المدبج

المدبج بضم الميم وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم:

هو رواية القرين عن قرينه - والأقران هم المتقاربون في سنهم وإسنادهم.

وقد قال السخاوي في ألفيته :

( والقرنا من استووا في السند ... والسن غالبا وقسمين اعدد )

( مدبجا وهو إذا كل أخذ ... عن آخر وغيره انفراد فذ )

وسمي المدبج بهذا لحسنه لأنه لغة المزين ، والرواية كذلك إنما تقع لنكتة يعدل فيها عن العلو إلى المساواة أو النزول فيحصل للإسناد بذلك تزيينٌ .

ويحتمل أن يقال : إن القرينين الواقعين في المدبج في طبقة واحدة بمنزلة واحدة شُبِّها بالخدين إذ يقال لهما : الديباجتان، كما قاله الجوهريُّ وغيرُه .

وأول من سماه بذلك هو الإمام الدارقطني ، ولم يقيده بكونهما قرينين ، بل ظاهر كلامه أن كل اثنين روى كل واحد منهما عن الآخر يقال لهما : تدبج فلان مع فلان ؛ وإن كان أحدهما أكبر من صاحبه .

وفي (شرح النخبة) : لو روى الشيخ عن تلميذه فهل يسمى مدبجاً فيه بحث والظاهر لا ، لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر ، والتدبيج مأخوذ من ديباجتي الوجه فيقتضي أن يكون مستوياً من الجانبين .

وأهمية المدبج وفائدته ضبطه الأمن من ظن الزيادة في الإسناد أو إبدال الواو بعن إن كان بالعنعنة كما قال السخاوي .

وصورة المدبج رواية كل قرين عن صاحبه كعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما في الصحابة ، والزهري وأبي الزبير في التابعين ، ومالك والأوزاعي في أتباع التابعين .

أما رواية القرين عن قرينه من غير أن يعلم رواية الآخر عنه فلا يسمى مدبجاً كرواية زائدة بن قدامة عن زهير بن معاوية ولا يعلم لزهير رواية عنه.

ومثاله من الصحابة كما ساق الحاكم في المعرفة بإسناده :

حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب قال : حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري قال : ثنا أبو أسامة قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من الفراش ، فجعلت أطلبه بيدي ، فوقعت يدي على باطن قدميه ، وهما منصوبتان فسمعته يقول : « اللهم إني أعوذ برحمتك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء (1) عليك أنت كما أثنيت على نفسك ».

قال أبو عبد الله : وقد روت عائشة ، عن أبي هريرة وسألته عن حديثه أخبرنا أبو بكر بن أبي نصر الداربردي بمرو ، قال : حدثنا عبد الله بن روح المدايني قال : حدثنا عثمان بن عمر قال : حدثنا أبو عامر الخزاز ، عن سيار أبي الحكم ، عن الشعبي ، عن علقمة أن عائشة قالت لأبي هريرة : أنت حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة عذبت في هرة ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.

انظر : معرفة علوم الحديث ،وفتح المغيث - (ج 3 / ص 174)