ كُنْت صَدَقْتنِي إِنَّهُ لَيَأْتِيه نَامُوس عِيسَى الَّذِي لَا يُعَلِّمهُ بَنُو إِسْرَائِيل أَبْنَاءَهُمْ . فَعَلَى هَذَا فَكَانَ وَرَقَة يَقُول تَارَة "نَامُوس عِيسَى" وَتَارَة "نَامُوس مُوسَى"، فَعِنْد إِخْبَار خَدِيجَة لَهُ بِالْقِصَّةِ قَالَ:" لَهَا نَامُوس عِيسَى" بِحَسَبِ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ النَّصْرَانِيَّة، وَعِنْد إِخْبَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لَهُ قَالَ:" لَهُ نَامُوس مُوسَى"، لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، وَكُلّ صَحِيح . وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أصدق و أَعْلَم .
    (15. ) " يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَع" ‏ كَذَا فِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ، وَعِنْد الْبَاقِينَ " يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا " بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَر كَانَ الْمُقَدَّرَة قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيِّينَ فِي قَوْله تَعَالَى ( اِنْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ) . وَقَالَ اِبْن بَرِّيّ : التَّقْدِير : يَا لَيْتَنِي جُعِلْت فِيهَا جَذَعًا . وَقِيلَ : النَّصْب عَلَى الْحَال إِذَا جَعَلْت فِيهَا خَبَر لَيْتَ، وَالْعَامِل فِي الْحَال مَا يَتَعَلَّق بِهِ الْخَبَر مِنْ مَعْنَى الِاسْتِقْرَار، قَالَهُ السُّهَيْلِيّ وَضَمِير " فِيهَا " يَعُود عَلَى أَيَّام الدَّعْوَة . وَالْجَذَع - بِفَتْحِ الْجِيم وَالذَّال الْمُعْجَمَة - هُوَ الصَّغِير مِنْ الْبَهَائِم، كَأَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ يَكُون عِنْد ظُهُور الدُّعَاء إِلَى الْإِسْلَام شَابًّا لِيَكُونَ أَمْكَنَ لِنَصْرِهِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّن سِرّ وَصْفه بِكَوْنِهِ كَانَ كَبِيراً أَعْمَى .
    (16. ) اسْتَبْعَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أَنْ يُخْرِجُوهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَبَب يَقْتَضِي الْإِخْرَاج، لِمَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَارِم الْأَخْلَاق الَّتِي تَقَدَّمَ مِنْ خَدِيجَة وَصْفهَا.
    (17. ) قَوْل ورَقة : " إِلَّا عُودِيَ" ‏وَفِي رِوَايَة يُونُس فِي التَّفْسِير " إِلَّا أُوذِيَ " فَذَكَرَ وَرَقَة أَنَّ الْعِلَّة فِي ذَلِكَ مَجِيئُهُ لَهُمْ بِالِانْتِقَالِ عَنْ مَأْلُوفهمْ، وَلِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ الْكُتُب أَنَّهُمْ لَا يُجِيبُونَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَلْزَمهُ لِذَلِكَ مُنَابَذَتهمْ وَمُعَانَدَتهمْ فَتَنْشَأ الْعَدَاوَة مِنْ ثَمَّ، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُجِيب يُقِيم الدَّلِيل عَلَى مَا يُجِيب بِهِ إِذَا اِقْتَضَاهُ الْمَقَام .
    (18. ) وقَوْل ورَقة :" إِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمك "‏ إِنْ شَرْطِيَّة وَاَلَّذِي بَعْدهَا مَجْزُوم . زَادَ فِي رِوَايَة يُونُس فِي التَّفْسِير " حَيًّا " وَلِابْنِ إِسْحَاق :" إِنْ أَدْرَكْت ذَلِكَ الْيَوْم " يَعْنِي يَوْم الْإِخْرَاج . قَوْله :" مُؤَزَّرًا " ‏ بِهَمْزَةٍ أَيْ : قَوِيًّا مَأْخُوذ مِنْ الْأَزْر وَهُوَ الْقُوَّة وَأَنْكَرَ الْقَزَّاز أَنْ يَكُون فِي اللُّغَة مُؤَزَّر مِنْ الْأَزْر . وَقَالَ أَبُو شَامَة : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْ الْإِزَار، أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى تَشْمِيره فِي نُصْرَته ، قَالَ الْأَخْطَل :
    قَوْم إِذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرهمْ . ‏
    وقَوْله :" ثُمَّ لَمْ يَنْشَب " ‏ بِفَتْحِ الشِّين الْمُعْجَمَة أَيْ لَمْ يَلْبَث . وَأَصْل النُّشُوب التَّعَلُّق، أَيْ : لَمْ يَتَعَلَّق بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُور حَتَّى مَاتَ . وَهَذَا بِخِلَافِ مَا فِي السِّيرَة لِابْنِ إِسْحَاق أَنَّ وَرَقَة كَانَ يَمُرّ بِبِلَالٍ وَهُوَ يُعَذَّب، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَأَخَّرَ إِلَى زَمَن الدَّعْوَة، وَإِلَى أَنْ دَخَلَ بَعْض النَّاس فِي الْإِسْلَام . فَإِنْ تَمَسَّكْنَا بِالتَّرْجِيحِ فَمَا فِي الصَّحِيح أَصَحّ، وَإِنْ لَحَظْنَا الْجَمْع أَمْكَنَ أَنْ يُقَال : الْوَاو فِي قَوْله : وَفَتَرَ الْوَحْي . لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ ، فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَحْفَظ لِوَرَقَة ذِكْرًا بَعْد ذَلِكَ فِي أَمْر مِنْ الْأُمُور فَجَعَلَ هَذِهِ الْقِصَّة اِنْتِهَاء أَمْره بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمه لَا إِلَى مَا هُوَ الْوَاقِع . وَفُتُور الْوَحْي عِبَارَة عَنْ تَأَخُّره مُدَّة مِنْ الزَّمَان، وَكَانَ ذَلِكَ لِيَذْهَب مَا كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَجَدَهُ مِنْ الرَّوْع، وَلِيَحْصُل لَهُ التَّشَوُّف إِلَى الْعَوْد، فَقَدْ رَوَى الْبخاري فِي التَّعْبِير مِنْ طَرِيق مَعْمَر مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ . ‏
    التحقيق والتثبت : ‏ وَقَعَ فِي تَارِيخ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّ مُدَّة فَتْرَة الْوَحْي كَانَتْ ثَلَاث سِنِينَ، وَبِهِ جَزَمَ اِبْن إِسْحَاق، وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ أَنَّ مُدَّة الرُّؤْيَا كَانَتْ سِتَّة أَشْهُر، وَعَلَى هَذَا فَابْتِدَاء النُّبُوَّة بِالرُّؤْيَا وَقَعَ مِنْ شَهْر مَوْلِده وَهُوَ رَبِيع الْأَوَّل بَعْد إِكْمَاله أَرْبَعِينَ سَنَة، وَابْتِدَاء وَحْي الْيَقَظَة وَقَعَ فِي رَمَضَان . وَلَيْسَ الْمُرَاد بِفَتْرَةِ الْوَحْي الْمُقَدَّرَة بِثَلَاثِ سِنِينَ وَهِيَ مَا بَيْن نُزُول " اِقْرَأْ " وَ " يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر " عَدَم مَجِيء جِبْرِيل إِلَيْهِ، بَلْ تَأَخُّر نُزُول الْقُرْآن فَقَطْ . ثُمَّ رَاجَعْ الإمام العسقلاني الْمَنْقُول عَنْ الشَّعْبِيّ مِنْ تَارِيخ الْإِمَام أَحْمَد، وَلَفْظه مِنْ طَرِيق دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد عَنْ الشَّعْبِيّ : أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّة وَهُوَ اِبْن أَرْبَعِينَ سَنَة فَقُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيل ثَلَاث سِنِينَ فَكَانَ يُعَلِّمهُ الْكَلِمَة وَالشَّيْء، وَلَمْ يَنْزِل عَلَيْهِ الْقُرْآن عَلَى لِسَانه فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاث سِنِينَ قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيل، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن عَلَى لِسَانه عِشْرِينَ سَنَة . وَأَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ وَحْي آخَر مُخْتَصَرًا عَنْ دَاوُدَ بِلَفْظِ : بُعِثَ لِأَرْبَعِينَ، وَوُكِّلَ بِهِ إِسْرَافِيل ثَلَاث سِنِينَ، ثُمَّ وُكِّلَ بِهِ جِبْرِيل فَعَلَى هَذَا فَيَحْسُن - بِهَذَا الْمُرْسَل إِنْ ثَبَتَ - الْجَمْع بَيْن الْقَوْلَيْنِ فِي قَدْر إِقَامَته بِمَكَّةَ بَعْد الْبَعْثَة، فَقَدْ قِيلَ ثَلَاث عَشْرَة، وَقِيلَ عَشْر، وَلَا يَتَعَلَّق ذَلِكَ بِقَدْرِ مُدَّة الْفَتْرَة، وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ حَكَى اِبْن التِّين هَذِهِ الْقِصَّة، لَكِنْ وَقَعَ عِنْده مِيكَائِيل بَدَل إِسْرَافِيل، وَأَنْكَرَ الْوَاقِدِيّ هَذِهِ الرِّوَايَة الْمُرْسَلَة وَقَالَ : لَمْ يُقْرَن بِهِ مِنْ الْمَلَائِكَة إِلَّا جِبْرِيل، اِنْتَهَى التحقيق . وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ المعلوم في الأصول أن الْمُثْبِت مُقَدَّم عَلَى النَّافِي إِلَّا إِنْ صَحِبَ النَّافِيَ دَلِيل نَفْيه فَيُقَدَّم وَاَللَّه أَعْلَم . وَأَخَذَ السُّهَيْلِيّ هَذِهِ الرِّوَايَة فَجَمَعَ بِهَا الْمُخْتَلِف فِي مُكْثه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بِمَكَّة، فَإِنَّهُ قَالَ : جَاءَ فِي بَعْض الرِّوَايَات الْمُسْنَدَة أَنَّ مُدَّة الْفَتْرَة سَنَتَانِ وَنِصْف، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَنَّ مُدَّة الرُّؤْيَا سِتَّة أَشْهُر، فَمَنْ قَالَ مَكَثَ عَشْر سِنِينَ حَذَفَ مُدَّة الرُّؤْيَا وَالْفَتْرَة، وَمَنْ قَالَ ثَلَاث عَشْرَة أَضَافَهُمَا . وَهَذَا الَّذِي اِعْتَمَدَهُ السُّهَيْلِيّ مِنْ الِاحْتِجَاج بِمُرْسَلِ الشَّعْبِيّ لَا يَثْبُت، وَقَدْ عَارَضَهُ مَا جَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ مُدَّة الْفَتْرَة الْمَذْكُورَة كَانَتْ أَيَّامً ، أقول؛ الرمادي: وَسَيَأْتِي مَزِيد بيان لِذَلِكَ فِي بحث النبوة من هذه السلسلة المباركة من ملف الهدى إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
    (19.) "فَرُعِبْت مِنْهُ "‏ بِضَمِّ الرَّاء وَكَسْر الْعَيْن، وَلِلْأَصِيلِيِّ بِفَتْحِ الرَّاء وَضَمّ الْعَيْن أَيْ : فَزِعْت، دَلَّ عَلَى بَقِيَّة بَقِيَتْ مَعَهُ مِنْ الْفَزَع الْأَوَّل ثُمَّ زَالَتْ بِالتَّدْرِيجِ . ‏قَوْله :" فَقُلْت زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي "،‏ وَفِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ وَكَرِيمَة زَمِّلُونِي مَرَّة وَاحِدَة، وَفِي رِوَايَة يُونُس فِي التَّفْسِير فَقُلْت:" دَثِّرُونِي" فَنَزَلَتْ ( يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر قُمْ فَأَنْذِرْ ) أَيْ : حَذِّرْ مِنْ الْعَذَاب مَنْ لَمْ يُؤْمِن بِك ( وَرَبّك فَكَبِّرْ ) أَيْ عَظِّمْ ( وَثِيَابك فَطَهِّرْ ) أَيْ : مِنْ النَّجَاسَة، وَقِيلَ الثِّيَاب النَّفْس، وَتَطْهِيرهَا اِجْتِنَاب النَّقَائِص، وَالرُّجْز هُنَا الْأَوْثَان ، وَالرُّجْز فِي اللُّغَة : الْعَذَاب ، وَسَمَّى الْأَوْثَان هُنَا رُجْزًا؛ لِأَنَّهَا سَبَبه .
    (20. ) سُئِلَ أبو سلمة بن عبدالرحمن، عن أولِ ما نزل من القرآن، قال : { يا أيها المدثر } . قلت : يقولون : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } . فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن ذلك، وقلت له مثل الذي قلت، فقال جابر : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال :"جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت، فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا، فأتيت خديجة فقلت : دثروني ، وصبوا علي ماء باردا، قال : فدثروني وصبوا علي ماء باردا، قال : فنزلت : { يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر } . [صحيح البخاري]
    (21.) " فَحَمِيَ الْوَحْي" ‏ أَيْ جَاءَ كَثِيراً، وَفِيهِ مُطَابَقَة لِتَعْبِيرِهِ عَنْ تَأَخُّره بِالْفُتُورِ، إِذْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى اِنْقِطَاع كُلِّيّ فَيُوصَف بِالضِّدِّ وَهُوَ الْبَرَد . ‏ قَوْله : ( وَتَتَابَعَ ) ‏ تَأْكِيد مَعْنَوِيّ، وَيُحْتَمَل أَنْ يُرَاد بِحَمِيَ : قَوِيَ، وَتَتَابَعَ : تَكَاثَرَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ وَأَبِي الْوَقْت " وَتَوَاتَرَ " وَالتَّوَاتُر مَجِيء الشَّيْء يَتْلُو بَعْضه بَعْضًا مِنْ غَيْر تَخَلُّل .
    (22. ) وَقَالَ يُونُس‏ يَعْنِي اِبْن يَزِيد الْأَيْلِيّ، وَمَعْمَر هُوَ اِبْن رَاشِد :" بَوَادِره " ‏ يَعْنِي أَنَّ يُونُس وَمَعْمَرًا رَوَيَا هَذَا الْحَدِيث عَنْ الزُّهْرِيّ فَوَافَقَا عُقَيْلًا عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا بَدَل قَوْله [ يَرْجُف فُؤَاده] " تَرْجُف بَوَادِره"، وَالْبَوَادِر جَمْع بَادِرَة وَهِيَ اللَّحْمَة الَّتِي بَيْن الْمَنْكِب وَالْعُنُق تَضْطَرِب عِنْد فَزَع الْإِنْسَان، فَالرِّوَايَتَانِ مُسْتَوِيَتَانِ فِي أَصْل الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَالّ عَلَى الْفَزَع، وَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِي رِوَايَة يُونُس وَمَعْمَر مِنْ الْمُخَالَفَة لِرِوَايَةِ عُقَيْل غَيْر هَذَا فِي أَثْنَاء السِّيَاق، وَاَللَّه الْمُوَفِّق لما يحبه ويرضى.
    (23. ) يعلمنا شيخنا - اطال الله عمره و اتم عليه صحته- فضيلة الدكتور أحمد عمر هاشم فيقول في كتابه "قواعد أصول الحديث؛ مقرر العام الدراسي الأول/ الأزهر الشريف ص: 85-86:" الحديث الضعيف هو ما لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن . وهذه الصفات هي :
    1. ) اتصال السند ،
    2. ) عدالة الراوي [ الذي لم تثبت وثاقة رواته كلاً أو بعضاً لجهالةٍ في حالهم، أو خدش في صدقهم ] ،
    3. ) ضبطه وعدم الشذوذ ،
    4. ) عدم العلة ،
    5. ) مجئ الحديث من وجه آخر إذا كان في الاسناد مستور غير متهم بالكذب ولا بكثرة الغلط .
    ويخلص فضيلته - حفظه الله - إلى أن :" كل حديث فقدَّ هذه الشروط أو بعضها فهو ضعيف . والحديث المرسل ضعيف لفقده شرط اتصال السند " انتهى كلام معالي الدكتور هاشم . وعليه فالحديث الضعيف لا يحتج به ولا يتخذ دليلاً على الأحكام الشرعية .
    **
    (*) يجد الكاتب فائدة من تخصيص فصل في نهاية هذا البحث تحت عنوان :" الدروس المستفادة من حياة السيدة خديجة مع النبي وبعد وفاتها" .
    **
    يتبع بإذنه سبحانه وتعالى

