مكثرو الرواية عن عائشة:

نبغ كثير من تلاميذ عائشة وأصبحوا بدورهم مثابة لطلاب العلم وُرحْلة يضرب الناس إليهم أكباد الإبل ابتغاء ما ورثوه من علم عائشة وفقهها وأدبها وسائر الفنون التي برعت فيها، إذ كان لعلمها ثقله وأهميته، ولمن حازه سبيلاً للثناء الحسن والفخار والإمامة في الدين، يدل عليه طالب العلم المجتهد الحريص على التحصيل، ويوصى بملازمته وشد الرحال إليه.. فتلاميذها أوعية حافظة لعلمها، نذكر هنا ستة هم أكثر الرواة المكثرين عنها رضي الله عنها:

1- عروة بن الزبيــــر(46): بن العـــــوام بن خويـــلد الأســـــدي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه، مشهور من الثانية مات سنة 94هـ، على الصحيح، مولده في أوائل خلافة عمر الفاروق، وهو أكثر الناس رواية عن خالته عائشة، حتى روى عنها وحده (1050) حديثًا من مجـــموع أحاديثــها البـــالــغ عــــددها (1999)، وهو نصف مسندها(47).

قال عنه الزهري: (كان عروة بحرًا لا ينزف ولا تكدره الدلاء)(48)، وقد كان شديـــد المـــلازمة لخالتـــه عائشة، كثير السؤال، ممــا كــان يثير غبطة طـــلاب العــلم من كثرة دخوله عليها فأصبح مرجعًا لعلمها.

2- القـــاســـم بن محمد بن أبي بكــر الصديـــق(49)التــيـــمي أبو عبد الرحمن: ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة، ومن كبار الثالثة، مات سنة (106هـ) على الصحيح، قتل أبوه محمد سنة (38هـ) في مصر لما قدم أميرًا عليها من قبل علي بن أبي طالب، فبقي القاسم يتيمًا في حجر عمته عائشة رضي الله عنها.

وكان يلازمــــها مع ما عرف به من النـــباهة، وهو حــديث السن مما يسر له استيعاب ما تسمعه آذانه وإدراك ما يحفظه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فتاوى من عائشة وغيرها، وله (137) حديثًا يرويها عنها في الكتب الستة فقط.

3- الأسود بن يزيد النخعي(50): الكوفي أبو عمرو، الثقة، العابد، من الثانية.

وقد روى الأسود عن عائشة (117) حديثًا في الكتب الستة فقط.

4- عمرة بنت عبد الرحمن(51): بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، وكانت في حجر عائشة، قال ابن معين: ثقة حجة، وقال العجلي: مدنية تابعية ثقة، وذكر ابن المدني عمرة ففخم أمرها وقال: (عمرة أحد الثقات الأثبات فيها)، وقال ابن حبان: (كانت من أعلم الناس بحديث عائشة)، وقال ابن سعد: (كانت عالمة).. وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر ابن حزم أن يكتب له أحاديث عمرة.. كما شهد لها الزهـري بقـــوله: (فأتيــــتها -أي عمرة- فوجدتها بحرًا لا ينزف). ولها (72) حديثًا ترويها عن عائشة في الكتب الستة.

أصح الأسانيد عن عائشة:

من ذلك :

1- هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة(52).

2- يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمرو بن حفص العمري عن القاسم عن عائشة، قال ابن معين: ترجمة مشبكة الذهب(53).

3- عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: قال ابن معين: (ليس إسناد أثبت من هذا)(54).

4- أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة(55).

5- الزهري عن عروة عن عائشة(56).

فمن خلال هذا العرض، الذي يعتبر موجزًا جدًا في حق أكبر المحدثات عبر العصور، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ندرك الجهود الجبارة التي قدمتها هذه العالمة للأمة الإسلامية، ولم يكن لها هذا الصيت إلا بالميزات والخصائص الثمينة التي حباها الله تعالى بها، وبالعلم النفيس الذي نقلته للأمة، إضافة إلى بصماتها الخالدة في كافة ميادين الحياة.. لقد كانت وما زالت -رضي الله عنها- قدوة النساء والرجال في العلم والفقه والزهد وسائر أعمال المعروف.