الــــــــرد


جاء بصحيح مسلم بشرح النووي


قوله ‏
‏: ( كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة , فكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع , وكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها , فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة , فجاءت زينب فمد يده إليها , فقالت : هذه زينب فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده فتقاولتا حتى استخبتا , فمر أبو بكر على ذلك فسمع أصواتهما فقال اخرج يا رسول الله إلى الصلاة واحث في أفواههن التراب ) ‏

‏أما قوله ( تسع نسوة ) فهن اللاتي توفي عنهن صلى الله عليه وسلم وهن عائشة وحفصة وسودة وزينب وأم سلمة وأم حبيبة وميمونة وجويرية وصفية رضي الله عنهن . ‏
‏ويقال نسوة ونسوة بكسر النون وضمها لغتان أفصح وأشهر وبه جاء القرآن العزيز . ‏

وأما قوله ( فكان إذا قسم لهن لا ينتهي إلى الأولى في تسع ) , فمعناه بعد انقضاء التسع , وفيه أنه يستحب ألا يزيد في القسم على ليلة ليلة لأن فيه مخاطرة بحقوقهن . ‏

وأما قوله ( كن يجتمعن كل ليلة إلى آخره ) , ففيه أن يستحب للزوج أن يأتي كل امرأة في بيتها ولا يدعهن إلى بيته , لكن لو دعا كل واحدة في نوبتها إلى بيته كان له ذلك وهو خلاف الأفضل , ولو دعاها إلى بيت ضرائرها لم تلزمها الإجابة , ولا تكون بالامتناع ناشزة . بخلاف ما إذا امتنعت من الإتيان إلى بيته لأن عليها ضررا في الإتيان إلى ضرتها وهذا الاجتماع كان برضاهن .

‏وفيه أنه لا يأتي غير صاحبة النوبة في بيتها في الليل بل ذلك حرام عندنا إلا لضرورة بأن حضرها الموت أو نحوه من الضرورات .

‏وأما مد يده إلى زينب وقول عائشة : ( هذه زينب ) فقيل : إنه لم يكن عمدا بل ظنها عائشة صاحبة النوبة لأنه كان في الليل وليس في البيوت مصابيح . وقيل : كان مثل هذا برضاهن .

‏وأما قوله : ( حتى استخبتا ) فهو بخاء معجمة , ثم باء موحدة مفتوحتين , ثم تاء مثناة فوق . من السخب وهو اختلاط الأصوات وارتفاعها , ويقال أيضا : صخب بالصاد هكذا هو في معظم الأصول , وكذا نقله القاضي عن رواية الجمهور . وفي بعض النسخ ( استخبثتا ) بثاء مثلثة , أي قالتا الكلام الرديء , وفي بعضها ( استحيتا ) من الاستيحاء . ونقل القاضي عن رواية بعضهم ( استحثتا ) بمثلثة ثم مثناة , قال : ومعناه إن لم يكن تصحيفا أن كل واحدة حثت في وجه الأخرى التراب .

‏وفي هذا الحديث ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وملاطفة الجميع . ‏
‏ ‏
‏وأما قوله : ( احث في أفواههن التراب ) فمبالغة في زجرهن وقطع خصامهن .

‏وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وشفقته ونظره في المصالح , وفيه إشارة المفضول على صاحبه الفاضل بمصلحته والله أعلم .