هل ذكر القرآن البشارات بخير البريات محمد r ؟!

زعموا أن محمدًا r ليس برسولٍ ، وبنوا هذا الزعم على أن الكتبَ السابقة : التوراة وملحقاتها والأناجيل خلت من البشارةِ برسولِ اللهِ r !

ثم قالوا عن قولِه : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ... (الأعراف157) .

ليس مكتوبًا عندنا أين هو مكتوب عندنا ؟!

ثم سألوا قائلين : ومن يشهد له من علماءِ اليهودِ والمسيحيين بنبوتِه ؟!

الرد على الشبهة

أولًا: إن البشارات بالنبيِّ r من الكتبِ المقدسةِ ثابتة لا ريب فيها ؛ فقد أكدت نصوصُ القرآن الكريم والأحاديث النبوية وجود البشارة بالنبيِّ r في كلامِ الأنبياءِ السابقين في التوراةِ، والإنجيلِ ؛ بالرُغم مما تعرضت له هذه الكتب من زيادةٍ ونقصانٍ وتبديلٍ؛ أعني تحريف , إلا أنه لا يزال بها بعض من دلائلِ نبوة رسولِ الله r . وهذا ما سوف أثبته - إن شاء اللهُ - أقوم بذكر بعضَ هذه البشارات به r ، ردًا على قولهم : ليس مكتوبًا عندنا أين هو مكتوب عندنا ؟! وذلك من كتبهم التي يؤمنون بها علمًا بأننا نجد أن اللهَ بيّن أن الإخبار به r في كتب أهلِ الكتابِ من أعظمِ أدلةِ صدقِه ، وصحةِ نبوتِه r؛
يقول اللهُ : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ... (الأعراف 157) .
جاء في التفسيرِ الميسر: هذه الرحمة سأكتبها للذين يخافون الله ويجتنبون معاصيه, ويتبعون الرسول النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب, وهو محمد r , الذي يجدون صفته وأمره مكتوبَيْن عندهم في التوراة والإنجيل . اهـ

أولاً : البشارات بقدومه r من العهد القديم أذكر منها ما يلي :

البشارة الأولى :
جاءت في سفر إشعياء إصحاح 29عدد 12 " أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: «اقْرَأْ هَذَا» فَيَقُولُ: لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ ".

النص في التراجم الإنجليزية : " يقال له :اقرأ، فيقول : لا أعرف القراءة " أو" لم أتعلم القراءة " , وهذا هو الأقرب للصحة فمن غير المعقول أن تطلب من أحدٍ القراءة فيقول لك " أنا لا أعرف الكتابة " , ولكن الطبيعي أن يقول : " أنا لا أعرف القراءة " أو " أنا لستُ متعلمًا " !.

فالصحيح هو ما جاء في ترجمةِ كتابِ الحياةِ: " إشعياء 29عدد 12 " وَعِنْدَمَا يُنَاوِلُونَهُ لِمَنْ يَجْهَلُ الْقِرَاءَةَ قَائِلِينَ : اقْرَأْ هَذَا، يُجِيبُ : لاَ أَسْتَطِيعُ الْقِرَاءَةَ ".

وهذا ما ثبت في صحيح البخاري باب (بدء الوحي) برقم 3.
رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ـ وَهُوَ التَّعَبُّدُ ـ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ . قَالَ: " مَا أَنَا بِقَارِئٍ " قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ . قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ . فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ . فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ . فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ , فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r يَرْجُفُ فُؤَادُهُ.....

البشارة الثانية : هي قول الربِّ لموسى في سفرِ التثنيةِ إصحاح 18 عدد 18 " أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. 19وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ. 20وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ ".

من المعلوم أن أبناءِ إبراهيم هما : إسماعيل وإسحاق , وقد جاء كلُّ الأنبياء من ذريةِ إسحاق بداية من ابنه يعقوب ( إسرائيل ) , نهاية بالمسيح ولم تأت نبوة واحدة من نسلِ إسماعيل - عليهم جميعا الصلاة السلام - .

