هل كان نبيُّ الإسلام كان يعرف القراءة والكتابة ؟!


أرادوا الطعنَ في صدقِ رسالتِه r وبما جاء به من عند ربِّه I من خلالِ معجزاتٍ جاءت في كتابِ اللهِ المجيد، فقالوا: إن محمدًا كان يعرف القراءةَ والكتابةَ ، ولم يكن أميًّا كما يزعم المسلمون ...!
واستندوا في ذلك بعدّةِ روايات منها :

1- صحيح البخاري كِتَاب ( الْمَغَازِي) بَاب ( مَرَضِ النَّبِيِّr وَوَفَاتِه ِ..) برقم 4079 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ : لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِr وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فَقَالَ النَّبِيُّ r :" هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ " فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِr قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :" قُومُوا ". قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ r وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ .


2- صحيح مسلم كِتَاب ( الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ) بَاب ( صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ) برقم 3336 عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ r عِنْدَ الْبَيْتِ صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ السَّيْفِ وَقِرَابِهِ وَلَا يَخْرُجَ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا يَمْنَعَ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ قَالَ لِعَلِيٍّ : " اكْتُبْ الشَّرْطَ بَيْنَنَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ". فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ : لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ تَابَعْنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحَاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِr :" أَرِنِي مَكَانَهَا ". فَأَرَاهُ مَكَانَهَا فَمَحَاهَا وَكَتَبَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا أَنْ كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ قَالُوا لِعَلِيٍّ: هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ فَأْمُرْهُ فَلْيَخْرُجْ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ فَخَرَجَ و قَالَ ابْنُ جَنَابٍ فِي رِوَايَتِهِ مَكَانَ تَابَعْنَاكَ بَايَعْنَاكَ.

الرد على الشبهة


أولًا : إن القرآنَ الكريم أخبرنا أن محمدًا r هو النبي الأمي المخبر عنه في التوراةِ والإنجيل ، وليس النبيُّ الذي كان أميًا ... تدلل على ذلك عدة أدلة منها:

1- قوله I: ]الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) [ (الأعراف ).
2- قوله I: ] قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)) ( الأعراف )
3- قوله I : ]الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) [ (البقرة ). وصف I نبيَّهr بالأميةِ التي يعرفه بها اليهودُ والنصارى كما يعرفون أبنائهم ، وقد تقدم معنا ذلك في البشارات به r باستفاضة - ولله الحمد - .



ثانيًا : إن اللهَ I أخبرنا في كتابهِ المجيدِ أن أميةَ النبيِّ r كانت سببًا كافيًا لدحضِ شبه المشككين الذين اتهموه r بأنه أخذ القرآنَ من الكتبِ السابقةِ كالتوراةِ وملحقاتها والأناجيل ؛ قال I : ] وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) [ (العنكبوت).
جاء في التفسير الميسر: { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) } من معجزاتك البينة -أيها الرسول- أنك لم تقرأ كتابًا ولم تكتب حروفًا بيمينك قبل نزول القرآن عليك، وهم يعرفون ذلك، ولو كنت قارئًا أو كاتبًا من قبل أن يوحى إليك لشك في ذلك المبطلون ، وقالوا : تعلَّمه من الكتب السابقة أو استنسخه منها.
{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ (49) } بل القرآن آيات بينات واضحة في الدلالة على الحق يحفظه العلماء، وما يكذِّب بآياتنا ويردها إلا الظالمون المعاندون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه . اهـ



ثالثًا : إن أمية النبيَّ r وإن كانت دليلاً على إعجازِ القرآنِ إلا أن الإعجاز قائم في كلِ الأحوالِ سواء أكان الرسول r أميًا أم لا ؛ فالقرآن لم يتحد فئةَ معينةَ من البشرِ ؛ وإنما تحدى كل البشرِ أن يأتوا بسورةِ من مثلِه ، وقد شهد له اعتى عتاةِ العربِ في زمنِ النبيِّ r ، وكانوا أفصح الناسِ ، وأبلغهم بيانًا على مر العصور ، كما شهد له أهلُ اللغةِ والبيان في سائرِ العصورِ بل إن الإنسانَ كلما ازداد علمه كلما ازداد شعوره بالعجز أمام معجزةِ القرآنِ الكريم.



