شبـهات
حــول الإسـلام
تعـدد الزوجـات
كتبه:
أبو عمار علي الحذيفي
مقدمـــة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة التاسعة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن "تعدد الزوجات" تلكم الشرعة التي شرق بها الأعداء وحاولوا النيل منها كغيرها من الشرائع ليتوصلوا بذلك إلى الطعن في الإسلام جملة وتفصيلاً، مع أن التعدد من الناحية العملية بين المسلمين يعتبر في حكم النادر إذا قارناه بالذين يقتصرون على واحدة.
والعجيب أنهم يحتجون بأن هذا ظلم للمرأة !! ويا سبحان الله !! وأي ظلم يقع عليها وهو ينفق عليها ويقوم برعايتها وحمايتها ؟! وأي ظلم يقع عليها وهي تدخل باب التعدد برضاها واختيارها ؟!
وإذا كانوا يعنون أن الظلم هو ميل الرجل – ولو ببعض قلبه – إلى غيرها من النساء، فليت شعري ففي مجتمعاتهم ما هو أشد من هذا الميل بكثير، فقد وصلوا إلى درجة الزنى واتخاذ العشيقات على زوجاتهم، وقد نشرت جريدة "الحياة" وهي صحيفة عربية لبنانية يومية تصدر في لندن، نشرت بتاريخ 29/5/1980، أن 75% من الأزواج في أوروبا يخونون زوجاتهم، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته.
وقال "بول بيورد" في كتابه: "نحو انهيار أخلاقي" وقد نشر في لندن سنة 1925م: (وإن زنا المحصنين والمحصنات لا يعد من العيب أو اللوم في فرنسا، فإذا كان أحد من المحصنين متخذاً خليلة دون زوجته فلا يرى لإخفاء الأمر لزوم ويعد المجتمع فعله ذلك شيئاً عادياً طبيعياً في الرجال) أ.هـ
وأي عيب في علاقة نظيفة تحافظ فيها المرأة على كرامتها وعفتها في المجتمع مع نيل كل حقوقها من النفقة والحماية والصيانة ؟!
على أننا لا نسلم أن ميلان الرجل إلى امرأة من نسائه دون حيف في المعاملة يعد من الظلم.
والكلام على تعدد الزوجات على قسمين: أحدهما: تعدد الزوجات بالنسبة للمسلم، وهذه شبهة أثاروها حول الإسلام، والثاني: تعديد النبي صلى الله عليه وسلم للزوجات، وهذه شبهة أثاروها حول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وفي حلقتنا هذه سيكون الكلام على القسم الأول، وسيأتي الكلام على القسم الثاني إن شاء الله تعالى.
القسم الأول: تعدد الزوجات بالنسبة للمسلم:
ويتكون من عدة مباحث:
المبحث الأول: هجوم الأعداء على تعدد الزوجات.
المبحث الثاني: حقيقة التعدد وأصله.
المبحث الثالث: التعدد عند الأمم.
المبحث الرابع: الحكمة من التعدد.
المبحث الخامس: شرط التعدد.
المبحث السادس: عند الغرب تعدد من نوع آخر.
المبحث السابع: بعض الغرب يطالب بتعدد الزوجات.
المبحث الثامن: شبهات حول تعدد الزوجات.
المبحث التاسع: خلاصة البحث.
المبحث الأول: هجوم الأعداء على تعدد الزوجات:
لقد اتخذ أعداء الدين من التعدد وغيره مدخلاً يظنون أنهم سيدخلون به على الإسلام، وقد أثاروا حول التعدد الكثير من الشبهات الباطلة وقعوا خلالها في الأكاذيب وأنواع التناقض وأشياء أخرى لا يمكن أن تخرج من عقلاء، فهي عند التمحيص والتدقيق لا تساوي شيئاً، وبناء على هذا فلا يحل لأحد أن يعرض التعدد أو غيره من الأشياء التي يطعن فيها أعداء الإسلام على أنها من نقاط الضعف في الإسلام، فليس في الإسلام شيء هو من نقاط ضعفه، ولا ينبغي أن نعرض مثل هذه الشرائع إلا وقلوبنا ممتلئة يقيناً وثقة بأنها حق.