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    157
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-07-2012
    على الساعة
    04:45 PM

    افتراضي

    النجومُ المضيئةُ والدررُ البهيجة .. المنثورةُ على طريقِ السيدة خديجة؛ صاحبةِ النسبِ والحسب والشرف والجمال والمال ..

    بحثٌ في سيرة أم المؤمنين(*)
    « الطاهرة خديجة بنت خويلد » رضي الله عنها

    « البشارة »
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : « بشّر(1) خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب »
    أخرجه البخاري ومسلم

    تمهيد :

    مع الإيمان الكامل المطلق بالقضاء و القدر(2) خيرهما وشرهما من الله تعالى ذكره؛ إلا أن الإنسان بصفته الآدمية يملك مساحةً عريضةً من الإختيارِ والرفضِ والقبول؛ لكل ما يفعل ويقول، ويملك قدراً وحجماً كبيراً في تصريف أمور حياته كما يشاء ويهوى وكما يرغب ويريد؛ ولديه القدرة على تحديد أختياراته وتصويب الأفكار التي ترده واستحسان الآراء التي يتداولها مع الآخرين. القدرة المطلقة على الفعل للخالق الواجد المحيّ المميت الذي بيده الخير وهو على كل شئ قدير نأتي لها بدليل من قول الذي رفع السموات بغير عمدٍ ترونها :" إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " [ سورة يس؛ آية 82]، وهي تخصه وحده سبحانه وتعالى، بيْد أن باستقراء ما يقوم به الإنسان من أفعال وتصرفات نجد أن هناك أفعال يقوم به الإنسان بمحض أرادته وبكامل وعيه وإدراكه وعلى فعله هذا يحاسب إن فعلَ خيراً فخير؛ ويجازى على ما قام به أن كان شراً. والقناعة التامة ــ كعقيدةٍ ــ بالأصطفاءِ والإختيارِ سواء للأنبياءِ أو المرسلين وهذه درجة، وفي درجة تماثلها يجري الإصطفاء والإختيار للأصحاب والحواريين أو أزواج الأنبياء ونساء المرسلين، فقد جرى إختيارُ صديقِ هذه الأمة وفاروقِها عليهما رضوان الله، لزمنه وصحبته في عهد النبوة؛ واختارك أنت وأنا لنعيشا في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة أو النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري؛ ونأتي بدليل صريح على ما نقول :" وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ " [ سورة آل عمران؛ آية 42] إلا أن اصحاب الدرجة التالية بعد درجة الأنبياء والمرسلين لا يملكون العصمة؛ وقاموا بدور اختياري لافت للنظر؛ هذا الدور قاموا به دون تدخل آلهي وأن تم كله بعنايته وتوفيقه وإلا كانوا كالريشة في مهب الريح، فهم إذاً ساروا وفق الخطوط العريضة الأساسية التي يصلح لكل إنسان أن يسير في هداها ليصل إلى نفس الدرجة فالمنافسة مشروعة وحلبه الصراع مفتوحة قال تعالى ذكره ::" وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" [سورة المطففين؛ آية رقم 26]، والسيدة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ينطبق عليها ما قصدناه في هذا التمهيد، فهي قامت بدور أساسي وجوهري أشرتُ إليه في الحلقات السبع السابقة من هذه السلسلة، فحق لها وجاز أن تحصل على البشارة(3) من خالق الإنسان وواجد الكون ومبدع الحياة.
    بشرها المولي عز وجل بمنزلة عظيمة في الجنة فقد أخرج البخاري ومسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن جبريل قال للنبي عليهما السلام :" بشّر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ( والقصب هو اللؤلؤ المجوف) . وخرَّج البخاري في صحيحه من رواية أبي هريرة(4) أيضاً أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:" يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت؛ معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب(5) لا صخب(6) فيه ولا نصب(7) .[الألباني ؛ صحيح الجامع؛ 69، حديث صحيح](8)، وهذه فضائل ظاهرة لخديجة رضي الله عنها: الأولى منها سلامُ اللهِ عز وحجل عليها ثم سلامُ رسولِ السماءِ جبريل يخبر رسولَ الأرض عليهما السلام، و الفضيلة الثانية البشارة ببيت في الجنة .

