قاعدة:نتعاون في اتفقنا عليه , ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

قاعدة:نتعاون في اتفقنا عليه , ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 2 3 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 24

الموضوع: قاعدة:نتعاون في اتفقنا عليه , ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    194
    آخر نشاط
    22-02-2011
    على الساعة
    08:09 PM

    افتراضي

    جزاك الله خيرا على هديتك وأسأل الله ان يشفي ابنتك وسائر المسلمين ..

  2. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    194
    آخر نشاط
    22-02-2011
    على الساعة
    08:09 PM

    افتراضي




    حديث اختلاف أمتي رحمة

    ضعيف السند والمتن، لم يرد في شيء من المصنفات الحديثية حديث بهذا اللفظ، والمشهور حديث: «اختلاف أصحابي رحمة» وإنما يذكر ذلك بعض الأصوليون، كما فعل ابن الحاجب في (مختصره) في أصول الفقه.

    قال السبكي: (فيض القدير 1/212) : ليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف على سند صحيح، ولا ضعيف، ولا موضوع.

    وقال أبو محمد بن حزم: (الأحكام 5/61) وأما الحديث المذكور؛ فباطل مكذوب من توليد أهل الفسق ا. هـ

    وقال القاسمي منتقدا هذا الحديث سندا ومتنا: (محاسن التأويل 4 /928) : ذكر بعض المفسرين هنا ما روي من حديث: «اختلاف أمتي رحمة» ، ولا يعرف له سند صحيح، ورواه الطبراني والبيهقي في المدخل بسند ضعيف، عن ابن عباس مرفوعا. قال بعض المحققين: هو مخالف لنصوص الآيات والأحاديث كقوله تعالى: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ونحوه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» وغيره من الأحاديث الكثيرة، والذي يقطع به أن الاتفاق خير من الاختلاف اهـوالحديث الذي أشار إليه القاسمي؛ رواه البيهقي في المدخل 0 (رقم 152)، وإسناده ساقط بالمرة؛

    فيه ثلاث علل:

    الأولى: سليمان بن أبي كريمة، ضعفه أبو حاتم الرازي.

    الثانية: جويبر، متروك الحديث، كما قال النسائي، والدارقطني، ويروي عن الضحاك أشياء موضوعة، وهذا الحديث من روايته عنه. الثالثة: الانقطاع بين الضحاك وابن عباس. وفي الجملة؛ ليس في الأدلة من الكتاب والسنة ما يدل على أن الخلاف رحمة.

    قال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني (السلسة الضعيفة 1/77) : وجملة القول أن الاختلاف مذموم في الشريعة، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن، لأنه من أسباب ضعف الأمة؛ كما قال تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). ولا يسعني إلا أن أقول: إذا كان اختلاف أمتي رحمة، هل يكون اجتماعها عذابا؟! أما الرضى به وتسميته رحمة؛ فخلاف الآيات الكريمة المصرحة بذمه، ولا مستند له إلا هذا الحديث الذي لا أصل له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ا. هـ

    الخلاف الذي قام الدليل على كل واحد من أطرافه هذا النوع من الخلاف، كل واحد من المختلفين مصيب فيه بلا تردد؛ لأنه قد قام الدليل على مشروعية كل واحد منهما، ويذم إذا بغى فيه أحد الطرفين على الآخر. وهذا النوع من الاختلاف يسميه العلماء باختلاف التنوع، لا تدافع ولا مضادة فيه، كاختلاف صفة الأذان والإقامة، وأدعية الاستفتاح والتشهدات وصلاة الخوف والقراءات.

    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سمعت رجلا قرأ آية سمعت رسول الله يقرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقت به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فعرفت في وجهه الكراهة، وقال: «كلاكما محسن، ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا؛ فهلكوا» (رواه البخاري رقم 2410).



    يتبع..

  3. #13
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    194
    آخر نشاط
    22-02-2011
    على الساعة
    08:09 PM

    افتراضي




    الحق عند الله واحد وما عداه فخطأ

    هذا الأصل تضافرت الأدلة عليه من الكتاب والسنة، وعليه عمل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: -الأدلة من القرآن: 1) قال الله تعالى: (فماذا بعد الحق إلا الضلال)

    قال القرطبي: (الجامع 8/336) : حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق والباطل منزلة ثالثة في هذه المسألة التي هي توحيد الله تعالى وكذلك هو الأمر في نظائرها، وهي مسائل الأصول؛ فإن الحق فيها في طرف واحد. وقد يقول قائل: إن ظاهر الآية يدل على أن ما بعد الله هو الضلال؛ لأن أولها (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال)

    فلماذا التوسع في الاستدلال؟

    فالجواب: إن سلفنا الصالح قد استدلوا بعموم هذه الآية على كل باطل فاستدل بها مالك على تحريم الشطرنج كما في رواية أشهب، ووجه ذلك: أن الكفر تغطية للحق، وكل ما كان من غير الحق يجري هذا المجرى. 2) قال تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات) وقال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).

    قال ابن القيم رحمه الله (مختصر الصواعق 2/566) : الآيات الناهية عن الاختلاف في الدين المتضمنة لذمه، كلها شهادة صريحة بأن الحق عند الله واحد، وما عداه فخطأ، ولو كانت تلك الأقوال كلها صوابا، لم ينه الله ورسوله عن الصواب ولا ذمه اهـ3)

    قال تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)

    وقال ابن القيم أيضا (المصدر السابق) فقد أخبر سبحانه أن الاختلاف ليس من عنده، وما لم يكن من عنده فليس بالصواب 0اهـ4)

    قال تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما).

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (المجموع 33/41) : فهذان نبيان كريمان، حكما في حكومة واحدة، فخص الله أحدهما بفهمها، مع ثنائه على كل منهما بأنه آتاه حكما وعلما، فكذلك العلماء المجتهدون رضي الله عنهم: للمصيب منهم أجران، وللمخطئ فيهم أجر واحد، وكل منه مطيع لله بحسب استطاعته، ولا يكلفه الله ما عجز عن علمه، ومع هذا فلا يلزم الرسول -صلى الله عليه وسلم- قول غيره، ولا يلزم ما جاء به من الشريعة شيء من الأقوال المحدثة، لا سيما إذا كانت شنيعة ا. هـ

    وهنا تنبيه مهم لا بد من الالتفات إليه، وهو أنه لا يجوز الاستدلال بهذه الآية على عدم ملامة ولا ذم من لم يصب الحق مطلقا؛ وذلك لأن المسألة التي حكما فيها ليست من مسائل الوحي؛ وإنما هي من مسائل الاجتهاد، فلم يستوجب الذم على الخطأ.

    قال العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي: (أضواء البيان 4 /650) : وفي الآية قرينتان على أن حكمهما كان باجتهاد لا بوحي، وأن سليمان أصاب؛ فاستحق الثناء باجتهاده وإصابته، وأن داود لم يصب؛ فاستحق الثناء باجتهاده، ولم يستوجب لوما ولا ذما بعدم إصابته، كما أثنى على سليمان بالإصابة في قوله: (ففهمناها سليمان)، أثنى عليهما في قوله: (وكلا آتينا حكما وعلما) فدل قوله: (إذ يحكمان) على أنهما حكما فيها معا، كل منهما بحكم مخالف لحكم الآخر، ولو كان وحيا لما ساغ الخلاف ثم قال: (ففهمناها سليمان). فدل ذلك على أنه لم يفهمها داود، ولو كان حكمه فيها بوحي؛ لكان مفهما إياها كما ترى. فقوله: (إذ يحكمان) مع قوله: (ففهمناها سليمان) قرينة على أن الحكم لم يكن بوحي بل باجتهاد، وأصاب فيه سليمان دون داود، بتفهيم الله إياه ذلك 0 اهـ

    الأدلة من السنة: 1) عن أبي سعيد رضي الله عنه أن بني قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى سعد، فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد، قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم)، فقال هؤلاء نزلوا على حكمك، فقال سعد: تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى الملك» . فانظر كيف أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على سعد بقوله: «لقد حكمت فيهم بحكم الله؟! فدل هذا على أن سعدا وافق حكم الله في نفس الأمر، وأنه لو حكم بغير هذا الحكم ما وافق حكم الله.

    2) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا حكم الحاكم، فاجتهد، فأصاب؛ فله أجران، وإذا حكم، فأخطأ؛ فله أجر واحد» .
    وهذا الحديث صريح في أن الحق في جهة واحدة؛ للتصريح بتخطئة القول المخالف.

    3) وفي حديث سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟» .

    وهذا من أوضح الأدلة على أن حكم الله في نفس الأمر واحد؛ قد يصيبه العبد أو يخطئه، ووجه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا في ذلك الوقت؛ لأن الأحكام الشرعية إذ ذاك لا تزال تنزل، وينسخ بعضها بعضا» .

    4) وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، وجعل الفرقة الناجية واحدة.

    قال الشاطبي: (الاعتصام 2/249) : إن قوله عليه الصلاة والسلام: «إلا واحدة» قد أعطى بنصه أن الحق واحد لا يختلف، إذ لو كان للحق فرق أيضا؛ لم يقل: «إلا واحدة» 0 اهـ

    5) وفي قصة المرأتين، معهما ابناهما، لما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه فقال: آتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى. (رواه البخاري3427)

    قال الحافظ ابن حجر في فوائد هذا الحديث: (الفتح 6/465) : وفيه أن الحق في جهة واحدة ا. هـ



    يتبع ...

  4. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    194
    آخر نشاط
    22-02-2011
    على الساعة
    08:09 PM

    افتراضي



    عمل الصحابة:

    1) قال ابن مسعود رضي الله عنه لما طلب منه موافقة أبي موسى الأشعري في مسألة بنت وبنت ابن وأخت، فأعطى البنت النصف، والأخت النصف: لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم-: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت، فأخبر أبو موسى، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم. (البخاري 6736)

    فانظر إلى ابن مسعود رضي الله عنه كيف جعل القول الآخر الذي جعله المصوبة صوابا عند الله ضلالا.

    2) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفوني في الفريضة نجتمع، فنضع أيدينا على الركن، ثم نبتهل، فنجعل لعنة الله على الكاذبين. (رواه عبد الرزاق رقم 19024 بإسناد صحيح).

    فهذا ابن عباس رضي الله عنهما يريد أن يباهل مخالفه، والمباهلة فيها أيمان مغلظة، بحضور الزوج والذرية ومقترنة بلعنة الله، كما قال تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) ومن أجل هذا كله وغيره، قال الإمام مالك رحمه الله: ما الحق إلا واحد، قولان مختلفان يكونان صوابا جميعا؟! وما الحق والصواب إلا واحد 0 اهـ

    وبعد هذا تعرف خطأ مذهب البعض فيما ذهب إليه بقوله: (كل مجتهد مصيب)؛ فإنها مصادمة للنصوص، ومن أصرحها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ …» فتلك العبارة ليست متلقاة عن القرون المفضلة، بل إن أصولها بدعية.

    قال القاضي أبو الطيب الطبري (البحر المحيط 6/243) : وقد ذكر أبو الحسن الأشعري القولين جميعا. وقد أبان أن (الحق في واحد)، ولكنه مال إلى اختيار: (كل مجتهد مصيب)، وهذا مذهب معتزلة البصرة، وهم الأصل في هذه البدعة، وقالوا هذا لجهلهم بمعاني الفقه، وطرقه الدالة علي الحق، الفاصلة بينه وبين ما عداه من الشبه الباطلة 0اهـ

    بل إن هؤلاء المبتدعة يعظمون الكلام الذي يسمونه أصول الدين، ويجعلون مسائله قطعية، ويوهنون من أمر الفقه، ويجعلونه من باب الظنون لا العلوم.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الاستقامة 1/49) : هذه الأصول التي ادعوها في ذلك باطلة واهية، كما سنبينه في غير هذا الموضع، ذلك أنهم لم يجعلوا لله في الأحكام حكما معينا، حتى ينقسم المجتهد إلى مصيب ومخطئ، بل الحكم في حق كل شخص ما أدى إليه اجتهاده. وقد بينا في غير هذا الموضع، ما في هذا من السفسطة والزندقة، فلم يجعلوا لله حكما في موارد الاجتهاد أصلا، ولا جعلوا له على ذلك دليلا أصلا، بل ابن الباقلاني، وغيره يقول: (وما ثم أمارة في الباطن، بحيث يكون ظن أصح من ظن، وإنما هو أمور اتفاقية)، فليست الظنون عنده مسندة إلى أدلة وأمارات تقتضيها، كالمعلوم في استنادها إلى الأدلة 0 اهـ

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (المجموع 33/42) : ولهذا تجد المسائل التي تنازعت فيها الأمة على أقوال، وإنما القول الذي بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- واحد منها ا. هـ



    يتبع ...

