أخي لا داعي لتخليط الأوراق إكراه الناس للدخول في الاسلام يعني اعتناق العقيدة و إكراه المحاربين للخضوع للدين أي الشريعة شيء آخر تماما.
انتهى كلامي
و الآن إلى تفسير الآية:
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك. فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في قوم من الأنصار- أو في رجل منهم - كان لهم أولاد قد هودوهم أو نصروهم، فلما جاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم عليه، فنهاهم الله عن ذلك حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مقلاتا، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده. فلما أجليت بنو النضير، كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا : لا ندع أبناءنا! فأنزل الله تعالى ذكره: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال: كانت المرأة تكون مقلىً ولا يعيش لها ولد -قال شعبة : وإنما هو مقلات - فتجعل عليها إن بقي لها ولد لتهودنه. قال: فلما أجليت بنو النضير كان فيهم منهم، فقالت الأنصار: كيف نصنع بأبنائنا؟ فنزلت هذه الآية: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي . قال : من شاء أن يقيم أقام ، ومن شاء أن يذهب ذهب.
حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود ، وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن عامر قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاتاً لا يعيش لها ولد، فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم، فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم، فقالوا: إنما جعلناهم على دينهم ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا! وإذ جاء الله بالإسلام، فلنكرهنهم! فنزلت: لا إكراه في الدين ، فكان فصل ما بين من اختار اليهودية والإسلام ، فمن لحق بهم اختار اليهودية، ومن أقام اختار الإسلام. ولفظ الحديث لحميد.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، سمعت داود ، عن عامر ، بنحو معناه، إلا أنه قال: فكان فصل ما بينهم، إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، فلحق بهم من كان يهودياً ولم يسلم منهم، وبقي من أسلم.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود ، عن عامر ، بنحوه، إلا أنه قال: إجلاء النضير إلى خيبر، فمن اختار الإسلام أقام، ومن كره لحق بخيبر.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد الحرشي مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ، قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ، يقال له: الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاً مسلماً، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما، فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك.
حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر قال: سألت سعيد بن جبير عن قوله: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ، قال نزلت هذه في الأنصار، قال: قلت: خاصة؟ قال: خاصة! قال: كانت المرأة في الجاهلية تنذر إن ولدت ولداً أن تجعله في اليهود، تلتمس بذلك طول بقائه. قال: فجاء الإسلام وفيهم منهم، فلما أجليت النضير قالوا: يا رسول الله، أبناؤنا وإخواننا فيهم! قال: فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى ذكره: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:% قد خير أصحابكم، فإن اختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فهم منهم، قال: فأجلوهم معهم%%.
حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي إلى لا انفصام لها ، قال: %نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو الحصين، كان له ابنان، فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت. فلما باعوا وأرادوا أن يرجعوا، أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية، فتنصرا فرجعا إلى الشام معهم .فأتى أبوهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:إن ابني تنصرا وخرجا، فأطلبهما؟ قال: لا إكراه في الدين ، ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب، وقال: أبعدهما الله! فهما أول من كفر! فوجد أبو الحصين في نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم، حين لم يبعث في طلبهما، فنزلت: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [النساء: 65]. ثم إنه نسخ: لا إكراه في الدين ، فأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة %%.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله: لا إكراه في الدين ، قال: كانت اليهود، يهود بني النضير، أرضعوا رجالاً من الأوس، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم، قال أبناؤهم من الأوس: لنذهبن معهم، ولندينن بدينهم! فمنعهم أهلوهم وأكرهوهم على الإسلام، ففيهم نزلت هذه الآية.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، عن سفيان ، وحدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد، جميعاً، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد : لا إكراه في الدين ، قال: كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة ، فأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام، فنزلت: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال: قال مجاهد : كانت النضير يهوداً فأرضعوا، ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو ، عن أبي عاصم ، قال ابن جريج ، وأخبرني عبد الكريم ، عن مجاهد : أنهم كانوا قد دان بدينهم أبناء الأوس، دانوا بدين النضير.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي : أن المرأة من الأنصار كانت تنذر إن عاش ولدها لتجعلنه في أهل الكتاب، فلما جاء الإسلام قالت الأنصار: يا رسول الله، ألا نكره أولادنا الذين هم في يهود على الإسلام؟ فإنا إنما جعلناهم فيها ونحن نرى أن اليهودية أفضل الأديان، فأما إذ جاء الله بالإسلام، أفلا نكرههم على الإسلام؟ فأنزل الله تعالى ذكره: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه، عن داود ، عن الشعبي مثله، وزاد، قال: كان فصل ما بين من اختار اليهود منهم وبين من اختار الإسلام، إجلاء بني النضير، فمن خرج مع بني النضير كان منهم، ومن تركهم اختار الإسلام.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: لا إكراه في الدين إلى قوله: العروة الوثقى ، قال: هذا منسوخ.
