هل أمر نبيُّ الإسلامِ بقتل الساحر والساحرة؟!

قالوا: لماذا أمر نبيُّ الإسلامِ بقتل الساحر، وهل قتله حلال عند الأنبياء السابقين قبله؟!

تعلقوا على ذلك بما جاء في سنن الترمذي برقم 1380 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إسماعيل بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ".
قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وإسماعيل بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وإسماعيل بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ وَكِيعٌ هُوَ ثِقَةٌ وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ عَنْ جُنْدَبٍ مَوْقُوفٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وقَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنَّمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إِذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي سِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ بِهِ الْكُفْرَ فَإِذَا عَمِلَ عَمَلًا دُونَ الْكُفْرِ فَلَمْ نَرَ عَلَيْهِ قَتْلًا.


الرد على الشبهة


أولًا: إن الحديثَ محل الاعتراض لا يصح رفعه إلى النبيِّ r فهو لم يقل ذلك أبدًا... حكم على ضعفه علماءٌ أجلاءٌ كما يلي :

1- الإمام الترمذي ( أَبُو عِيسَى) في الحديثِ نفسه قال : قَالَ أَبُو عِيسَى :هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وإسماعيل بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَإِسْمَعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ وَكِيعٌ هُوَ ثِقَةٌ وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ عَنْ جُنْدَبٍ مَوْقُوفٌ.

2- تحفة الأحوذي : وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ : إِنَّ حَدَّ السَّاحِرِ الْقَتْلُ لَكِنْ الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ )
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ.

3- الشيخ الألباني قال: ضعيف ، الضعيفة ( 1446 ) ، المشكاة ( 3551 - التحقيق الثاني ) ، ضعيف الجامع الصغير ( 2699 ) . اهـ

4- ابن حجر في الفتح : وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ السَّاحِر لَا يُقْتَل حَدًّا إِذَا كَانَ لَهُ عَهْد ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث جُنْدُب رَفَعَهُ قَالَ " حَدّ السَّاحِر ضَرْبه بِالسَّيْفِ " فَفِي سَنَده ضَعْف. اهـ

5- فيض القدير : ولهذا قال في الفتح : في سنده ضعف، وقال الذهبي في الكبائر : الصحيح أنه من قول جندب انتهى ورواه الطبراني والبيهقي عن جندب مرفوعا....اهـ


ثانيًا: لا شك أن الساحر هو مرتكب كبيرة من الكبائر، فهو يستعين بالجن والشياطين، ويذبح لها، ويكفر من أجل إرضائها... ويضّر المسلمين بأفعاله الشيطانية الإجرامية... لهذا قال أكثرُ العلماءِ: الساحرُ كافرٌ؛ وهو من قوله تعالى:" وما يعلمان من أحدٍ حتى يقولا إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر ". أي: بعمل السحر يأتي الكفر ...
ثم إن قتله ليس محل اتفاق عند المجتهدين من علماء المسلمين كما يلي :

