تحت هذه الأنقاض على الأغلب توجد جثة جمال، وهذا كرسيه المتحرك، لا أحد يدري ما حل به، فقد هدموا المنزل عليه".. بهذه الكلمات بدأ الشاب العشريني خالد محمد اغبارية "النوباني" من مخيم جنين، حديثه ل"الأيام" حديثه عن جاره المعاق حركيا جمال محمود رشيد الفايد 38عاما، الذي يعتقد الجميع في المخيم جازمين أنه قضى تحت الأنقاض .
ويجهد المنكوبون في مخيم اللاجئين، للأسبوع الثاني على التوالي، بالبحث عن المزيد من جثث الضحايا بعد أن فقدوا الأمل بإمكانية العثور على أحياء تحت أنقاض المباني السكنية التي دمرتها قوات الاحتلال، وسوت المئات منها بالأرض .
وكان اغبارية الذي فقد اثنين من أشقائه خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على المخيم، واعتقلت قوات الاحتلال ثلاثة من أشقائه، يشير بإصبعه إلى أنقاض منزل هدمته الجرافات الإسرائيلية رغم تأكيد السكان أن بداخله إنسان معاق يعجز عن الحركة .
ويتابع ذلك الشاب الذي فقد وأفراد أسرته مساكنهم التي هدمتها الجرافات الإسرائيلية في المخيم، بالقول "أبلغ السكان الجنود الإسرائيليين أن هناك إنسان معاق حركيا بداخل هذا المنزل، إلا أن الضابط المسؤول أوعز للجرافات بالاستمرار في تدمير وتجريف المنزل دون أن يأبه إطلاقا لحياة ذلك الإنسان ".
وبذل السكان بمساعدة فرق الإنقاذ جهودا كبيرة في البحث تحت أنقاض منزل الفايد عن جمال الذي لم يتم العثور عليه، بينما عثر على أجزاء من كرسيه المتحرك الذي وضع على الحافة العلوية لبقالة مجاورة .
يقول جمال "عثرنا على الكرسي المتحرك ولم نعثر على صاحبه جمال، لا أحد يعرف ما حل به، وكل ما نعرفه أن الجرافات هدمت منزل عائلته عندما كان بداخله ".
وتؤكد روايات متطابقة لشهود عيان أن قوات الاحتلال أجبرت عائلة الفايد على الخروج من منزلها الذي تعرض لقصف مركز، ولم تمكنها من إخراج جمال الذي كان يواجه صعوبة كبيرة في الحركة، ويستعين بكرسيه المتحرك .
وقال أحد الشهود "قلنا للضابط الإسرائيلي المسؤول أن هناك معاق في هذا المنزل، دعونا ندخل لإخراجه، ولكن الضابط رفض، بينما كانت جرافة ضخمة تهدم المنزل على رأس من فيه ".
ويعتقد السكان جازمين أن ذلك المعاق قضى تحت الأنقاض، رغم أنهم لم يعثروا على جثته، حتى اللحظة، ولكنهم يرجحون أن الجثة تقطعت إلى أشلاء متناثرة، بفعل عمل الجرافات الإسرائيلية، أو نقلت مع أنقاض المباني المدمرة التي نقلت القوات الإسرائيلية كميات كبيرة منها وفقا لما يؤكده شهود عيان إلى منطقة في الأغوار الشمالية أعلنتها إسرائيل منطقة عسكرية مغلقة .
ويرجح كثيرون في المخيم أن يعثروا على المزيد من جثث الضحايا ممن استشهدوا، خلال الحرب الإسرائيلية، الذي تفوح منه روائح كريهة يسود الاعتقاد أنها ناجمة عن تعفن جثث لا تزال تحت الأنقاض، يصعب انتشالها .
يقول اغبارية "بعد عشرة أيام عثرنا على جثتي نضال وشادي تحت الأنقاض، وتوجد احتمالات مؤكدة أن نعثر على المزيد من الجثث ".
ويضيف "عثرنا على شقيقي شادي (20عاما) جثة هامدة احترقت بالكامل تحت أنقاض منزل أبو جواد، وعلى بعد مئات الأمتار عثرنا على جثة شقيقي الأكبر نضال (38عاما) تحت أنقاض منزل آخر وقد أصيب بعيار ناري في رأسه، ونخشى العثور على المزيد من الجثث ".
وقصفت إسرائيل بصواريخ المروحيات وقذائف الدبابات منازل السكان في مخيم جنين، من بينها منزل أبو جواد الذي قال اغبارية أن شقيقه الشهيد شادي استشهد بداخله، بينما استشهد على بعد مئات الأمتار شقيقه الثاني نضال الذي أمضى في سجون الاحتلال نحو عامين رهن الاعتقال الإداري، على خلفية نشاطاته في حركة فتح .
ويشعر ذلك الشاب شأنه في ذلك شأن سائر السكان في مخيم جنين، أن هناك ثمة كارثة ألمت به وأفراد أسرته التي أصبحت بلا مأوى بعد أن هدمت قوات الاحتلال منازلها، قبل أن تقتل اثنين من أبنائها وتعتقل ثلاثة آخرين .
ويخلص اغبارية إلى الاعتقاد الجازم بأن إمكانيات العثور على المزيد من جثث الضحايا تحت الأنقاض، لا تزال عالية، ولكن تواجه السكان وفرق الإنقاذ العاملة في المخيم رزمة من الصعوبات التي تحول دون تمكين الجميع من انتشال الجثث التي لا تزال تحت الأنقاض .
ويشاطر النائب جمال الشاتي عضو اللجنة الوطنية لتوثيق جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مخيم جنين، اغبارية الرأي باعتقاده أن هناك صعوبات جمة تحول دون الإسراع في انتشال الجثث المتبقية تحت الردم .
ويوضح الشاتي بالتأكيد أن ما شهده المخيم أشبه ما يكون بالزلزال الذي أتى على كل شيء، ومعالجة آثار الزلزال وفقا لما يعتقد تستدعي من الدول الصديقة التي أرسلت خبراء وفرق إنقاذ إلى المخيم، تزويد تلك الفرق بالمعدات والآليات الثقيلة والأجهزة المتطورة التي من شأنها تمكين الباحثين والمتطوعين من الإسراع في انتشال الجثث . وقال "ليس من المعقول أن يترك العالم جثث شهدائنا تحت الأنقاض دون أن يقوم بالحد الأدنى من واجبه في تمكيننا من انتشال الجثث، بعد أن أبدى تقصيرا فاضحا عندما كان أطفالنا يذبحون ويقتلون بالصواريخ والقذائف، وتهدم الجرافات الإسرائيلية مساكنهم فوق رؤوسهم ".
المفضلات