خامسا: الصغار ... معناه و لماذا؟
الصغار هو الذل
و هم صاغرون معناها و هم أذلاء
و مجرد دفع الجزية أى جزية ( حتى الجزية التى وجهكم الكتاب المقدس لدفعها ) و إن كانت مبلغ زهيد هو نوع من الصغار لأن العرف أن الجزية يدفعها المغلوب للمنتصر مقابل أن يمنحه الأمان
لذلك جاء فى تفسير القرطبي :
وروى ميمون بن مهران عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ما يسرني أن لي الأرض كلها بجزية خمسة دراهم أقر فيها بالصغار على نفسي .
فأى جزية فى الدنيا كلها فيها نوع من الصغار
لكن لماذا أراد الله لهذا الصغار أن يكون فى أعناق أهل الكتاب ؟
أولا
قلنا أن قتال أهل الكتاب قد يكون لدفع أذاهم للمسلمين و قد بينت ذلك عندما تحدثت عن أسباب حروب النبي صلى الله عليه و سلم لليهود و النصارى
فتارة قام اليهود بالاعتداء على امرأة مسلمة و تارة حاولوا قتل النبي صلى الله عليه و سلم و تارة خانوا المسلمين خيانة كادت تؤدى لإبادة المسلمين بالكامل
و النصارى قاموا بقتل رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم ثم قاموا بإعداد العدة لمحاربة المسلمين فى تبوك
ففى مثل تلك الحالات عندما يعتدى علينا أهل الكتاب سنقاتلهم حتى ننتصر عليهم و حين ننتصر لن ننكل بهم و لكن سنمنحهم الأمان و حرية العقيدة مقابل أن يدفعوا الجزية صاغرين خاضعين منقادين
هذا جزاء خيانتهم و عدوانهم و محاربتهم للدين
جزاؤهم الذل و الصغار
و لا أظنك تعترض على هذا
لكن قد تسأل ربما فى البلاد التى فتحها المسلمون كان هناك أهل كتاب ربما لم يبدأوا بالعدوان على المسلمين فلماذا يكون عليهم الصغار ؟
و هذا سؤال فى محله
و لكن نحن فتحنا بلادهم و منحناهم الأمن و الأمان و حرية العقيدة بل و ألزمنا جيوشنا بالدفاع عنهم فى مقابل الجزية
فنحن لم نظلمهم حين نأخذ منهم الجزية
و لكن الجزية صغار لأنهم يدفعونها و هم المهزومون و نحن المنتصرون و هم الضعفاء و نحن الأقوياء و هم المحكومون و نحن الحاكمون و هم مقرون بأنهم تحت حكم الدولة الإسلامية
فما المشكلة ؟
جاء فى تفسير البغوى :
وقيل : إعطاؤه إياها هو الصغار .
وقال الشافعي رحمه الله : الصغار هو جريان أحكام الإسلام عليهم .
فالصغار هو بسبب أداؤهم الجزية أو هو كونهم خاضعين لحكم الإسلام مقرين بهذا غير مستكبرين و لا رافضين و لا متمردين
كما أن أهل الكتاب حتى و إن كانوا لم يعتدوا على المسلمين فهم يستحقون هذا الصغار المعنوى بإعطائهم الجزية و جريان حكم الإسلام عليهم
لماذا ؟
لأنهم كفروا
فاليهود كفروا ... لماذا ؟
لأنهم كفروا بالسيد المسيح عليه السلام روح الله و كلمته خاتم أنبياء بني إسرائيل الذى أيده الله بالمعجزات و رموا أمه الطاهرة بالزنا
لأنهم كفروا برسول الله صلى الله عليه و سلم خاتم المرسلين و رسول الله إلى العالمين و كفروا بالقرآن الكريم كلام الله عز و جل
فاستحقوا بهذا الصغار
و النصارى كفروا طبقا لديننا ... لماذا ؟
لأنهم جعلوا لله الولد و عبدوا معه السيد المسيح عليه السلام
و الكفر هو جريمة شنيعة و هو الذنب الذى لا يغفره الله و جزاؤه عند الله الخلود فى النار
الكفر أكبر من القتل و من الزنا و من السرقة
الكفر خطأ فى حق رب العالمين
قال تعالى :
( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) لقمان 13
و عبادة المسيح مع الله هى عندنا من الشرك بالله
الشرك ظلم عظيم ...