ألا وإن من هؤلاء الذين طعنوا في التعدد قاسم أمين وغيره:
1- يقول "قاسم أمين" في كتابه "المرأة الجديدة": (إن في تعدد الزوجات احتقاراً شديداً للمرأة لأنك لا تجد امرأة ترضي أن تشاركها في زوجها امرأة أخرى، كما إنك لا تجد رجلاً يقبل أن يشاركه غيره في محبة امرأته، وهذا النوع من الحب اختصاص طبيعي للمرأة كما أنه طبيعي للرجل) أ.هـ
وسيأتي بيان حقيقة هذا القياس الفاسد في الكلام على شبهات حول التعدد.
2- وهذه أمينة السعيد وهي كاتبة مصرية من أكثر الداعيات إلى تحرير المرأة، تقول كما في "مجلة حواء" 6/3/1965: (إن الجمهورية التونسية سبقتنا إلى الإصلاح فوضعت منذ ثمانية أعوام قانوناً صريحاً يحرم تعدد الزوجات تحريماً تاماً ويجعل الطلاق لا يقع إلا بإذن القاضي، وهذا أكثر ما نطالب به في الوقت الحاضر) أ.هـ
المبحث الثاني: حقيقة التعدد وأصله:
1- حقيقة التعدد:
1- والتعدد كان يفعله أهل الجاهلية وكانت له في الجاهلية مصالح ومضار، فقد كان الرجل يتزوج بما شاء من النساء لوجود كثرة في النساء وقلة في الرجال الذين يفقدون في الحروب، ويعددون الزوجات لتكثير الأولاد ولمصالح أخرى، وقد بقي هذا التعدد إلى أن جاء الإسلام حتى إنه أسلم بعض أهل الجاهلية وعنده عشر نسوة !! ولكن مع هذه المصالح العظيمة كان لتعدد الزوجات على الطريقة الجاهلية مظالم كثيرة وعظيمة تسببت في الاعتداء على كرامة المرأة، وهضم كثير من حقوق المرأة، وتسببت في معاملتها على أنها لا قيمة لها، فشرع الله تعالى لنا تعدداً آخر له ضوابطه وقيوده يأخذ مصالح التعدد، ويباين تعدد أهل الجاهلية في ظلمه ومضاره على المرأة.
2- ولم يفتح باب التعدد للرجل حتى يكون مؤهلاً لهذا الزواج، فكما أن الزواج نفسه ولو بواحدة لا ينبغي الإقدام عليه إلا بعد التهيؤ له في النفقة وغيرها، فكذلك الزواج بأخرى ينبغي الإقدام عليه بعد التأكد من أن الرجل سيقوم بحقوق هذا التعدد.
3- ثم إنه لم يأمر بالتعدد على سبيل الوجوب ولا ألزم به المرأة ولو بدون رضاها، وإنما جعل ذلك راجعاً إلى اختيار المرأة الثانية، فإن رضيت بالزاوج من رجل له زوجة أخرى وإلا فلترفض هذا الزواج، ومن هنا تسقط دعوى هؤلاء عندما قالوا: إنه ظلم على المرأة، فإن الإسلام قد حدد العدد بأربع نسوة فقط، واشترط على الرجل أن يكون قادراً على هذا الزواج، وجعله راجعاً إلى رضاها، فأين الظلم ؟!
2- أدلة التعدد:
أولاً: قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع).
وثانياً: قوله تعالى في سياق ذكر المحرمات من النساء: (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) ووجه الدلالة هنا هو مفهوم المخالفة، أي: ولا حرج من الجمع بين امرأة وأخرى غير أختها، وقد دلت السنة على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها في وقت واحد.
ثالثاً: قد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من امرأة، وإن أصل الزواج بأكثر من امرأة ليس من خصائصه، وإنما مجاوزة الأربع من النساء هي التي من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في شروط التعدد.
رابعاً: وقد تزوج كثير من الناس بأكثر من واحدة قبل أن يدركوا الإسلام، وإنما نهاهم الإسلام أن يتجاوزوا الأربع من الزوجات ولم ينههم عن الزواج بأكثر من واحدة، وتزوج آخرون بعد الإسلام وانتشر بينهم التعدد حتى كان يعرض أحدهم ابنته لصاحبه مع أنه متزوج من غيرها، وهذا أمر مشهور ومعلوم.
3- الأصل في التعدد:
والتعدد من حيث الأصل مشروع شرعه الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مباح في الأصل على الإطلاق، بقطع النظر في مسألة هل الأصل التعدد أو الإفراد ؟! فإن الطرفين المتنازعين في هذه المسألة اتفقوا على أن التعدد مباح للرجل ولا يلام الرجل على تعديده للنساء.
يقول محمد قطب: (أما تعدد الزوجات فتشريع للطوارئ وليس هو الأصل في الإسلام) وهذا غلط سواء قصد المعنى المترتب على هذه العبارة أو لم يقصده، وقد اغتر بقوله بعض الكتاب وفيما قاله نظر، وصحيح أن ذهاب الرجل إلى تعدد الزوجات يكون في الغالب لحاجة تحصل له، وسبب يدفعه إلى هذا التعدد، لكن هناك فرق بين أن يكون الرجل له سبب يدفعه إلى التعدد وبين أن نحكم بحكم عام على التعدد يكون فيه مدخل لمن أراد أن يمنعه من الكتاب أو الحكام أو غيرهما، حتى قال بعضهم وهو محمد عبده تلميذ جمال الدين الأفغاني: (إن الأصل عدم التعدد ولا يعدد الرجل بأكثر من زوجة إلا إذا عرض أمره على القاضي ورأى القاضي أن حجته مقنعة فهنا يجوز له أن يعدد النساء) !!
وعبارة محمد قطب فيها مدخل لهؤلاء وإن لم يكن يقصد مذهبهم، فإن كان يعني مذهبهم فهو أشد وأنكى.
وأرى أن من الواجب أن لا يحملنا هجوم أعداء الإسلام على أن ننهزم فنرضيهم .
فالإسلام يقر بتعدد الزواج ولو لغير سبب فهو في الأصل مباح على الإطلاق لا كما قال محمد قطب ولا غيره، ونقول لهؤلاء الذين لم يرضوا عن التعدد: ألا فلتموتوا بغيظكم فهذا شرع الله ويكفي أنه شرع الله، ويكفينا أننا رضينا به ديناً.
المبحث الثالث: التعدد عند الأمم:
تعدد الزوجات كان موجوداً في الأديان السابقة والأمم الماضية والملل المختلفة، فما أنكره أحد مطلقاً إلا المفترين في هذا العصر !! فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة - أو تسع وتسعين - كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده، لو قال إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون).
ففي هذا الحديث أن سليمان عليه الصلاة والسلام كانت تحته قرابة مائة امرأة، فهذا يدل على بطلان الدعوى أن محمداً هو أول من أتى بالتعدد !!.
والذين كتبوا عن تاريخ الزواج بينوا أن التعدد كان معروفاً في جميع البيئات قبل الإسلام، من اليهودية والمسيحية، العربية وغير العربية، ومنها الصين والهند وفارس وغيرها من الأمم.
انظر: (تعدد الزوجات) لإبراهيم الجمل.
وقد أباحته اليهودية دون حد، وكان ذلك شائعاً في ملوكها وأنبيائها، ولا توجد في أسفار "العهد القديم" - وهي التوراة - نصوص تحرم التعدد أو تمنعه عن الآباء والأنبياء ولمن دونهم من الخاصة والعامة.
يذكر الكاتب عباس العقاد أن "وستر مارك" العالم في تاريخ الزواج قال: (إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي إلى القرن السابع عشر وكان يتكرر كثيراً في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة) أ.هـ
ويقول المستشرق الفرنسي: "إتيين دينيه" الذي أسلم وسمى نفسه "ناصر الدين": (هؤلاء ملوك فرنسا دع عنك الأفراد الذين كانت لهم الزوجات المتعددات والنساء الكثيرات وفي الوقت نفسه كان لهم من الكنيسة كل تعظيم وإكرام).
وحتى قبل المسيحية واليهودية كان التعدد مباحاً مأثوراً عن الأنبياء أنفسهم فإبراهيم عليه السلام تزوج سارة وهاجر، ويعقوب تزوج ليئة وراحيل، وفي العهد القديم ما يدل على أن موسى كانت له زوجة أخرى مع ابنة الرجل الصالح، وأن كثيراً من أنبياء بني إسرائيل كانوا يعددون ومعروف أن داود وسليمان عليهما السلام كان لهما زوجات كثيرة، ولقد جاء في سفر الملوك الأول أن سليمان عليه السلام كان له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثمائة من الجواري.
فالإسلام لم يبتدع التعدد، وإنما جاء فوجده منتشراً في جميع الطبقات يمارسه اليهود والعرب وغيرهم.
المبحث الرابع: الحكمة من التعدد:
1- التفصيل في حكمة التعدد:
لقد اعتبر بعض العصريين مسألة تعدد الزوجات التي شرعها الله من سمات عصر الإقطاع، يقول بعض المتطاولين: (إن تعدد الزوجات، وتتابع الزواج واتخاذ السراري والجواري من سمات عصر الإقطاع والدولة الإقطاعية) أ.هـ
والحق الذي لا خفاء به أن تعدد الزوجات يعتبر من الإعجاز التشريعي الذي يدل على كمال شريعة الإسلام وأنها دين رب العالمين، إذا لا يمكن لبشر مهما كانت عقليته أن يأتي بهذه الشرعة المتقنة المحكمة التي خلصت التعدد من الفرث والدم الذي كان عليه في الجاهلية وغيرها، وقدمته للناس مقصوراً على مصالحه العظيمة شرعاً خالصاً سائغاً للشاربين.
والخلاصة فقد اشتمل التعدد على مصالح كثيرة، ومحاسن غزيرة، فمن ذلك:
1- تكاثر الأمة:
فالمسلمون مكلفون بأن يخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد، بحكم أنهم حملة هذا الدين، ولا شك أن هذا يحتاج إلى عدد كبير وهائل تقوم عليه الدولة التي ستقوم بهذه المهمة العظيمة ولاسيما أن هذه الحروب والفتوحات ستأخذ منهم وقتاً طويلاً قد تصل إلى قرون طويلة، وفي التعدد تكثير لأفراد الأمة، وزيادة في عددها.
2- التعويض عن المفقودين، والقيام على مصالح الضعفاء:
والمسلمون في حالة نشر التوحيد، والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله يتعرضون إلى حالات قتل كثيرة، فينتج عن ذلك عدة أزمات وعلى رأسها أزمتان:
الأولى: فقدان الكثير من رجال المجتمع الذين يقتلون أثناء أداء واجبهم في نشر هذا الدين بين الناس، فتعدد الزوجات له أثر كبير في استمرار هذه الفتوحات التي لم تقم إلا لإعلاء كلمة الله، ولولا كثرة المسلمين التي كان من أعظم أسبابها تعدد الزوجات والتسري بالإماء لما قدر المسلمون على مواصلة الحروب أكثر من مائتي سنة في الفتوحات من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد الخلفاء الراشدين إلى عهد الأمويين إلى عهد العباسيين، ثم قتال التتار والصليبيين وغيرهم.
و لقد خاضت أوروبا معركتين خلال ربع قرن, ففني من رجالها عشرات الملايين, وأصبحت مشكلتها الاجتماعية الكبرى نقصان الرجال وكثرة النساء، حتى استسلم كثير منها في الحروب.
الثانية: ترمل الكثير من النساء، ووجود أيتام كثيرين بين أحضانهن فقدوا آباءهم ومن يعولهم، وزواج الرجال بهؤلاء النسوة والقيام على مصالح الأيتام حل لهذه الأزمة، ونأخذ مثالاً على هذا القبائل الأفغانية حيث يقوم فيها الأفغاني بالزواج من أرملة قريبه بعد وفاته حماية للزوجة ولأولادها، ولذلك كان من الأمور التي تلفت النظر أثناء الحرب الأفغانية الروسية أنه ليس عندهم دور للأيتام رغم وجود أعداد هائلة من الأيتام.
3- وقاية المجتمع من الانحراف الأخلاقي:
فهناك من الشعوب ما يزيد عدد النساء فيها على عدد الرجال بكثير، ولاسيما أعقاب الحروب الأهلية، بل بعضها يزيد على عدد الرجال في حالة السلم، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى، وأنه سيكون في آخر الزمان، فقد روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: (لأحدثنكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد").
ففي تعدد الزوجات وقاية لهؤلاء النسوة من هذا الإنحراف الأخلاقي، أو أنهن يذقن ألم الحرمان.
4- إستغلال طاقة الرجل وقدرته على التناسل:
إذ قد يبقى الرجل معطلاً في أيام تكون المرأة فيها غير متهيأة للجماع والتناسل، كأن تكون في أيام حيضها، أو أيام نفاسها وولادتها، أو أيام مرضها، أو أيام غيابها عن زوجها، أو أيام حملها، أو أيام رضاعها، أو في المدة التي لا ترغب فيها في الرجل، وهذه تكون في سن الخمسين فما فوق في الغالب، فيكون الرجل في هذه المدة متعطلاً، والشرع حكيم لا يقر على مثل هذا التعطيل ولاسيما من يطمع في الزواج.
5- وجود منفذ شرعي للرجل الشبق الذي لا يقدر أن يصبر على ترك النساء:
فالناس يختلفون في قدراتهم الغريزية كما يختلفون في قدراتهم البدنية والعقلية، فبعض الناس لا يقدر على الصبر على النساء، ومن المعروف أن الغريزة عند الرجل ليست كالمرأة فالغالب أنها تثور على الرجل غريزته ولو لم يتعرض لفتنة، فكيف وهو يتعرض لكثير من الفتن ويصادف الكثير من النساء في الشارع وغيره ولو بغير قصد، كل هذا لا شك أن يساعد على أن يعيش الرجل في جو من ثوران الغرائز، فإذا لم يجد شيئاً يسد غريزته فربما ذهب في طريق الفاحشة، والإسلام يأمر بكل شيء يقي المجتمع من هذا الانحراف الأخلاقي.
6- وجود البديل عن المرأة العقيم:
هناك من النساء من تكون عقيماً أي: لا تلد، فكيف يصنع زوجها الذي يريد الأولاد ؟ إنه مخير بين أن يطلق زوجته، أو يصبر على الحرمان من الأولاد، أو الزواج بأخرى وهذا أنسب الحلول ففيه حصلت المصالح كلها.
ويشبه هذا الحال ما لو أصيبت المرأة بداء أو عاهة، مثل الاحتراق في جسمها، أو مرض شديد، أو نحو ذلك، مما يكدر على الرجل حياته الزوجية فيؤدي إلى طلب الزوج بزواج آخر أو يطلقها، ففي زواجه بأخرى حل لمشكلته دون تضرر أحد.
7- عودة الأسرة المتفرقة إلى سابق عهدها:
فقد يحدث خلاف بين الزوجين ويتفرقان بالطلاق، ثم يتزوج الرجل بامرأة أخرى، ثم يرغب في العودة إلى امرأته الأولى، فهنا يأتي تشريع التعدد حلاً حاسماً لمثل هذه الحالة.
8- أنه راحة للمرأة:
ومن حكم التعدد تفرغ المرأة في غير نوبتها لطلب العلم وقراءة القرآن وتنظيف بيتها وأشياء أخرى، وهذا لا يتيسر غالباً للمرأة التي ليس لزوجها زوجة غيرها.
9- أنه وقاية للمرأة من العنوسة ذلك الكابوس المخيف:
وقد ذكرت الدكتورة/نهى عدنان قاطرجي في كتاب: (العنوسة معاناة إنسانية تهدد البناء الاجتماعي): (واقع العنوسة في العالم العربي اليوم، والذي يشير إلى أرقام مخيفة تنبئ بخطورة المشكلة، وبالحاجة الملحة إلى إيجاد حلول لها، ومن هذه الأرقام تلك الصادرة عن "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء" في مصر والتي ورد فيها أن العنوسة وصلت في مصر إلى تسعة ملايين فتاة وشاب من أصل 76 مليون نسمة، وكذلك وصل هذا العدد إلى مليون عانس في السعودية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 25مليون نسمة.
وأجرى "مركز سلمان الاجتماعي بالرياض" دراسة حول موضوع العنوسة في دول الخليج، تبين فيها: أن العنوسة بلغت في قطر 15% وفي الكويت 18%، وفي البحرين 20%).
ومثل العنوسة وجود نساء مطلقات وأرامل ونحوها، فالمجتمع الذي فيه تعدد لا تجد فيه نساء عانسات أو مطلقات أو أرامل، وإذا وجدت شيئاً من هذه الظاهرة فإنك تجد النسبة قليلة إذا قارنتها بالمجتمعات الأخرى التي لا تقبل بالتعدد.
وقد قال بعض التشاديين من بلاد تشاد في أفريقيا: (ليس في بلادنا امرأة مطلقة) أي: لأنها تتزوج مباشرة بعد انتهاء العدة.
2- تلخيص فوائد التعدد مع زيادة مصالح أخرى:
ويمكن تلخيص هذه الفوائد بما يلي:
1- تكاثر الأمة، لأنه من الأمور المحبوبة لدى الشارع.
2-التعويض عن المفقودين، والقيام على مصالح الضعفاء.
3- وقاية المجتمع من الإنحراف الأخلاقي وسد كثير من أبواب الزنا.
4- إستغلال طاقة الرجل، وقدرته على التناسل.
5- وجود منفذ شرعي للرجل الشَبِق، الذي لا يقدر أن يصبر على ترك النساء.
6- وجود البديل عن المرأة العقيم.
7- تقليل عدد الأرامل والمطلقات في المجتمع.
8- عودة الأسرة المتفرقة إلى سابق عهدها.
9- أنه راحة للمرأة.
هذه هي بعض المصالح التي ظهرت من تعدد الزوجات، وهي إما عائدة إلى المرأة أو الرجل أو المجتمع أو غيرها.
قال الشنقيطي في "الأضواء": (فالقرآن أباح تعدد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا، فهو تشريع حكيم خبير لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته بظلمات الكفر، وتحديد الزوجات بأربع تحديد من حكيم خبير، وهو أمر وسط بين القلة المفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل، وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية للجميع) أ.هـ
المبحث الخامس: شرط التعدد:
والتعدد من أجل أن يؤتي ثماره طيبة يانعة فلا بد من أن يقيد الشرع هذا الزواج بشروط يضمن بها للمرأة حقها وسلامتها من أي حيف أو ظلم يقع عليها، وهذه الشروط هي:
أولاً: أن لا يجاوز أربع نسوة في وقت واحد:
وهذا باتفاق من يعتد بقوله، وقد نقل الإجماع غير واحد من علماء المسلمين ومنهم:
1- الشافعي رحمه الله حيث نقل عنه الحافظ ابن كثير في "تفسيره" أنه قال: (وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة).
قال ابن كثير: (وهذا الذي قاله الشافعي رحمه الله مجمع عليه بين العلماء، إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع، وقال بعضهم: بلا حصر).
2- ابن حزم حيث قال في "المحلى": (فلم يختلف في أنه لا يحل لأحد زواج أكثر من أربع نسوة أحد من أهل الإسلام، وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يصح لهم عقد الإسلام).
3- ابن قدامة حيث قال في "المغني": (أجمع أهل العلم على هذا ولا نعلم أحداً خالفه إلا شيئا يحكى عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعاً لقول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ولواو للجمع ولأن النبي صلى الله عليه و سلم مات عن تسع، وهذا ليس بشيء لأنه خرق للإجماع وترك للسنة).
4- وشيخ الإسلام حيث قال في "إبطال التحليل": (ومنها: أنه يجمع ماءه في أكثر من أربع نسوة بل أكثر من عشر وهو ما أجمع الصحابة على تحريمه).
5- والحافظ ابن حجر حيث قال في "فتح الباري": (وقد اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه و سلم الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن).
6- والقرطبي في "تفسيره" (5/17) والحافظ ابن كثير في "تفسيره" - كما تقدم قبل قليل - وغيرهم، وقد ذهب بعض الرافضة إلى جواز الزيادة على الأربع وهو قول منبوذ.
قال البخاري في "صحيحه": (باب لا يتزوج أكثر من أربع لقوله: (مثنى وثلاث ورباع) وقال علي بن الحسين: يعني مثنى أو ثلاث أو رباع، وقوله جل ذكره: (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) يعني: مثنى أو ثلاث أو رباع).
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/139): (وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين وهو من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم).
ثانياً: العدل: لقوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، أفادت هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة، كان الزواج بأكثر من واحدة محظوراً عليه.
والمقصود بالعدل هنا هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (32/269): (يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان..) فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثاً: بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم) أ.هـ
وأما العدل في المحبة فهو غير مكلف بها، ولا مطالب بها لأنه لا يستطيعها، وهذا هو معنى قوله تعالى: (ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، ولذلك قال: (فلا تميلوا كل الميل).
ثالثاً: القدرة على الإنفاق على الزوجات لقوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) فقد أمر الله في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف، ومن وجوه تعذر النكاح أن لا يجد المهر الذي يتزوج به، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته.
وينبغي لمن أراد أن يعدد الزوجات النظر إلى مسألة القدرة على تحمل تكاليف هذا الزواج، والقيام بأعبائه، فلا ينظر الرجل إلى كونه سيحصل على شيء من المتعة، ويغض الطرف عن الباقي من الواجبات التي عليه.
فشروط هذا الزواج هي القدرة على النفقة والوطء والقيام بالعدل بين الزوجات فيما أوجب عليه الشارع العدل فيه بينهن، فإذا لم يقدر على ذلك فليدع، ولا يلج باباً لا يحسنه، ولا يقدر على تكاليفه.
المبحث السادس: عند الغرب تعدد من نوع آخر:
التعدد خير من اتخاذ الأخدان في الغرب:
1- قالت "آني بيزانت" زعيمة "التيوصوفية العالمية" وذلك في كتابها: "الأديان المنتشرة في الهند": (كيف يجوز أن يجرؤ الغربيون على الثورة ضد تعدد الزوجات المحدود عند الشرقيين ما دام البغاء شائعاً في بلادهم ؟ … فلا يصح أن يقال عن بيئة: أن أهلها "موحِّدون للزوجة" ما دام فيها إلى جانب الزوجة الشرعية خدينات من وراء ستار! ومتى وزنّا الأمور بقسطاس مستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي الذي يَحفظ ويَحمي ويُغذي ويَكسو النساء، أرجح وزناً من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يَتّخِذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره) أ.هـ
2- ويقول الفيلسوف الألماني شوبنهور: (إنه من العبث الجدال في أمر تعدد الزوجات مادام منتشراً بيننا لا ينقصه إلا قانون ونظام) وهو يقصد تعدد الزوجات بصورة غير مشروعة.
3- وهذا "إسكابيرا" يتحدث عن أثر محاربة "البعثات التبشيرية المسيحية" لتعدد الزوجات لدى (الكجاتلا) "أحد قبائل جنوب إفريقية" فيقول: (إن عدداً من الأعضاء في الكنيسة يتخذون عشيقات في الخفاء على غير علم من المبشرين، لاستخدامهن في زيادة أفراد القبيلة) أ.هـ
هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه: أبو عمار علي الحذيفي.
عدن/ اليمن.
يتبع إن شاء الله
المفضلات