إنهم عنصريون عرقيون
(1\3)
بقلم : د .يحيى هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
إذا كان العالم قد شعر بالصدمة أو الدهشة - كما يقال - بسبب ما كشفت عنه قناة شبكة سي. بي. اس. نيوز في أحد برامجها يوم الأربعاء 28\4\2004 - وتبعتها الديلي ميرور وغيرها - من فضيحة جديدة لقوات الاحتلال في العراق . حيث بثت الشبكة صورا لانتهاكات خطيرة داخل سجن أبو غريب بالعراق الذي تحول إلي سلخانة بشعة على يد شرذمة من أشباه البشر ذئاب الفضيلة وأعداء الإنسانية من الجنود الأمريكان رجالا ونساء يصعقون فيها المعتقلين بالكهرباء و يجردونهم من ملابسهم و يعذبونهم بالاعتداء الجنسي و يجبرونهم علي ارتكاب أفعال ويكومونهم فوق بعضهم عرايا في شكل هرمي أو يقفونهم في أوضاع وكأنهم سيمارسون الجنس مع بعضهم بعضا إلى غير ذلك من صنوف التعذيب .
فعلوا ذلك وهم يقفون لالتقاط الصور التذكارية لما يفعلونه بالمعتقلين ويرسمون بأصابعهم علامة النصر ويتضاحكون ويتفاخرون ويتبسمون ويتلذذون بما يفعلونه بهؤلاء المعتقلين من التعذيب المبتكر الذي يفوق خيال الشياطين مما لا يتصور صدوره من بشر يملكون أدنى قدر من الإحساس البشري أو الأخلاق أو الشرف
ولم يكن ذلك مجرد تصرف فردي معزول كما صرح بذلك وزير الكذب الأمريكي عندما فوجئ بافتضاح الموقف في أول تصريح له بعد تفجر الفضيحة إعلاميا ، فقد أكد ضباط و جنود الاحتلال الذين ارتكبوا الجريمة أو أشرفوا عليها أنهم حصلوا علي مكافآت و تشجيع من قادتهم لقدرتهم علي انتزاع الاعترافات بسرعة من ضحاياهم …، كما اعترفت إحدى الجنديات بان " التعليمات كانت قد صدرت إليهم " اجعلوا حياتهم جحيما حتى يعترفوا " . وكما نشرت صحيفة غارديان البريطانية تقريرا بينت فيه أنه يتم تدريب القوات البريطانية على طرق تعذيب مختلفة، مشيرة إلى أن الامتهان الجنسي الذي تعرض له المعتقلون العراقيون ليس اختراعا من قبل حراس مهووسين، بل هو جزء من نظام إساءة وتعذيب للمعتقلين يستخدمه جنود القوات الخاصة الذين يتم نشرهم وسط الجنود العاديين دون أن يعلموا بأمرهم ( وكالات الأنباء في 8\5\2004 ) .
وكما نقلت الصحيفة عن أحد أفراد القوات الخاصة البريطانية العائد لتوه من العراق قوله : إن الجنود الذين عذبوا المعتقلين في سجن أبو غريب كانوا يستخدمون طريقة تعرف باسم مقاومة التحقيق، وأن الجنود البريطانيين والأميركيين يتم تدريبهم على استخدام هذه الطريقة في أحد المعسكرات في مقاطعة كنت في بريطانيا.
وكما اعترف بذلك الجنرال تاجوبا في تقريره ثم في شهادته أمام لجنة مختصة بالكونجرس بتاريخ 11\4\2004
إذا كان العالم قد استقبل هذه الكارثة بما يسمى الصدمة فإن التفسير الذي يكافئ هذا الحضيض الذي تتغذى منه الشخصية الأمريكية المتمثلة في صفوة جنودها بالعراق وغير العراق لا يمكن أن يكون شيئا غير صرخة التاريخ في وجوههم :
إنهم عنصريون
وقبل أن نبين هذه الحقيقة من خلال الدراسة العلمية الموضوعية يجدر بنا أن نعرج سريعا على تعليقات مهابيل النموذج الغربي الذين يطلقون من جحورهم تبريرات لما حدث فيقول بعضهم : انظروا أليس الكشف عن هذه الفضائح دليلا على ما يتمتعون به من فضيلة الديموقراطية ، يريدون استغفالنا عن حقيقة ديموقراطيتهم التي أصيبت بالسل حتى أصبحت محض آلة قانونية اصطلح عليها المتنفذون كطريق للاستيلاء على السلطة وأصبح التمسك بها قارب النجاة وجسر الوصول لأحزاب المتسلطين الرأسماليين .