    **
    ... يتبع إن شاء الله تعالى
    (*) الصفحة السابعة من ملف الهدى ـ أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد ـ، رضي الله تعالى عنها
    15 ذو القعدة من العام الهجري 1431 ~ 23 أكتوبر من العام الميلادي 2010 .
    ــــــــــ
    (1. ) قال السهيلي في الروض الأنف :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ :" أَمَرْت أَنْ أُبَشّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبٌ فِيهِ وَلَا نَصَبٌ " . ثم قال :" وَذِكْرُ حَدِيثِ عَبْدِاللّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ أَمَرَ أَنّ يُبَشّرُ خَدِيجَةَ بِبَيْتِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبٍ فِيهِ وَلَا نَصَبٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُتّصِلًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :" مَا غِرْت عَلَى أَحَدٍ مَا غِرْت عَلَى خَدِيجَةَ وَلَقَدْ هَلَكْت قَبْلَ أَنْ يَتَزَوّجَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَلَقَدْ أَمَرَ أَنْ يُبَشّرُهَا بِبَيْتِ مِنْ قَصَبٍ فِي الْجَنّةِ "، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْقَصَبُ هَاهُنَا : اللّؤْلُؤُ الْمُجَوّفُ، [المحدث الإمام الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد 9/226، ثم قال :" رجال أحمد رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع، ذكره الشوكاني في كتابه در السحابة 246، ثم قال:" [رجاله] رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث "، الإمام الألباني ذكر رواة الحديث وهم :" عبدالله بن جعفر و عائشة و أبا هريرة و عبدالله بن أبي أوفى) ثم قال في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1554 :" وردَ من حديث جمع من الصحابة" ] .
    قَالَتْ خَدِيجَةُ :" يَا رَسُولَ اللّهِ هَلْ فِي الْجَنّةِ قَصَبٌ؟، فَقَالَ " إنّهُ قَصَبٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ مُجَبّى"، قَالَ الْخَطّابِيّ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مُجَوّباً مِنْ قَوْلِك:" جُبْت الثّوْبَ" إذَا خَرَقْته، فَيَكُونُ مِنْ الْمَقْلُوبِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مُجَبّباً بِبَاءَيْنِ مِنْ الْجُبّ وَهُوَ الْقَطْعُ أَيْ قُطِعَ دَاخِلُهُ وَقُلِبَتْ الْبَاءُ يَاءً كَمَا قَالُوا : تَظَنّيْتُ مِنْ الظّنّ وَتَقَصّيْت أَظْفَارِي، وَتَكَلّمَ أَصْحَابُ الْمَعَانِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا : كَيْفَ لَمْ يُبَشّرْهَا إلّا بِبـــَيْتِ، وَأَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يُعْطَى مَسِيرَةَ أَلْفِ عَامٍ فِي الْجَنّةِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ، وَكَيْفَ لَمْ يُنْعِتْ هَذَا الْبَيْتَ بِشَيْءِ مِنْ أَوْصَافِ النّعِيمِ وَالْبَهْجَةِ أَكْثَرَ مِنْ نَفْيِ الصّخَبِ وَهُوَ رَفْعُ الصّوْتِ فَأَمّا أَبُوبَكْرٍ الْإِسْكَافُ فَقَالَ فِي كِتَابِ "فَوَائِدِ الْأَخْبَارِ" لَهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنّهُ بُشّرَتْ بِبَيْتِ زَائِدٍ عَلَى مَا أَعَدّ اللّهُ لَهَا مِمّا هُوَ ثَوَابٌ لِإِيمَانِهَا وَعَمَلِهَا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ أَيْ لَمْ تَنْصِبْ فِيهِ وَلَمْ تَصْخَبْ. أَيْ إنّمَا أَعْطَيْته زِيَادَةً عَلَى جَمِيعِ الْعَمَلِ الّذِي نَصَبَتْ فِيهِ. وَالْخَطّابِيّ قَالَ:" الْبَيْتُ هَاهُنَا عِبَارَةٌ عَنْ قَصْرٍ وَقَدْ يُقَالُ لِمَنْزِلِ الرّجُلِ بَيْتُهُ" كقوله :" مَنْ كَسَا مُسْلِماً عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللّهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنّةِ وَمَنْ سَقَى مُسْلِماً عَلَى ظَمَإِ سَقَاهُ اللّهُ مِنْ الرّحِيق "، وَمِنْ هَذَا الْبَابُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ :" مَنْ بَنَى لِلّهِ مَسْجِداً بَنَى اللّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنّةِ " فقَابِلٌ الْبُنْيَانِ بِالْبُنْيَانِ أَيْ كَمَا بَنَى يُبْنَى لَهُ، فَهَاهُنَا وَقَعَتْ الْمُمَاثَلَةُ لَا فِي ذَاتِ الْمَبْنِيّ أَوْ الْمَكْسُوّ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمِنْ هَاهُنَا اقْتَضَتْ الْفَصَاحَةُ أَنْ يُعَبّرَ لَهَا عَمّا بُشّرَتْ بِهِ بِلَفْظِ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا لَا عَيْنَ رَأَتْهُ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْهُ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ .
    (2. ) قال أحمد بن تيمية:"اتفق المسلمون وسائر أهل الملل على أن الله على كل شئ قدير " [مجموع فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب المرحوم عبدالرحمن محمد بن قاسم بمساعدة ابنه محمد، المجلد الثامن، كتاب القدر؛ ص: 7، فصل في "قدرة الرب "عز وجل.
    (3. ) ينبغي ان نعقد مقارنةً في مسألةِ البشرى بين السيدةِ خديجة بنت خويلد زوج النبي الخاتم للأنبياء والمرسلين وبين العذراء البتول مريم بنت عمران؛ أم المعجزة "عيسى ابن مريم" ؛ عليهما السلام في جزء لاحق [الكاتب]
