بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الموت
عالم الجاهلية وعالم الفتنة وعالم الهذيان والهوس والغفلة ، عوالم منقطعة عن الله سبحانه. المادية الوضعية فلسفة الإنسان الذي أيس مما عدا ما يحسه، ورضي أنه دابة يقطع وجودها الموت، ويهلكها الدهر.
حضارة الجاهلية التي تبطنت عقول بعض أبنائنا، وغزت ثقافتنا وبيوتنا وحياتنا العامة والخاصة، حضارة تكفر بالله وباليوم الآخر والبعث والمعاد والجنة والنار.
وحضارة الإسلام ليست كذلك. فالدنيا قنطرة ودار بلاء وامتحان، تتزين لتفتن الناس. فيستمد المؤمنون القدرة على مقاومتها من إيمانهم بأن بعد الموت سؤالا وبعثا،
ففيما نربي ونكتب ونذكر، يجب أن يكون ذكر الموت هادم اللذات كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم جزءا لا يتجزأ من حديثنا، وهم الآخرة غالبا على هم دنيانا، حتى إذا أصبح الله عز وجل هم همنا وقبلة همتنا كان رضانا به وعكوفنا على بابه حاديا لنا على طريقنا إليه تبارك وتعالى، عبر مشقات الدنيا، وسكرات الموت، ومثوى القبر، وهول الحشر، ودقة الحساب، ومعبر الصراط، ودار المقامة.
الخلافة على منهاج النبوة تريد منا حضورا ثقيلا قويا على الأرض لنغالب الأعداء، وننتج، ونصنع، ونتسلح، ونخوض الأسواق العالمية، ونزاحم العالمين بالأكتاف.
فلكيلا تغلبنا جاذبية الأرض فنخلد إلى القيم المادية، وتذوب حياتنا فيها، نربي أجيالا مهاجرة إلى الله، عابرة إليه، الموت بين عينها، تطلبه استشهادا في سبيل الله.
موقفان من الموت عند المؤمن : موقف تخشع وتدبر واستعداد، وهذا عام مطلوب من كل المسلمين، وموقف إيجابي هو موقف المتحفز للجهادـ المشتاق إلى لقاء الله المستميت في سبيله عز وجل جهادا.
ويجمع الموقفين كون العبد عابر سبيل شاء أم أبى. فلأن يكون من الشهداء المقتحمين على الموت جهادا خير من أن ينتظرها قعودا متوجسا.
روى البخاري واللفظ له والترمذي بنحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال : كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» وكان ابن عمر يقول : «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك».
ولكي يكون ذكر هادم اللذات جزءا من حياتنا، أمرنا الشارع أن نعود المريض وجعل لنا في ذلك أجرا جزيلا، وأمرنا بالدعاء له ومواساته وتصبيره. وزيارة المرضى من أهم وسائل الدعوة، لأن المريض في حالة ضعفه وابتعاده عن عاداته أقرب أن يسمع ويتوب.
وللموت آداب وفضائل في تجهيز الميت، وللصلاة عليه، وتشبيع جنازته، والدعاء له وتعزية أهله،وعلى وجوب محاربة البدع في عبادة القبور.
وعلى الؤمنين أن يتنافسوا في مباشرة المريض، وزيارة القبور، اتعاظا وتعرضا لنفحات الله. في حضارة الجاهليين لا يذكر الموت وتصم الأذان وتوارى الجيف لئلا يراها الناس. وعندنا عكس ذلك تماما، إذ نحتفل بجنازتنا. قال رسول الله صلى الله وسلم لأبي ذر : «زر القبور تذكر بها الآخرة، واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة. وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك، فإن الحزين في ظل الله يوم القيامة» رواه الحاكم وصححه، وتابعه الذهبي.