1- قال ابن حجر في الفتح : وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث جُنْدُب رَفَعَهُ قَالَ " حَدّ السَّاحِر ضَرْبه بِالسَّيْفِ " فَفِي سَنَده ضَعْف ، فَلَوْ ثَبَتَ لَخُصّ مِنْهُ مَنْ لَهُ عَهْد ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَة مِنْ رِوَايَة بِجَالَة " أَنَّ عُمَر كَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا كُلّ سَاحِر وَسَاحِرَة " وَزَادَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار فِي رِوَايَته عَنْ بِجَالَة " فَقَتَلْنَا ثَلَاث سَوَاحِر " أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ أَصْل الْحَدِيث دُون قِصَّة قَتَلَ السَّوَاحِر ، قَالَ اِبْن بَطَّال : لَا يُقْتَل سَاحِر أَهْل الْكِتَاب عِنْد مَالِك وَالزُّهْرِيّ إِلَّا أَنْ يَقْتُل بِسِحْرِهِ فَيُقْتَل ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ ، وَعَنْ مَالِك إِنْ أَدْخَلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِم لَمْ يُعَاهَد عَلَيْهِ نُقِضَ الْعَهْد بِذَلِكَ فَيَحِلّ قَتْله ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُل النَّبِيّ r لَبِيد بْن الْأَعْصَم لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَنْتَقِم لِنَفْسِهِ ، وَلِأَنَّهُ خَشِيَ إِذَا قَتَلَهُ أَنْ تَثُور بِذَلِكَ فِتْنَة بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَبَيْن حُلَفَائِهِ مِنْ الْأَنْصَار ، وَهُوَ مِنْ نَمَط مَا رَاعَاهُ مِنْ تَرْك قَتْل الْمُنَافِقِينَ ، سَوَاء كَانَ لَبِيد يَهُودِيًّا أَوْ مُنَافِقًا عَلَى مَا مَضَى مِنْ الِاخْتِلَاف فِيهِ . قَالَ : وَعِنْد مَالِك أَنَّ حُكْم السَّاحِر حُكْم الزِّنْدِيق فَلَا تُقْبَل تَوْبَته ، وَيُقْتَل حَدًّا إِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا يُقْتَل إِلَّا إِنْ اِعْتَرَفَ بِسِحْرِهِ فَيُقْتَل بِهِ ، فَإِنْ اِعْتَرَفَ أَنَّ سِحْره قَدْ يَقْتُل وَقَدْ لَا يَقْتُل وَأَنَّهُ سَحَرَهُ وَأَنَّهُ مَاتَ لَمْ يَجِب عَلَيْهِ الْقِصَاص وَوَجَبَتْ الدِّيَة فِي مَاله لَا عَلَى عَاقِلَته ، وَلَا يُتَصَوَّر الْقَتْل بِالسِّحْرِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَادَّعَى أَبُو بَكْر الرَّازِيُّ فِي " الْأَحْكَام " أَنَّ الشَّافِعِيّ تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ إِنَّ السَّاحِر يُقْتَل قِصَاصًا إِذَا اِعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسِحْرِهِ ، وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ النَّوَوِيّ : إِنْ كَانَ السِّحْر قَوْل أَوْ فِعْل يَقْتَضِي الْكُفْر كَفَرَ السَّاحِر وَتُقْبَل تَوْبَته إِذَا تَابَ عِنْدنَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي سِحْره مَا يَقْتَضِي الْكُفْر عُزِّرَ وَاسْتُتِيبَ . اهـ

2- تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي : قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : عَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ ، قَالَ : وَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَقَدْ لَا يَكُونُ كُفْرًا بَلْ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ فَحَرَامٌ، قَالَ : وَلَا يُقْتَلُ عِنْدَنَا يَعْنِي السَّاحِرَ ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ ، وَقَالَ مَالِكٌ : السَّاحِرُ كَافِرٌ بِالسِّحْرِ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ . وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ؛ لِأَنَّ السَّاحِرَ عِنْدَهُ كَافِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَنَا لَيْسَ بِكَافِرٍ وَعِنْدَنَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْمُنَافِقِ وَالزِّنْدِيقِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ . قَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا قَتَلَ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ إِنْسَانًا أَوْ اِعْتَرَفَ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ، وَإِنْ مَاتَ بِهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ وَقَدْ لَا يَقْتُلُ فَلَا قِصَاصَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مَا ثَبَتَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي . قَالَ أَصْحَابُنَا : وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِالْبَيِّنَةِ؛ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِاعْتِرَافِ السَّاحِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . اِنْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ . اهـ


ثالثًا: إن الكتاب المقدس الذي يؤمن به المعترضون ذكر أن الربَّ أمر بقتل الساحر، والساحرة التي تسخر الجان وتتعامل معه... جاء ذلك في الآتي :

1- سفر الخروج أصحاح 22 عدد 18 " لا تدع ساحرةً تعيش ".

2- سفر اََلاَّوِيِّينَ أصحاح20 عدد 27 "وإذا كان في رجل أو امرأة جان أو تابعة فإنه يقتل بالحجارةِ يرجمونه دمه عليه ".

وتبقى أسئلة تطرحا نفسها :
1-ما هو رد المعترضين على هذين النصين، وما تفسيرهما؟!
2-ما هو رد المعترضين بعد أن بينتُ أنّ الحديثَ محل الاعتراض لا يصح، وكلّ ما هنالك اجتهادات من علماء المسلمين بضوابط الضرر والأذى، وليس القتل مباشرة...؟!
3-ما هو رد المعترضين وتفسيرهم لأمر الربِّ بقتلِ الساحر والساحرة؟!

كتبه / أكرم حسن مرسي