ويسارع زيبارهم فيقول : " تلك أخبار مبالغ فيها "، ويقول طالبانهم : " النظام السابق فعل ما هو الأشنع " ويتابعهم في ذلك بقية أعضاء مجلس " المنتفعين " مشيرين إلى صدام ، متجاهلين أن ما فعله صدام كان حصيلة ثلاثين عاما وما رأيناه على يد السيد بريمر إنما هو حصيلة عام واحد ، فأيهما " يكسب " ؟ وماذا لو امتد الأجل بالاحتلال ثلاثين عاما لا قدر الله
ولقد تجاهل هؤلاء المهابيل أن كليهما : صدام وبريمر يصدران عن " الديموقراطية " كلا على طريقته ، هذا البريمر يتحرك تحت شعار ما يسمى " الديموقراطية الرأسمالية " أو " الليبرالية" أو " الفردية" ، وذاك كان يتحرك تحت ما كان سائدا في مرحلته مما كان يسمى " الديموقراطية الاجتماعية " و" الديموقراطية الاشتراكية " ، وعلى رأي المثل " ما يجيش من الغرب شيء يسر القلب "
عودا على بدء نقول :
إذا كان العالم قد استقبل هذه الكارثة بما يسمى الصدمة فإن التفسير الذي يكافئ هذا الحضيض الأمريكي لا يمكن أن يكون شيئا غير صرخة التاريخ في وجوههم :
نعم إنهم عنصريون
وفي هذا الاتجاه - وإن يكن بلهجة مخففة - أشار الكاتب روبرت فيسك في صحيفة إندبندنت البريطانية في إطار تعليقه إلى أن هذه المعاملة غير الإنسانية للعرب والمسلمين هي نتاج للصورة الذهنية العنصرية والمسممة التي تنشرها الكتابات الصحفية ووسائل الإعلام وأفلام هوليود عنهم . ويقول فيسك : إذا ما رأينا أعداءنا غير آدميين، سنصبح بدورنا متوحشين. ( وكالات الأنباء في 8\5\2004 ) .
ليس ذلك فحسب وإنما لأنهم عنصريون عرقيون عريقون ، وما كانت أفلام هوليود لتفعل ما تفعله لولا تجذر هذه العنصرية في أعماق الشخصية الأوروأمريكية
ليس ذلك فحسب ولكن لأن هذه العنصرية العرقية العريقة هم أساتذتها ومبدعوها على مستوى التاريخ
ليس غير هذا التفسير ما يقنع أحدا في محاولة فهم هذه الممارسة الحيوانية شديدة الانحطاط من شعب بلغ الذروة في التكنولوجيا والتقدم الاقتصادي والعلمي : نعم لكنهم مازالوا في حضيض البشرية على مستوى الخلق والشعور الإنساني
ليس غير هذا … لكي يكون ممكنا لهم أن يفعلوا الذي فعلوه مع أفراد من الشعب العراقي لم يكن بينهم وبينه أي خصومة أو حروب .
ليس غير هذا …. لكي يكون ممكنا لنا أن نفهم كيف فعلوا الذي فعلوه وكأنهم يتلهون بمجموعة من الألعاب أو الطيور كما يفعل مرضى السادية قبل العلاج ، أو كما يفعل الصبيان قبل التأديب .