    (4. ) قال النووي في شرحه على صحيح مسلم :" هذا الحديث من مراسيل الصحابة، وهو حجة عند الجماهير [يقصد العلماء] كما سبق، وخالف فيه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني لأن أبا هريرة لم يدرك أيام خديجة، فهو محمول على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من صحابي، ولم يذكر أبو هريرة هنا سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ."، فلم يقل :" سمعت"، ولم يقل في الحديث :" ومني". وهو عند الإمام مسلم برقم 2432.
    (5. ) وقوله :" ببيت من قصب " قال جمهور العلماء المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف، وقيل قصب من ذهب منظوم بالجوهر . قال أهل اللغة : القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف . قالوا : ويقال لكل مجوف قصب وقد جاء في الحديث مفسرا ببيت من لؤلؤة محياة، وفسروه بمجوفة . قال الخطابي وغيره : المراد بالبيت هنا القصر .[شرح النووي]
    (6. ) " الصَخَب" فبفتح الصاد والخاء وهو الصوت المختلط المرتفع .[النووي بشرح مسلم]
    (7. ) "النصب " المشقة والتعب، ويقال فيه :" نُصْب" بضم النون وإسكان الصاد أو بفتحهما " نَصَب"، لغتان، حكاهما القاضي وغيره كالحزن، والحزن، والفتح أشهر وأفصح، وبه جاء القرآن . وقد نَصِب الرجل بفتح النون وكسر الصاد إذا أعيا . [النووي بشرح مسلم]
    (8. ) بتتبع الحديث من طرقه وجد الآتي :
    الطريق الأول عن عبدالله بن أبي أوفى قال :"اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واعتمرنا معه، فلما دخل مكة طاف وطفنا معه، وأتى الصفا والمروة وأتيناهما معه، وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد، فقال له صاحب لي : أكان دخل الكعبة ؟ . قال : لا . قال : فحدثنا ما قال لخديجة ؟ . قال : بشروا خديجة ببيت من الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب" . [صحيح البخاري/ 1791 ]
    طريق آخر :" سَألَ إسماعيلُ عبدَالله بن أوفى أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرَ خديجة ببيت في الجنة ؟ ، قال : نعم . بشرها ببيت في الجنة من قصب . لا صخب فيه ولا نصب . [صحيح مسلم 2433 و صحيح البخاري 3819] .
    طريق آخر : وعن فاطمة بنت رسول الله قالت:" أين أمنا خديجة ؟ قال : في بيت من قصب، لا لغو فيه ولا نصب، بين مريم، وآسية امرأة فرعون . قالت : أمن هذا القصب ؟ قال : لا : من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت [جاء عند ابن كثير في موسوعته البداية والنهاية 2/236 وقال حديث غريب وله شاهد في الصحيح، وروى جابر بن عبدالله الحديث بألفاظ آخرى وخرَّجه أيضا ابن كثير في بدايته 3/9 ثم قال وإسناده حسن، ورواه أيضاً الهيثمي في مجمع الزوائد 9/226 ثم قال:" [فيه] مهاجر بن ميمون ولم أعرفه ولا أظنه سمع منها والله أعلم وبقية رجاله ثقات‏"، وحدث به الشوكاني في در السحابة 247، وجاء عند الإمام السيوطي في كتابه شرح الصدور 328 ثم قال:" إسناده منقطع".]
    طريق آخر: وعن عائشة أنها قالت :" .. خديجة ... هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين ... ولقد أمره ربه عز وجل أن يبشرها ببيت من قصب في الجنة ... [الحديث بتمامه عند مسلم في صحيحه/ 2435، وذكره الألباني في صحيح ابن ماجه 1636 ثم قال:" حديث صحيح" ]
    طريق آخر: وعن عائشة ايضاً أنها قالت :" ... وما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما ماتت وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب " [ الحديث بتمامه عند الترمذي في سننه/ 3876، والحديث حسن، بيْد أن الإمام الألباني خرَّجه في صحيح الترمذي وقال حديث صحيح 3876.]
    طريق آخر : عن عبدالله بن عمر أنه قال :"نزل جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أرسل به وجلس يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت خديجة فقال جبريل من هذه يا محمد قال هذه صديقة أمتي قال جبريل معي إليها رسالة من الرب عز وجل يقرئها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللهب لا نصب فيه ولا صخب، قالت:" الله السلام ومنه السلام والسلام عليكما ورحمة الله وبركاته على رسول الله ما ذلك البيت الذي من قصب قال لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم وهما من أزواجي يوم القيامة" [جاء عند ابن كثير في موسوعته البداية والنهاية 2/57 ثم قال:" في إسناده نظر"]
    طريق آخر :" روى جابر بن عبدالله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن خديجة أنها ماتت قبل أن تنزل الفرائض والأحكام قال أبصرتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب وسئل عن أبي طالب هل نفعته قال أخرجته من جهنم إلى ضحضاح منها [المحدث: الهيثمي في مجمع الزوائد 9/226؛ ثم قال:" رجاله رجال الصحيح غير مجالد بن سعيد وقد وثق وخاصة في أحاديث جابر، قال الألباني في ضعيف الجامع / 3081، حديث ضعيف.]
    طريق آخر : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن خديجة لأنها ماتت قبل الفرائض وأحكام القرآن فقال أبصرتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب، الراوي: جابر بن عبدالله الأنصاري، قال الألباني في السلسلة الصحيحة 7/1613:" فيه مجالد وهو ابن سعيد من مشاهير الضعفاء لكنه يتقوى بشواهده"
    ــــ
    يتبع إن شاء الله سبحانه وتعالى فهو على كل شئ قدير