فالعرب أولاد إسماعيل ؛ إخوة اليهود أولاد إسحاق، فحينما قال اللهُ لموسى :" أقيم لهم نبيًّا من إخوتهم "
أي س منهم ) , فالمقصود من نسلِ إسماعيل ، نلحظ ذلك من خلالِ الرجوع إلى سفر التكوين إصحاح 25 عدد17 " وَهذِهِ سِنُو حَيَاةِ إِسْمَاعِيلَ: مِئَةٌ وَسَبْعٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً، وَأَسْلَمَ رُوحَهُ وَمَاتَ وَانْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ. 18وَسَكَنُوا مِنْ حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الَّتِي أَمَامَ مِصْرَ حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ أَشُّورَ. أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ نَزَلَ ".
نلاحظ : " أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ نَزَلَ ".
العجيب أن المعترضين يزعمون أن المقصود بهذه النبوءة هو المسيح ! ولا شك أن هذا غير مقبولٍ بحالٍ من الأحوالِ كما سيتقدم معنا - إن شاء الله -

النصُ يقول : " مِثْلكَ " .

واتسآءل: هل تنطبق هذه النبوءة على المسيحِ أم على محمد r ؟

الجواب : إن المثلية بين موسى ومحمدٍ - عليهما السلام – جلية جدًا ؛ فموسى يشبه محمدًا r، ولا يشبه المسيح أبداً وذلك من خلالِ النظر إلى عقيدةِ المعترضين ، وجزء كبير من عقيدتنا ؛ بيان ذلك في الآتي :

1- موسى وُلِدَ من أب و أم .
محمدٌ r ولد من أب و أم .
بينما المسيح ولد من أم بلا أب !

2- موسى كان بشرًا رسولاً.
محمد r كان بشرًا رسولاً.
و هذا بخلافِ حالِ المسيح ، فإن المعترضين يؤمنون أنه هو الله نفسه !

3- موسى تزوج ، وكانت له ذرية.
محمد r تزوج ، وكانت له ذرية.
بينما المسيح بحسب اعتقاد المعترضين لم يتزوج ، ولم تكن له ذرية .

4- موسى آتاه اللهُ كتابًا كاملاً موحى به منه ؛ يحوى قصصَ الأنبياءِ، وأخبار الأمم السابقة والقادمة ، والوصايا ، والشرائع مثل : الطهارة والصلاة والصيام والمناسك والذبائح والحدود والزواج و الطلاق والميراث والجهاد...
محمدٌ r أتاه اللهُ كتابًا كاملاً موحى به منه ؛ يحوى قصصَ الأنبياءِ ، وأخبار الأمم السابقة ، و القادمة ، والوصايا ، والشرائع مثل : الطهارة والصلاة والصيام والمناسك والذبائح والحدود والزواج والطلاق والميراث والجهاد...
بينما المسيح لم تكن له شريعة ؛ بل جاء ببعض الوصايا مكملاً ، وتابعًا لشريعةِ موسى والمقصود بالإنجيل : البشارة ، وهي بالنبيِّ r ....

جاء في إنجيل مَتَّى إصحاح5 عدد 17 " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ ".

5- موسى جاء بشريعةٍ جديدةٍ كاملةٍ لقومِه.
محمد جاء بشريعةٍ جديدةٍ كاملةٍ للعالمين .
بينما المسيح قال : " مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ ".

6- موسى هاجر بقومه من أذى الكافرين ؛ من مصر إلى حدودِ القدسِ.
محمد هاجر بقومه من أذى الكافرين ؛ من مكةَ إلى المدينةِ.
بينما المسيح لم يهاجر ، ولم يكن له أتباع كافين لنصرتِه هو نفسه ، وذلك بحسبِ نصوصِ الأناجيل التي منها :" فتركه الجميعُ وهربوا ". ( مرقس 14 / 50).