حدثني سعيد بن الربيع الرازي قال، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد و وائل ، عن الحسن : أن أناساً من الأنصار كانوا مسترضعين في بني النضير، فلما أجلوا أراد أهلوهم أن يلحقوهم بدينهم، فنزلت: لا إكراه في الدين .
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يكره أهل الكتاب على الدين إذا بذلوا الجزية، ولكنهم يقرون على دينهم. وقالوا: الآية في خاص من الكفار، ولم ينسخ منها شيء.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة : لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ، قال: أكره عليه هذا الحي من العرب، لأنهم كانوا أمة أمية ليس لهم كتاب يعرفونه، فلم يقبل منهم غير الإسلام. ولا يكره عليه أهل الكتاب إذا أقروا بالجزية أو بالخراج، ولم يفتنوا عن دينهم، فيخلى عنهم.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا سليمان قال، حدثنا أبو هلال قال، حدثنا قتادة في قوله: لا إكراه في الدين ، قال: هو هذا الحي من العرب، أكرهوا على الدين، لم يقبل منهم إلا القتل أو الإسلام، وأهل الكتاب قبلت منهم الجزية، ولم يقتلوا.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير قال، حدثنا عمرو بن قيس ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله: لا إكراه في الدين ، قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل جزيرة العرب من أهل الأوثان، فلم يقبل منهم إلا: لا إله إلا الله، أو السيف، ثم أمر فيمن سواهم بأن يقبل منهم الجزية، فقال: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله: لا إكراه في الدين ، قال: كانت العرب ليس لها دين، فأكرهوا على الدين بالسيف. قال: ولا يكره اليهود ولا النصارى والمجوس، إذا أعطوا الجزية.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح قال: سمعت مجاهداً يقول لغلام له نصراني: يا جرير، أسلم. ثم قال: هكذا كان يقال لهم.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ، قال: وذلك لما دخل الناس في الإسلام، وأعطى أهل الكتاب الجزية.
وقال آخرون: هذه الآية منسوخة، وإنما نزلت قبل أن يفرض القتال.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري قال: سألت زيد بن أسلم عن قول الله تعالى ذكره: لا إكراه في الدين ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين لا يكره أحداً في الدين، فأبى المشركون إلا أن يقاتلوهم، فاستأذن الله في قتالهم فأذن له.
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس- وقال: عنى بقوله تعالى ذكره: لا إكراه في الدين ، أهل الكتابين والمجوس وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق وأخذ الجزية منه، وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخاً.
وإنما قلنا: هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لما قد دللنا عليه في كتابنا كتاب اللطيف من البيان عن أصول الأحكام : من أن الناسخ غير كائن ناسخاً إلا ما نفى حكم المنسوخ فلم يجز اجتماعهما. فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي، وباطنه الخصوص، فهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل.
وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير مستحيل أن يقال: لا إكراه لأحد ممن أخذت منه الجزية في الدين، ولم يكن في الآية دليل على أن تأويلها بخلاف ذلك، وكان المسلمون جميعاً قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوماً فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم ، كان بيناً بذلك أن معنى قوله: لا إكراه في الدين ، إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية، ورضاه بحكم الإسلام.
ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الحكم، بالإذن بالمحاربة.
فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما روي عن ابن عباس وعمن روي عنه: من أنها نزلت في قوم من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام؟.