رابعًا : إن النبيَّr كان يحرك لسانَه بالقرآنِ ، ويرهق نفسَه في ترديده ؛ حيث كان يسابق الملك (جبريل) قبل أن يقضى إليه وحيه ؛خشية أن ينسى منه شيئاً ، فيطمئنه الله Iويخبره أن حفظًه موكول إليه I ، وأنه سيجمعه في صدره وسيعلمه كيف يقرأه، فلو كان النبيُّ r يعرف الكتابةَ لكتب ما يوحى إليه وقتِ وحيِه أو بعده مباشرة كي لا ينسى بدلاً من إرهاقِ نفسِهr حرصًا على حفظ وحماية كل حرفٍ من كتابِ اللهِ؛
قال : I ]لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) [ ( القيامة) .
وقال I : ] فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً [ (طه114 ).
وعليه فلو كان النبيُّ r يعلم الكتابةَ لكان الأولى به r أن يكتبَ القرآنَ الكريم ؛ ولكن كان له كتبة من كبارِ صحابتِه t يكتبون الوحي ....



خامسًا : بعد أثبات أميةِ نبيِّنا r - بفضل اللهِ I - جاء الدور على توضيح الروايات التي آتوا بها كما يلي :
أولاً: بالنسبة للرواية الأولى : قال النوويُّ في بَاب ( تَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ) : في هذا الحديث عدة فوائد.... وَمِنْهَا : جَوَاز اِسْتِعْمَال الْمَجَاز لِقَوْلِهِ r: ( أَكْتُب لَكُمْ ) أَيْ: آمُر بِالْكِتَابَةِ . أهـ
ثانيًا: الرواية الثانية : قَوْله r : ( أَرِنِي مَكَانهَا فَأَرَاهُ مَكَانهَا فَمَحَاهَا وَكَتَبَ اِبْن عَبْد اللَّه ) الإشكال نشأ عن التوهم الحاصل من ظاهرِ النصِ ، وكأن النبيَّ r أخذ الكتابَ من علىِّ بنِ أبى طالبٍ tثم كتب بنفسِه ، وليس الأمرُ كذلك ، ولكي يتضح فهم الروايةِ التي معنا فهمًا صحيحًا نجمع بقيةَ الرواياتِ كما يلي :

1- صحيح مسلم كتاب (الجهاد و السير) باب ( صلح الحديبية في الحديبية) برقم 3337 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ rفِيهِمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ النَّبِيُّ r لِعَلِيٍّ : " اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا بِاسْمِ اللَّهِ فَمَا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَكِنْ اكْتُبْ مَا نَعْرِفُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَقَالَ :" اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ " قَالُوا : لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَاتَّبَعْنَاكَ وَلَكِنْ اكْتُبْ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ فَقَالَ النَّبِيُّr :" اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ rأَنْ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَكْتُبُ هَذَا ؟! قَالَ: نَعَمْ إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا.

2- صحيح مسلم كتاب (الجهاد و السير) باب (صلح الحديبية في الحديبية) 3335 عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ r وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَتَبَ هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا: لَا تَكْتُبْ رَسُولُ اللَّهِ فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ فَقَالَ النَّبِيُّr لِعَلِيٍّ : " امْحُهُ " فَقَالَ : مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ فَمَحَاهُ النَّبِيُّ r بِيَدِهِ قَالَ: وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَيُقِيمُوا بِهَا ثَلَاثًا وَلَا يَدْخُلُهَا بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَقَ: وَمَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ ؟ قَالَ: الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُا : لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ r أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عَلِيٌّ كِتَابًا بَيْنَهُمْ قَالَ : فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مُعَاذٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ

3- صحيح مسلم كتاب (الجهاد و السير) باب (صلح الحديبية في الحديبية) 3336 عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ r عِنْدَ الْبَيْتِ صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ السَّيْفِ وَقِرَابِهِ وَلَا يَخْرُجَ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا يَمْنَعَ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ قَالَ لِعَلِيٍّ:" اكْتُبْ الشَّرْطَ بَيْنَنَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ : لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ تَابَعْنَاكَ وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحَاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِr :" أَرِنِي مَكَانَهَا " فَأَرَاهُ مَكَانَهَا فَمَحَاهَا وَكَتَبَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا أَنْ كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ قَالُوا لِعَلِيٍّ: هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ فَأْمُرْهُ فَلْيَخْرُجْ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ فَخَرَجَ. و قَالَ ابْنُ جَنَابٍ فِي رِوَايَتِهِ مَكَانَ تَابَعْنَاكَ بَايَعْنَاكَ.

نلاحظ من خلالِ الجمعِ بين الرواياتِ : أن النبيَّr أمر عليًّا أن يمحو جملةَ (محمد رسول الله) فأبى عليُّ t و لم تطاوعه نفسه ، فأخذ النبيُّ r الكتابَ وسأل عليًّ t أن يريه مكانها،وهذا يدل أن النبيَّ r لم يكن يعرف الكتابة يقيناً ، وإنما سأل عن مكانِها ليمحوها فقط لمّا رفض عليُّ t أن يفعل ذلك ،

ثم أمر النبيُّ r عليًّا t أن يكتب بعد ذلك (من محمدٍ رسول اللهِ) فقال له : " اكتب من محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ..... " وليس المعنى أنه r كتب r هو بنفسِه .