7- موسى حملَ السيفَ ، وكان نبًّيًا مجاهدًا.
محمد حملَ السيفَ ، وكان نبيًّا مجاهدًا.
بينما المسيح جاء ليُصلب بزعمِ المعترضين .

8- موسى دخل أتباعه الأرضَ بعد أن جاهدوا .
محمد دخل الأرضَ بعد أن جاهدَ وفتحها هو أتباعه.
بينما المسيح لم يجاهد ولم يفتح أرض.

9- موسى جاهدَ في سبيلِ اللهِ ، وأقام دولةً حكمها بالشريعة ، وكان يملِكُ على أتباعِه.
محمد جاهد في سبيلِ اللهِ ، و أقام دولةً حكمها بالشريعة ، وكان يملك على أتباعِه.
بينما المسيح لم يجاهد ، ولم يقم دولة ، ولم يملك على قومِه بل قتله قومُه شر قتلة ؛ على الصليب ، وذلك بزعم معتقد المنصّرين.
10- موسى هزم أعداءَه وقهرهم .
محمد هزم أعداءه وقهرهم.
بينما المسيح هزمه أعداؤه وقتلوه مصلوبًا كما يزعم المعترضون.

11- موسى ناصره أتباعه ، وجاهدوا معه ، وضحوا بأنفسهم ؛ إلا المنافقين منهم.
محمد ناصره أتباعه ، وجاهدوا معه وضحوا بأنفسهم ؛ إلا المنافقين منهم.
بينما المسيح خذله أتباعه ؛ باعوه وسلموه ؛ أنكره بطرس ثلاثَ مراتٍ ( لوقا 22 /16). وباعه يهوذا لليهود بثلاثين من الفضة (متى 26 / 15) . وذلك بزعم نصوصِ الأناجيلِ .

12- موسى حفظه اللهُ حتى أتم رسالته ثم توفاه مكرمًا .
محمد حفظه اللهُ حتى أتم رسالته ثم توفاه مكرمًا .
بينما المسيح قتل شر قتلةٍ مصلوبًا ملعونًا ! وذلك بزعم معتقدِ المعترضين ، والكتابِ المقدس (غلاطية 3 /13).

13- موسى مات ودُفِنَ في الأرض .
محمد مات ودفن في الأرض .
بينما المسيح هو حيٌ إلى الآن باتفاقِ الجميع إلا بعض المسلمين .

ثم إن آيات القرآن جاءت تحكى عن هذه المثلية التي بين موسى و محمدٍ - عليهما السلام – تدلل على ذلك عدة أدلة منها :

1- قوله : إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (المزمل15).

2- قوله حاكيًا عن الجنِ لما سمعوا القرآن الكريم : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ29 قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم30 ( الأحقاف ) .

نلاحظ من قولِِ الجنِ : أنهم سمعوا كتابًا أنزل من بعد موسى ، ولم يقولوا أنزل من بعد عيسى علمًا بأن الإنجيلَ بعد التوراة ، ولكن أشاروا إلى موسى نظرًا لما وجدوه من المثليةِ والشموليةِ لمحتوى القرآن من القصصِ والعقائدِ والشرائعِ .... وبين توراة موسى .

3-قوله : أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) (هود ) .

جاء في تفسير الجلالين : { أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ } بيان { مِّن رَّبِّهِ } وهو النبي r أو المؤمنون وهي القرآن { وَيَتْلُوهُ } يتبعه { شَاهِدٌ } له بصدقه { مِنْهُ } أي: من الله وهو جبريل { وَمِن قَبْلِهِ } أي: القرآن { كتاب موسى } التوراة شاهد له أيضاً { إَمَامًا وَرَحْمَةً } ؟ حال ، كمن ليس كذلك؟ لا { أولئك } أي: من كان على بينة { يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي: بالقرآن فلهم الجنة { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب } جميع الكفار { فالنار مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ } شك { مِنْهُ } من القرآن { إِنَّهُ الحق مِن رَّبّكَ ولكن أَكْثَرَ الناس } أي: أهل مكة { لاَ يُؤْمِنُونَ }. اهـ

4- قوله : وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) (الأحقاف ).

