أخي الحبيب
اعلم أن مشاركتي في هذا الموضوع ليس لها غرض سوى إظهار الحق و إبطال الباطل، فإن اتضح لي أن الحق معك فلن أعاند أو اتكبر عن قبوله.
اعذرني و لكنك حتى الآن لم توضح شيئا، بل مازلت تصر على هذا
التقسيم الثلاثي الذي لم يرد عليه دليل شرعي و لا ورد في كتاب تفسير!!
فتقول :
اقتباس
بل لا اختلاف بين هذا وذاكَ .
بل هذا يا أخي هو الاختلاف ذاته، و إني لأعجب أن يصدر هذا منك و أنت تعلم جيدًا كما أعلم أنا جيدًا أن ديننا قرءان و سنة بفهم سلف الأمة.
فأنت تقول أن النصارى هم أتباع أتباع المسيح و أنهم موحدون و لا يؤلهون المسيح و لا يؤمنون بأنه ابن الله، و عندما وضعت لك الآية بررتَ ذلك بأنك تتحدث عن النصارى الأوَل.
فهذا تعميمٌ منك كان يقتضي التفصيل، بل التفصيل التام حتى لا يلتبس الأمر على الناس فأنت تعلم أننا نجادل أهل الكتاب، و هذه النقطة بالتحديد تحتاج التوضيح المستفيض.
و هو ما سأوضح بعون الله.
فقولك و موضوعك كله مبني على أن كلمة
نصارى كانت تُطلق على من كان
يوحد الله من أتباع أتباع المسيح، و
لم يكن يؤمن بألوهيته و لا بأنه ابن اله.
و هذا ما جعلك تترحم عليهم في البداية ظانا من أنهم موحدون و الترحم جائز عليهم.
فإن كان كذلك ، فمن هم الذين ألهوا المسيح عليه السلام و قالوا بأنه ابن الله؟ و ما هي تسميتهم؟ و ما هو لقبهم الذي أخبرنا به ربنا تبارك و تعالى و نبينا صلى الله عليه و سلم؟ و أين مكانهم في هذا الثلاثي الذي طرحتَ؟
الجواب من كتاب الله تعالى:
{
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }التوبة30
و الجواب من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم:
افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة ، فواحدة في الجنة و سبعين في النار ، و افترقت النصارى على اثنين و سبعين فرقة فواحدة في الجنة و إحدى و سبعين في النار ، و الذي نفسي بيده لتـفـترقن أمتي على ثلاث و سبعين فرقة ، فواحدة في الجنة و ثنتين و سبعين في النار ، قيل يا رسول الله من هم ؟ قال : هم الجماعة
الراوي: عوف بن مالك - خلاصة الدرجة: إسناده جيد رجاله ثقات - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1492
و توجد روايات أخرى لهذا الحديث لا داعي لإدراجها لعدم الإطالة.
فالشاهد من الآية أن من قال ببنوة المسيح لله فهو
نصراني، و الشاهد من الحديث أن
النصارى افترقوا إلى فرق كثيرة، هذا ما أجمع عليه جمهور المفسرين كما نقلتُ عنهم في مداخلتي السابقة، حيث فصلوا أن الفرقة الناجية من
النصارى هي التي اتبعت دين المسيح الصحيح و هو الإسلام. و بقية الفرق النصرانية الأخرى هم الذين حرفوا و غيروا و بدلوا و ألهوا المسيح و عبدوه و أمه من دون الله إلخ...
و الناجون هم الذين قال الله فيهم :
"
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ "
فانقسمت هذه الفرقة إلى ثلاث فئات؛ فئة كانت لها العدة و القوة فقاتلت الملوك فقُتِلت و نجت، و فرقة لم تكن لها قوة و لا عدة فدعت إلى دين المسيح فقُتِلت و نجت، و فرقة لم تكن لها قوة و لا عدة و لا قدرة على الدعوة فهربت إلى الجبال و ترهبت و تعبدت فتوفى الله من توفى، و من أدرك النبي فآمن به فقد نجى، و من كفر فأولئك هم الفاسقون الذين إما تهودوا أو تنصروا.