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    157
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-07-2012
    على الساعة
    04:45 PM

    افتراضي

    النجومُ المضيئةُ والدررُ البهيجة .. المنثورةُ على طريقِ السيدة خديجة؛ صاحبةِ النسبِ والحسب والشرف والجمال والمال ..
    بحثٌ في سيرة أم المؤمنين
    « الطاهرة خديجة بنت خويلد » رضي الله عنها
    « إني قد رزقت حبّها »
    [ أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ]
    « »
    تمهيد :
    رجلٌ يقود أمة على إختلاف ألسنتها ومواطنها ويهدي بشر على إختلاف أعراقهم وأصولهم؛ رجلٌ يخبر الناس كافة بمنهاج جديد للحياة وفق رؤية الخالق لما يجب وينبغي أن تكون عليه البشرية لنعيش جميعاً في سلام وطمأنينة وسعادة في الدنيا ونحيَّ في جنة عرضها السموات والأرض اعدت للمتقين؛ رجلٌ هذا دوره مع ا لعالمين وهكذا تنبئُ دعوته؛ لحري به أن يخبرنا عن كيفية تنظيم العلاقات الثلاث؛ علاقة المخلوق بالخالق ، وعلاقة الخالق بنفسه ، وعلاقة المخلوق بغيره من المخلوقات، بتنسيق رباني آلهي فننعم بالسعادة وننال رضوان الله تعالى ذكره وتقدست اسماؤه جل وعلا.
    وعلاقة المخلوق بغيره من المخلوقات أصابها الكثير من العطب وألمَ بها الكثير من الخروقات والتجاوزات، ومع هذا الواقع نعرض نموذجا نادرَ الحدوث بل مستحيل الوجود؛ فيصير المقصود من العرض والبحث أن نقترب من النموذج قدر الطاقة البشرية وعلى مقدار القوى العاقلة داخل الكيان الإنساني ولنقتصر ـ هنا ـ على علاقة الرجل بالمرأة ـ الزوج ـ ؛ إذ أن سفينة سلسلة هذا البحث في سيرة أمنّا أم المؤمنين السيدة خديخة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها قد رست بنا اليوم على شاطئ العلاقة الزوجية بين المرأة الأولى في حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وما قاله عنها؛ الرجل المحب والزوج العاشق قدوة العالمين وصاحب المنهاج الوحيد الصالح لهداية البشر أجمعين نبي آخر الزمان وخاتم الأنبياء وآخر المرسلين من قِبل رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، والملفت للأذهان أن المقولة صدرت من الفم الطاهر بل قل وهي الحقيقة خرجت من قلب المحب الذي ما نسى العهد وما فتر في وجدانه الشوق وليس من باب التذكر بل من باب الحقيقة الماثلة أمام العين؛ فالطاهرة هي الطاهرة في عيشها بين يديه أو في مخيلته وهي تسكن بيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب في جنة رب الأرباب القادر المحي الوهاب الآله الحسيب الذي على كل شئ رقيب وهو لكل دعاء مجيب، يقسم النبي وهو بين نسائه على أنه مازال يحبها .. يحب العفيفة الشريفة؛ المرأة الوحيدة التي عاش معها فترة شبابه وعنفوانها، ليس أمام العين سواها وليس في القلب إلا هي وليس على لسانه الرطب بذكر الله إلا اسمها.. محياها شمس نهاره وعيونها تنير له الدرب وعقلها يدرك الأمور على حقيقتها فتعينه على أرهاصات بداية الوحي وشدته عليه فتقوي عزيمته وببصيرتها تعلم أنه نبي آخر الزمان وفي قلبها فرشت له جنة الدنيا ومن رحمها نبع له سلالة النبي المصطفى آل بيت رسول الله عليهم جميعاً رضوان الله وعلى صدرها الحنون هدأت أفكاره وجوارحه فيستعيد نشاطه من جديد في تحنث دائم أو إعمال فكر ونظر منتظم في ملكوت السموات والأرض، سكبت قطرات عسل حبها المصفى الممزوج بماء زمزم على قلبه قبل مسامعه فينشرح صدره لغد جديد مشرق، وقفت خلفه وكأنها أمامه ترفع عنه اضطراب طارئ أو وجل طارق، أحبته من سويداء قلبها ـ ومَن منا لا يحبه إذا راه أو سمع به ـ فوضعته على عرش فؤادها وتوجت به كله عرش جمالها، من أنامل اصابعها شرب وارتوى ومن يدها اطعم واغتذى .. وبعد كل هذه يقول قولته المشهورة :" إني قد رزقت حبها " ؛ فاعتبر هذا الحب رزقا يساق إليه فيشكر المولى الوهاب على رزقه وعطاءه.
    واتساءل : مَن منا استخدم هذه الجملة البلاغية في التعبير عن عواطفه وأحاسيسه!!؟ ، بل يكاد البعض يخجل أن يتحدث بكلمة طيبة في مجلسه ويظنها حالة ضعف وخوار.
    لا يوجد في قواميس اللُغة مثل هذه التعبيرات المحمدية، وقد نفى عنه القرآن بأنه شاعر أو كاهن ، وهو الذي يقول عن نفسه :" ادبني ربي فأحسن تاديبي" فتكون البلاغة هنا تعبير حقيقي خالص عن جزء هام من آحدى العلاقات الثلاث :
    "علاقة الرجل بالمرأة " ،
    ليتعلم رجال ـ ولا أقول ذكور ـ العالم كيف نعامل النساء ـ شقائقنا ـ
    فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأت فقط لتعليم أحكام الصلاة والزكاة والحج، أو لتعليم أحكام الطهارة والحيض والنفاس، ولم يأتي لتعليم أحكام المعاملات والعقود، ولم يأتي لتعليم أحكام العقائد والمبادئ فحسب بل هو جاء ليكون رحمة للعالمين، وهذا مانحتاج لترجمته في سلوك عملي ظاهر؛ فعباد الصوامع ودعاة القشور من دين الزوايا ليس لهم موضع قدم في الترجمة العملية لسيرة النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وسلم .

    حب النبي لخديجة.. والوفاء لها :
    فكان حقًّا أن يكون لهذه الطاهرة فضل ومكانة عند رسول الله، تسمو على كل العلاقات، وتظل غُرَّة في جبين التاريخ عامَّة وتاريخ العلاقات الأسرية خاصَّة؛ إذ لم يتنكَّر لهذه المرأة التي عاشت معه حلو الحياة ومرها، بل ويعلنها على الملأ وبعد وفاتها؛ وفاءً لها وردًّا لاعتبارها :" إني قد رزقت حبها " .
    يعترف بحبّها وفضلها على سائر أمهات المؤمنين وأمامهنَّ فيقول : « إني قد رزقت حبّها » [رواه مسلم]؛ فقد روت السيدة عائشة بنت أبي بكر؛ صديق هذه الأمة؛ رضي الله عنها وعن أبيها أنها قالت :" ما غرتُ على نساءِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا على خديجةَ، وإني لم أدركها . قالت :" وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذبح الشاة فيقول « أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة» قالت :" فأغضبته يوماً، فقلت [كأنها مستنكرة!!!] :" خديجة !؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « إني قد رزقت حبها ». وفي رواية : إلى قصة الشاة . ولم يذكر الزيادة بعدها .[صحيح مسلم- الحديث صحيح ].
    وأمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ؛ زوج النبي محمد لم تدركها ولم تراها ولا تعرفها فقط سمعت عنها، وهنا قمة آخرى من قمم العلاقات الإنسانية السوية ؛ العلاقة الأولى علاقة الإنسان النبي محمد بخديجة وإن غادرت الدنيا ، والقمة الثانية علاقة أمنا عائشة وهي تعاشر الزوج محمد النبي صلى الهق عليه وآله وسلم .
    قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم مبيناً قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « رزقت حبها» فيه إشارة إلى أن حبها فضيلة حصلت.
    **
    تعظيمها والثناء عليها :
    حفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها ذلك الفضل، فلم يتزوج عليها في حياتها وكان يذكرها ويُبالغ في تعظيمها والثناء عليها، بنص قول زوج النبي السيدة عائشة نفسها إذ روى البخاري في صحيحه قولها رضي الله عنها:" ما غرتُ على امرأةٍ لرسول الله كما غرتُ على خديجةَ، لكثرةِ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وثنائه عليها، وقد أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبشرها ببيت لها في الجنة من قصب . [صحيح البخاري - الحديث: صحيح] .
    ثناء محمد على خديجة :
    وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة ما لم يثنِ على غيرها وذلك في حديث عائشة؛ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة فقلت:" هل كانت إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها"، فغضب ثم قال:" لا والله ما أبدلني الله خيراً منها؛ آمنت إذ كفر الناس ؛ وصدقتني إذ كذبني الناس؛ وواستني بمالها إذ حرمني الناس؛ ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء". قالت عائشة فقلت في نفسي لا أذكرها بعدها بسبة أبدا [ أخرجه أبو عمر ] .

    يذكر فضلها دائماً :
    وقد كان يذكرها دائماً فروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنه قالت :" ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن" . [صحيح البخاري ، الحديث: صحيح] .
    كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفضلها على سائر زوجاته، وكان يكثر من ذكرها بحيث أن عائشة كانت تقول :" ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له :" كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة " ، فيقول :" إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد . [ البخاري - الجامع الصحيح ] .

    الزمن لم يغير ما في قلبه :
    ومرور الزمن على بعدها عنه لم يغير ما في قلبه حيالها ، وأمنا أم المؤمنين السيدة عائشة تحدد الزمن الذي تزوجها فيه في الحديث الذي رواه البخاري فقد قالت:" ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، قالت : وتزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربه عز وجل، أو جبريل عليه السلام، أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب . [صحيح البخاري - الحديث: صحيح] . فمرور السنوات بعد وفاتها ابقى شمعة الوفاء لها والحفاظ على عهدها كما هي تضئ جنبات كيانه.

    القلادة ...
    أنتحدث عن أحجار كريمة أم نتكلم عن أخلاق كريمة، أنتحدث عن ذكريات تمر بالخاطر مضت وانتهت ونستحلبها لنقول ذكريات، أم أننا نذكر مواقف رجال أصحاب همم عالية جلودهم أرق من الحرير الهندي وإن حرمنا أرتداءه ، حناجرهم تنساب منها كلمات الدفء والحنان وإن كبروا وحوقلوا وسبحوا مع سيدات المجتمع العالمي الراقي، أنتكلم عن علاقة تنتهي بقضاء الوطر وإنكسار الرغبة وإنتهاء الشوق أم نُدرس للعالم أجمع دروسا من مدرسة النبوة ذات المؤهلات العالية سواء من رجال فرسان النهار وعباد الليل أم نساء يمطرنَّ الحبيبَ العاشق قطرات الندى ويسكرنَّه بحبات الكرم بعد أن تمر الحبة تلو الحبة على ريقهنّ العذب الطاهر، مثال واحد أذكره لنتعلم :
    ما حدث في غزوة بدر، دليل على وفائه لها بعد موتها؛ بل دليل على أنها تعيش في كيانه وتمتلك جميع وجدانه وإن مرت السنوات وتلاحقت الأعوام وإن تغيرت الأحداث والمواقف، فهل للعواطف النبيلة والأشواق العالية موضع ما إثناء تلاقي السيف بالسيف فتقطع الرأس أو يعانق الرمح بالرمح فينفتح الصدر ودم هنا يسال ودم آخر يراق : فحين أسر أبا العاص بن الربيع زوج ابنة الحبيب المصطفى وقد تركته لكفره في مكة لكنه خرج مع المشركين لقتال المسلمين، وما أن علمت بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأسره في المعركة وهي سليلة الكمال البشري وبنت سيدة نساء الأمة بلا منازع أو مدعي ، وهي الوفية التي لا تنسى الإحسان ولا تجحد الجميل إلا أن أرسلت من مالها ما تفتدي به زوجها، يحارب أباها وتفتديه بمالها؛ أنهنَّ نساء بلغنَّ عنان السماء بأخلاقهنَّ وجلسنَّ متربعات تحت سدرة المنتهى لكمالهنَّ؛ وامثالهن كثير أن فتشن عنهن ... فكان فيما قدمته ابنة الرسول قلادة كانت هدية لها من خديجة أمها رضي الله عنها في ليلة زفافها، فلما رآها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رق لها، وتذكر خديجة الوفية وقال لأصحابه رضوان الله عليهم بعد أن تحركت مشاعره للمحبوبة :" إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها قلادتها فافعلوا "، فسارعوا بتلبية رغبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلله در هذه الطاهرة المعطاءة أمنا خديجة .