جاء في تفسير الجلالين : { وَمِن قَبْلِهِ } أي: القرآن { كِتَابُ موسى } أي: التوراة { إَمَامًا وَرَحْمَةً } للمؤمنين به حالان { وهذا } أي: القرآن { كتاب مُّصَدّقٌ } للكتب قبله { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } حال من الضمير في مصدّق { لِّيُنذِرَ الذين ظَلَمُواْ } مشركي مكة { و } هو { بُشْرَىً لِّلْمُحْسِنِينَ } المؤمنين . اهـ

5- آياتُ القرآنِ تنزلت بقصصِ الأنبياءِ ؛ لتثبت فؤاده r لاسيما قصة موسى وذلك لأن موسى كان أقرب الأنبياء شبهًا برسولِ اللهِ r فقد كان أكثرَ الأنبياء ذكرًا في القرآنِ الكريمِ ؛ جاء ذكره فيه 136 مرة ؛ ليتأسى به رسولُ اللهِ r ويتعلم من سيرتِه في مجاهدةِ الكافرين ، و سياسةِ قومِه ، وهذا من حكمةِ مُنّزل القرآن الحكيمُ العليم ؛ جاء ذلك في عدة مواضع منها :

1- قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) (الأحزاب).

2- قوله : أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ (البقرة108).

ثم إن أول ما قاله ورقةُ بنُ نوفل حين أخبره رسولُ اللهِ r بخبرِ الوحيِّ قال : " هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَىr " . صحيح مسلم رقم 231 .

و ما وقع من بعضِ المسلمين الجدد مع رسولِ اللهr في طريقِهم إلى غزوةِ حنين ، قالوا : " يا رسولَ اللهِ اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط " ؛ كان للكفارِ سدرة يعكفون حولها، ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط يتباركون بها ، فقال r : " اللهُ أكبر ، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون، لتركبن سنن من كان قبلكم ". رواه أحمد في مسنده برقم 20892.

و كذلك لما تكلم بعضُ المنافقين في رسولِ اللهِ r واتهموه في عدلِه ، تغير وجهه حزنًا و غضبًا ، و قال " رحم اللهُ موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر". رواه أحمد في مسنده برقم 3934.

ولما خرج النبيُّ r لغزوةِ تبوك ، واستخلف على المدينةِ عليَّ ، عاب المنافقون عليًا بقولِهم : خلّفَه مع النساءِ والصبيانِ استثقلا منه لعليِّ ؛ أي أن عليًّا ليس سريعًا في القتال وأنه يحب الراحة... فلما أخبره عليُّ بذلك ،
قال له r: " أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي". صحيح البخاري رقم4064 .

وكذلك لما استشار النبيُّ r أصحابَه في أمرِ مقاتلةِ المشركين يوم بدر ؛ رد المقدادُ بنُ الأسود ردًّا جميلاً بيّن فيه أن أصحابَه ليسوا كالمنافقين من قومِ موسى نظرًا لتشابه المثليَّة في الموقف ، وذلك في صحيح البخاري برقم 3658 عن ابن مسعود قال: شَهِدْتُ مِنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَشْهَدًا لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَتَى النَّبِيَّ r وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى :{ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا } وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ r أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ.

وحين قُتل أبو جهل في غزوةِ بدر الكبرى، قال رسول الله : r" مات فرعونُ هذه الأمة " رواه أحمدُ في مسنده برقم 4025، وهذا تشبهًا بفرعونَ مصرَ الذي حارب موسى .

