أحداث التاريخ منذ بعثة رسول الله فيها الكثير من المواقف والأحداث التي تبين عاقبة من استهزأ بالحبيب
وتؤكد أن الله تعالى تكفل بالانتقام لنبيه ، وكفاه ممن استهزأ به، وهذا ماض إلى قيام الساعة دائماً وأبداً؛ مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} (الحجر:95).

قال العلامة السعدي في تفسيره لهذه الآية: "وهذا وعْدٌ من الله لرسوله أنْ لا يضره المستهزئون، وأنْ يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل الله تعالى، فإنَّه ما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة".




وقصة كسرى و قيصر المشهورة مع النبي جديرة بالتأمل، فقد كتب إليهما النبي فامتنع كلاهما عن الإسلام، لكن قيصر أكرم كتاب النبي وأكرم رسوله، فثبَّت الله ملكه كما هو ثابت في كتب التاريخ .

امّا كسرى مزّق كتاب رسول الله واستهزأ به ، فدعا عليه رسول الله فأستجاب الله دعاءه فقامت ثورة كبيرة ضد كسرى من داخل بيته حيث قام شيرويه ابن كسرى على أبيه فقتله ، فمزق الله ملكه .


فكل من أبغض النبي وعاداه، فإن الله يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره، وهذا تحقيق وتصديق لقول الله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ} (الكوثر:3) .



وينبغي أن يُعْلم أن كفاية الله لنبيه ممن استهزأ به أو آذاه ليست مقصورة على إهلاك هذا المعتدي بقارعة أو نازلة، بل صور هذه الكفاية والحماية متنوعة متعددة، قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (المدثر:31)، ولعل تتبع هذا الأمر يطول، غير أننا نكتفي بعرض عدة نماذج، كفى الله فيها رسوله ممن آذاه أو استهزأ به في حياته .



وهذه بعض أسمائهم مع بيان حالهم ونهاية حياتهم:




أبو لهب
هو عبد العزى بن عبد المطلب: عم النبي ، كان من أشد الناس تكذيبا لرسول الله ، وأكثرهم أذى له، وهو القائل للنبي : "تبا لك! ألهذا جمعتنا؟!".
وكذلك كانت امرأته من أشد الناس عداوة للنبي ، وكانت تضع الشوك في طريقه، والقذر على بابه، فلا عجب أن نزل فيهم قول الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } (سورة المسد:1-5)، وقد أخذ الله أبا لهب بمكة، إذ أصابه بمرض خبيث يقال له: مرض العدسة، وكان ذلك يوم هزيمة المشركين ببدر، فجمع الله عليه البلاء والعذاب النفسي والبدني، فمات شر ميتة.
ذكر الطبري في "تاريخه": "أن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها، ويرون أنها تعدي أشد العدوى، فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه، وبقي بعد موته ثلاثاً، لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السُّبَّةَ في تركه، حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه".






عتبة بن أبي لهب
هو الذي تجرأ وتفل في وجه النبي وطلق ابنته وأذاه أشد الإيذاء وذلك قبل أن يخرج إلى الشام للتجارة، فدعا عليه النبي فقال (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) فلما ذهب للشام خاف أبوه أبو لهب من دعوة النبي ، فأنزل ولده في صومعة راهب وجعل فراشه الذي ينام عليه خلف المتاع ليكون بمثابة الستار له ، فلما ناموا جاء أسد يسعى فطاف على النائمين يشمهم ثم يعرض عنهم , حتى شم رائحه عتبه ابن ابي لهب فوثب الاسد فوق المتاع وضربه ضربة قاتله ثم أخذه يجره وذهب به بعيداً .






أبو جهل عمرو بن هشام
وكنيته أبو الحكم، وكناه المسلمون بأبي جهل؛ لخبثه وسوء أفعاله، كان من أشد قريش عداوة للنبي ، وكم لاقى النبي والمسلمون من إيذائه واستهزائه، هلك ببدر، قتله شابان صغيران واجتز رأسه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أحد المستضعفين من المسلمين، وذلك زيادة في إذلاله.