فالذين لم يدركوا منهم الرسول صلى الله عليه و سلم و ماتوا على دين المسيح عليه السلام قال فيهم الحق تعالى:
{
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }المائدة69
و قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر العدني حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قال سلمان رضي الله عنه سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم فذكرت منصلاتهم وعبادتهم فنزلت « إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر » إلى آخر الآية وقال السدي « إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا » الآية نزلت فى أصحاب سليمان الفارسى يينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم فقال كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك ستبعث نبيا فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم يا سلمان هم من أهل النار فاشتد ذلك على سلمان فأنزل الله هذه الآية
فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا قال ابن أبي حاتم وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا « قلت » وهذا لا ينافي ماروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس « إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمنبالله واليوم الآخر » الآية قال فأنزل الله بعد ذلك « ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين » فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه بما بعثه به فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة فاليهود أتباع موسى عليه السلام الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم واليهود من الهوادة وهي المودة أو التهود وهي التوبة كقول موسى عليه السلام « إنا هدنا اليك » أي تبنا فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض وقيل لنسبتهم إلى يهودا أكبر أولاد يعقوب وقال أبو عمرو بن العلاء لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل إتباعه والإنقياد له فاصحابه وأهل دينه هم النصارى وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم وقد يقال لهم أنصار أيضا كما قال عيسى عليه السلام « من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله » وقيل إنهم إنما سموا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها ناصرة قاله قتادة وابن جريج وروي عن ابن عباس أيضا والله أعلم والنصارى جمع نصران كنشاوي جمع نشوان وسكارى جمع سكران ويقال للمرأة نصرانة قال الشاعر نصرانة لم تحنف فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق وجب عليهم تصديقه فيماأخبر وطاعته فيما أمر والإنكفاف عما عنه زجر وهؤلاء هم المؤمنون حقا وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية وأما الصابئون فقد اختلف فيهم فقال سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال الصائبون قوم بين المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين وكذا رواه ابن أبي نجيح عنه وروي عن عطاء وسعيد بن جبير نحو ذلك وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي وأبو الشعثاء جابر بن زيد والضحاك وإسحاق بن راهويه والصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور ولهذا قال أبو حنيفة وإسحاق لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم وقال هشيم عن مطرف كنا عند الحكم بن عتبة فحدثه رجل من أهل البصرة عن الحسن أنه كان يقول في الصابئين إنهم كالمجوس فقال الحكم ألم أخبركم بذلك وقال عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن عبد الكريم سمعت الحسن ذكر الصابئين فقال هم قوم يعبدون الملائكة وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن قال أخبر زياد أن الصابئين يصلون إلى القبلة ويصلون الخمس قال فأراد أن يضع عنهم الجزية قال فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة وقال أبو جعفر الرازي بلغني أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة ويقرءون الزبور ويصلون للقبلة وكذا قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن أبي الزناد عن ابيه قال الصائبون قوم مما يلي العراق وهم بكوثى وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون من كل سنة ثلاثين يوما ويصلون إلى اليمن كل يوم خمس صلوات وسئل وهب بن منبه عن الصائبين فقال الذي يعرف الله وحده وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا وقال عبد الله بن وهب قال عبد الرحمن بن زيد الصائبون أهل دين من الأديان كانوا بجزيرة الموصل يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول لا إله إلا الله قال ولم يؤمنوا برسول فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هؤلاء الصائبون يشبهونهم بهم يعني في قول لا إله إلا الله وقال الخليل هم قوم يشبه دينهم دين النصارى إلا أن قبلتم نحو مهب الجنوب يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن وابن أبي نجيح أنهم قوم تركب دينهم بين اليهود والمجوس ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم قال القرطبي والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم وأنها فاعلة ولهذا أفتى أبو سعيد الإصطخري بكفرهم للقادر بالله حين سأله عنهم واختار الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب بمعنى أن الله جعلها قبلة للعبادة والدعاء أو بمعنى أن الله فوض تدبير أمر هذا العالم إليها قال وهذا القول هو المنسوب إلى الكشرانيين الذين جاءهم إبراهيم عليه السلام رادا عليهم مبطلا لقولهم وأظهر الأقوال والله أعلم قول مجاهد ومتابعيه ووهب بن منبه أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابيء أي أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك وقال بعض العلماء الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي والله أعلم
أما باقي تلك الفرق الضالة من النصارى فهم الذين نزل فيهم قول الله تعالى :
{
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }المائدة18
و قوله تعالى : {
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }التوبة30
و قوله تعالى :"
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ "
قال ابن كثير رحمة الله عليه:
« ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم » أي ومن الذين ادعوا لأنفسهم أنهم نصارى متابعون المسيح ابن مريم عليه السلام وليسوا كذلك أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومناصرته وموازرته واقتفاء آثاره وعلى الإيمان بكل نبي يرسله الله إلى أهل الأرض ففعلوا كما فعل اليهود خالفوا المواثيق ونقضوا العهود ولهذا قال تعالى « فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة » أي فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضا ولايزالون كذلك إلى قيام الساعة
ولذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا فكل فرقة تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها فالملكية تكفر باليعقوبية وكذلك الآخرون وكذلك النسطورية والآريوسية كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ثم قال « وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون »
وهذا تهديد ووعيد أكيد للنصارى على ماارتكبوه من الكذب على الله ورسوله وما نسبوه إلى الرب عز وجل وتعالى وتقدس عن قولهم علوا كبيرا من جعلهم له صاحبة وولدا تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
فقول الله تعالى في هذه الآية
دليل قاطع على بقاء النصارى الضالين الذين بدلوا دين الله الذي جاء به المسيح عليه السلام،
إلى يوم القيامة.