و عندما أُعرج برسولِ اللهِ r ، وشُرّعت الصلوات خمسين صلاة ؛ كان الذي يرد رسولَ اللهِ r إلى ربِه هو موسى فظل يترددr بين الله وبينه لتصل الصلوات بفضلِ اللهِ إلى خمسٍ في العددِ و خمسين في الأجرِ؛ و إنما أختص بموسى بذلك دون غيره ؛ لأنه أشبه الناسِ حالاً برسولِ الله r في الإتيانِ بالشريعةِ ، و تجربة حكم قومه بها ؛ لذا قال هو نفسه في أثناء ذلك : " يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعفوا ، فتركوه ".

الخلاصة : أن المثليَّة بين رسولِ اللهِ محمدٍ r و موسى لا تقبل المزايدة و المماراةِ في إثباتِها.

ثم يقول النصُ : " وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ " وهذه إشارة إلى نزول القرآن مقروءًا على لسان رسولِ اللهِ النبي الأمي الكريم r ، ودلالة على الوحي اللفظي الذي لا يؤمن به إلا المسلمون...
قال : وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى4 ( النجم ).
وقال : لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إن 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ 17 (القيامة) .

وأما بالنسبة للمعترضين فلا يوجد في كتبهم إلا كلام بالمعنى ، وحكايات متضاربة بين الأناجيل الأربعة في نفس الوقائع عن أقوالِ المسيح ...

ثم يقول النصُ : " وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ ". و هذه إشارة إلى قهره لأعدائِه ، ووقوع الخزيّ عليهم ، كما كان من نبيِّنا r ؛ هزم قومَه ، ومن عارضه حتى فتح اللهُ له ... تدلـّل على ذلك أدلة منها :

1- قوله : قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة29).

2- قوله : ُمحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ (الفتح29).

3- قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (محمد32).

4- قوله : إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (المجادلة20).

5- قال r : " وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري" . رواه أحمدُ في مسنده برقم 4869.

6- مكن اللهُ لنبيِّه r وللصحابةِ الكرامِ حتى غيّروا معالم الأرضِ بأيديهم ، ولم ولم يتوفّوا حتى أشهدهم الله نصره ، و فتحه ، و رأوا الناسَ يدخلون في دين الله أفواجًا بفضله ...

وأخيراً يقول النصُ : " وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ ".

من المعلومِ أن رسولَ اللهِ rقد حفظه ربُّه ، ولم يتوفه إلا بعدما أكمل رسالتَه غير منقوصة ؛ قال : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً (المائدة 3).

وجاء في شعبِ الإيمان للبيهقي برقم 9989 عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قال : قال رسول الله r : " إنه ليس شيء يقربكم من الجنة ، ويباعدكم من النار إلا قد أمرتكم به ، وليس شيء يقربكم من النار ، ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه ، وأن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ".

البشارة الثالثة :

جاء في سفر التثنية إصحاح 33 عدد 1 " وَهذِهِ هِيَ الْبَرَكَةُ الَّتِي بَارَكَ بِهَا مُوسَى، رَجُلُ اللهِ، بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ مَوْتِهِ، 2فَقَالَ: «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رِبْوَاتِ الْقُدْسِ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ ".