عقبة بن أبي معيط
من أشد الناس أذى لرسول الله وعداوة له وللمسلمين، وهو الذي وضع سلا الجزور-جلد بعير مذبوح- بين كتفي رسول الله وهو يصلي عند الكعبة، وضحك لذلك كفار قريش، حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها، فأبعدته عن النبي ، فلما قضى رسول الله الصلاة قال : (اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش ,
اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط ، وعمارة بن الوليد)
. قال ابن مسعود: فوالله لقد رأيتهم صرعى (قتلى) يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب (البئر) - قليب بدر- ثم قال رسول الله : (وأتبع أصحاب القليب لعنة) رواه البخاري. وقد هلك هذا الخبيث ـ عقبة بن أبي معيط ـ ببدر، حيث أُسِر بها وقُتِل.






الأسود بن عبد يغوث
من المستهزئين بالرسول ، وكان إذا رأى فقراء المسلمين قال لأصحابه مستهزئاً: هؤلاء ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى. وكان يقول للنبي : أما كُلِمتَ اليوم من السماء يا محمد؟! وقد أصاب الله هذا الخبيث بقروح في رأسه فمات منها شر ميتة.







الحارث بن قيس السهمي
أحد المسيئين للنبي ، الذين ظلوا يؤذونه طول حياتهم، وكان لشدة كفره وجهله يقول: غرَّ محمد أصحابه، ووعدهم أن يحيوا بعد الموت. وهلك هذا الكافر بالذبحة؛ إذ أكل حوتاً مملوحاً، فلم يزل يشرب حتى مات، وقد امتلأ رأسه قيحاً، فكانت موتته شر ميتة وأنكرها.







العاص بن وائل السهمي
والد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان من المستهزئين بالحبيب ، وهو القائل لما مات القاسم بن النبي : "إن محمداً أبتر (مقطوع)، لا يعيش له ولد "، فأنزل الله تعالى فيه سورة الكوثر: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (الكوثر:1-3). هلك العاص ـ اسم ومسمى ـ بمكة، بسبب شوكة في رجله، انتفخت بسببها، حتى صارت كعنق البعير، فمات بعد هجرة النبي إلى المدينة.






الأسود بن المطلب أبو زمعة
ذكر ابن هشام في سيرته أنه كان يقول لأصحابه مستهزئا بالنبي وصحابته: "قد جاءكم ملوك الأرض، ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر، ويصفرون ويصفقون ضحكا وسخرية"، فدعا عليه النبي أن يعمى ويثكل (يفقد) ولده، فمات أعمي أثكل إلى جهنم وبئس المصير.







مالك بن الطلاطلة
كان سفيهاً من المستهزئين برسول الله ، وقد دعا عليه النبي ، فمات بمكة بعد أن امتلأ رأسه قيحاً.





هؤلاء من صناديد الكفر بمكة، اعتدوا على مقام النبي بالإيذاء والاستهزاء، فأهلكهم الله بأساليب شديدة شتى وفي مدة وجيزة، نكالاً لهم في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر .

ثم إن هذه النماذج وغيرها مما وقع في حياته أو بعد وفاته لَتؤكد صدق وعد الله لرسوله : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} (الحجر:95). يقول ابن تيمية في هذا الصدد: "والقصة في إهلاك الله واحداً واحداً من هؤلاء المستهزئين معروفة، قد ذكرها أهل السِّيَر والتفسير، وهم على ما قيل: نفر من رؤوس قريش، منهم: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسودان: ابن المطلب وابن عبد يغوث، والحارث بن قيس".



إن من سُنة الله فيمن يؤذي رسوله أن الله سبحانه ينتقم منه، ويكفيه إياه، وهذا ماض إلى قيام الساعة؛ لقول الله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} (الحجر:95)، ثم إن المجرم الذي يسيء للنبي إذا لم تدركه عقوبة في الدنيا ـ فيما يظهر للناس ـ فإن وراءه يوم عبوس قمطرير .


فالواجب علينا التمسك بسنة النبي ، وطاعة أوامره وتوقيره , والدفاع عنه ونصرته ، قال الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفتح:8-9).



منقول .