و بالتالي فإن المثلثين و المؤلهين لعيسى عليه السلام و أمه و القائلين ببنوته لله
هم نصارى أيضًا، و لا يجوز استثناؤهم لأن في ذلك مصادمة لصريح القرءان الكريم، و أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم.فالنصوص التي جاءت في القرءان تتحدث عنهم، تؤكد أنهم
نصارى وليسوا مسيحيين.
و هذا ما قلتَ بنفسك في الرد على ذي الفقار:
اقتباس
وبيانه : أنَّ النصارى [الذين لا يُؤلهون عيسى] كانت أكثرية القومِ عددا وعُدة وهذا ما قصدته بكلماتى بداية كحفاظ على التاريخ التوحيدى، فلما نَصَرَ قسطنطين [لعنهُ اللهُ تعالى] النصارى المُؤلهينَ لعيسى [لأنه الأنسب لبقاء حكمه] وقد كان هؤلاء أقل عددا لكنهم ملكوا بقوة السلطان وصار عامة النصارى يؤلهون عيسى قانونيا وفرت النصارى غير المؤلهين له إلى ما شاء اللهُ مُنتظرينَ بعثة أحمد الخاتم .
و بالتالي فإن تقسيمك الثلاثي هذا لا يستقيم، و لا يوجد عليه دليل شرعي.
و كان عليك توضيحه أكثر و تفصيل القول
بأن النصارى افترقوا إلى فرق كثيرة و فرقة واحدة منهم هي التي نجت.
و هذا الافتراق يؤكد أن الذين ضلوا و وقعوا في الكفر و الشرك
هم نصارى أيضًا.
إذن فإن قولك بأن النصارى كانوا موحدين و لا يؤلهون المسيح و لا يعتبرونه ابنًا، بينما الذين يؤلهونه هم
المسيحيون، هو كلام غير صحيح ، حيث أنه لا وجود لكلمة المسيحيين في القرءان و لا في السنة، و المسيحيون الذين تتحدث عنهم أنت أخبرنا ربنا و رسوله بأنهم
نصارى.
و الدليل من قول الله تعالى:
{
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }التوبة30
فبأي كلام سنأخذ؟
و أعتقد أني متيقن من ردك.
فكيف إذن يا أخي الحبيب تستثني الـ 71 فرقة من
النصارى التي في النار و تعطيها اسمًا آخر لا وجود له في كتاب الله و لا في سنة نبيه، ثم تعمم و تقول في أولى مداخلاتك أن النصارى هم أتباع أتباع المسيح إلا أنهم غيروا و بدلوا و لكنهم كانوا موحدين؟!
و في ردك علي تبرر ذلك بقولك:
اقتباس
وأقصد بهذا سواد النصارى فى عهدهم الأول قبل المجامع لا سيما المسكونية وهذا كلام معروف عند العلماء المسلمينَ المُدققين كبعضِ المفسرين والمحدثين لا سيما الأصوليين . والله تبارك وتعالى لما ذكرَ " ... وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ "فقد ذكر ما اجتمعوا عليه من تأليهٍ للمسيح ليرد عليهم شنيع قولهم، وإِفكَ فعلهم، وكذب رجسهم .
أما أَنا فقصدتُ مَا كانَ قَبلَ ذَالكَ التَأْلِيه للمَسيح.
ففي ردك هذا تأكيد على أن المؤلهين لعيسى عليه السلام و القائلين ببنوته لله هم أيضًا نصارى.
و مهما كان قصدك يا أخي الحبيب فلا ينبغي أن تعمم القول على النصارى قاطبة، لأن حديث رسول الله واضح للعموم و يؤكد أن
النصارى، كما أن فيهم فرقة ناجية، فإن فيهم 71 فرقة ضالة هالكة في النار، يدخل فيها من جعل المسيح إلهًا و يدخل فيها من قال أنه ابن الله و يدخل فيها من جعله و أمه إلهين من دون الله... وكبار فرقهم ثلاثة: الملكانية والنسطورية واليعقوبية.