قال ابنُ القيم معلقًا على النصِ تعليقًا جميلاً في كتابه :(هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى) قائلاً : في فصل الوجه الثاني قال في التوراة في السفر الخامس أقبل اللهُ من سيناء وتجلى من ساعير وظهر من جبال فاران ومعه ربوات الاظهار عن يمينه وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة نبوة موسى ونبوة عيسى ونبوة محمد r فمجيئه من سيناء وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى ونبأه عليه إخبار عن نبوته وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس وساعير قرية معروفة هناك إلى اليوم وهذه بشارة بنبوة المسيح وفاران هي مكة وشبه سبحانه نبوة موسى بمجيء الصبح ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه ونبوة خاتم الأنبياء باستعلات الشمس وظهور ضوءها في الآفاق ووقع الأمر كما أخبر به سواء فان الله سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فاضاء فجره بنبوته وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد - صلوات الله وسلامه عليهم - وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة التين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين فذكر أمكنة هؤلاء الأنبياء وأرضهم التي خرجوا منها والتين والزيتون والمراد بهما منبتها وأرضهما وهي الأرض المقدسة التي هي مظهر المسيح وطور سينين الجبل الذي كلم الله فهو مظهر نبوته وهذا البلد الأمين مكة حرم الله وآمنه التي هي مظهر نبوة محمد -صلوات الله وسلامه عليهم- فهذه الثلاثة نظير تلك الثلاثة سواء قالت اليهود فاران هي أرض الشام وليست أرض الحجاز وليس هذا ببدع من بهتهم وتحريفهم وعندهم في التوراة أن إسماعيل لما فارق أباه سكن في برية فاران هكذا نطقت التوراة ولفظها وأقام إسماعيل في برية فاران وأنكحته أمه امرأة من جرهم ولا يشك علماء أهل الكتاب أن فاران مسكن لآل إسماعيل فقد تضمنت التوراة نبوة تنزل بأرض فاران وتضمنت نبوة تنزل على عظيم من ولد إسماعيل وتضمنت انتشار أمته وأتباعه حتى يملؤا السهل والجبل كما سنذكره -إن شاء الله تعالى- ولم يبق بعد هذا شبهة أصلا أن هذه هي نبوة محمد r التي نزلت بفاران على أشرف ولد إسماعيل حتى ملأت الأرض ضياء ونورا وملأ أتباعه السهل والجبل ولا يكثر على الشعب الذي نطقت التوراة بأنهم عادموا الرأي والفطانة ينقسموا إلى جاهل بذلك وجاحد مكابر معاند ولفظ التوراة فيهم أنهم لشعب عادم الرأي وليس فيهم فطانة ويقال لهؤلاء المكابرين أي نبوة خرجت من الشام فاستعلت استعلاء ضياء الشمس وظهرت فوق ظهور النبوتين قبلها وهل هذا إلا بمنزلة مكابرة من يرى الشمس قد طلعت من الشرق فيغالط ويكابر ويقول بل طلعت من المغرب . اهـ

ثانيًا : البشارات بالنبي r من العهد الجديد : منها ما يلي :

1- محمدٌ r هو المُعزِّي الذي أخبر عنه المسيح في الآتي :

1- إنجيل يوحنا إصحاح 16عدد 5 " وَأَمَّا الآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟ 6لكِنْ لأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هذَا قَدْ مَلأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ. 7لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. 8وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ. " .

2- إنجيل يوحنا إصحاح 14عدد 15 "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، 16وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، 17رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ. 18لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ............ 26وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ ".

3- إنجيل يوحنا إصحاح 15عدد 26 " وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي".

4- إنجيل يوحنا إصحاح 16عدد 12" إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. 13وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ ".

2- محمدٌr شهد للمسيح ، وهذه بشارة له r ؛ جاء ذلك في الآتي :

1- إنجيل يوحنا إصحاح 5عدد 31 " إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقًّا. 32الَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَق".

محمدٌ r هو الوحيد الذي شهد للمسيح فقد أنكره اليهود ، واتهموه بأنه ولد زنا والعياذ بالله ، وهذا واضحٌ من إنجيل يوحنا إصحاح8 عدد 41 " أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ». فَقَالُوا لَهُ: إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا. لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ ".
جاء الرسولُ rبقرآنٍ يبرئ المسيحَ عيسى وأمَه من تلك التهمة ، وشهد لهما شهادةَ حقٍ أنه نبي الله وعبده ورسوله ، وأن أمه صديقة ...

إن قيل : إن يسوع يقول في نصٍ آخر : شهادتي حق ........
وذلك في إنجيل يوحنا الإصحاح 8 عدد 14 " أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَق، لأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ ".

قلتُ : إن هذا من بابِ التناقض فالواجب عليهم بيانه !

1- إنجيل يوحنا في الإصحاح 16عدد 13 " وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ ".

قلتُ : إن الملاحظ من النصِ أن المسيحَ أخبرهم أن هناك من سيأتي بعده ليرشدهم إلى الحقِ ؛ فهو لا يتكلم من نفسه ، بل كما يسمع يتكلم ، ويخبر بأمور آتيه ، وهذا لا ينطبق إلا على رسولِ اللهr فهو المُخِبر عن ربِّه ما يسمعه ، ولا يخبر بغير ما يسمع ؛ يقول عن نبيِّه r : إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) (النجم ) .

ويقول لنبيِّه r: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) (الكهف ).

وقد أخبر r بأمور آتية ، وحدثت كما تنبأ r ، وهي ثابتة في كتاب دلائل النبوة للبيهقي وغيره ، وأذكر منها ما يلي :

1- أخبر rالصحابةَ بفتوحات بيتِ المقدس ، واليمن ، والشام ، والعراق , ومصر، والقسطنطينية... وقد وقع ما أخبر به r.

2- أخبر r أن الأمنَ يسود حتى يصير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضر موت لا يخشى إلا اللهَ والذئب على غنمه ، وقد وقع ما أخبر به r .

3- أخبرr أن خيبر تفتح على يد عليِّ في غدِ يومه، وقد فتحت على يد عليٍّ كما أخبرr.

4 - أخبرr أن المسلمين يقسمون كنوز ملك فارس وملك الروم ، وقد فتح المسلمون تلك البلاد ، وقسموا كنوز وملوكها كما أخبرr ، فأخذ سراقة بن مالك وغيره ما وعدهم به النبيُّr .....

5- أخبر r أن عمار تقتله الفئة الباغية ؛ فقتله أصحابُ معاويةَ فوقع كما أخبر النبيُّ r.

6- أخبر r أن فاطمةَ بنت النبيَّ r أول أهله لحوقًا به بعد موته , فماتت- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بعد ستة أشهر من وفاته r ؛ فكانت أول آل بيت النبيِّ وفاةً بعده r .

7- أخبرr أن الحسنَ بن علي - رضي اللهُ عنهما - سيدٌ يصلح اللهُ على يده بين فئتين من المسلمين يقتتلان ، وقد حدث ما أخبر بهr .....

2- محمدr هو الصادق الأميّن :

جاء في رؤيا يوحنا إصحاح 19عدد 11 " ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ ".

قلتُ : إن هذا النصَ فيه إشارةٌ إلى الإسراءِ والعروج لنبيِّنا r؛ حيث فـُتِحَت السماءُ له ، وكان ركبا البراق( فرس أبيض) ، وهو الصادق الأمين المعروف بذلك عند مشركين وكفار قريش ؛ فكانوا يسمون الرسولَ r قبل البعثةِ بالصادقِ الأمين ، ولا شك أنه يحكم بالعدل بين الناسِ ...

وقد جاء r بقولِ الله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) (النساء ) .

وقالr لذي الْخُوَيْصِرَةِ : " وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ ". رواه مسلمٌ في صحيحه برقم1765 .
وكانr يحارب في سبيلِ تحقيقِ العدل الذي يحبه اللهُ ، مثل : نصرة المستضعفين ، والدفاع عن دينه ..... والبشارات كثيرة في الكتاب المقدس .

تنبه هام : نُذّكر المعترضين بحقيقةٍ هامةٍ في غايةِ الخطورةِ ، هي أن الكتابَ المقدس لا ينفى خروج نبي بعد المسيح بل الثابت خلاف ذلك تمامًا ، فقد وردت نصوص الأناجيل لتؤكد إمكانية خروج نبيُّ بعد المسيح منها :

1- قول المسيح في إنجيل مَتَّى إصحاح 7 عدد 15 " اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! 16مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ 17هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، 18لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً. 19كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. 20فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ ".

