بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذه كلمة موجزة نكتبها قياماً بواجب النصيحة لعموم المسلمين، لبيان الحكم الشرعي في مسألة ما يحتفل به الكثير منهم في هذه الأيام القليلة القادمة، وبمشاركةٍ من بعض مَنْ ينتسب إلى العلم، فنحتاج إِلَى أن نعرف ما يقع اليوم في واقعنا الإسلامي، وفي أكثر الدول من احتفال بليلة السابع والعشرين من رجب، والقول بأنها ليلة الإسراء والمعراج، أو عيد الإسراء والمعراج، فهل هذا حق؟ وهل هذا صحيح؟ فعندنا مسألتان:
أولاً: ثبوت التاريــــــــــــــخ
ثانياً: حكــــــــم ذلك الاحتفال؟؟؟

نبدأ أولاً بطرح هذا السؤال: هل ثبت تحديد تاريخ الإسراء والمعراج وهل لمعرفته فائدة ؟؟؟
الجواب: أما ثبوت تعيين تاريخ الإسراء والمعراج فلم يثبت عَلَى الإطلاق أي دليل صحيح صريح في تحديد وقت الإسراء والمعراج، وكل ما نعرفه من خلال السيرة هو: أن الإسراء والمعراج كَانَ قبل الهجرة، هذا هو القول الراجح، والمشهور والمستفيض أن الإسراء والمعراج كَانَ بعد موت أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد موت خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها، وبعد أن ذهب عليه الصلاة والسلام إِلَى الطائف لدعوة ثقيف إلى الإسلام فرده أهلها رداً غير كريم، وهو العام الذي يُسمى عام الحزن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لقي فيه الأذى الشديد والألم، فمنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليه صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات العظيمة، وهذه المشاهد وهذا المقام الرفيع الذي لم يصل إليه بشر ألبتة، تسليةً له صلوات ربي وسلامه عليه، وكانت آيات باهرة عظيمة، قال الله تعالى: { لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ } [ سورة النجم أية 18 ]

فأراه الله تبارك وتعالى آيات عظيمة جداً، ففرج عنه الهم وسُرِّي عنه، وعاد وقد ازداد يقيناً بربه وبلقائه، وأن ما يوحى إليه هو الحق أكثر من ذي قبل، رجع من هذه الرحلة وقد شد العزم عَلَى أن يبلغ دعوة ربه، وأن لا يبالي بالنَّاس مهما صدوه، بعدما رأى ما رأى من الأَنْبِيَاء ومن الكرامة التي نالها، فوقوعه في ذلك التاريخ فيه حكم عظيمة، لكن لا ندري بالضبط متى كان؟ فقد اختلف أهل العلم في أي يوم كان؟ وفي أي شهر؟ وفي أي سنة؟
حتى قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى كما في الجزء السابع من فتح الباري ( طبعة دار الريان للتراث ) ص 242 - 243: وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث، ثم اختلفوا فقيل قبل الهجرة بسنة قاله ابنُ سعد وغيرُه وبه جزم النووي، وبالغ ابنُ حزم فنقل الإجماع فيه، وهو مردود فإن في ذلك اختلافاً كثيراً يزيد على عشرة أقوال، ... فذكرها بالتفصيل، فليراجعها من شاء.
قلت: فهذه اختلافات كثيرة، ولا يوجد أي حكم شرعي يترتب عَلَى المعرفة الدقيقة لتاريخ الإسراء والمعراج.

إذاً - الْحَمْدُ لِلَّهِ - لا يهمنا من معرفة التاريخ شيء، وما دام أنه لم يثبت منها شيء فنحن لا نثبت أي شيء منها، إلا أننا نقول: إنه كما يترجح ويظهر جلياً من عموم الأدلة الصحيحة الصريحة أنه كَانَ قبل الهجرة، وأنه كَانَ بعد أو في عام الحزن، ويدل على ذلك أن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ماتت قبل الهجرة بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك.

حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج؟؟؟

مع أنه لم يثبت لها تاريخ معين، بل قال بعضُ المتأخرين كما ذكر ذلك الشهابُ الخفاجي في نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض يقول: قال بعضُ العلماء المتأخرين: "وأما ما هو منتشر اليوم في بعض الديار المصرية من الاحتفال بليلة سبع وعشرين، ودعوى أنها ليلة الإسراء والمعراج، فذلك بدعة] وهذا متأخر، يعني: أن هذه البدعة مع أنها بدعة؛ لكنها أيضاً بدعة متأخرة وينكرها النَّاسُ الذين لديهم اطلاع وفهم للسيرة والتاريخ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتفل بيوم إسرائه ومعراجه؟!

هل احتفل بذلك الصحابة أو التابعون؟!

الجواب: لم يثبت في ذلك شيء عَلَى الإطلاق، ونتحدى أن يأتي أحدٌ بشيءٍ في ذلك، ثُمَّ مع هذا يأتي المتأخرون فيحتفلون، بل ويجعلونه سُنةً أو عيداً كما يسميه البعض: عيد رجب، ولم يكتفوا بذلك بل حددوا ليلة معينة في ذلك، وجزموا بأنه وقع فيها، وفي تلك الليلة يجتمعون في المساجد، فيأتي القارئ ويفتتح ويقرأ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً [الإسراء:1] حتى إن الإذاعات والتلفزيون في ذلك اليوم تستفتح بها كذلك!
ونَحْنُ نقول: سورة الإسراء من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ وتقرأ، لكن لماذا تُخصص قراءتها في ذلك اليوم تحديداً؟؟؟
والجواب الذي لا محيد عنه، ولا مهرب منه، حتى تعطي النَّاس إيحاءاً وشعوراً بأن هذه هي ليلة الإسراء والمعراج، وكل هذا من البدع ما دام أنه لم يثبت، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
متفق عليه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وختاماً أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم دائماً وأبداً إلى اقتفاء أثر الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، والسير على منهج سلفنا الكرام، وأن يثبتنا على ذلك حتى نلقاه، ونسأله جل وعلا أن يتوفانا وهو راض عنا على الإسلام والسنة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته