الشيخ سلطان بن عبدالله العمري
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن من أكبر النعم أن يعيش المرء سليماً في بدنه معافاً في صحته،وأن يحيا في سلامة من الأمراض التي انتشرت في هذا الزمن،
ولكن تأمل في أحوال بعض الناس،أنهم قد أصيبوا بأمراض ولكن الناس لا يرونها،ولا تظهر للطبيب في المستشفيات،
إنها أمراض خفية،لا تظهر على الوجه، ولا على الجلد، ولا تسبب الصداع،إنها أمراض سكنت في قلوب بعض الرجال والنساء، واستقرت،وبدأت تتغلل في الجسد،
من الأمراض،البغضاء والحقد والكراهية،هي جروح في القلب،وعيوب في نفس المؤمن،قال زيد بن أسلم،دخلنا على أبي دجانة وهو مريض، ووجهه يتهلل فقيل له،ما لوجهك يتهلل،فقال،مامن عمل أوثق عندي من اثنتين،كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني،وكان قلبي للمسلمين سليماً،
ومن أمراض القلوب،
إن البغضاء،داء مهلك،وصاحبه يتقلب في أودية الهموم،لا يعرف للنوم طعماً،ولا للحياة معنى،حياته مليئة بالكراهية للآخرين،
إنه يحمل في قلبه أثقالاً من البغضاء لعباد الله، فهو يكره الصالحين،فيا عجباً له،إنه يبغض من يتفوق عليه في الدنيا، ويكره النعم التي تنزل بغيره ويتحسر على أي خير يناله فلان،
إنه يعذب نفسه ولكنة لا يشعر بهذا العذاب،
ومرض الكبر،إنه مرض ينتشر عندما يغفل الإنسان عن معرفته بنفسه الضعيفة ويرى أنه فوق الناس،وأنه أفضل منهم،
إن الكبر من صفات الرب تبارك وتعالى،ومن أسماءه(المتكبر) والإنسان عندما يتخلق بهذا الخلق فقد تعرض للوعيد الشديد، ففي صحيح البخاري(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)
وقال الحكماء،إن المتكبر كأنه على جبل يرى الناس صغار، وينسى أنهم أيضاً يرونه صغيراً،
ما أسوأ حالته وحياته،والناس يكرهونه ويبغضونه فكيف يجد للحياة معنى،
والذي يجالسه هو أول من يكرهه،
وقد يتكبر على الحقوق فيرفض النصيحة ويستمر على الباطل الذي يهواه فهو كما قال تعالى(وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم )لقد نصحه الناصحون ولكنه لا يستجيب استكباراً (يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها)
إنها صفة المنافقين كما قال تعالى ( لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون )
يا من تكبر في ملبسه أو مركبه أو منصبه أتمنى أن تنصت إلى هذه الأدلة لعلها توقظك من هذا الداء العجيب(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) رواه البخاري،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ألا أخبركم بأهل النار،كل عتل جواظ مستكبر)رواه مسلم،فيا أيها المتكبر أرفق بنفسك قليلاً،
وهذا الشاعر يتعجب ويقول،
عجبت من معجب بصورته،،،وكان بالأمس نطفة مذرة
وفي غدٍ بعد حسن صورته،،،يصير في اللحد جيفة قذرة
كن متوضعاً لربك وللناس،وامش على طريقة الحبيب صلى الله علية وسلم،الذي كان سيد المتواضعين، وكن على يقين أن تواضعك هو طريق إلى العزة والرفعة عند الله وعند الناس،فقد ثبت في الحديث(وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)رواه مسلم،
ومرض الحسد،الذي لا يسلم منه أحد،كما قيل،ماخلا جسد من حسد،
الحاسد،لا يفرح لنعمة تنزل عليك،ولا يحب أن يراك مسروراً، وأسعد لحظاته عندما تصاب بمصيبة،أو تفقد تلك النعمة،
فهذا طالب يحسد صاحبه لأنه متفوق علية في دراسته،
هذا الموظف يحسد صديقه لأنه على مرتبة أحسن منه،
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(دب إليكم داء الأمم الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين)رواه الترمذي،
ودخل الحسد بين أصحاب الأموال فتحاسدوا وتباغضوا،,
وبين النساء، فهذه تحسد جارتها لأن زوجها يحبها أو لأنهم يتفوقون عليهم مادياً،
ولعلها تحسدها لأنها أجمل منها أو أحسن منها في عمل المنزل، ونحو ذلك،