قلنا: ذلك غير مدفوعة صحته، ولكن الآية قد تنزل في خاص من الأمر، ثم يكون حكمها عاماً في كل ما جانس المعنى الذي أنزلت فيه. فالذين أنزلت فيهم هذه الآية -على ما ذكر ابن عباس غيره- إنما كانوا قوماً دانوا بدين أهل التوراة قبل ثبوت عقد الإسلام لهم، فنهى الله تعالى ذكره عن إكراههم على الإسلام، وأنزل بالنهي عن ذلك آية يعم حكمها كل من كان في مثل معناهم، ممن كان على دين من الأديان التي يجوز أخذ الجزية من أهلها، وإقرارهم عليها، على النحو الذي قلنا في ذلك.
قال أبو جعفر : ومعنى قوله: لا إكراه في الدين ، لا يكره أحد في دين الإسلام عليه. وإنما أدخلت الألف واللام في الدين، تعريفاً للدين الذي عنى الله بقوله: لا إكراه فيه، وأنه هو الإسلام.
وقد يحتمل أن يكون أدخلتا عقيباً من الهاء المنوية في الدين، فيكون معنى الكلام حينئذ: وهو العلي العظيم، لا إكراه في دينه، قد تبين الرشد من الغي. وكأن هذا القول أشبه بتأويل الآية عندي.
قال أبو جعفر : وأما قوله: قد تبين الرشد ، فإنه مصدر من قول القائل: رشدت فأنا أرشد رشداً ورشداً ورشاداً، وذلك إذا أصاب الحق والصواب.
وأما الغي ، فإنه مصدر من قول القائل: قد غوى فلان فهو يغوى غياً وغواية، وبعض العرب يقول: غوي فلان يغوى، والذي عليه قراءة القرأة: ما ضل صاحبكم وما غوى [النجم: 2] بالفتح، وهي أفصح اللغتين، وذلك إذا عدا الحق وتجاوزه، فضل.
فتأويل الكلام إذاً: قد وضح الحق من الباطل، واستبان لطالب الحق والرشاد وجه مطلبه، فتميز من الضلالة والغواية، فلا تكرهوا من أهل الكتابين، ومن أبحت لكم أخذ الجزية منه، [أحداً] على دينكم دين الحق، فإن من حاد عن الرشاد بعد استبانته له، فإلى ربه أمره، وهو ولي عقوبته في معاده.
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى الطاغوت.
فقال بعضهم: هو الشيطان.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحق ، عن حسان بن فائد العبسي قال، قال عمر بن الخطاب: الطاغوت الشيطان.
حدثني محمد بن المثنى قال، حدثني اين أبي عدي ، عن شعبة ، عن أبي إسحق ، عن حسان بن فائد ، عن عمر مثله.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك ، عمن حدثه، عن مجاهد قال: الطاغوت الشيطان.
حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا زكريا ، عن الشعبي قال: الطاغوت الشيطان.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله: فمن يكفر بالطاغوت ، قال: الشيطان.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة : الطاغوت الشيطان.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله: فمن يكفر بالطاغوت ، بالشيطان.
وقال آخرون: الطاغوت هو الساحر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود ، عن أبي العالية أنه قال: الطاغوت الساحر.
وقد خولف عبد الأعلى في هذه الرواية، وأنا ذاكر الخلاف بعد.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا عوف ، عن محمد قال: الطاغوت الساحر.
وقال آخرون: بل الطاغوت هو الكاهن.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال: الطاغوت الكاهن.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود ، عن رفيع قال: الطاغوت الكاهن.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : فمن يكفر بالطاغوت ، قال: كهان تنزل عليها شياطين، يلقون على ألسنتهم وقلوبهم. أخبرني أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول: -وسئل عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال-: كان في جهينة واحد، وفي أسلم واحد، في كل حي واحد، وهي كهان ينزل عليها الشيطان.
قال أبو جعفر : والصواب من القول عندي في الطاغوت، أنه كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنساناً كان ذلك المعبود، أو شيطاناً، أو وثناً، أو صنماً، أو كائناً ما كان من شيء.