  5. #15
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    194
    آخر نشاط
    22-02-2011
    على الساعة
    08:09 PM

    افتراضي




    الحق واضح وسهل لمن يطلبه بحسن قصد

    قال الله عز وجل: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) وهذا عام للتلاوة والقراءة وللفهم معا،

    قال الحافظ ابن كثير: (التفسير 4/264) أي: سهلنا لفظه، ويسرنا معناه لمن أراده؛ ليتذكر الناس 0 اهـ

    وقال ابن القيم: (مختصر الصواعق 1/57) : ولا تجد كلاما أحسن تفسيرا، ولا أتم من كلام الله سبحانه، ولهذا سماه بيانا، وأخبر أنه يسره للذكر، ويسر ألفاظه للحفظ، ومعانيه للفهم، وأوامره ونواهيه للامتثال، ومعلوم أنه لو كان بألفاظ لا يفهمها المخاطب، لم يكن ميسرا له؛ بل كان معسرا عليه، وإذا أريد من المخاطب أن يفهم من ألفاظه ما لا يدل عليه من المعاني، أو يدل على خلافه؛ فهذا من أشد التعسير ا. هـ

    وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات» 0 أخرجه البخاري رقم 25 والاشتباه أيضاً إنما هو بالنسبة لمن لم يعرفها؛

    قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (جامع العلوم ص72) : وإنما هي مشتبهة على من لم يعلمها، وليست مشتبهة في نفس الأمر 0 اهـ

    وقال ابن أبي العز الحنفي
    (شرح الطحاوية 2/787) مقررا هذا: فدين الإسلام هو ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده على ألسنة رسله، وأصول هذا الدين وفروعه، موروثة عن الرسل، وهو ظاهر غاية الظهور، يمكن كل مميز من صغير أو كبير، وفصيح وأعجمي، وذكي وبليد أن يدخل فيه بأقصر زمان، وأنه يقع الخروج منه بأسرع من ذلك، من إنكار كلمة، أو تكذيب، أو معارضة، أو كذب على الله، أو ارتياب في قول الله، أو رد لما أنزل، أو شك فيما نفى الله عنه الشك، أو غير ذلك مما في معناه. فقد دل الكتاب والسنة على ظهور دين الإسلام، وسهولة تعلمه، وأنه يتعلمه الوافد، ثم يولي في وقته 0 اهـ

    وقال علامة القصيم الشيخ عبد الرحمن السعدي: (توضيح الكافية ص79 -80) : اعلم أن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، تأتي مركبة صريحة في معانيها، لا تحتمل غيره بوجه، هذا حالها في نفسها، وقد اتفق على هذا جميع أئمة المسلمين، الذين عرفوا مقاصد الشارع في مصادره وموارده، وتمرنوا على ألفاظه ومعانيه، فكما لا يستريبون في نصوصه في الأحكام الفروعية، فلا يستريبون أيضا في نصوصه في الأصول، بل يرون هذا النوع أكثر بيانا، وأبلغ وضوحا؛ لشدة الحاجة والضرورة إليه. ودون هؤلاء من أهل العلم من لم يصل إلى ما وصلوا إليه، لأنه ليس عندهم من الاعتناء بالنصوص كما عند أولئك، فنصوص الشارع عندهم ظواهر - ظاهرة في معناها في مداركهم وأفهامهم - وربما وقع لبعض هؤلاء من الاحتمالات، والإشكالات ما لا يقدرون على حله، وبين هؤلاء وبين الأولين فرق عظيم في هذه الأبواب والأصول العظيمة، وليس نزولهم عن الأولين لقصور أفهامهم؛ وإنما ذلك لعدم إقبالهم التام، واعتنائهم بكلام الشارع، ولهذا تجدهم في المذاهب التي تفقهوا بها، واعتنوا بها جازمين بمقاصد أئمتهم، ومرادهم بألفاظهم ونصوصهم؛ لأنهم وفروا مداركهم لتحصيل ذلك فمروا فيها 0 اهـ



    موارد النزاع والظن قليلة


    قد بينا بالأدلة الشرعية في التنبيه السابق وضوح الحق، ويتبع هذا الأصل العظيم، أن مسائل النزاع والظن قليلة. والظنون إنما هي من مسائل الاجتهاد، أما مسائل الإيمان والعقائد؛ فالعلم فيها أكثر قطعا.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الاستقامة 1/56) : من المعلوم أن الظنون غالبا، إنما تكون في مسائل الاجتهاد والنزاع، فأما مسائل الإيمان والإجماع؛ فالعلم فيها أكثر قطعا 0 اهـ

    وقال أيضا: (المجموع13/118) : جمهور مسائل الفقه التي يحتاج إليها الناس ويفتون بها، هي ثابتة بالنص أو الإجماع، وإنما يقع الظن والنزاع في قليل مما يحتاج إليه الناس، وهذا موجود في سائر العلوم. وكثير من مسائل الخلاف، هي في أمور قليلة الوقوع ومقدرة، وأما ما لا بد للناس منه من العلم مما يجب عليهم، ويحرم، ويباح، فهو معلوم مقطوع به، وما يعلم من الدين ضرورة جزء من الفقه، وإخراجه من الفقه قول لم يعلم أحد من المتقدمين قاله ا. هـفإن قلت: مسائل الاختلاف في الفقه كثيرة جدا، وهذا يعني أن الظن كثير جدا، فهذا القاضي أبو يعلى استوعب مسائل الخلاف، فانتهت إلى ألوف مؤلفة - إما أربعة آلاف أو أقل أو أكثر - ومن اقتصر على كبار كبارها، كما فعل أبو محمد إسماعيل بن عبد السلام، وجدها نحو مائة مسألة. فالجواب عن هذا من وجهين:

    الأول: أن مسائل القطع، والنص، والإجماع، بقدر تلك أضعافا مضاعفة.

    الثاني: أن هذا الظن ليس وصفا للنصوص التي اختلفوا فيها، وإنما الظن واقع لبعض المجتهدين، وهو نسبي أيضا، مقطوع به عند المحققين.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الاستقامة1/55) : ومن المعلوم لمن تدبر الشريعة أن أحكام عامة أفعال العباد معلومة لا مظنونة، وأن الظن فيها إنما هو قليل جدا في بعض الحوادث لبعض المجتهدين، فأما غالب الأفعال –مفادها وأحداثها –فغالب أحكامها معلومة، ولله الحمد. وأعني بكونها معلومة أن العلم بها ممكن، وهو حاصل لمن اجتهد واستدل بالأدلة الشرعية عليها، لا أعني أن العلم بها حاصل لكل أحد، بل ولا لغالب المتفقهة المقلدين لأئمتهم، بل هؤلاء غالب ما عندهم ظن أو تقليد ا. هـ



    الصحابة اختلفوا في الدقائق

    الصحابة -رضي الله عنهم- لم يختلفوا في المسائل الجلية؛ لأن بيان مثل هذا كان ظاهرا بينهم، وإنما وقع الخلاف بينهم في بعض المسائل؛ كالطلاق، والفرائض، بسبب الاختلاف في استخراج دقائق معاني الشرع. فلم يقع بينهم نزاع في مسائل الإيمان، والقدر، والأسماء والصفات، والوعد والوعيد.