فعجباً من الحسد ولأهله،إن الحسد نار في قلب الحاسد،لا تنطفئ إلا بزوال النعمة عن المحسود، والحاسد عدو للنعم التي يمنحها الله لمن يشاء من عباده،إن الحسد داء قاتل،يفسد العلاقات، ويوقع العداوات،
والحسد له أسباب فمنها،بغض المحسود والكراهية له،
ضعف الإيمان وقلة التقوى لدى الحاسد،
عدم الرضا بقضاء الله وقدره، لأن الله هو الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)
رسائل إلى المحسود،التي تدفع شر الحاسد عنك بإذن الله تعالى،
تقوى الله،فمن حفظ الله حفظه الله،
الاستعاذة بالله من شره،كما قال تعالى (ومن شر حاسد إذا حسد)
التوكل على الله وعدم الالتفات إلى كيد الحاسد،
الصدق والإحسان إلى الناس،فإن لذلك تأثير عجيباً في دفع شر الحاسد،
الإحسان إلى الحاسد ومقابلته بالحسنى (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)
فرغ قلبك من التفكير فيه، ولا تبال به،
ففي الحديث الصحيح،أن النبي -صلى الله عليه وسلم،قال(لا يجتمعان في قلب عبدٍ،الإيمان والحسد،لا يجتمعان،لأن الإيمان نور،والحسد ظلمة
الحاسد، صاحب قلب مريض مصاب بداء الحسد، فالقلوب تمرض كما تمرض الأجساد، ففي الحديث الصحيح،أن النبي صلى الله عليه وسلم،قال(دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم،الحسد، والبغضاء)الحاسد صاحب نفس خبيثة كارهه للخير،
كما قال تعالى(حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم)البقره،فالحاسد إذا رأى نعمة ما على غيره يتحرك قلبه بالحقد، وتنغاض نفسه الخبيثة، فيتمنى لهذه النعمة أن تزول عن ذلك الإنسان،
وبعض الناس يحسد، يحسد هذا لجماله، وذاك لماله، أو لمنصبه، وهذا يحسد لبناء بيت بناه، أو سيارة اشتراها، أو أثاث زيّن به بيته، وأخرى تحسد جارتها ، إذا خطبت ابنتها، أو نجح ابنها، أو رأتها سعيدة مع زوجها، بل لربما يحسد الجار جاره على شجرة مثمرة أمام منزله، وذاك موظف مشحونة نفسه بالكراهية لزملائه كلما ترقوا أو ازدادوا مالاً ومكانة،
الحاسد،هو إنسان متسخط على أقدار الله،ولا يثق بالله ولا بحكمة الله، ولا يرضى بقضاء الله،
يقول ابن القيم،أصل الحسد هو بغض نعمة الله على المحسود،فالحاسد في حقيقته معترض على الله سبحانه،معترض على الله، لماذا أعطى هذا ولم يعطه هو،
هذه هي حقيقة الحاسد،إنه لا يؤمن حقيقة بأن الله هو المعطي والمانع،وهو الرزاق،وهو المنعم،وهو صاحب الإحسان والفضل،وهو صاحب القدر والقضاء(وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)الأنعام،
إنه لا يؤمن بحكمة الله فيما يقضيه لعباده،إنه لم يعرف بعد حقيقة(أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)التين،هذا هو الحاسد إنه معترض على الله، ويتمني زوال النعمة،
الحاسد قد يحسد أهل بيته وجيرانه وأقاربه ومن معه بالعمل والوظيفة،ويكيد لهم.
انظروا إلى إخوة يوسف،عليه السلام،كيف حسدوا أخاهم الصغير يوسف، ودبروا له المكيدة والحيل للايقاع به(لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)يوسف،
أيها الحاسد،اعلم أن قدوتك إبليس اللعين،فهو أوّل من ارتكب ذنب الحسد في الوجود كله،حينما حسد آدم على نعمة الله عليه،تكبراً وغروراً وإعجاباً بنفسه،فكان من الخاسرين،
اعلم أن حسدك هذا يلحق الضرر بالمحسودين في معنوياتهم وفي أموالهم،وفي أجسادهم ،فأين تقواك لله،
لا تجعل قلبك مريضا بداء الحسد، ولا تكن من أصحاب النفوس الخبيثة بل كن صاحب قلب مطمئن بقضاء الله، وصاحب نفس راضية بما قسمه الله لك،
طهر قلبك وسريرتك من نار الحسد، وكن راضياً بما قسمه الله لك وكن محباً لغيرك،تفرح لأخيك عندما تنزل عليه نعمة،وتحزن له عندما تحل به مصيبة،
إنها القلوب النقية التقية، قلوب بيضاء، تحب الخير للجميع، قلوب سليمة ستنجو يوم القيامة ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )
اللهم ابعد عنا كيد الكائدين،وحقد الحاقدين وشر الحاسدين،وبعد عنا كل عين حاسده و حاقده،وأحفظنا بـعينك التي لا تنام ،وثبتنا على طريق الايمان وإبعد عنا كل ماهو شر لنا
أللهم آميــــن.