يخلق الله و يعبد غيره ...
يرزق الله و يعبد غيره ...
ينعم الله و يكفر برسله و كتبه ...
فمن كفر بدين الله و أشرك بالله و رفض الإيمان بأنبياء الله و كتبه فقد استحق الذل و الصغار ...
و قد يكون هذا الصغار المعنوى بالخضوع لحكم الإسلام و دفع الجزية للمسلمين و الشعور بعزة و منعة الإسلام و قوته و أنه ظاهر شئ يشجع الناس على أنهم يتركوا الأديان الأخرى و يدخلوا الإسلام ...
و عندما تعترض على ( و هم صاغرون ) فأنت لا تنظر لذنب من رفض الإيمان و لكن تنظر للجزاء على خطيئة رفض الإيمان و تقول لماذا هذا ؟
و ربما لا تستطيع استيعاب هذا الكلام لأنك لا تؤمن بالإسلام
و لكن أقول لك
لا تجعل هذا سبب فى صدك عن الإيمان بهذا الدين
و لكن ابحث فى هذا الدين و قارنه بالأديان الأخرى
فإن تبين لك أنه الحق فستقتنع حينها بكلامى
و تجدر الإشارة إلى أن هناك تفسيرات فى كتب المفسرين لقوله تعالى : ( و هم صاغرون ) فيها نوع من الغلو و بالفعل من حقك أن تعترض عليها
و ما أقصده هو قولك:
اقتباس
وقال الكلبي : إذا أعطى صفع في قفاه . ... هوة في كدة !!!!
وقيل : يؤخذ بلحيته ويضرب في لهزمتيه . [ ص: 34 ] وقيل : يلبب ويجر إلى موضع الإعطاء بعنف .
فمما لا شك فيه أن هذه التفسيرات تتناقض مع قواعد الإسلام التى تنص على بر أهل الذمة الذين لم يظهروا العداء للمسلمين و لم يؤذوهم
فهى تناقض قول الله تعالى :
﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين﴾ [الممتحنة:8]
و تناقض أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم :
ألا مَن ظلَمَ مُعَاهَدًا ، أو انْتَقَصَهُ حَقَّهُ ، أو كَلَّفَهُ فَوقَ طاقَتِه ، أو أخَذَ مِنهُ شيئًا بِغيرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنهُ ، فأنَا حَجِيجُهُ يَومَ القِيامةِ
الراوي:آباء عدة من أبناء أصحاب النبي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2655
خلاصة حكم المحدث: صحيح
مَن آذَى ذمِّيًا فأنا خَصمُه ومن كنتُ خَصمُه خَصمتُهُ يومَ القيامةِ
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 8270
خلاصة حكم المحدث: حسن
كما أن هناك بعض الملاحظات على هذه التفسيرات
بالنسبة لتفسيرين الأخيرين :
وقيل : يؤخذ بلحيته ويضرب في لهزمتيه . [ ص: 34 ] وقيل : يلبب ويجر إلى موضع الإعطاء بعنف .
هنا الإمام الطبرى قبل أن يذكرها سبقها بكلمة ( قيل )
و كلمة ( قيل ) تعنى التشكيك فهى تفسيرات غير مؤكدة
فإذا تعارضت مع ما ثبت فى القرآن الكريم و السنة النبوية تركناها بلا تردد
و بالنسبة لتفسير الكلبي :
وقال الكلبي : إذا أعطى صفع في قفاه .
فهناك عدة ملاحظات :
1- الكلبى توفى سنة 146 هجرية
راجع سيرأعلام النبلاء على الرابط التالى :
http://library.islamweb.net/newlibra...k_no=60&ID=953
بينما الإمام الطبرى ولد سنة 224 هجرية
راجع
http://ar.wikipedia.org/wiki/محمد_بن_جرير_الطبري
أى أن بين وفاة الكلبى و ولادة الطبرى نحو 78 سنة
و الخبر مذكور بلا سند يعنى بصيغة علماء الحديث الخبر منقطع فلا تقوم به الحجة
يعنى لا يثبت أن الكلبي قال هذا الكلام
2- الكلبي شيعى متروك الحديث
راجع سير أعلام النبلاء
http://library.islamweb.net/newlibra...k_no=60&ID=953
3- و كما قلنا تفسير الكلبي هنا هو مجرد اجتهاد منه لا دليل عليه من القرآن الكريم و السنة النبوية و الإجماع و بالتالى فلا تقوم به حجة بل هو مخالف للقرآن و السنة و بالتالى يترك
و فكرة أن الذل على من يكفر بالله موجودة أيضا فى الكتاب المقدس الذى تؤمن به و لكنك لا تستنكرها و تسلم بها
نقرأ من سفر التثنية إصحاح 9
"اسمع يا إسرائيل أنت اليوم عابر الأردن لكي تدخل وتمتلك شعوبًا أكثر وأعظم منك،
ومدنًا عظيمة ومحصنة إلى السماء،
قومًا عظامًا وطُوالًا بني عناق الذين عرفتهم وسمعت من يقف في وجه بني عناق.
فاعلم اليوم أن الرب إلهك هو العابر أمامك، نارًا آكلة.
هو يبيدهم، ويذلهم أمامك، فتطردهم وتهلكهم سريعًا كما كلمك الرب" [1-3]
نقرأ من المزمور 55
(16-19): "أما أنا فإلى الله اصرخ والرب يخلصني. مساءً وصباحًا وظهرًا أشكو وأنوح فيسمع صوتي. فدى بسلام نفسي من قتال عليّ لأنهم بكثرة كانوا حولي. يسمع الله فيذلهم والجالس منذ القدم. سلاه. الذين ليس لهم تغير ولا يخافون الله."
يقول القس أنطونيوس فكرى فى تفسيره لهذا المزمور :
نرى الله ينقذ داود من أعدائه= فدى بسلام نفسي. وفدى الآب جنس البشر بموت ابنه، وأنقذ بعد الموت نفس ابنه منه بأن أقامه ليقيم معه كنيسته. وأما أعداؤه فيذلهم الجالس منذ القدم هو جالس على عرشه كديان. وقد أذلَّ اليهود بعد صلبهم للمسيح. الذين ليس لهم تغير= أي الذين ظلوا مصرين على رفض المسيح، ولم يعتمدوا، ولم يحل عليهم الروح القدس.
و هكذا نرى أن اليهود بعد أن حاولوا صلب المسيح و أصروا على رفضه أصابهم الذل
و هذا ما نقوله ...
من يكفر بأنبياء الله تعالى و كتبه و يشرك به يستحق الذل و الصغار ...
نقرأ من المزمور 81
14
سَرِيعًا كُنْتُ
أُخْضِعُ أَعْدَاءَهُمْ
، وَعَلَى مُضَايِقِيهِمْ كُنْتُ أَرُدُّ يَدِي.
15 مُبْغِضُو الرَّبِّ
يَتَذَلَّلُونَ لَهُ
، وَيَكُونُ وَقْتُهُمْ إِلَى الدَّهْرِ.
يقول القس أنطونيوس فكرى :
الآيات (13، 14):
"لو سمع لي شعبي وسلك إسرائيل في طرقي. سريعًا كنت اخضع أعداءهم وعلى مضايقيهم كنت أرد يدي."
هنا عتاب من الله لشعبه المتألم من أعدائه ، فهم لو سمعوا لوصاياه ما كانوا قد تألموا. ويسمى المرنم أعداءهممبغضو الرب فهم كلهم وثنيين . ولو سمع شعب الله لوصاياه لكان الله قد أخضعهم لهم
،ولكانوا يتذللون أمامهم، ويظلوا هكذا إلى أن يذهبوا إلى مصيرهم النهائي = إلى الدهر . ولكن الله لم يفعل لأن شعبه لم يسمع لوصيته.
آية (15): "مبغضو الرب يتذللون له. ويكون وقتهم إلى الدهر."
لقد عاني إسرائيل كثيرًا من أعدائه الذين هم مبغضو الرب ومبغضو شعبه ولكن الله قادر أن يذللهم أمامه وأمام شعبه ويظلوا هكذا إلى أن يذهبوا إلى مصيرهم النهائي ولكن الله لم يفعل لأن شعبه لم يسمع لوصيته.
القس تادرس مالطى
مُبْغِضُو الرَّبِّ يَتَذَلَّلُونَ لَهُ،
وَيَكُونُ وَقْتُهُمْ إِلَى الدَّهْرِ [15].
يظن مبغضو الرب أنهم قادرون على إبادة شعبه، لكن يسقط هؤلاء الأشرارفي ذلٍ أبديٍ،ويبقى أولاد الله في المجد أبديًا
المفضلات