    قال الشاطبي: (الاعتصام2/191) : فإن الخلاف من زمن الصحابة إلى الآن واقع في المسائل الاجتهادية.

    وقال الإمام أبو عبد الله بن خفيف: (مجوع فتاوى ابن تيمية 5/71) : فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار في توحيد الله عز وجل، معرفة أسمائه وصفاته وقضائه، قولا واحدا، وشرعا ظاهرا، وهم الذين نقلوا ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قال: «عليكم بسنتي …» وذكر الحديث، وحديث «لعن الله من أحدث حدثا» . فكانت كلمة الصحابة على الاتفاق من غير اختلاف، وهم الذين أمرنا بالأخذ عنهم إذ لم يختلفوا بحمد الله تعالى في أحكام التوحيد، وأصول الدين من الأسماء والصفات، كما اختلفوا في الفروع، ولو كان منهم في ذلك اختلاف لنقل إلينا، كما نقل سائر الاختلاف، فاستقر صحة ذلك عند العلماء المعروفين، حتى نقلوا ذلك قرنا بعد قرن؛ لأن الاختلاف كان عندهم في الأصل كفر، ولله المنة ا. هـ

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: في (منهاج السنة 6/336) : والمقصود أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يقتتلوا قط، لاختلافهم في قاعدة من قواعد الإسلام أصلا، ولم يختلفوا في شيء من قواعد الإسلام: لا في الصفات، ولا في القدر، ولا في مسائل الأسماء والأحكام، ولا في مسائل الإمامة. لم يختلفوا في ذلك بالاختصام بالأقوال، فضلا عن الاقتتال بالسيف، بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه، نافين عنها تمثيلها بصفات المخلوقين ا. هـ

    وقال أيضا: في (المجموع 13/64-65) : لكن هذا وهذا قد يقعان في خفي الأمور، ودقيقها، باجتهاد من أصحابها، استفرغوا فيها وسعهم في طلب الحق، ويكون لهم من الصواب والاتباع ما يغمر ذلك؛ كما وقع مثل ذلك من بعض الصحابة في مسائل الطلاق والفرائض ونحو ذلك، ولم يكن منهم مثل هذا في جليِّ الأمور وجليلها؛ لأن هذا من الرسول كان ظاهرا بينهم، فلا يخالفه إلا من يخالف الرسول، وهم معتصمون بحبل الله؛ يحكمون الرسول فيما شجر بينهم، لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله ا. هـ

    وقال أيضا: (المجموع 19/274) : وهكذا الفقه إنما وقع فيه الاختلاف لما خفي عليهم بيان صاحب الشرع، ولكن هذا إنما يقع النزاع في الدقيق منه، وأما الجليل فلا يتنازعون فيه، والصحابة أنفسهم تنازعوا في بعض ذلك ولم يتنازعوا في العقائد، ولا في الطريق إلى الله التي يصيبها الرجل من أولياء الله الأبرار المقربين 0 اهـ

    وقال أيضا: (المجموع 6/394) : وأما الذي أقوله الآن، وأكتبه: - وإن كنت لك أكتبه فيما تقدم من أجوبتي، وإنما أقوله في كثير من المجالس - إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات، فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها. وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، وما رووه من الحديث، ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار، أكثر من مئة تفسير، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئا من آيات الصفات، أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف ا. هـوكأني بقائل يقول: إن الصحابة تنازعوا في قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق)، فعن ابن عباس؛ أن المراد به أن الله يكشف عن الشدة في الآخرة، وعن أبي سعيد: أنه عدها في الصفات. فأقول: لا تعارض بين القولين، فإن الله عز وجل إذا كشف عن ساقه سبحانه وتعالى يوم القيامة، عجز المنافقون عن السجود، وتمايز المؤمنون عن المنافقين، وهذا الموقف من الشدة. وهذه الآية: (يوم يكشف عن ساق)، الساق لم يضفها الله إلى نفسه - كسائر الصفات – لكن ظهر بدليل آخر –وهو حديث أبي سعيد أنها مضافة إلى الله. وكذلك تنازع الصحابة في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء، فهناك انفكاك في الجهة، فمن أثبت الرؤية أراد القلبية، ومن نفى أراد البصرية، والقولان متفقان. وكذلك الاقتتال بين علي ومعاوية –لم يكن على الإمامة –وإنما هو قتال بتأويل سائغ لطاعة غير الإمام، لا على قاعدة دينية. وأما الحرب بين طلحة والزبير وبين علي، فكان كل منهما يقاتل عن نفسه، ظانا أنه يدفع صولة غيره عليه، لم يكن لعلي غرض في قتالهم، ولا لهم غرض في قتاله، لكن لما علم بعض قتلة عثمان أن الأمر قد ينتظم بين الطرفين، فيتمكن منهم، حمل على أحد العسكرين، فظن آخرون أنهم بدءوا بالقتال، فوقع القتال 0 اهـ (انظر منهاج السنة 6/328)



    يتبع ...

  6. #16
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    194
    آخر نشاط
    22-02-2011
    على الساعة
    08:09 PM

    افتراضي



    صحة العقيدة سبب لإدراك الحق

    واستجابة الدعاء صحة الاعتقاد تقوي الإدراك وتصححه، فلذلك تجد أهل السنة موافقين للحق في الحلال والحرام، وإدراكهم له، وإصابتهم للصواب فيه أكثر ممن بعد عن السنة. وبمقدار البعد عن السنة يضعف إدراك الحق في الحلال والحرام وغيره، ولذلك تجد من كان أعمى في العقيدة فهو في غيرها أعمى وأضل سبيلاً. وأما الخطأ والغلط الذي يحصل لبعض أئمة السنة في الحلال والحرام؛ فهو من لوازم بشريتهم، وانتفاء العصمة عنهم.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمة: (مجموع الفتاوى) (4/10) فكل من استقرأ أحوال العالم؛ وجد المسلمين أحد وأسد عقلاً، وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال، وكذلك أهل السنة والحديث؛ تجدهم كذلك متمتعين؛ وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوي الإدراك ويصححه؛ قال تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى}، وقال: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذا لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً} اهـ.

    وكذلك صحة الاعتقاد سبب لإجابة الدعاء، فربما حرم المبتدعة إجابة دعائهم في مواضع كثرة بسبب سوء عقيدتهم.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: في (مجموع الفتاوى) (14/33) ولهذا قيل: إجابة الدعاء تكون عن صحة الاعتقاد، وعن كمال الطاعة؛ لأنه عقب آية الدعاء بقوله: {000 فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي} اهـ.