ومما ظهر في هذا السياق من أدلة على هذه العنصرية أن وجدنا كبار المسئولين الأمريكيين – قبل أن يقدموا أسفهم المزيف – يبادرون إلى إعلان " ليست هذه هي أمريكا ": تصريحا منتفخا بكل مظاهر النرجسية
ويصرح أحد كبارهم قائلا : " نحن لسنا هؤلاء " " هلا فهمتم – والخطاب للضحايا من العرب والمسلمين – أننا لسنا هؤلاء الإرهابيين ؟ " . فهلا فهم هو من قبل عندما أعلن الحرب الصليبية بعد الحادي عشر من سبتمبر أننا لسنا هؤلاء الإرهابيين على حد تعبيره ؟
كلا يا " سيدي " إن هؤلاء المجرمون هم أنتم
إنهم بغير مبالغة : أمريكا الرجل الأبيض
أمريكا الرجل الأبيض مبدعة العنصرية العرقية في التاريخ
يشهد بذلك " شاهد من أهلها الدكتور كافين رايلي ، المؤرخ الأمريكي ورئيس جمعية التاريخ العالمي ( 1982-1983) وعضو الجمعية التاريخية الأمريكية " في كتابه " الغرب والعالم " وهو من الكتب القليلة التي من شأنها أن تؤثر جذريا في معلوماتنا الشائعة عن بعض القضايا الشائكة المطروحة عصريا لتقلبها من النقيض إلى النقيض
وكما يقول ناشر الكتاب في طبعته التي ترجمها إلى العربية الدكتورعبد الوهاب محمد المسيري والدكتورة هدى عبد السميع حجازي ونشرته مؤسسة عالم المعرفة بالكويت تحت الرقم 97 : ( يعد الكتاب الذي بين يدي القارئ نموذجا خاصا ومتميزا في تدريس التاريخ من خلال قضايا وموضوعات )
من أهم قضايا الكتاب محاولة الإجابة على السؤال الهام التالي :
متى ظهرت العنصرية العرقية ؟
في هذه القضية يذهب أحد أشهر علماء الإنثربولوجيا وهو كلود ليفي شتراوس إلى أن العنصرية – خلافا لما نطرحه من كونها اختراعا أمريكيا أصيلا !! - - اختراع قديم نشأ بعد أن ظلت الشعوب البدائية المنعزلة تتصور أنها وحدها الكائنات الإنسانية في العالم ، وعندما اكتشفت وجود شعوب أخرى فإنها كانت تنظر إلى الدخلاء على أنهم دون المستوى الإنساني وتشير إليهم على أنهم " القرود الدنيا " أو الأشرار أو الأشباح ، ونادرا ما كانوا ينظرون إليهم على أنهم أفراد من جنس مختلف ، وتصوروا أن كل الأجانب يختلفون عنهم إلى درجة تجعلهم غير آدميين .
وعلى سبيل المثال فبعد سنوات قليلة من اكتشاف كولمبوس لأمريكا بعث الأسبان لجانا لتبحث فيما إذا كان للهنود نفوس حتى يمكن اكتشاف ما إذا كانوا بشرا أم لا
وفي نفس الوقت الذي بدأت فيه هذه البعثات بحثها كانت جماعة من الهنود تقوم بإغراق بعض البيض الذين أسروهم أثناء رحلة سابقة حتى تعرف هل تتعفن جثثهم كما تتعفن الأجسام البشرية الهندية ( الغرب والعالم ص 99 )
ولقد كان لهذا الاعتقاد أثره الفعال فيما جرى للهنود الحمر من إبادة وتطهير عرقي على يد المكتشفين الأوربيين
في هذا الشأن " اعتبرالرئيس الفنزويلي هوغو شافيز (الأحد12\10\2003 ) -- في الاحتفالات التقليدية بذكرى اكتشاف كريستوفر كولومبوس لأميركا في 12 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1492 – ( أن اكتشاف القارة الأميركية فتح المجال لعملية إبادة للسكان الأصليين . )
وأنكر ما يسمى في التاريخ "اكتشاف أمريكا " ، مصححا إياه إلى " إبادة أمريكا "
وقال شافيز في كلمته المتلفزة الأسبوعية " ليس هناك ما يحتفل به في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول ، .. من الكذب القول إن اليوم هو ذكرى اكتشاف أميركا".
وأضاف الرئيس الفنزويلي أن عملية "اجتياح وإبادة واستعمار وتدمير" للقارة التي راح ضحيتها السكان الأصليون بدأت في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 1492" مؤكدا أنه لهذه الأسباب " لم يكن كريستوفر كولومبوس رائدا" بل "هو شخص قاد أكبر مجزرة في التاريخ".
واعتبر شافيز -- خلال لقاء السبت مع ممثلين عن السكان الأصليين لبلاده – اعتبر أن كولومبوس " كان رأس حربة الاجتياح كما كان رأس أكبر عملية إبادة في تاريخ الشعوب". واتهم المؤرخين الغربيين بأنهم غطوا مجزرة طالت 97 مليونا من سكان القارة الأميركية الأصليين ، وبأنهم أشادوا بجنود كولومبوس الذين "كانوا أسوأ من جنود هتلر".
وأكد شافيز : ( أن الأوروبيين كانوا على علم بوجود القارة الأميركية قبل كولومبوس بفترة طويلة، مضيفا أنهم قرروا فتح القارة بهدف "نهب" ثرواتها فقط . وتابع أن "جنود الاجتياح رفعوا صليب المسيح ، وباسم الرب هاجموا شعبا ، وارتكبوا مجزرة في حقه ونهبوه وزرعوا الأمراض" التي قضت على الهنود. )
وإذا كان كلود ليفي شتراوس قد أرجع هذه النظرة العرقية نحو الآخر إلى حالة الانعزال التي يمر بها كل شعب بدائي في حالة عزلته الأولى فلا بد من أن نبادر هنا إلى أنها نظرة غير صحيحة في تعميمها على جميع الشعوب المعزولة
لقد كان العرب في شبه عزلة في الجزيرة العربية ومع ذلك تفهموا شريعة الله التي أصلت أخوة البشر في انتمائهم لأصل واحد ، واستجابوا لها في قوله تعالى في سورة الحجرات : { يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(13) ، وفي قوله تعالى في سورة النساء {يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ، وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً ، وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(1)
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع – كما جاء في المعجم الكبيرللطبراني : بسنده عن العداء بن عمرو بن عامر فارس الضحياء في الجاهلية قال : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقعدت تحت منبره يوم حجة الوداع فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( إن الله عز وجل يقول " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " فليس لعربي على عجمي فضل ولا لعجمي على عربي فضل ولا لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود فضل إلا بالتقوى
يا معشر قريش لا تجيئوني بالدنيا تحملونها على أعناقكم ويجيء الناس بالآخرة فإني لا أغني عنكم من الله شيئا )
وفي قوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء بمسند الشهاب بسنده عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الناس كأسنان المشط )
وفي قوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء في صحيح ابن حبان بسنده عن ابن عمر رضي الله عنه قال : طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته القصواء يوم الفتح ، واستلم الركن بمحجنه ، وما وجد لها مناخا في المسجد حتى أخرجت إلى بطن الوادي فأنيخت ، ثم حمد الله واثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فإن الله قد اذهب عنكم عبية الجاهلية ، يا أيها الناس إنما الناس رجلان : بر تقي كريم على ربه ، وفاجر شقي هين على ربه ، ثم تلا { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا الحجرات } حتى قرا الآية ثم قال : أقول هذا واستغفر الله لي ولكم
وفي قوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء بمسند الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية ، وفخرها بالآباء ، مؤمن تقي وفاجر شقي ، والناس بنو آدم وآدم من تراب ، لينتهين أقوام فخرهم برجال ، أو ليكونن أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن )
وعبية الجاهلية - بضم العين المهملة وكسر الموحدة المشددة وفتح المثناة التحتية المشددة -- أي فخرها وتكبرها ونخوتها ، وأصله من العب وهو الثقل يقال عبية وعبية بضم العين وكسرها .
" مؤمن تقي وفاجر شقي " قال الخطابي : معناه أن الناس رجلان مؤمن تقي فهو الخيرالفاضل وإن لم يكن حسيبا في قومه ، وفاجر شقي فهو الدني وإن كان في أهله شريفا رفيعا اهـ
وقيل معناه : أن المفتخر المتكبر إما مؤمن تقي فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد ، أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله ، والذليل لا يستحق التكبر ، فالتكبر منفي بكل حال .