وانشعبت منها: الإليانية والبليارسية والمقدانوسية والسبالية والبوطنوسية والبولية.
كما جاء في كتاب الملل و النحل للشهرستاني.
فكل هذه الفرق
تدخل تحت اسم النصارى، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و هذا ما اجتمع عليه أهل العلم و المفسرون.
و لا أحد منهم قال أنهم مسيحيون!!
نرجع مرة أخرى إلى لفظ "مسيحيون"
فأجدك تقول يا أخي الحبيب :
اقتباس
اما انا فاتحدث
مِن خلال وجهة نظر إسلامية كما ذكرتُ انا أعلاه .
و لكنني يا أخي الحبيب لم أجد منك استدلالا لا من كتاب الله و لا من سنة نبيه عن وجود هذا اللفظ، فكيف تقول أنك تتحدث من وجهة نظر إسلامية؟
بل على العكس تمامًا فدليلك على كلمة
مسيحيين كان رابطَ موقع نصراني.
فهلا أتيتنا بآية أو حديث تقول أن هؤلاء هم مسيحيون لكي يكون كلامك من وجهة نظر إسلامية لا نصرانية؟
فأنت تعلم أن دليلنا هو القرءان و السنة بفهم سلف الأمة.
فكيف إذا كان هناك أدلة تنفي هذا القول و تؤكد بأن
النصارى افترقوا إلى فرق كثيرة و منهم فرقة ناجية و باقي الفرق في النار؟
فهذا يؤكد أن من هم يعيشون الآن هم خلف تلك الفرق الضالة
النصرانية الـ 71
و الفرقة الناجية منهم
اختفت و اندثرت ببعثة رسول الله صلى الله عليه و سلم، فآمنوا به.
أما من كفر به منهم
فقد تنصر كما جاء في تفسير القرطبي، أي دخل في الفرق الضالة
النصرانية
و عليه فإن التقسيم الصحيح ـ
بدليل كتاب الله تعالى و سنة بفهم سلف الأمة ـ هو كالتالي:
1 ـ الأنصار رضي الله عنهم
و هم الحواريون الذين نصروا الله و اتبعوا المسيح عليه السلام و هم مسلمون و شهدوا بذلك على أنفسهم.
الدليل :
"
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"
2 ـ النصارى
و هم خلف الأنصار و افترقوا إلى 72 فرقة نجت منها فرقة واحدة و هلك الـ 71.
أ ـ الفرقة الناجية رحمهم الله:
و هم الذين بقوا على دين المسيح عليه السلام من أتباع أتباعه و تمسكوا بإنجيل عيسى الذي نزله الله عليه و عملوا به و حكموا به، و عرفوا ما فيه من بشارات و انتظروا بعثة النبي صلى الله عليه و سلم و ماتوا على ذلك، إلى أن بُعث النبي محمد صلى الله عليه و سلم، فمن آمن به منهم فقد نجى و من كفر فقد دخل في إحدى الفرق الضالة.
و عليه فإن هذه الفرقة اندثرت و اختفت بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه و سلم.
الدليل :
ـ قوله عز و جل : "
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ "
و تفسيرها في مداخلتي السابقة.
ـ و قوله تعالى : {
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }المائدة69
و تفسيرها أعلاه.
ب ـ الفُرُق الـ 71 الضالة هدى الله من بقي منهم:
هم من ضل من أتباع أتباع المسيح عليه السلام، و نسوا حظًا مما ذكروا به، فبدلوا و حرفوا دين المسيح و قالوا أنه ابن الله و جعلوه و أمه إلهين... إلخ.
و قاتلوا الفرقة الناجية و قتلوا منها الكثير.
الدليل :
ـ قول الله تعالى : {
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }التوبة30
ـ و قوله تعالى :"
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ "
ـ قول المعصوم صلى الله عليه و سلم
افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة ، فواحدة في الجنة و سبعين في النار ، و افترقت النصارى على اثنين و سبعين فرقة فواحدة في الجنة و إحدى و سبعين في النار ، و الذي نفسي بيده لتـفـترقن أمتي على ثلاث و سبعين فرقة ، فواحدة في الجنة و ثنتين و سبعين في النار ، قيل يا رسول الله من هم ؟ قال : هم الجماعة
الراوي: عوف بن مالك - خلاصة الدرجة: إسناده جيد رجاله ثقات - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1492
أما المسيحيون فهم ذاتهم النصارى، لأنهم
خلف الفرق الضالة النصرانية الـ 71 و لفظ مسيحيين لا أصل له عندنا، فهم
نصارى بدليل كتاب الله تعالى و حديث رسوله صلى الله عليه و سلم،
ثم بدليل كتبهم التي استدللت بها في المداخلة السابقة، و هذا الاسم سموا به أنفسهم و لا أصل له في كتاب ربنا و سنة نبينا، و لم يكن أحد من أهل العلم أو التفسير يناديهم بهذا الاسم، و قد ألف الإمام ابن القيم كتبه في الرد على
النصارى و ليس المسيحيين.
و سلف الأمة و علماؤها و مفسروها ينادونهم
بالنصارى و ليس المسيحيين.
و قد أفتى في ذلك علماء الأمة ، و في هذا رد على استفسار الأخ الحبيب abcdef_475 كذلك ..
سئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله هل الصحيح أن يقال: مسيحي أو نصراني؟
فأجاب قائلا:
معنى مسيحي نسبة إلى المسيح ابن مريم عليه السلام، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه وهو بريء منهم ، وقد كذبوا فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله، ولكن قال: عبد الله ورسوله .
فالأولى أن يقال لهم نصارى، كما سمَّاهم الله سبحانه وتعالى، قال تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ...} [البقرة:113] .
مجموع فتاوى ابن باز 5/416
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
يَرِدُ على ألسنة بعض المسلمين كلمة " مسيحية " حتى إنهم لا يميزون بين كلمتَي " نصراني " ، و " مسيحي " ، حتى في الإعلام الآن يقولون عن النصارى : مسيحيين ، فبدل أن يقولوا : هذا " نصراني " ، يقولون : هذا " مسيحي " ، فنرجو التوضيح لكلمة " المسيحية " هذه ، وهل صحيحٌ أنها تطلق على ما ينتهجه النصارى اليوم ؟ .
فأجاب :
"
الذي نرى أن نسمي " النصارى " بـ " النصارى " ، كما سماهم الله عز وجل ، وكما هو معروف في كتب العلماء السابقين ، كانوا يسمونهم : " اليهود والنصارى " ؛ لكن لما قويت الأمة النصرانية بتخاذل المسلمين : سَمَّوا أنفسهم بالمسيحيين ؛ ليُضْفوا على ديانتهم الصبغة الشرعية ، ولو باللفظ ، وإلا فأنا على يقين أن المسيح عيسى بن مريم رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء منهم ، وسيقول يوم القيامة إذا سأله الله : ( أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) المائدة/ 116 ، سيقول : ( سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ...) المائدة/ 116، 117 ، إلى آخر الآية . سيقول هذا في جانب التوحيد ، وإذا سئل عن الرسالة فسيقول : يا رب! إني قلت لهم : ( يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) الصف/ 6 ، فهو مقرر للرسالات قَبْلَه ، وللرسالة بَعْدَه عليه الصلاة والسلام ، فأمر أمته بمضمون شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ؛ ولكن أمته كفَرَت ببشارته ، وكفَرَت بما أتى به من التوحيد ، فقالوا : ( إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) المائدة/ 73 ، وقالوا : ( الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ) التوبة/ 30 ، وقالوا : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) المائدة/ 17 ، نسأل الله العافية .
الحاصل : أني أقول : إن المسيح عيسى بن مريم بريءٌ منهم ، ومما هم عليه من الدين اليوم ، وعيسى بن مريم يُلْزِمهم بمقتضى رسالته من الله أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ ليكونوا عباداً لله ، قال الله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) آل عمران/ 64" انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " (43 / السؤال رقم 8 ) .
الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف:
"وقد أطلق على أتباع الديانة النصرانية في القرآن الكريم نصارى، وأهل الكتاب، وأهل الإنجيل، وهم يسمون أنفسهم بالمسيحيين نسبة إلى المسيح
ليه السلام، ويسمون ديانتهم "المسيحية". وأول ما دُعيَ النصارى "بالمسيحيين" في أنطاكية حوالي سنة (42)م، ويرى البعض أن ذلك أول الأمر كان من باب الشتم.
ولم ترد التسمية بالمسيحية في القرآن الكريم ولا في السنة، كما أن المسيح حسب الإنجيل لم يسمِّ أصحابه وأتباعه بالمسيحيين، وهي تسمية لا توافق واقع النصارى؛ لتحريفهم دين المسيح عليه السلام.
فالحقُّ والصواب أن يطلق عليهم نصارى، أو أهل الكتاب؛ لأن في نسبتهم للمسيح عليه السلام خطأ فاحشا؛ إذ يلزم من ذلك عزو ذلك الكفر والانحراف إلى المسيح عليه السلام، وهو منه بريء."
دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 165
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
المفضلات