حول نظرية الاختيار



الاختيار هو أن يترك للإنسان أمر التفضيل بين شيئين فصاعدا، فيؤثر الشيء عن سواه باعتباره أصلح أو أنسب أو أنفع أو أصوب أو غير ذلك، وهو ضد الإلزام والإكراه.

ومعنى قول القائل: إنّ الحجاب اختيار المرأة المسلمة، أنّ المرأة لم تكره عليه ولم تلزم به غصبا. وهذا القول غير دقيق لأمور منها:



أولا: الخمار ولبس ما يستر البدن كلّه فرض عين على المرأة المسلمة البالغة باتفاق أهل العلم. وعليه، فليس الحجاب مما خيرت فيه المرأة بل هي ملزمة به شرعا، وإن لم تفعل فهي آثمة. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36) } (الأحزاب).



ثانيا: للرجل أن يمنع زوجته من الخروج من البيت دون حجاب، وليس لها أن تمانع في ذلك، وإن خرجت دون حجاب فهي آثمة.



ثالثا: لما كان الحجاب من مظاهر الحياة العامة في الدولة الإسلامية، فإنّ الإمام يلزم النساء عامة بلبسه، وليس لهنّ الظهور في الحياة العامة بدونه، ومن خالفت هذا ألزمت بحكم القانون.



بناء عليه، فإن هذه الأحكام التي ذكرناه بإجمال دون تفصيل أدلتها لكونها معلومة عند الفقهاء بالضرورة، تدلّ على أن المرأة المسلمة البالغة ملزمة بالحجاب وليست مخيرة فيه بل هي آثمة إن رأت عدم لبسه.



الحجاب فريضة



قال تعالى: {وَقُل للمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِن وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُن وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُن إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِن عَلَى جُيُوبِهِن وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُن} (النور31). قالت عائشة رضي الله عنها : "يرحم الله نساء المهاجرات الأُول؛ لما أنزل الله: {وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِن عَلَى جُيُوبِهِن} شققن مروطهن فاختمرن بها"، وفي رواية عنها قالت: "أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها" (رواه البخاري).

وقال تعالى: {يأَيهَا النبِي قُل لأزواجِكَ وَبَناَتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِن مِن جَلابِيبِهِن ذلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رحِيماً} (الأحزاب 59).

عن ابن عمر قال: : "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن ؟ قال: يرخين شبرا، فقالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال: فيرخينه ذراعا، لا يزدن عليه" (رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح).


وعليه، فإن الحجاب (بمعنى الخمار والجلباب) فرض عين على المرأة المسلمة البالغة، أمر به الله سبحانه في كتابه العزيز، وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، وأجمع عليه العلماء قديما وحديثا ولم يشذّ منهم أحد يوصف بالعلم.



الثبات على الفريضة سنة النصر




عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتُنتَقضُنّ عُرى الإسلام عُروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبّث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة» (رواه أحمد). فهذا الحديث يدلك على أن أحكام الإسلام منتظمة في عقد واحد، فإذا انفرطت حبة من العقد انفرطت كل حباته تباعا. ولهذا نجد الله سبحانه وتعالى يحذر الرسول من فتنة التفريط في بعض الأحكام؛ لأن التفريط في بعض يستلزم التفريط في الكلّ، ومن يتنازل عن الحجاب يتنازل عن غيره. قال تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ...} (المائدة 49).

فالمنهج الذي يجب إتباعه هو منهج الأنبياء والمرسلين، منهج الثبات على الأمر وعدم التنازل عن حكم من أحكام الشرع. وهو المنهج الذي يكسر إرادة الطاغوت، وينتج النصر حتما ولو بعد حين. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد7).

قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (23)} (الفتح): "

والمعنى : سن الله ذلك سنة أي جعله عادة له ينصر المؤمنين على الكافرين إذا كانت نية المؤمنين نصر دين الله كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقال (ولينصرن الله من ينصره) أي أن الله ضمن النصر للمؤمنين بأن تكون عاقبة حروبهم نصرا، وإن كانوا قد يغلبون في بعض المواقع كما وقع يوم أحد، وقد قال تعالى (والعاقبة للمتقين ) وقال (والعاقبة للتقوى) وإنما يكون كمال النصر على حسب ضرورة المؤمنين وعلى حسب الإيمان والتقوى...".

وعليه، فإنّّ على المسلمين جميعا أن يثبتوا على أحكام الشرع، وأن يخوضوا الكفاح السياسي والصراع الفكري من أجل التزام المرأة المسلمة بحجابها ومنع المنع الذي يناقض الحكم القطعي الثبوت القطعي الدلالة.


وليكن في علم الناس أن بمستطاعهم التغيير وصدّ الطاغوت إذا توحدوا وتجمعوا، وجعلوا منطلقهم الدفاع عن حكم شرعي وفريضة ربانية. عن جرير قال: سمعت رسول الله يقول: "ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيروا عليه، فلا يغيروا، إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا" (رواه أبو داود).



وأما العلماء فعليهم أن يشدوا من أزر المسلمات بدعوتهنّ إلى الثبات على الحجاب، والتمسك بالعزيمة الفريضة، ودعوة الناس جميعا إلى العصيان والتمرد على أحكام الطاغوت، ولا يعجلوا بالدعوة إلى الرخصة التي جرت التنازل تلو التنازل وأطمعت الخصم والعدو في أمة محمد .

وأما ما ورد عن سفيان الثوري رضي الله عنه أنه قال:"إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل أحد
فذاك في زمنه الذي بالغ الناس فيه في الالتزام، ولو عاش زمننا الذي بالغ الناس فيه في التسيب وعدم الالتزام حتى ظهر الفساد وقلّ الرشاد ولم يبق من الإسلام إلا ذكره ومن الدين إلا رسمه لقال: "إنما العلم عندنا التشديد من ثقة، فأما الترخص فيحسنه كل أحد".


الكاتب: ياسين بن علي

وإليكم رابط المجلة تحت باب مقالات متنوعة:
http://azeytouna.net/

وفق الله القائمين على هذا الخير ، وبارك جهودهم.