ومن معاني التوجيه النبوي : أنتم بنو آدم ، وآدم من تراب ، أي فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والكبر
ومن معانيه : ليصيرن الفخور المتكبر بعنصرية الآباء والأجداد أهون و أذل عند الله من الجعلان - بكسر الجيم وسكون العين - جمع جعل - بضم ففتح – وهي دويبة سوداء تدير الروث بأنفها . يوجد كثيرا في مراح البقر والجواميس ومواضع الروث ومن شأنه جمع النجاسة وادخارها
هذه هي تعاليم الإسلام وهديه يبن العرب ، وقد كانوا عند نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم في شبه عزلة بين الأمم من حولهم ، فما استقر فيهم منطق العنصرية العرقية وما هجروا هدي الله بعد أن نزل إليهم في الأخوة الإنسانية
فليست التفرقة العنصرية في تقديرنا راجعة إذن إلى حالة عزلة عن الأجناس الأخرى بقدر ما هي راجعة إلى عزلة عن هدي الله الذي أطل على البشرية كلها ، يقول تعالى : ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) فاطر 24 ، فأخذ بمعاييره من أخذ ، وهجرها من هجر لعوامل أخرى تستحق الدراسة .
ولذا ذهب عالم آخر من علماء الإنثربولوجيا وهو ميشيل ليريس إلى وجهة نظر أخرى في أن التحيز العنصري اختراع حديث ظهر على يد الرجل الأبيض لظروف خاصة به تتعلق بالجذور الثقافية من جهة ، والظروف الاستعمارية للأرض الجديدة ( أمريكا ) وظاهرة الرق من ناحية أخرى .
ويعترف ليريس بأن معظم المجتمعات التي درسها علماء الإنثربولوجيا تكشف عن وجود ما يمكن تسميته " الاعتزاز بالجماعة " حيث تعد الجماعة نفسها أفضل من غيرها لكنها في هذا الاعتزاز لا تدعي لنفسها أية مزاعم عنصرية ، فهي لا تتعالى -- على سبيل المثال -- عن الدخول في تحالفات مؤقتة مع غيرها من الجماعات ولا عن التزواج بينهم
و يذهب إلى أن " العنصرية " العرقية لاوجود لها في المجتمعات البدائية والقديمة ، ومنها شعوب الشرق الأوسط ، ومنهم اليونانيون القدماء الذين وإن كانوا يطلقون على جيرانهم اسم " البرابرة " فقد كانوا يعنون بذلك أنهم غير متحضرين أو مثقفين ولم يعنوا قط أنهم ليسوا ببشر - ص 100 –
لقد كان اليونانيون يزدرون الأجانب لما ينقصهم من الاستقلال والحيوية اللذين تقدمهما الثقافة اليونانية ، ولكنهم لم يكونوا " عنصريين " لأنهم لا يعدون العيوب الثقافية لجيرانهم مستعصية على العلاج والشفاء ، كانوا - على سبيل المثال - يعدون الأسيويين جبناء ، ولكنهم لم يكونوا ينسبون هذا العيب الخلقي المزعوم إلى صفرة الجنس المغولي مثلا أو تراث الجنس والعرق ، بل التمسوا التفسيرات في الثقافة الأسيوية ، فهيبوقراط - على سبيل المثال -- نسب عدم كفاءة الصينيين عسكريا إلى نظامهم الذي لم يكن يمنح الجنود المكافأة المناسبة لشجاعتهم حيث يجعل ثمرات النصر من نصيب السادة لا الجنود .