    و... أخت السيدة خديجة ... هالة بنت خويلد

    كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت هالة أخت خديجة تذكّر صوت زوجته فيرتاح لذلك، كما ثبت في الصحيحين . فقد حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :"اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاحَ (1) لِذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ فَغِرْتُ فَقُلْتُ وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ(2) هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ فَأَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا ".
    و .... إني لأحب حبيبها
    جاء في كتاب الذرية الطاهرة للدولابي من طريق وائل بن أبي داود عن عبدالله البهي عن عائشة وفي الصحيح أيضاً عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة يقول:" أرسلوا إلى أصدقاء خديجة"، فقال فذكرت له يوماً فقال:" إني لأحب حبيبها" .
    جاء في الروض الأنف ، السهيلي :
    وَرَوَى يُونُسُ عَنْ عَبْدِالْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ الْمَخْزُومِيّ قَالَ حَدّثَنَا أَبُو نَجِيحٍ قَالَ :" أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَزُورٌ أَوْ لَحْمٌ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَظْمًا مِنْهَا، فَنَاوَلَهُ الرّسُولُ بِيَدِهِ فَقَالَ اذْهَبْ بِهَذَا إلَى فُلَانَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ غَمَرْت يَدَك ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُغْضَبًا :" إنّ خَدِيجَةَ أَوْصَتْنِي بِهَا "، فَغَارَتْ عَائِشَةُ وَقَالَتْ لَكَأَنّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ امْرَأَةٌ إلّا خَدِيجَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُغْضَبًا، فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللّهُ ثُمّ رَجَعَ فَإِذَا أُمّ رُومَانَ [أم عائشة] قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَك وَلِعَائِشَةَ ؟ إنّهَا حَدَثَةٌ وَإِنّك أَحَقّ مَنْ تَجَاوَزَ عَنْهَا، فَأَخَذَ بِشِدْقِ عَائِشَةَ وَقَالَ أَلَسْت الْقَائِلَةَ :" كَأَنّمَا لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ امْرَأَةٌ إلّا خَدِيجَةُ؛ وَاَللّهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إذْ كَفَرَ قَوْمُك، وَرُزِقْت مِنّي الْوَلَدُ وَحُرِمْتُمُوهُ ".[الروض الأنف، السهيلي ]

    و ... أصدقاء خديجة
    وعن عروة عن أبيه عن عائشة رضيَ الله عنها قالت :" ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت :" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول صلى الله عليه وآله و سلم :" أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة "، قالت :" فأغضبته يوماً فقلت :" خديجة!! "، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" إني قد رزقت حبها " [ صحيح مسلم ( 4 / 1888) . وكان يحب من يحبها، بل ومن يذكره بها وأيامها العطرة .

    و ... جثامة المزنية
    ومن وفائه صلى الله عليه وآله وسلم لها أّنه كان يصل صديقاتها بعد وفاتها ويحسن إليهنّ، وعندما جاءت جثامة المزنية لتزور النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحسن استقبالها، وبالغ في الترحيب بها، حتى قالت عائشة رضي الله عنها :" يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال ؟ "، فقال :" إنها كانت تأتينا زمن خديجة؛ وإن حسن العهد من الإيمان" رواه الحاكم .
    ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه لم يكد ينساها طيلة حياته وبعد وفاتها، إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها؛ تروي السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول :" ما غِرْتُ على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة رضي الله عنها، وما رأيتها، ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة رضي الله عنها، فربما قلت له :" كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ". فيقول :" إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد " .
    **
    يتبع إن شاء الله تعالى....
    الجزء السابع
    ملف من إعداد
    الرمادي
    ذو القعدة 1431 هــ~ أكتوبر 2010م
    ــــــــــ
    الملاحق والمراجع :
    (1.) قَوْلُهَا :" فَارْتَاحَ لِذَلِكَ " أَيْ هَشَّ لِمَجِيئِهَا ، وَسُرَّ بِهَا لِتَذَكُّرِهِ بِهَا خَدِيجَةَ وَأَيَّامَهَا . وَفِي هَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ لِحُسْنِ الْعَهْدِ، وَحِفْظِ الْوُدِّ، وَرِعَايَةِ حُرْمَةِ الصَّاحِبِ وَالْعَشِيرِ فِي حَيَاتِهِ وَوَفَاتِهِ، وَإِكْرَامِ أَهْلِ ذَلِكَ الصَّاحِبِ . [السهيلي ، الروض الأنف]
    (2. ) قَوْلُهَا : " عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ " : مَعْنَاهُ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ جِدًّا حَتَّى قَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا مِنَ الْكِبَرِ، وَلَمْ يَبْقَ لِشِدْقِهَا بَيَاضُ شَيْءٍ مِنَ الْأَسْنَانِ، إِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ حُمْرَةُ لَثَاتِهَا . قَالَ الْقَاضِي : قَالَ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْغَيْرَةِ مُسَامَحٌ لِلنِّسَاءِ فِيهَا، لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِنَّ فِيهَا؛ لِمَا جُبِلْنَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ تُزْجَرْ عَائِشَةُ عَنْهَا قَالَ الْقَاضِي : وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَةَ لِصِغَرِ سِنِّهَا، وَأَوَّلِ شَبِيبَتِهَا، وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ .[السهيلي؛ الروض الأنف]. وقالت عائشة رضي الله عنها :" كان إذا ذكر خديجة؛ أثنى عليها فأحسن الثناء . قالت [ عائشة ] :" فغرت يوما فقلت :" ما أكثر ما تذكر حمراء الشدق، قد أبدلك الله خيرا منها ! قال :" ما أبدلني الله خيرا منها؛ قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء " . [الهيثمي- مجمع الزوائد، الحديث إسناده حسن ] . وجاء عند السهيلي :" مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ حَمْرَاءَ الشّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدّهْرِ قَدْ أَبْدَلَك اللّهُ خَيْرًا مِنْهَا، فَغَضِبَ وَقَالَ :" وَاَللّهِ مَا أَبْدَلَنِي اللّهُ خَيْرًا مِنْهَا ; آمَنَتْ بِي حِينَ كَذّبَنِي النّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا حِينَ حَرَمَنِي النّاسُ وَرُزِقْت الْوَلَدَ مِنْهَا، وَحُرِمْته مِنْ غَيْرِهَا ". [ الروض الأنف؛ السهيلي ]
    ــــ
    وللحديث مع أمنا وسيدتنا أم المؤمنين خديجة الكبرى رضي الله عنها بقية بإذنه سبحانه وتعالى

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

أبحاث تمهيدية ـ الجزء الثالث : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. إني رزقت حبها ... خديجة بنت خويلد!
    بواسطة د. الرمادي في المنتدى منتديات المسلمة
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 24-01-2017, 06:49 AM
  2. خديجة بنت خويلد من لقاء الأحبة للشيخ أحمد أبو ضية.
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-06-2012, 05:42 PM
  3. نبذة عن أم المؤمنين خديجة ض
    بواسطة @سالم@ في المنتدى منتديات المسلمة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-11-2011, 09:07 PM
  4. أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة - الجزء الثاني
    بواسطة د. الرمادي في المنتدى منتدى الأسرة والمجتمع
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18-07-2010, 01:42 AM
  5. زواج النبي صلى الله عليه و سلم و خديجة بنت خويلد رضي الله عنها على اي دين ؟
    بواسطة .maryam. في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-04-2008, 01:32 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أبحاث تمهيدية ـ الجزء الثالث : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد

أبحاث تمهيدية ـ الجزء الثالث : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد