حوار مع المعارضين لمشاركة المرأة حول أدلة تساق لحظر المشاركة واللقاء 10
الآية الكريمة :{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}
وجوابنا من وجوه:
1- الحجاب الوارد في الآية الكريمة {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} هو الستر الذي تجلس خلفه المرأة المحجبة والاحتجاب يعني حديث الرجال الأجانب لنساء النبي صلي الله عليه وسلم من وراء حجاب فلا يرون شخوصهن , وليس بمعني ستر بدن المرأة بثياب سابغة كما هو شائع.وقد أُذن لهن في الخروج للحاجة وعندها يجب عليهن أن يغطين وجوههن فضلا عن بقية البدن.
2- الحجاب بهذا المعني من خصوصيات نساء النبي صلي الله عليه وسلم.والخصوصية هنا هي في الاحتجاب الدائم عن الرجال والذي لا يتخلف أبدا.أما الاحتجاب أحيانا فهو أمر مشروع لنساء المؤمنين , كما أن لقائهن الرجال مشروع أيضا إذا كانت عليهن الملابس الشرعية.
3- إن نصوص السنة التي أوردناها توضح كيف لقي نساء المؤمنين الرجال علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم في مجالات الحياة المختلفة دون حجاب أي دون ستر يفصل بين الرجال والنساء. ولو كان الحجاب سنة عامة , أو كان يندب الاقتداء بأمهات المؤمنين في حجابهن لكان أحق بالسبق إليها كرائم الصحابيات ومعهن كرام الصحابة , أي لو كان خيرا عاما لسبقونا إليه.
4- لو قيل إن منطوق الآية يفيد وجوب إحتجاب النساء عموماً لعلة "طهارة القلب", لأن عموم العلة يلزم عنه عموم الحكم وهذا هو القياس المعتبر في أصول الفقه...
الجواب :
أولا: ليس المقصود بالطهارة هنا الطهارة العامة المطلوبة شرعا من عموم الرجال والنساء والتي تتضمن مغالبة هوي النفس , فقلوب الفريقين طاهرة بالتقوى وتعظيم حرمات الله وحرمة النبي صلي الله عليه وسلم , بل هي طهارة خاصة تسمو إلي درجة الطهارة القائمة بين الرجل وأمه؟ فالمتأمل في الآية وسياقها يجد أن الأطهرية المذكورة في التعليل ليست من الريبة المحتملة من هؤلاء وأولئك , فإن هذا النوع من الريبة بعيد عن هذا المقام.ولا يتصور من أمهات المؤمنين , ولا ممن يدخل عليهن من الصحابة دخول هذا اللون من الريبة علي قلوبهن , إنما الأطهرية هنا من مجرد التفكير في الزواج الحلال الذي قد يخطر ببال أحد الطرفين بعد رسول الله.
ومما يرجح هذا المعني قوله تعالي بعد ذلك في الآية نفسها {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً} , أخرج ابن أبي حاتم وابن مردوية عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} قال: نزلت في رجل هم أن يتزوّج بعض نساء النبي صلي الله عليه وسلم بعده قال سفيان: ذكروا أنها عائشة رضي الله عنها.فتحريم زواج نساء النبي صلي الله عليه وسلم من بعده تحريما أبديا مما اقتضي حجبهن عن الرجال , ذلك أن اللقاء دون حجاب قد يولد الرغبة في الزواج سواء من جانب الرجال أو من جانب النساء والزواج أمر فطري ومندوب إليه شرعا , ولكن لما كان الزواج محظورا علي نساء النبي صلي الله عليه وسلم فقد حرمت المخالطة ووجب سؤالهن من وراء حجاب , أي أن حظر الزواج اقتضي توفير ما يعين علي الزهد في الزواج , الزهد من نساء النبي صلي الله عليه وسلم والزهد من قبل المؤمنين عامة , واقتضي صيانة بالغة خاصة بهن فلا يراهن رجل ولا يرين رجلا , وكأنهن رواهب في الصوامع.وهذه عائشة إحدي أمهات المؤمنين يموت عنها رسول الله وهي في الثامنة عشر من عمرها تبقي أرملة دون زواج ودون ولد الي أن تموت وهي في السادسة والستين.
قال ابن عاشور في "تفسير التحرير والتنوير" : (( ووراء هذه الحِكَم كلها حكمة أخرى سامية وهي زيادة تقرير معنى أمومتهن للمؤمنين في قلوب المؤمنين التي هي أُمومة جَعلية شرعية بحيث إن ذلك المعنى الجعلي الروحي وهو كونهن أمهات يرتد وينعكس إلى باطن النفس وتنقطع عنه الصور الذاتية وهي كونهن فلانة أو فلانة فيصبحْن غير متصوَّرات إلا بعنوان الأمومة فلا يزال ذلك المعنى الروحي ينمى في النفوس ، ولا تزال الصور الحسية تتضاءل من القوة المدركة حتى يصبح معنى أمهات المؤمنين معنى قريباً في النفوس من حقائق المجردات كالملائكة، وهذه حكمة من حكم الحجاب الذي سنه الناس لملوكهم في القدم ليكون ذلك أدخل لطاعتهم في نفوس الرعية )).
وقال أيضا : ((ودل قوله: {لقلوبكم وقلوبهن} أن الأمر متوجه لرجال الأمة ولنساء النبي صلي الله عليه وسلم على السواء )).
ثانيا : هل كان رسول الله مفرِّطا , حاشاه , في طهارة قلوب المؤمنين والمؤمنات حين سمح باللقاء دون حجاب في كل صور اللقاء التي سبق ورودها! أم أنه صلي الله عليه وسلم كان يراعي مع طهارة القلوب التيسير من ناحية كما يراعي الحاجات والمصالح من ناحية أخري؟
ولو أن تلك الدرجة من الطهر الواردة في الآية الكريمة مما هو مندوب إليه بين المسلمين والمسلمات في عامة الأحوال , لعمل رسول الله بعض الترتيبات التي تعين هذا الأمر المندوب , ومن ذلك وضع ساتر بين صفوف الرجال وصفوف النساء في المسجد, ومنه تخصيص وقت لطواف الرجال ووقت آخر لطواف النساء, ومنه أيضا اتخاذ مكان بعيد عن مجلس الرسول وأصحابه لاستفتائات النساء ولعرض قضايهن علي رسول الله.كل ذلك حتي لا يري الرجال النساء ولا يري النساء الرجال.
المفضلات