    كما أن التوحيد سبب لقلة الفواحش، فلذلك تجد المنكرات في بلاد التوحيد قليلة، وفي كثير من الأحيان مستترة، وعلى العكس من ذلك تجد بلاد المبتدعة كالرافضة تموج بالفواحش، وإن زعموا تطبيق شريعتهم المبتدعة!

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: في (الرد علي البكري) (1/274) فإن البدع في الدين سبب الفواحش وغيرها من المنكرات، كما أن إخلاص الدين لله سبب التقوى وفعل الحسنات قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}. وقوله: {لعلكم تتقون} متعلق بقوله: {اعبدوا ربكم}؛ لعل التقوى تحصل لكم بعبادته 0 اهـ.

    من أجل هذا كله وغيره، لا بد من الاعتناء بالعقيدة أولاً، وهذا هو ما بعثت به الرسل: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}. قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إن أفضل ما نعد: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله 0 (رواه مسلم (95).



    فهم السلف عاصم من الاختلاف

    قد بينا فيما سبق أن اختلاف الصحابة كان يسيراً، وهذا النزر اليسير كان في مسائل الاجتهاد، وليس في شيء من قواعد الإسلام، ومتابعتهم فيما هم عليه من أقوال، وأفعال، واعتقادات، تورث الاتفاق الذي كان صفة لهم. بل لا يسع مسلماً أن يخرج عن طريقهم وفهمهم، وفاعل ذلك متوعد بوعيد شديد؛ كما قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} (النساء 511). وهم فرقنا في كل شيء، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «خير الناس قرني» ، (متفق عليه من حديث عمران بن حصين وغيره) وهم الذين شهدوا التنزيل، ورضي الله عنهم رضاً مطلقاً، وليس ذلك لأحد غيرهم.

    قال البربهاري: والأساس الذي تبنى عليه الجماعة، هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ورحمهم الله أجمعين، وهم أهل السنة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم، فقد ضل وابتدع، وكل بدعة ضلالة، والضلالة وأهلها في النار 0 اهـ.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: في (منهاج السنة) (6/368) وكما أنه لم يكن في القرون أكمل من قرن الصحابة، فليس في الطوائف بعدهم أكمل من أتباعهم، فكل من كان للحديث والسنة وآثار الصحابة أتبع؛ كان أكمل، وكانت تلك الطائفة أولى بالاجتماع، والهدى، والاعتصام بحبل الله، وأبعد عن التفرقة والاختلاف والفتنة، وكل من بعد عن ذلك؛ كان أبعد عن الرحمة، وأدخل في الفتنة. فليس الضلال والغي في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في الرافضة، كما أن الهدى، والرشاد، والرحمة ليس فيطائفة من طوائف الأمة أكثر منه في أهل الحديث والسنة المحضة، الذين لا ينتصرون إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنهم خاصته، وهو إمامهم المطلق الذي لا يغضبون لقول غيرهم إلا إذا اتبع قوله، ومقصودهم نصر الله ورسوله 0 اهـ.



    يتبع...

  7. #17
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    194
    آخر نشاط
    22-02-2011
    على الساعة
    08:09 PM

    افتراضي

    حديث صلاة العصر في بني قريظة

    ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» ، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يعنف واحداً منهم.

    وهذا الحديث تعلق به أرباب البدع المضلة، الذين قالوا: إن للنصوص باطناً غير ما يدل عليه اللفظ! وكذلك المحرفون لنصوص الصفات، بل صار عمدة كل مخطئ معرض عن الكتاب والسنة وسلف الأمة، وليس فيما تعلقوا به متعلق؛ لأن الزمان زمان تشريع؛ فظن البعض أنه يسوغ تأخير الصلاة عن وقتها، إذا كان الشاغل ضرورة كالحرب. أما وقد ثبتت الأحكام وبينت الأمور، فليس حال المخطئ بعد ذلك مطابقاً لحال الصحابة.

    قال الحافظ ابن حجر: في (فتح الباري) (7/409-410) ثم الاستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق!ليس بواضح؛ وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد، فيستفاد منه عدم تأثيمه. وحاصل ما وقع في القصة، أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته، ولم يبالوا بخروج الوقت، ترجيحاً للنهي الثاني على النهي الأول، وهو ترك تأخير الصلاة عن وقتها، واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق، فقد تقدم حديث جابر المصرح بأنهم صلوا العصر بعدما غربت الشمس؛ وذلك لشغلهم بأمر الحرب، فجوزوا أن يكون ذلك عاماً في كل شغل يتعلق بأمر الحرب، لا سيما والزمان زمان التشريع، والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة، وأنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة 0 اهـ.

    وقال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: في (في كتابه سلسلة الأحاديث الضعيفة) (4/448) (تنبيه: يحتج بعض الناس اليوم بهذا الحديث على الدعاة من السلفيين وغيرهم الذين يدعون إلى الرجوع فيما اختلف فيه المسلمون إلى الكتاب والسنة؛ يحتج أولئك على هؤلاء بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر خلاف الصحابة في هذه القصة!وهي حجة داحضة واهية؛ لأنه ليس في الحديث إلا أنه لم يعنف واحداً منهم، وهذا يتفق تماماً مع حديث الاجتهاد المعروف، وفيه أن من اجتهد، فأخطأ؛ فله أجر واحدا، فكيف يعقل أن يعنف من قد أجر؟!وأما حمل الحديث على الإقرار للخلاف: فهو باطل؛ لمخالفته للنصوص القاطعة الآمرة بالرجوع إلى الكتاب والسنة عند التنازع والاختلاف، كقوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (النساء: 59) وقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} (الأحزاب 36) الآية. وإن عجبي لا يكاد ينتهي من أناس يزعمون أنهم يدعون إلى الإسلام، فإذا دعوا إلى التحاكم إليه قالوا: قال عليه الصلاة والسلام: «اختلاف أمتي رحمة» !وهو حديث ضعيف لا أصل له، وهم يقرؤون قول الله تعالى في المسلمين حقاً: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} (النور 51) وقد بسطت القول في هذه المسألة بعض الشيء، وفي قول أحد الدعاة: نتعاون على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه!في تعليق لي كتبته على رسالة (كلمة سواء) لأحد المعاصرين لم يسم نفسه! لعله يتاح لي إعادة النظر في وينشر) اهـ.

    هل يعذر كل من تأول تأويلاً خاطئاً؟

    قال تعالى: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم}.

    قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: في (السنة) (ص22) لا عذر لأحد في ضلالة ركبها، حسبها هدى، فقد بينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر.

    قال البربهاري: وذلك أن السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله، وتبين للناس، فعلى الناس الاتباع 0 اهـ.

