هل آدمُ كان طوله ستّون ذِراعًا؟!

من الشبُهاتِ التي اعترضوا عليها باستهزاءَ هي ما ثبتَ عن نبيِّنا r أنّ آدمَ u كان طولُه ستّين ذراعًا، ومازالَ الخلقُ في تناقُصٍ...وأرْدفوا اعتراضَهم بأنّ جُثّةَ فرعونَ التي يقرُبُ عمْرُها إلى سبعةِ آلافٍ سنةً حجمُها كحجمِ بقيّةِ البشرِ اليومَ !

تعلقوا على ذلك بما ثبت في صحيح البخاري كِتَاب(أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ) بَاب(خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذُرِّيَّتِهِ) برقم 3079 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجنّة عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ ".

الردُّ على الشبهةِ


أولًا: إنِ اعترضَ المعترضون على وصف طولِ آدمَ u لا قيمةَ له؛ لماذا؟ لأنّ الكتابَ المقدّسَ لا يَنفي هذه الصفةَ عن آدمَ u ولا يُثبِتُها، كغيرِه من كتبِ التاريخِ، ومِن المعلومِ لدى العقلاءِ أنّ المُثْبتَ مقدّمٌ على المَنْفي فهو مِن علمِ الغيبِ الذي نؤمنُ به نحن - المسلمين -...

ثانيًا: إنّ قولَهم بأنّ جُثةَ فرعونَ التي يقْربُ عمرُها إلى أربعةِ آلافِ سنةً أو سبعةِ آلاف سنةً حجمُها كحجْمِ بقيّةِ البشرِ اليومَ... لا قيمةَ له أيضًا لوجهين:

الأول: أنّ جثّةَ فرعونَ هذه مشكوكٌ في صحتِها؛ أعني: قد يكونُ هذا فرعونَ آخرَ غيرَ المشارِ إليه...

الثاني: أنّ عمرَ البشريّةِ عشراتُ الألف السنين؛ فأربعةُ آلافٍ سنّةً ليستْ شيئًا بالنسبةِ لعمرِ دُنيا الناسِ...
قد يحمل قول النبي:" فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ " على أن التغيّر في الصفات ،مثل: طول القامة، وقصر العمر عند نزول آدم الأرض وأهله لم يكن بنسبٍ ثابتة....أي :أن آدم -عليه السلام- نزل إلى الأرض بهذا الطول، ثم نقص طول الإنسان الأول دفعات كبيرة في أزمنته الأولى إلى قل حجمه بهيئة أقصر بكثير ....وظل يتناقص تدريجيًّا بنسب بسيطة جدًا عبر القرون والأزمان إلى زمان النبي محمد ، فاستقر طول الإنسان على الوضع الحالي منذُ زمن النبيِّ ، ولا ننسى أننا نتحدث عن عشرات الألف السنين لا المئات....

إنْ قيلَ: إنّ هناك حفرياتٌ قديمةٌ تُثبتُ أنّ جُثّةَ الإنسانِ القديمِ تُشْبِهُ جثّةَ الإنسانِ اليومَ في الحجمِ !

قلتُ: إنّ هذا باطلٌ أيضًا؛ لم تُثبتِ الحفرياتُ القديمةُ شيئًا عن هذا؛ بل ثبت ما يقوّي ما جاءَ في الحديثِ من ناحيةٍ أخرى، وهو وجودُ الديناصوراتِ التي فاقتْ حجمُها الحدودَ...! أين هي الآن ؟وأين الهياكل العظمية للإنسان القديم...؟!

فالعَجَبُ كلُّ العجبِ أنّ المعترضين يعترضون على حديثِ النبيِّ r بغيرِ علمٍ، ولا يعترضون على أنّ في زمنٍ من الأزمان كانت هناك ديناصوراتٌ بأحجامٍ كبيرةٍ جدًا، بل وصور للإنسان طويل جدًا...!

ثالثًا: إنّ صورةَ آدمَ u في الجنّةِ هِيَ صُورَتُه فِي الْأَرْضِ لَمْ تَتَغَيرْ، بل سيكونُ أهلُ الجنّةِ على صورةِ آدمَ لِعِظَمِ حجمِها وطبيعتِها...ثبتَ في الآتي:

1- صحيحُ البخاري برقم 3080 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجنّة عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفِلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ الْأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ ".

2- مسند أحمدَ برقم 7592 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: " يَدْخُلُ أَهْلُ الجنّة الجنّة جُرْدًا مُرْدًا بِيضًا جِعَادًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى خَلْقِ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعِ أَذْرُعٍ ".
صحيحُ الترغيبِ والترهيبِ للألباني برقم 3700(حسنٌ لغيرِه).


رابعًا: إنّ الكتابَ المقدّسَ أخبرَنا أنّ هناك ناسًا بعد زمن آدمَ بكثير أطوالُهم فاقتْ الحدودَ المعهودةَ اليومَ...وذلك في الآتي:

1- سفرُ التثنيةِ إصحاح 2 عدد 10 " الإِيمِيُّونَ سَكَنُوا فِيهَا قَبْلاً. شَعْبٌ كَبِيرٌ وَكَثِيرٌ وَطَوِيلٌ كَالْعَنَاقِيِّينَ".

2- سفرُ العددِ إصحاح 13 عدد 31 " وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ فَقَالُوا: «لاَ نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ إِلَى الشَّعْبِ، لأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنَّا». 32فَأَشَاعُوا مَذَمَّةَ الأَرْضِ الَّتِي تَجَسَّسُوهَا، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: «الأَرْضُ الَّتِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا هِيَ أَرْضٌ تَأْكُلُ سُكَّانَهَا، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي رَأَيْنَا فِيهَا أُنَاسٌ طِوَالُ الْقَامَةِ. 33وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الْجَبَابِرَةَ، بَنِي عَنَاق مِنَ الْجَبَابِرَةِ. فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَالْجَرَادِ، وَهكَذَا كُنَّا فِي أَعْيُنِهِمْ ".

نلاحظُ: أنّ بني إسرائيلَ جَبَنوا، ولم يدخلوا الأرضَ المقدّسةِ؛ لأنّ فيها أُنَاسًا طِوَالَ الْقَامَةِ هم بنو عَناقِ فكانوا بالنسبةِ لطولِهم وضخامتِهم وأعدادهم كالجرادِ...
ولا ننسى أنّ هناك فارقًا زمنيًا طويلاً جدًا بين زمن آدمَ u وزمن موسى u... فقلّتِ الأعمارُ وقلّتِ الأحجامُ...فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ في الطولِ وفي العمرِ إلى وقت النبي محمد...

خامسًا: في أثناء بحثي على الإنترنتِ وجدتُ هذه الصورَ التي تدعمُ ما سبقَ بيانُه، ولا أعلمُ مدى صحّتِها ؛ تحتوي على هياكل عظمية للإنسان كبيرة الحجم جدًا ، وجدوها من حفريات قام بها علماء غير مسلمين ...(تجدونها على صفحات النت)

كتبه / أكرم حسن مرسي