وكذلك سرت في الوثنيات فكرة الفادي والمخلص الذي يفدي شعبه أو قومه، وكانت الأمم البدائية تضحي بطفل محبوب ، لاسترضاء السماء ، وفي تطور لاحق أضحى الفداء بواسطة مجرم حكم عليه بالموت ، وعند البابليين كان الضحية يلبس أثواباً ملكية - كتلك التي ألبسها الإنجيليون للمسيح في قصة الصلب - ، لكي يمثل بها ابن الملك ، ثم يجلد ويشنق .

وعند اليهود خصص يوم للكفارة يضع فيه كاهن اليهود يده على جدي حي ، ويعترف فوق رأسه بجميع ما ارتكب بنو إسرائيل من مظالم ، فإذا حمل الخطايا أطلقه في البرية .
وأما فكرة موت الإله فهي عقيدة وثنية حيث كان العقل اليوناني يحكم بموت بعض الآلهة .
والفداء عن طريق أحد الآلهة أو ابن الله أيضاً موجودة في الوثنيات القديمة كما وقد ذكر السير آرثر فندلاي في كتابه " صخرة الحق " أسماء ستة عشر شخصاً اعتبرتهم الأمم آلهة سعوا في خلاص هذه الأمم . منهم: أوزوريس في مصر 1700 ق.م ، وبعل في بابل 1200ق.م ، وأنيس في فرجيا 1170 ق.م ، وناموس في سوريا 1160 ق.م ، وديوس فيوس في اليونان 1100 ق.م، وكرشنا في الهند 1000 ق.م ، وأندرا في التبت 725 ق.م ، وبوذا في الصين 560 ق.م ، وبرومثيوس في اليونان 547 ق.م ، ومترا (متراس) في فارس 400 ق.م .
ولدى البحث والدراسة في معتقدات هذه الأمم الوثنية نجد تشابهاً كبيراً مع ما يقوله النصارى في المسيح المخلص .
فأما بوذا المخلص عند الصينيين فلعله أكثر الصور تطابقاً مع تخلص النصارى ، ولعل مرد هذا التشابه إلى تأخره التاريخي فكان تطوير النصارى لذلك المعتقد قليلاً .
والبوذيون كما نقل المؤرخون يسمون بوذا المسيح المولود الوحيد ، ومخلص العالم ، ويقولون: إنه إنسان كامل وإله كامل تجسد بالناسوت ، وأنه قدم نفسه ذبيحة ليكفر ذنوب البشر ويخلصهم من ذنوبهم حتى لا يعاقبوا عليها .
وجاء في أحد الترنيمات البوذية عن بوذا: " عانيتَ الاضطهاد والامتهان والسجن والموت والقتل بصبر وحب عظيم لجلب السعادة للناس ، وسامحتَ المسيئين إليك " .
ويذكر مكس مولر في كتابه " تاريخ الآداب السنسكريتية " فيقول: " البوذيون يزعمون أن بوذا قال: دعوا الآثام التي ارتكبت في هذا العالم تقع عليّ، كي يخلص العالم " .
ويرى البوذيون أن الإنسان شرير بطبعه ، ولا حيلة في إصلاحه إلا بمخلص ومنقذ إلهي .
وكذلك فإن المصريين يعتبرون أوزوريس إلهاً ويقول المؤرخ بونويك في كتابه " عقيدة المصريين " : يعد المصريون أوزوريس أحد مخلصي الناس ، وأنه بسبب جده لعمل الصلاح يلاقي اضطهاداً ، وبمقاومته للخطايا يقهر ويقتل " . ويوافقه العلامة دوان والعلامة موري في كتابه " الخرافات ".
لذا يقول ارثر ويجال :" إن هذه العقيدة دخيلة من مصدر وثني ،وهي حقاً من آثار الوثنية في الإيمان "

نزول الآلهة إلى الجحيم من أجل تخليص الأموات من الجحيم :

وتشابهت العقائد النصرانية مع الوثنيات القديمة مرة أخرى عندما قال النصارى بأن المسيح نزل إلى الجحيم لإخراج الأرواح المعذبة فيها من العذاب ، ففي أعمال الرسل
" سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنه ، ولم تترك نفسه في الهاوية ، ولا رأى جسده فساداً " ( أعمال 2/31 )، ويقول بطرس: " ذهب ليكرز للأرواح التي في السجن " ( بطرس(1) 3/19 ) .

يقول القديس كريستوم 347م :" لا ينكر نزول المسيح إلى الجحيم إلا الكافر ".
ويقول القديس كليمندوس السكندري: " قد بشر يسوع في الإنجيل أهل الجحيم كما بشر به وعلمه لأهل الأرض كي يؤمنوا به ويخلصوا " وبمثله قال أوريجن وغيره من قديسي النصارى.
وهذا المعتقد وثني قديم قال به عابدو كرشنا ، فقالوا بنزوله إلى الجحيم لتخليص الأرواح التي في السجن ، وقاله عابد زورستر وأدونيس وهرقل وعطارد وكوتز لكوتل وغيرهم .
ولما وصل النصارى إلى أمريكا الوسطى ، وجدوا فيها أدياناً شتى، فخف القسس لدعوتهم للمسيحية، فأدهشهم بعد دراستهم لهذه الأديان أن لها شعائر تشبه شعائر المسيحية ، وخاصة في مسائل الخطيئة والخلاص ".