    فهناك صنف من الناس متبع لأهوائه، وآرائه، وخواطره، وهواجسه، وتراه يرد ما هو أوضح من الصبح من سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأشهر من الشمس: برأي دخيل، واستحسان ذميم، وظن فاسد، ونظر مشوب بالهوى، فهل يعذر مثل هذا؟!

    قال قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني: في (الحجة في بيان المحجة) (2/510). المتأول إذا أخطأ وكان من أهل عقد الإيمان؛ نظر في تأويله، فإن كان قد تعلق بأمر يفضي به إلى خلاف بعض كتاب الله، أو سنة يقطع بها العذر، أو اجتماع؛ فإنه يكفر، ولا يعذر، لأن الشبهة التي يتعلق بها من هذا صنيعه لا تقوى قوة يعذر بها؛ لأن ما شهد له أصل من هذه الأصول، فإنه غاية الوضوح والبيان، فلما كان صاحب هذه المقالة لا يصعب عليه درك الحق، ولا يغمض عنده بعض موضع الحجة؛ لم يعذر في الذهاب عن الحق، بل عمل خلافه في ذلك على أنه عناد وإصرار!ومن تعمد خلاف أصل من هذه الأصول، وكان جاهلاً لم يقصد إليه من طريق العناد؛ فإنه لا يكفر؛ لأنه لم يقصد اختيار الكفر ولا رضي به، وقد بلغ جهده، فلم يقع له غير ذلك. وقد أعلم الله سبحانه أنه لا يؤاخذ إلا بعد البيان، ولا يعاقب إلا بعد الإنذار، فقال تعالى: {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم}، فكل من هداه الله عز وجل ودخل عقد الإسلام؛ فإنه لا يخرج إلى الكفر إلا بعد البيان 0 اهـ.

    قول عمر بن عبد العزيز ومحله قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما أحب أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا؛ لأنه لو كان قولاً واحداً؛ كان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، ولو أخذ رجل بقول أحدهم؛ كان في سعة 0 اهـ.

    وبيانه من وجوه:

    أولاً: هذا الكلام في اختلاف الصحابة، وليس فيهم من ينتحل بدعة مضلة، أو شبهة مفسدة، فلا يجوز أن يحمل هذا الكلام على توسعة الخلاف فيمن بعد الصحابة.

    ثانياً: حمل أئمة الهدى قوله هذا على مسائل الاجتهاد خاصة؛ لأن المسائل المنصوصة من الكتاب والسنة لا خيار لأحد في العدول عنها.

    قال أبو عمر بن عبد البر: في (الجامع) (2/902) هذا فيما كان طريقه الاجتهاد 0 اهـ.

    وقال الشاطبي رحمه الله
    : في (الاعتصام) (2/170) إنا نقطع بأن الخلاف في مسائل الاجتهاد واقع ممن حصل له محض الرحمة، وهم الصحابة، ومن ابتعهم بإحسان رضي الله عنهم بحيث لا يصح إدخالهم في قسم المختلفين بوجه 0 اهـ

    ثالثاُ: كثير من العلماء لم يرتضوا قول عمر بن عبدالعزيز هذا،

    قال ابن عبد البر: وهذا مذهب ضعيف عند جماعة من أهل العلم، وقد رفضه أكثر الفقهاء وأهل النظر. وقال أيضاً: فهذا مذهب القاسم بن محمد، ومن تابعه، وقال به قوم، وأما مالك والشافعي رضي الله عنهما ومن سلك سبيلهما من أصحابهما وهو قول الليث بن سعد والأوزاعي، وأبي ثور، وجماعة أهل النظر: أن الاختلاف إذا تدافع؛ فهو خطأ وصواب، والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول، على الصواب منها، وذلك لا يعدم، فإن استوت الأدلة؛ وجب الميل مع الأشبه بما ذكرنا بالكتاب والسنة فإذا لم يبن ذلك؛ وجب التوقف، ولم يجز القطع إلا بيقين، فإن اضطر أحد إلى استعمال شيء من ذلك في خاصة نفسه؛ جاز له ما يجوز للعامة من التقليد، واستعمل عند إفراط التشابه والتشاكل وقيام الأدلة على كل قول بما يعضده قوله -صلى الله عليه وسلم- 0 اهـ.

    يتبع...

  8. #18
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    194
    آخر نشاط
    22-02-2011
    على الساعة
    08:09 PM

    افتراضي



    فائدة نفيسة من الإمام مالك

    قال الإمام مالك رحمه الله: في (جامع بيان العلم) (2/905-906) ليس في اختلاف الصحابة سعة؛ إنما هو خطأ أو صواب 0 اهـ

    هذه عبارة صدرت من إمام أهل السنة في زمانه؛ ممن تلقى العلم من التابعين، والذين أخذوه عن الصحابة، عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-. هذه عبارة إمام عالم بالأدلة الشرعية، والمقاصد الكلية للشريعة. ومنطوق كلام الإمام مالك هذا، موافق لمفهوم كلام ابن عباس رضي الله عنهما أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!

    هذا كلام الإمام مالك في بطانة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتلاميذه، وهم أحسن الناس قصداً، وإخلاصاً، وتحرياً للحق، الذين جعلوا الكتاب والسنة إمامهم، وطلبوا الدين من قبلهما، فلم يكن أحدهم يقول حتى يقول الله ورسوله، ولم يكن فيهم من ريد النقل بعقله، ولا يتعبد لله بذوقه، ولا يستبد برأيه، فكيف بمن هو دونهم؟!

    هذا كلام الإمام مالك في الصحابة الذين حضروا التنزيل، وفهموا كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واطلعوا على قرائن القضايا، وما خرج عليه الكلام من الأسباب والمحامل التي قد لا تدرك إلا بالحضور، وخصهم الله بالفهم الثاقب، وحدة القرائح، وحسن التصرف، لما جعل فيهم من الخشية، والزهد، والورع، إلى غير ذلك من المناقب الجليلة.

    قال المزني: في (جماع بيان العلم) (2/911) وقد اختلف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخطأ بعضهم بعضاً، ونظر بعضهم في أقاويل بعض، ولو كان قولهم كله صواباً عندهم لما فعلوا ذلك 0 اهـ.

    وقيل للشافعي: أرأيت أقاويل أصحاب رسول الله إذا تفرقوا فيها؟فقال: نصير منها إلى ما وافق الكتاب والسنة أو الإجماع، أو كان أصح في القياس 0في (الرسالة (ص596، 597)




    معنى التوسعة في الخلاف

    نقل عن غير واحد من السلف وصف الخلاف بالسعة، ومن جملة هؤلاء؛ الإمام أحمد: قال شيخ الإسلام: في (مجموع الفتاوى) (14/159) ولهذا صنف رجل كتاباً، سماه (كتاب الاختلاف)، فقال أحمد: سمه كتاب (السعة) 0 اهـ

    وظن البعض أن معنى هذا الكلام أنه توسعة لأن يقول الناس بأي قول من الأقوال المختلفة! وليس الأمر كما ظنوا.