وأرى أن أصل الطاغوت، الطغووت من قول القائل: طغا فلان يطغو، إذا عدا قدره، فتجاوز حده، كـالجبروت من التجبر، والخلبوت من الخلب، ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير فعلوت بزيادة الواو والتاء. ثم نقلت لامه -أعني لام الطغووت- فجعلت له عيناً، وحولت عينه فجعلت مكان لامه، كما قيل: جذب وجبذ، وجاذب وجابذ، وصاعقة وصاقعة، وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال.
فتأويل الكلام إذاً: فمن يجحد ربوبية كل معبود من دون الله، فيكفر به، ويؤمن بالله ، يقول: ويصدق بالله أنه إلهه وربه ومعبوده، فقد استمسك بالعروة الوثقى ، يقول: فقد تمسك بأوثق ما يتمسك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب الله وعقابه، كما:-
حدثني أحمد بن سعيد بن يعقوب الكندي قال، حدثنا بقية بن الوليد قال، حدثنا ابن أبي مريم ، عن حميد بن عقبة ، عن أبي الدرداء : أنه عاد مريضاً من جيرته، فوجده في السوق وهو يغرغر، لا يفقهون ما يريد. فسألهم: يريد أن ينطق؟ قالوا: نعم، يريد أن يقول: آمنت بالله وكفرت بالطاغوت. قال أبو الدرداء : وما علمكم بذلك؟ قالوا: لم يزل يرددها حتى انكسر لسانه، فنحن نعلم أنه إنما يريد أن ينطق بها. فقال أبو الدرداء : أفلح صاحبكم! إن الله يقول: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم .
قال أبو جعفر : والعروة، في هذا المكان، مثل للإيمان الذي اعتصم به المؤمن، فشبهه في تعلقه به وتمسكه به، بالمتمسك بعروة الشيء الذي له عروة يتمسك بها، إذ كان كل ذي عروة فإنما يتعلق من أراده بعروته.
وجعل تعالى ذكره الإيمان الذي تمسك به الكافر بالطاغوت المؤمن بالله، من أوثق عرى الأشياء بقوله: الوثقى .
والوثقى ، فعلى من الوثاقة. يقال في الذكر: هو الأوثق، وفي الأنثى: هي الوثقى، كما يقال: فلان الأفضل، وفلانة الفضلى.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو ، قال، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله: بالعروة الوثقى ، قال: الإيمان.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي قال: العروة الوثقى ، هو الإسلام.
حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان ، عن أبي السوداء ، عن جعفر -يعني ابن أبي المغيرة- عن سعيد بن جبير قوله: فقد استمسك بالعروة الوثقى ، قال: لا إله إلا الله.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان ، عن أبي السوداء النهدي ، عن سعيد بن جبير مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : فقد استمسك بالعروة الوثقى ، مثله.
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله: لا انفصام لها ، لا انكسار لها. والهاء والألف، في قوله: لها عائدة على العروة .
ومعنى الكلام: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، فقد اعتصم من طاعة الله بما لا يخشى مع اعتصامه خذلانه إياه، وإسلامه عند حاجته إليه في أهوال الآخرة، كالمتمسك بالوثيق من عرى الأشياء التي لا يخشى انكسار عراها.
وأصل الفصم الكسر، ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
ومبسمها عن شتيت النبات غير أكس ولا منفصم
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله: لا انفصام لها ، قال: لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله.
حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي : لا انفصام لها ، قال: لا انقطاع لها.
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : والله سميع ، إيمان المؤمن بالله وحده الكافر بالطاغوت، عند إقراره بوحدانية الله وتبرئه من الأنداد والأوثان التي تعبد من دون الله، عليم بما عزم عليه من توحيد الله وإخلاص ربوبيته قلبه، وما انطوى عليه من البراءة من الآلهة والأصنام والطواغيت ضميره، وبغير ذلك مما أخفته نفس كل أحد من خلقه، لا ينكتم عنه سر، ولا يخفى عليه أمر، حتى يجازي كلاً يوم القيامة بما نطق به لسانه، وأضمرته نفسه، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً.
انتهى كلام امام المفسرين الطبري
المفضلات