.
{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ{5} خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ{6} يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ{7}
تقول الآية الكريمة أنّ الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب، ونحن قلنا أنَّ الماء الدافق "المني" إنّما يتكون في الخصية وملحقاتها، كما تتكون البويضة في مبيض المرأة. فكيف تتطابق تلك الحقيقة العلمية مع الحقيقة القرآنية؟.
على هذا السؤال يجيب الدكتور محمد علي البار قائلاً :
(إنّ الخصية والمبيض إنّما تتكونان من الحدبة التناسلية بين صلب الجنين وترائبه، والصلب هو العمود الفقري، والترائب هي الأضلاع ، وتتكون الخصية والمبيض من هذه المنطقة بالضبط أي بين الصلب والترائب. ثم تنزل الخصية تدريجياً حتى تصل إلى كيس الصفن "خارج الجسم" في أواخر الشهر السابع من الحمل.... بينما ينزل المبيض إلى حوض المرأة ولا ينزل أسفل من ذلك. ومع هذا فإنّ تغذية الخصية والمبيضين بالدماء والأعصاب واللمف تبقى من حيث أصلها... أي بين الصلب والترائب. فشريان الخصية أو المبيض يأتي من الشريان الأبهر "الأورطي البطني Aorta artery" من بين الصلب والترائب، كما أنَّ وريد الخصية يصب في نفس المنطقة... يصب الوريد الأيسر في الوريد الكلوي الأيسر، بينما يصب وريد الخصية الأيمن في الوريد الأجوف السفلي... وكذلك أوردة المبيض وشريانها تصب قي نفس المنطقة أي بين الصلب والترائب... كما أنّ الأعصاب المغذية للخصية أو المبيض تأتي من المجموعة العصبية الموجودة تحت المعدة من بين الصلب والترائب... وكذلك الأوعية الليمفاوية تصب في نفس المنطقة أي بين الصلب والترائب.
فهل يبقى بعد كل هذا شك أنَّ الخصية أو المبيض إنّما تأخذ تغذيتها ودمائها وأعصابها بين الصلب والترائب؟ ... فالحيوانات المنوية لدى الرجل أو البويضة لدى المرأة إنّما تستقي مواد تكوينها من بين الصلب والترائب، كما أنّ منشأها ومبدأها هو من بين الصلب والترائب والآية الكريمة إعجاز كامل حيث تقول "من بين الصلب والترائب"... فكلمة "بين" ليست بلاغية فحسب، وإنّما تعطي الدقة العلمية المتناهيه)[ 6]
هذا هو التفسير العلمي، والذي أتى مطابقاً لما ورد في القرآن الكريم. أمّا قول بعضهم أنّ المني يخرج من صلب الرجل، أما ماء المرأة فيخرج من ترائبها ويتكون في ترائبها، فإنّ هؤلاء لم ينتبهوا إلى كلمة "بين" الواردة في النص القرآني، لذا فقد وقعوا في الخطأ. ذلك الخطأ الذي وقع فيه عدد من المفسرين قد تنبه إليه الإمام أبن القيم، حيث ورد في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" ما يلي: (ولا خلاف أنّ المُراد بالصّلب صلب الرجُل. واختلف في الترائب، فقيل المراد ترائبه أيضاً، وهي عظام الصدر بين الترقوة إلى الثندوة... وقيل المراد بها ترائب المرأة. والأول أظهر لأنه سبحانه قال "يخرج من بين الصلب والترائب" ولم يقل "من الصلب والترائب"، فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجاً من بين هذين الملتقيين كما قال في اللبن "يخرج من بين فرث ودم"... وهذا لا يدل على إختصاص الترائب بالمرأة، بل يُطلقُ على كل من الرجل والمرأة. قال الجوهري: الترائب عظام الصدر بين الترقوة إلى الثندوة)[7 ]
أمّا القرطبي فيقول في تفسيره: (يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل، ومن صلب المرأة وترائب المرأة،... وأيضاً المكثر بالجماع يجد وجعاً في ظهره وصلبه، وليس ذلك إلا لخلو صلبه عما كان محتبساً من الماء.)[8 ] وللألوسي في تفسيره والشيخ المراغي كذلك نفس الفهم، وقد نبهنا إلى رأيهما في موضع سابق من هذا الفصل.
يتضح مما تقدم أنّ تخلق الإنسان قد حصل من جراء الزوجية المتمثلة بالجماع الحاصل بين ذكر وأنثى، فيتكون الجنين من اختلاط وتلاقح مائيهما، وكلا المائين دافق، وكلا المائين يخرج من بين الصلب والترائب: من الغدة التناسلية: الخصية في الرجل، أو المبيض في المرأة، وكلاهما يتكون من بين الصّلب والترائب، كما أنَّ تغذيتهما وترويتهما بالدماء والأعصاب تأتي من بين الصُّلب والترائب. فيتضح لنا معاني الآية الكريمة في إعجازها الدقيق الرائع: ماء دافق من الخصية يحمل الحيوانات المنوية... وماء دافق من حويصلة جراف بالمبيض يحمل البويضة ....ومن كلاهما يتخلق الإنســـان.
المفضلات