    قال إسماعيل القاضي
    : إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توسعة في اجتهاد الرأي، أما أن يكون توسعة لأن يقول الناس بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه: فلا، ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا 0 اهـ

    قال أبو عمر بن عبد البر: في (جامع بيان العلم وفضله) (2/907) كلام إسماعيل هذا، حسن جداً 0 اهـ

    وفي هذا يقول الشاطبي رحمه الله: في (الموافقات) (4/131) فائدة وضع الشريعة؛ إخرج مكلف عن داعية هواه، وتخييره بين القولين نقض لذلك الأصل، وهو غير جائز 0 اهـ

    وقال أيضاً: في (الموافقات) (4/134) لأن حاصل الأمر مع القول بالتخيير أن للمكلف أن يفعل إن شاء، ويترك إن شاء، وهو عين إسقاط التكليف، بخلاف ما إذا تقيد بالترجيح؛ فإنه متبع للدليل، فلا يكون متبعاً للهوى، ولا مسقطاً للتكليف 0 اهـ



    السلف كانوا يطلبون دلائل الأقوال من سبر أحوال السلف -رحمهم الله-


    ثبت له باليقين، أنهم كانوا يطلبون ممن قال قولاً أو عمل عملاً، أن يقيم الدليل على قوله أو عمله من الكتاب والسنة. وهذا يعني أنهم لا يعذرون الناس في أقوالهم وأفعالهم ومذاهبهم إذا لم تستند إلى دليل من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
    قال أبو صالح: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، مثلاً بمثل، من زاد أو ازداد؛ فقد أربى، فقلت له: إن ابن عباس يقول غير هذا؟! فقال: لقد لقيت ابن عباس، فقلت: أرأيت هذا الذي تقول: أشيء سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو وجدته في كتاب الله عز وجل؟! رواه البخاري (رقم 2178)

    وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: في (مناقب الشافعي) ص 86-87قلت للشافعي: ما تقول في مسألة كذا وكذا؟قال: فأجاب فيها، فقلت: من أين قلت؟هل فيه حديث أو كتاب؟قال: بلى، فنزع في ذلك حديثاً للنبي -صلى الله عليه وسلم-.



    يتبع...

  9. #19
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    194
    آخر نشاط
    22-02-2011
    على الساعة
    08:09 PM

    افتراضي




    الاحتجاج بالاختلاف

    يحتج البعض لتسويغ المذهب الذي انتحله وإن كان ضعيفاً بأن المسألة مختلف فيها!ومثل هذا الاحتجاج ليس بحجة شرعية، وهو تأصيل لم يقم عليه دليل شرعي، لا من كتاب ولا من سنة.

    قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر:
    في (جامع بيان العلم وفضله) (2/229) الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة، إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله 0 اهـ

    قال الخطابي: في (أعلام الحديث) (3/2092) وليس الاختلاف حجة، وبيان السنة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين 0 اهـ

    وقال الشاطبي رحمه الله: في (الموافقات) (4/141) وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية، حتى صار الخلاف في المسائل معدوداً في حجج الإباحة. ووقع فيما تقدمن وتأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم، لا بمعنى مراعاة الخلاف، فإن له نظراً آخر، بل في غير ذلك. فربما وقع الإفتاء في المسألة بالمنع، فيقال: لم تمنع؛ والمسألة مختلف فيه؟! فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفاً فيها، لا لدليل عليه يدل على صحة مذهب الجواز، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ على الشريعة، حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمداً، وما ليس بحجة حجة 0 اهـ

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: في (مجموع الفتاوى) (26/202-203) وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة: النص، والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية، لا بأقوال بعض العلماء؛ فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية، لا يحتج بها على الأدلة الشرعية 0 اهـ



    زنديق يحتج بالخلاف


    الزنديق هو أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين ابن الراوندي، ترجم له بعض العلماء، ليعرف قدر كفره وإلحاده! والعياذ بالله. فقال ابن الجوزي: في (المنظم) (31/801)، (البداية والنهاية) (10/374)، (لسان الميزان) (1/324). وإنما ذكرته ليعف قدر كفره، فإنه معتمد الملاحدة والزنادقة، ويذكر أن أباه كان يهودياً، وأسلم هو، فكان بعض اليهود يقول للمسلمين: لا يفسدن عليكم هذا كتابكم، كما أفسد أبوه علينا التوراة 000 الخ.

    وابن الراوندي هذا، كان إذا جادل في حكم السماع، احتج على مخالفيه بوقوع الخلاف في هذه المسألة.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: في (مجموع الفتاوى) (11/570)، (تحريم آلآت الطرب) للألباني ص 164). ذكر أبو عبد الرحمن السلمي في مسألة السماع عن ابن الرواندي قال: إنه اختلف الفقهاء في السماع، فأباحه قوم وكرهه قوم، وأنا أوجبه وآمر به 0 اهـ.



    تعليل الأحكام الفقهية بالخلاف

    المطلع على كتب الفقهاء، يجد بعضهم أحياناً يعلل الأحكام الشرعية بالخلاف، فربما نجد أحدهم يقول بكراهة الشيء؛ لأن بعض العلماء قال بالتحريم، وغيرهم قالوا بالإباحة، فيقول بالكراهة خروجاً من الخلاف!!

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (بواسطة مجموع رسائل فقهية) لشيخنا العلامة محمد الصالح العثيمين ص55) تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر؛ فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام، فإنه وصف حادث بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن يسلكه من لم يكن عارفاً بالأدلة الشرعية في نفس الأمر، لطلب الاحتياط 0 اهـ. فمفهوم كلام شيخ الإسلام أن الراسخ في العلم لا يقع ذلك منه، وأما من لم يكن كذلك، فإنه لا يعرف الصواب من الخطإ في هذه المسألة، فلم تحصل له ثقة ولا طمأنينة في أحد الأقوال، فلم يتبرهن له الحق في هذه الأقوال، فيسلك هذه الطريقة خروجاً من الخلاف.

    وقال شيخنا العلامة محمد الصالح العثيمين: في (الشرح الممتع على زاد الستقنع) (1/52). إن التعليل بالخلاف لا يصح، لأننا لو قلنا به لكرهنا مسائل كثيرة في أبواب العلم، لكثرة الخلاف في المسائل العلمية! وهذا لا يستقيم؛ فالتعليل بالخلاف ليس علة شرعية، ولا يقبل التعليل بقولك: خروجاً من الخلاف؛ لأن التعليل بالخروج من الخلاف، هو التعليل بالخلاف، بل إن كان لهذا الخلاف حظ من النظر، والأدلة تحتمله فنكرهه، لا لأن فيه خلافاً؛ ولكن لأن الأدلة تحتمله، فيكون من باب: (دع ما يريبك إلى مالا يريبك). انظر (إرواء الغليل) (4702) أما إذا كان الخلاف لا حظ له من النظر، فلا يمكن أن نعلل به المسألة، ونأخذ منه حكماً. وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له حظ من النظر لأن الأحكام لا تثبت إلا بدليل، ومراعاة الخلاف ليست دليلاً شرعياً تثبت به الأحكام، فيقال: هذا مكروه، أو: غير مكروه 0 اهـ



    يتبع...

  10. #20
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    194
    آخر نشاط
    22-02-2011
    على الساعة
    08:09 PM

    افتراضي




    النزاع في الأحكام

    مسائل الأحكام يسميها بعض العلماء: مسائل الفروع، وليس هذا محل مناقشة جواز هذه التسمية، أو منعها. وقد توسع بعض العلماء في مسائل الأحكام، وصار يرخص في الاختلاف فيها مالا يرخص في مسائل العقائد، وهذا تحكم لم يقم عليه دليل؛ لأن الكل شرع من عند الله، بل إن الأحكام لها تعلق بالعقيدة من وجه، فلا بد أن نعتقد في أحكام الله، ما حكم به الرب سبحانه وتعالى فيها؛ من حلال وحرام، مع انشراح صدر لهذا الحكم، وإذعان، وخضوع، وتسليم له. والحلال والحرام يحتاجه كل الناس، وفي كل يوم، ووقت، بل به تستباح الأبضاع، وتحرم النساء، .

    من أجل هذا قال شيخ الإسلام عن علم الحلال والحرام: في (مجموع الفتاوى) (4/409) هو قوام دين الإسلام، يحتاج إليه الخاص والعام 0 اهـ

    قال الشاطبي: في (الموافقات) (4/131) فثبت أنه لا اختلاف في أصل الشريعة، ولا هي موضوعة على وجود الخلاف فيها أصلا يرجع إليه مقصوداً من الشارع، بل ذلك الخلاف راجع إلى أنظار المكلفين، وإلى ما يتعلق بهم من الابتلاء، وصح أن نفي الاختلاف في الشريعة وذمه على الإطلاق والعموم في أصولها وفروعها، إذا لو صح فيه فرع واحد على قصد الاختلاف؛ لصح فيها وجود الاختلاف على الإطلاق؛ لأنه إذا صح اختلاف ما؛ صح كل الاختلاف!وذلك معلوم البطلان، فما أدى إليه مثله 0 اهـ

    وقال ابن القيم: في (الصواعق المرسلة) (2/564) ومن المعلوم قطعاً بالنصوص، وإجماع الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره الأئمة نصاً أن المجتهدين المتنازعين في الأحكام الشرعيةليسوا كلهم سواء، بل فيهم المصيب والمخطئ، فالكلام فيما سموه أصولاً وفيما سموه فروعاً ينقسم إلى: مطابق للحق في نفس الأمر، وغير مطابق؛ فالقائل في الشيء: حلال، والقائل: حرام؛ في إصابة أحدهما وخطإ الآخر، كالقائل أنه سبحانه يرى، والقائل إنه لا يرى؛ في إصابة احدهما وخطإ الآخر، والكذب على الله تعالى خطأ أو عمد في هذا، كالكذب عليه عمداً أو خطأ في الآخر، فإن المخبر يخبر عن الله أنه أمر بكذا وأباحه، والآخر يخبر أنه نهى عنه وحرمه، فأحدهما مخطئ قطعاً 0 اهـ

    وقال الشوكاني رحمه الله: في (فتح القدير) (1/370) وقيل: وهذا النهي عن التفرق والاختلاف يختص بالمسائل الأصولية، وأما المسائل الفروعية الاجتهادية؛ فالاختلاف فيها جائز، وما زال الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم مختلفين في أحكام الحوادث! وفيه نظر؛ فإنه ما زال في تلك العصور المنكر للاختلاف موجوداً، وتخصيص بعض مسائل الدين بجواز الاختلاف فيها دون البعض الآخر ليس بصواب، فالمسائل الشرعية متساوية الأقدام في انتسابها إلى الشرع 0 اهـ



    هل يؤخذ بأخف القولين عند الخلاف؟

    قال الشاطبي رحمه الله في (الموافقات) (4/148 –149) : استدل لمن قال بالأخف بقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر} الآية!وقوله: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}!وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ضرر ولا ضرار» !وكل ذلك ينافي شرع الشاق الثقيل. ومن جهة القياس: أن الله غني كريم، والعبد محتاج فقير، وإذا وقع التعارض بين الجانبين؛ كان الحمل على الجانب الغني أولى. والجواب عن هذا؛ ما تقدم وهو أيضاً مؤد إلى إيجاب إسقاط التكليف جملة؛ فإن التكاليف كلها شاقة ثقيلة، ولذلك سميت تكليفاً، من الكلفة؛ وهي المشقة. فإذا كانت المشقة حيث لحقت في التكليف تقتضي الرفع بهذه الدلائل: لزم ذلك في الطهارات، والصلوات، والزكوات، والحج وغير ذلك، ولا يقف عند حد، إلا إذا لم يبق على العبد تكليف!وهذا محال اهـ



    يتبع...

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 2 3 الأخيرةالأخيرة

قاعدة:نتعاون في اتفقنا عليه , ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. PO~! فن التعامل مع بعضنا البعض داخل المنتدى !~PO
    بواسطة نضال 3 في المنتدى منتديات المسلمة
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 18-03-2012, 12:05 AM
  2. كيف نكون في بيت واحد ولا يطمئن بعضنا علي بعض ؟!!!
    بواسطة ابوحازم السلفي في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 25-01-2012, 07:48 PM
  3. فيما عرضته قريش عليه - صلى الله عليه وسلم - ليرجع عن الدعوة
    بواسطة جــواد الفجر في المنتدى من السيرة العطرة لخير البرية صلى الله عليه وسلم
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 19-05-2010, 04:17 AM
  4. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-12-2008, 04:07 AM
  5. هل يشك الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يوحى إليه
    بواسطة الفارس النبيل في المنتدى شبهات حول القران الكريم
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 28-05-2006, 03:41 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

قاعدة:نتعاون في اتفقنا عليه , ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه

قاعدة:نتعاون في اتفقنا عليه , ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه