الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وعلى آله وصحبه ومن بآثارهم أقتفى . أما بعد .
إن هذه البشارة التي سأتطرق أليها إن شاء الله ذكر[ يوحنا] في إنجيله أكثر من مره ولم يذكر شيء عنها [ متى ومرقس ولوقا ] وقد تكلم عنها علماء المسلمين وطلبة العلم وممن أختص بمناظرة النصارى ومناقشتهم وإني سوف اعلق عليها بشيء يسير وأنقل كلام أهل العلم ومن الله التوفيق والسداد .

البشارة الثانية عشر :-
ففي يوحنا 14 : 16 - 18 , وانا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم الى الأبد . روح الحق الذي لن يطيق العالم أن يقبله لأنه ليس يراه ولايعرفه وأنتم تعرفونه لأنه مقيم عندكم وهو ثابت فيكم .

ففي 14 : 26 -27 , والفرقليط روح القدس الذي يرسله الأب بأسمي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كلما قلته لكم .

وفي نفس الأصحاح برقم 30 , من الأن لاأكلمكم كثيراً لأن أركون هذا العالم يأتي وليس له في شيء .

وفي 15 : 26 – 27 , فأما أذا جاء الفارقليط الذي أرسله أنا اليكم من الأب روح الحق الذي من الأب ينبثق هو يشهد لأجلي . وأنتم تشهدون لأنكم معي من الأبتداء.

وفي 16 : 7 – 15 , لكني أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق لأني إن لم أنطلق لم ياتكم الفارقليت فاما إن انطلقت ارسله اليكم . فاذا جاء ذاك فهو يوبخ العالم على خطية وعلى بر وعلى حكم اما على الخطية فلأنهم لم يؤمنوا بي . وأما على البر فلأني منطلق الى الأب ولستم ترونني بعد . واما على الحكم فأن أركون هذا العالم قد دين . وإن لي كلاماً كثيراً أقوله لكم ولكنكم لستم تطيقون حمله الأن . وإذا جاء روح الحق ذاك فهو يعلمكم جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكلما يسمع ويخبركم بما سيأتي . وهو يمجدني لأنه يأخذ مما هولي ويخبركم .

ما معنى كلمة الفارقليط ؟ يقول ابن منظور صاحب[ كتاب لسان العرب ج10 ص307][ فارق ليطا أي يفرق بين الحق والباطل ]
واعلم ان هذه الكلمه قد تم تحريفها وتغيرها في الطبعات الجديدة فأصل الكلمة البارقليط ثم حرفت لتكن فارقليط ثم حرفت لتكن المعزي.
يقول عيسى عليه السلام [ والفرقليط روح القدس .... الخ ] أن هذا النص دخله التحريف ففي كتاب [ بشارة أحمد في الإنجيل ص100 ] فقد اكتشف أبنانس ولويس مخطوطة سريانية مشهورة تسمى اليوم [codex sysiacus ] سنة 1811 م في دير سانت كاترين بسيناء تعود إلى قرابة الخامس الميلادي فهي إذن من أقدم المخطوطات وهي تقول [ البارقليط الروح ] وليس [ البارقليط الروح القدس ] أنتهى .
فغيروا وحرفوا حتى يكن مقص دهم هو روح القدس وهذا غير صحيح لأن روح القدس كما ذكرت الإناجيل هو معهم أي مع التلاميذ ومع يسوع ففي إنجيل يوحنا 20 :22 , قال هذا ونفخ في وجوههم وقال لهم [ خذوا الروح القدس ] . ولو سلمنا للقوم بذلك فأن الروح لايقصد به الأقنوم الثالث وذلك للنصوص الكثيرة في الإناجيل .

يقول العلامة رحمة الله الهندي في كتابة الماتع [اضهار الحق ] [ من له شعور مابكتب العهدين , يعرف أن هذه الألفاظ تستعمل في غير الأقنوم الثالث كثيراً , ففي الآية الرابع عشر من الباب السابع والثلاثين من كتاب حزقيال قول الله تعالى في خطاب ألوف من الناس الذين أحياهم بمعجزة حزقيال عليه السلام هكذا : [ فأعطي فيكم روحي ] ففي هذا القول روح الله بمعنى النفس الناطقة الإنسانية لابمعنى الأقنوم الثالث الذي هو عين الله على زعمهم , وفي الباب الرابع من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا ترجمة عربية سنة 1760 : 1 [ أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح , بل أمتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن الأنبياء ا لكذبة كثيرون قد خرجوا إلى العالم ] 2 [ بهذا تعرفون روح الله , كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله] . الى أن قال رحمه الله تعالى [ ولذلك ترجم مترجم ترجمة أردو المطبوعة سنة 1845 لفظ كل روح بكل واعظ , ولفظ الأرواح بالواعظين في الآية الأولى والفظ روح في الآية الثانية بالواعظ من جانب الله , ولفظ روح الحق في الآية السادسة بالواعظ الصادق , وترجم لفظ روح الضلال بالواعظ المضل , وليس المراد بروح الله وروح الحق في الأقنوم الثالث الذي هو عين الله على زعمهم وهو ظاهر فتفسير فارقليط بروح القدس وروح الحق لايضرنا لأنهما بمعنى الواعظ الحق , كما أن لفظ روح الحق وروح الله بهذا المعنى في الرسالة الأولى ليوحنا , فيصح أطلاقهما على محمد:salla-s: بلا ريب . [ أنتهى كلامه رحمه الله ] .

ففي هذه البشارة يتبين لنا أن الفارقليط الذي أخبر به عيسى عليه السلام هو محمد :salla-s: وهو الذي يأتي بعده ويوبخ العالم على خطيئته ويشهد لعيسى عليه السلام وهذا ماحصل فأن النبي محمد :salla-s: وبخ اليهود على عدم إيمانهم بعيسى عليه السلام وشهد لعيسى بانه عبد الله ورسوله وانه لم يصلب ولم يقتل كما أدعى النصارى وطهروبرء الصديقة مريم العذراء مما قاله اليهود بحقها وهو آركون العالم يعني رئيس العالم الذي يدعوا الناس الى البر الى عبادة الله تعالى وحده .
قال شيخ الإسلام في كتابه [ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ] فقوله :
[ فارقليط آخر ] دل على أنه ثان لأول كان قبله , ولم يكن معهم في حياة المسيح إلا هو , لم تنزل عليهم روح , فعلم ان الذي يأتي بعده نظيراً له , ليس أمراً معتاداً يأتي للناس . و- أيضاً – فإنه قال : [ يثبت معكم الى الأبد ] وهذا إنما يكون لما يدوم ويبقى معهم إلى آخر الدهر. ومعلوم أنه لم يرد بقاء ذاته , فعلم أنه بقاء شرعه وأمره , فعلم أن الفارقليط الأول لم يثبت معهم شرعه ودينه إلى الأبد . وهذا يبين أن الثاني صاحب شرع لاينسخ بخلاف الأول . وهذا إنما ينطبق على محمد :salla-s: و- أيضاً – فإنه أخبر أن هذا الفارقليط الذي أخبربه يشهد له , ويعلمهم كل شيء , وأنه يذكرهم كل ماقاله المسيح , وأنه يوبخ العالم على خطيئته فقال : [ والفارقليط الذي يرسله أبي , هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كل ماقلت لكم ] الى أن قال رحمه الله تعالى ... فهذه الصفات والنعوت التي تلقوها عن المسيح , لاتنطبق على شيء في قلب بعض الناس , لايراه أحد ولايسمع كلامه . وإنما تنطبق على من يراه الناس ويسمعون كلامه , فيشهد للمسيح , ويعلمهم كل شيء , ويذكرهم كل ماقال لهم المسيح , ويوبخ العالم على الخطييئه ويرشد الناس إلى جميع الحق , وهو لاينطق من عنده , بل يتكلم بما يسمع , ويخبرهم بكل مايأتي , ويعرفهم جميع ما لرب العالمين . وهذا لايكون ملكاً لايراه أحد . ولايكون هدى ولاعلماً في قلب بعض الناس , بل لايكون إلا إنساناً عظيم القدر , يخاطب الناس بما أخبر به المسيح وهذا لايكون إلابشراً رسولاً , بل يكون أعظم من المسيح .
[ الى أن قال رحمه الله ] وهذه الصفات لاتنطبق إلا على محمد .:salla-s:
أنتهى كلامه رحمه الله .
فأعلم يامن تبحث عن الحق إن الغيبيات التي أطلع الله عليها نبيه محمد :salla-s: من حياة البرزخ ومافي القبر من نعيم أو عذاب وعلامات الساعة ويوم العرض يوم القيامة ومحاسبة العباد والجنة ونعيمها والنار وعذابها فهذه كلها تندرج بقول عيسى عليه السلام [ ويخبركم بما سيأتي ] فهذا الغيب الذي ذكره الله في القرأن ورسوله في أحاديثه لم يذكره كتاب ولم يفصله نبي من الإنبياء . وقوله عليه السلام [ لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكلما يسمع ] وهذا هو الحق [وماينطق عن الهوى ان هوى إلا وحيٌ يوحى ] النجم 4.
وأما قول المسيح [ روح الحق الذي يرسله ربي باسمي يعلمكم كل شيء ] فيقول الإمام القرافي في كتابه [أدلة الوحدانية في
الرد على النصرانية ] ومعنى بأسمي أي يشهد بنبوتي .[انتهى ]
والله