وألخص ما سبق : كلمة ( وكَتَبَ ) مَعْنَاها : أنهr أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ ، كَمَا يُقَال : رَجَمَ مَاعِزًا أي : أَمَرَ برجمِه ؛ فالرجم وقع من أصحابِه y وليس المعنى أنه r رجمَ بنفسه .

وأتساءل : ما المانع أن يكون النبيُّ r كتب اسمَه بنفسِه كما هو ظاهر من الروايات التي معنا ؛ فإننا نعرف أميين كُثُرٌ لا يعرفون القراءةَ ولا الكتابةَ ، ولكن يعرفون كتابة أسمائِهم جيدًا !



سادسًا : ذهب أبو الوليد الباجي - رحمه اللهُ من علماء المغرب- وغيرُه إلى أن النبيَّr قرأ وكتب في آخرِ حياتِه ، واستشهد على ذلك بعدةِ أدلةِ منها:
1- قولُ اللهِ I:] وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) [ (العنكبوت ).
2- الأدلة التي أستشهد بها المعترضون وغيرها .
وأتساءل : ما المانع أن يكون النبيُّ r قرأ وكتبَ في آخرِ حياتِه ( قبل موته) ؛ فالقرآن المعجز نزل أغلبه عليه وهو r أمي لم يكن يعرف القراءةَ ولا الكتابة ؛ فهذا لا يقدح أبدًا في الإعجاز الذي يحاول المعترضون إسقاطه .... ونلاحظ أن اللهَ Iيقول لنبيِّه r: ]وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) [ (العنكبوت). أي: كنت أميًا لا تعرف القراءةَ ولا الكتابةَ قبل نزولِ القرآنَ عليك r .....
هذا لو سلمنا أنه r كتب بنفسِه كما جاء في الروايةِ " أكتبُ لكم ".
قلتُ : كتب وقرأ في آخرِ حياتِه ، ومما يدلل على ذلك أن الرواية الأولى التي فيها قوله : r" ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ ... " كان ذلك في مرضِه الأخيرr ؛ أي: قبل وفاتِه مباشرة ، وقد ذكر البخاريُّ - رحمه اللهُ - هذا الحديثَ في بَابِ مَرَضِ النَّبِيِّ r وَوَفَاتِهِ ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.. هذا إن سلمنا بفهمِهم أنه r كان يعرف القراءةَ والكتابةَ.
سابعًا : كان على المعترضين أن لا يطرحوا تلك الشبهة بل يؤمنوا بمحمدٍ r ؛ لأنه مكتوبًا عندهم أنه الأمي الذي لا يعرف القراءة ، وكنت أتوقع أن يعرفوه كما يعرفون أبناءهم كما أخبر القرآنُ الكريم ! كنت آمل أن يؤمنوا به ، وأن يعرفوه حقَ المعرفة ِكما عرفه الأحبارُ والرهبانُ الذين من قبلهم فأمنوا به r ، ولكن أنه العناد والتكبر عن معرفة الحق ... وعلى كلٍّ هو r المذكور في سفرِ إشعياء إصحاح 29 عدد 12 أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ : «اقْرَأْ هَذَا» فَيَقُولُ: « لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ» ) .
والنص في التراجمِ الإنجليزية يقال له : اقرأ فيقول : " لا أعرف القراءة " أو " لم أتعلم القراءة " وهذا الأقربُ للصحةِ فمن غيرِ المعقولِ أن تطلب من أحدٍ القراءةَ فيقول لك: " أنا لا أعرف الكتابة " , ولكن المفترض أن يقول : " أنا لا أعرفُ القراءةَ " أو " أنا لست متعلمًا " !
يتضح النصُ أكثر من خلالِِ ترجمة كتاب الحياة ؛ ففيه ما نصه : إشعياء 29 : 12وَعِنْدَمَا يُنَاوِلُونَهُ لِمَنْ يَجْهَلُ الْقِرَاءَةَ قَائِلِينَ: اقْرَأْ هَذَا، يُجِيبُ: لاَ أَسْتَطِيعُ الْقِرَاءَةَ.
وهذا هو الثابت في صحيحِ البخاري: باب( بدء الوحي) برقم 3
عَنْ عَائِشَةَ- أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -، أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ـ وَهُوَ التَّعَبُّدُ ـ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ قَالَ: " مَا أَنَا بِقَارِئٍ ". قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ : اقْرَأْ فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ ] : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ [ , فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r يَرْجُفُ فُؤَادُهُ....

وأتساءل : أليس هو محمد r ؟ أفلا يبصرون ؟!


كتبه / أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابي رد السهام عن خير الأنام