وعندما فتحت القوات اليونانية تحت إمرة الإسكندر الأكبر فارس والهند تزوج عشرة آلاف جندي من نساء هنديات من الهندوكيات ، وتزوج الإسكندر نفسه أميرتين فارسيتين . ولم تكن أية مخاوف تساورهم من أن يأتي نسلهم أقل إنسانية أو انه قد يفسد الجنس أو الدم اليوناني . ص 101
وكانت المقابر المصرية التي صورت الناس في أربعة ألوان تدل على التوافق العنصري أكثر مما تدل على العنصرية ، وإن كان هذا التوافق لا يخلو من التفوق النسبي للون على آخر ، لقد كانت مصر حضارة متنوعة الأجناس ولكن ميزان القوى كان كثيرا ما يتغير .فإذا سيطر أصحاب البشرة الفاتحة أشاروا إلى الجنوبيين بقولهم جنس ISH الشرير ، وعندما يكون هؤلاء الجنوبيون في السلطة يطلقون على ذوي البشرة الفاتحة جنس ARVAD الشاحب الوضيع . ص 102
وفي الصين أوجز الفيلسوف الصيني كونفوشيوس 500 ق م موقفه المعادي للعنصرية بقوله " إن طبيعة الناس واحدة وما يفرق بينهم هو عاداتهم "
ومن جهة أخرى نسمع من أحد مؤرخي أسرة ماهان – التي كانت تساوي الإمبراطورية الرومانية في اتساعها تقريبا ووجدت في فترة مقاربة لها – " أن أهل أوربا من ذوي الشعر الأصفر والعيون الخضراء يشبهون القردة التي انحدروا منها "
وإذا كنا نجد في قصص بداية الخلق عند بعض الشعوب القديمة - كما يلاحظ الإنثربولوجيون - توجها نحو إنكار وجود جنس بشري مشترك فإن ذلك لم يصل إلى حد " العنصرية "
نعم : نجد عند الإسكيمو حكاية عن " الكائن الأعظم " الذي خلق أول ما خلق قوما لا لون لهم يسمون " البيض " ثم مضى ليقوم بمحاولة خلق ثانية أفضل من سابقتها فخلق أسلاف الإسكيمو
ونجد عند هنود أمريكا الشمالية حكاية الروح العظمى التي خلقت الناس ثلاث مرات : في المرة الأولى " لم يتحمصوا " بما فيه الكفاية ، وجاءوا بيضا ، وفي المرة الثانية أبقت الروح الكبيرة خلقها في الموقد مدة أطول وكانت النتيجة أن لونه جاء أسود محروقا ، ولم تتمكن الروح العظمى من تسوية " الرغيف" الإنساني حتى صار ذهبيا إلا في المرة الثالثة .
والحقيقة التي ما تزال باقية هي أن هنود أمريكا برغم آرائهم في تفوق خلقهم لم يسترقوا غيرهم من الأجناس
وهذه هي الخطوة الأعمق نحو العنصرية الأوروأمريكية أو عنصرية الرجل الأبيض ، الذي ربط ربطا وثيقا بين الرق واللون
وعندما استرق المصريون أو الصينيون أبناء الأجناس الأخرى فإنهم لم يجعلوا من الرق العنصري أسلوبا في الحياة كما حدث في الأمريكتين . ص 103 – 104
وبالرغم من ذلك فإن العنصرية الأوربية الأمريكية أوسع نطاقا من هذه الأفكار القديمة فالعنصرية في المجتمعات القديمة قلما نظمت في صورة استرقاق أو أي شكل من أشكال السيطرة
كانت هناك بضع حالات بطبيعة الحال كما حدث في رواندا وبوروندي بوسط افريقيا بين أرستقراطية التوتسي ، وأغلبية الهوتو ، وبالمثل ما حدث في نيجيريا من حكم بعض المسلمين العرب لقبائل الهوسا ، وبالمثل كما في اليونان وروما ، ولكن هذه الممارسات – كما يقول كافين رايلي - لم تكن عامة بين المسلمين أو الزنوج الأفارقة ، بل إن أقسى أشكال الرق في العالم القديم – كما في اليونان وروما – لا شان لها بالعرق ، لقد استخدم اليونان والرومانيون عبيدهم من جميع الأجناس في العمل الشاق في الزراعة بينما استخدموا الأفارقة المهزومين معاونين ومساعدين في الأعمال الأقل مشقة في الأعمال المنزلية .
إن الأوربيين الغربيين - كما يقول كافين رايلي – ( هم الذين نظموا بشكل منسق قـُوًى كبيرة من الأجناس الأخرى – من الأفارقة والهنود الأمريكيين – في العمل في المزارع والمناجم وهو العمل الذي ينطوي على أقصى درجات الاستغلال
لقد كان هؤلاء الأوربيون هم الذين نقلوا جماعات سكانية بأسرها إلى عالم آخر ، وحطموا عائلاتهم ومحوا شخصياتهم وتراثهم وعاملوهم معاملة الحيوانات . وأخيرا فإن هؤلاء الأوربيين هم الذين طوروا مجموعة مفصلة من التبريرات من الأفكار والنظريات ومشاعر التفوق العنصري التي تجاوزت عنصرية المجتمعات السابقة إلى حد كبير ، فما من مجتمع آخر أنتج مجموعة من الشعراء والفلاسفة والدبلوماسيين المؤمنين بالعنصرية كتلك التي أنتجتها الطبقة الحاكمة الأوربية والأمريكية ، وما من مجتمع آخر ربط بين قيمه الدينية والخلقية والاجتماعية والشخصية وبين العنصرية هذا الرباط الوثيق . ولعل هذا وحده ينهض دليلا على مدى شمولية الاستغلال العنصري الغربي . لقد ألح الغربيون كثيرا وطويلا وبشدة على أن ما يفعلونه لم يكن إلا أمرا طبيعيا ) ص105
يقول كافين رايلي (صحيح أن بعض المجتمعات القديمة أقامت في مراحل معينة مؤسسات عنصرية ، بل نوعا من أنواع الرق العنصري ووصل بها الأمر أحيانا إلى حد ابتكار أفكار عنصرية لتبرير هذه الأوضاع ، لكن مثل هذا الأمر كان نادر الحدوث ولا تكاد توجد حالة واحدة أصبحت فيها هذه الأفكار هي الشغل الشاغل لشعب ما أو ثقافته ، ولم تصبح قط الأساس الذي تستند إليه حياة منطقة كبيرة أو امبراطورية ، أما العنصرية فقد أصبحت أسلوبا للحياة لدى القارة التي يسكنها الأوربيون ثم في القارات التي فتحوها ) ص 106
وأي رق في التاريخ البشري – عدا هذا الأوروأمريكي - حرص على أن يحرم ا لرقيق من التدين بدين السادة : المسيحية ؟ كما صرح بذلك لويس فراخان زعيم أمة السود في تصريحه لقناة الجزيرة بتاريخ 12\2\2004
وهو يلتقي في ذلك مع جيمس بيرك في كتابه " عندما تغير العالم " ترجمة ليلى الجبالي نشر عالم المعرفة رقم 185 إذ يقول ( وقد عارض المزارعون الإنجليز فكرة تعليم العبيد أو تعريفهم بأي فكر مسيحيي كما اعترضوا على فكرة تعليمهم عمليات الغزل والنسيج ) !! ص 232
قارن ذلك بما كان يحدث من قبل بحوالي ألف سنة ولكن في بقعة مباركة من الأرض حيث شع نور الإسلام عندما يتحول رقيق من حالة الرق إلى أعلى درجات المجتمع وبماذا ؟ بالتعلم والتعليم الذي كان متاحا له بمقتضى قيم المجتمع وهي حالات تفوق الحصر في هذا المقام ، نكتفي هنا بمثال يحكي فيه سالم بن الجعد في بداية الحضارة الإسلامية فيقول : ( اشتراني مولاي بثلاثمائة درهم ، وأعتقني ، فقلت : بأي شيء أحترف ؟ فاحترفت العلم ، فما تمت لي سنة حتى استأذنني أمير المدينة زائرا فلم آذن له ) !!
ويستمر كافين رايلي قائلا ( كانت العنصرية الغربية فريدة في مداها وشمولها . فهي لم تكتف بتسميم الثقافة الأوربية بل نشرت الميكروب في جميع أنحاء العالم . إلا أن جميع المستوطنات الاستعمارية في العالم الجديد – في أمريكا الشمالية والجنوبية على السواء – ازدهرت بفضل إبادة السكان الأصليين – الذين كانوا يدعون بالهنود – وبفضل العمل العبودي الذي قام به جنس آخر من أفريقيا .
وحتى الأرض الأفريقية ذاتها أصبحت مهدا للمؤسسات العنصرية : أسواق العبيد الدولية ، الدول الاستيطانية البيضاء ، المزارع والمناجم التي يعمل فيها العبيد ويديرها البيض ، وبمضي الوقت أفرزوا رؤى عنصرية تضع الصينيين واليابانيين والشرقيين في مستوى أقل من الإنسانية ، ولم تكن هذه الرؤى إلا صيغة مبتسرة لنفس الأفكار القديمة عن السود والهنود الأمريكيين الأصليين . ) ص 105
وللحديث بقية
المفضلات