2- قول كاتب رسالة يوحنا الأولى إصحاح 4 عدد 1 " أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ. 2بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ ".

فالمدقق في هذه النصوصِ يجد الأقوالَ المنسوبة للمسيح وليوحنا لا تنفى خروج نبي صادق ؛ بل على العكس من ذلك تحذر من الأنبياء الكذبة، ثم تضع معايير للتمييز بين النبيِّ الصادق والكاذب ، فلو أن كل نبيِّ يأتي بعد المسيح يكون كذاباً لما قال من ثمارهم تعرفونهم ثم يسهب في بيان أن النبيَّ الصادق تكون له ثمرة طيبة- وما أوضح هذا الأثر الباهر الذي تركه رسول الله r !

والشاهد : أن المسيحَ لم يقل صراحةً كل رسول يأتي بعدى سيكون كاذباً ؛ وهذا بخلاف ما قاله رسولُ اللهr لعليٍّ : " إنه لا نبي بعدى " رواه البخاري في صحيحه برقم 4064.

ثم نلاحظ أيضًا : أن يوحنا أمر باختبار الأرواح أي: الأنبياء لمعرفة الصادق من الكاذب ، وأنه جعل مقياس النبيِّ الصادق هو الذي يؤمن بيسوع المسيح . وعليه : فمحمد r يؤمن بيسوع المسيح رسولاً نبيًّا ، بل ويؤمن أنه من أولي العزمِ من الرسلِ ...
قال : مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (المائدة75 ).

3- محمد rفي إنجيل برنابا :

ذكر إنجيل برنابا اسمَ محمدٍ r واضحًا ؛ لكنّ المعترضين لا يعترفون به فهو من أناجيلِ ( الأبوكريفا ) كما يدّعون ، والتي قد قاربت نحو خمسين إنجيل؛ يدّعون أنها أناجيل ليست صحيحة ، وأذكر تلك النصوص التي جاءت فيها البشارة به r من باب الأمانةِ العلمية ، وعمومِ الفائدة .....
فاعتقادُنا في هذا الإنجيلِ كغيره فيه الحق ، وفيه غير ذلك ، ولكنه الأقرب إلى الحق في معرفة سيرة حياة المسيح ....

جاءت البشارت بالنبي r فيه كما يلي :

من الفصل الثاني والأربعين وهي سورة البشرى .

" قالوا: إذا لم تكن مسيّا ولا إيليا فلماذا تبشر بتعليم جديد و تجعل نفسك أعظم شأنا من مسيّا ؟
أجاب يسوع : إن الآيات التي يفعلها الله على يدي تظهر أنى أتكلّم بما يريد الله ، ولست أحسب نفسي نظير الذي تقولون عنه ؛ لأني لست أهلا أن أحل رباطات سيور حذاء رسول الله . أي: الذي تسمّونه مسيّا. الذي خلق قبلي وسيأتي بعدى ، وسيأتي بكلام الحق ، ولا يكون لدينه نهاية ".
من الفصل السابع عشر وهي سورة الإخلاص .

" قال فيليبس (أحد التلاميذ ) لعيسى : ماذا تقول يا سيد حقا لقد كتب في إشعياء أن الله أبونا فكيف لا يكون له بنون ؟
أجاب يسوع أنّه في الأنبياء مكتوب أمثال كثيرة لا يجب أن تأخذها بالحرف بل بالمعنى. لأن كل الأنبياء البالغين مئة و أربعة و أربعين ألفا الذين أرسلهم الله إلى العالم قد تكلّموا بالمعميات بظلام. و لكن سيأتي بعد بهاء كل الأنبياء والأطهار. فيشرق نورا على ظلمات سائر ما قال الأنبياء ؛ لأنه رسول الله ، ولما قال هذا تنهّد يسوع وقال : ترأف بإسرائيل أيها الرب الإله ، وانظر بشفقة على إبراهيم و على ذريّته لكي يخدموك بإخلاص قلب. فأج