المستشفيات في عهد الوليد
... كان الخليفة الوليد بن عبد الملك أول من أسس مستشفى
خاصاً بالمجذومين وذلك سنة 88هـ، وجعل فيه أطباء مهرة،
وأجرى عليهم الأرزاق، وأمر بعزلهم عن الأصحاء كي لا تنتقل
العدوى من المصابين إلى الأصحاء، وهذا ما يعرف في التاريخ
بدور المجذومين. يقول الأستاذ الدكتور أحمد شوكت الشطي:..
أول مؤسسة عرفت هي مجذمة الوليد بن عبد الملك في دمشق
سنة 88هـ، ثم تعددت الملاجئ بعد ذلك في مختلف البلاد العربية
لبذل العناية الإنسانية لهؤلاء التعساء، وتعد المجاذم العربية أول
دور عولج فيها المصابون بالجذام معالجة فنية، ويقول أحمد
عيس بكر: قال الشيخ أبو العباس أحمد القلقشندي، إن أول من
اتخذ البيمارستان بالشام للمرضى الوليد بن عبد الملك وهو
سادس خلفاء بني أمية.. وقال رشيد الدين بن الوطواط: أول من
عمل البيمارستان وأجرى الصدقات على الزَمْنَى والمجذومين
والعميان والمساكين واستخدم لهم الخدام الوليد بن عبدالملك.
وقال تقي الدين المقريزي: أول من بنى البيمارستان في الإسلام
ودار المرضى الوليد بن عبد الملك وهو أيضاً أول من عمل دار
الضيافة وذلك سنة 88هـ وجعل في البيمارستان أطباء،
وأجرىلهم الأرزاق وأمر بحبس المجذومين لئلا يخرجوا وأجرى
عليهم وعلى العميان الأرزاق، ولم يصل إلينا إي علم أو إشارة
عن المكان الذي أنشأ فيه الوليد البيمارستان.
كفالة الدولة للمحتاجين وتطوير الطرق
... كان الوليد يخصص الأرزاق للفقهاء والضعفاء والفقراء
ويحرم عليهم سؤال الناس، ويفرض لهم ما يكفيهم كما فرض
على العميان والمجذومين، فقد أعطى المجذومين وقال: لا تسألوا
الناس وأعطى كل مقعد خادماً وكل ضرير قائداً وفتح في ولايته
فتوح عظام، وقد اهتم الوليد بتعبيد الطرق وبخاصة تلك التي
قصر الخزانة الي الشرق من عمان علي طريق الحجاج
تؤدي إلى الحجاز لتيسير سفر الحُجاج إلى بيت الله الحرام، فكتب
إلى عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر الآبار وعمل
الفوارة في المدينة وأمر لها بقوام يقومون عليها وأن يسقى منها
أهل المساجد.
ديوان المستغلات
يعتبر عهد الوليد امتداد لأبيه في النظام السياسي والاقتصادي
والإداري وغيرها ويبدو أن ديوان المستغلات ظهر ذكره في عهد
الوليد، وكان هذا الديوان ينظر في إدارة أموال الدولة غير
المنقولة من أبنية وعمارات وحوانيت ولأول مرة ترد إشارة
ديوان المستغلات في عهد الوليد حيث ذكر أن نفيع بن ذؤيب تقلد
للوليد بن عبد الملك ديوان المستغلات، وأن اسمه مكتوب على
خريطة طرق دمشق القديمة
لوح في سوق السراجين بدمشق. وهذا يدل على: أن الديوان كان
قائماً في خلافة الوليد، ولعله أحدث قبل هذا الوقت، وأن وجود
اسمه على لوح في سوق دمشق له دلالته على وجود أملاك عائدة
إلى الدولة، وإن نفيع كان يشرف على جباية وارداتها.
الوليد والقرآن الكريم
أخذ الخلفاء الأمويون والأمراء أنفسهم بتلاوة القرآن وختمه من
وقت لآخر وقد شب الوليد على حب القرآن الكريم والاكثار من
تلاوته وحث الناس على حفظه وإجازتهم على ذلك، حدث إبراهيم
بن أبي عبلة قال: قال لي: الوليد بن عبد الملك يوماً في كم تختم
القرآن؟ قالت: كذا وكذا، فقال: أمير المؤمنين على شغله يختمه
في ثلاث ـ وقيل في سبع ـ قال: وكان يقرأ في شهر رمضان سبعة
شعرة ختمة، قال إبراهيم: رحم الله الوليد، وأين مثله؟ بنى مسجد
دمشق، وكان يعطيني قطع الفضة، فأقسمها على قرّاء بيت
المقدس، ورى الطبري أن رجلاً من بني مخزوم سأل الوليد قضاء
دين عليه. فقال: نعم إن كنت مستحقاً لذلك، قال: يا أمير
المؤمنين، وكيف لا أكون مستحقاً لذلك مع قرابتي؟ قال: أقرأت
القرآن؟ قال: لا، قال: أدن مني فدنا منه، فنزع عمامته بقضيب
كان في يده وقرعه قرعات بالقضيب، وقال للرجل: ضم إليك هذا
فلا يفارقك حتى يقرأ القرآن، فقام إليه عثمان بن يزيد بن خالد...
فقال يا أمير المؤمنين إن علي ديناً، فقال: أقرأت القرآن قال: نعم،
فاستقرأه عشر آيات من الأنفال، وعشر آيات من براءة، فقرأ،
فقال: نعم نقض عنكم، ونصل أرحامكم على هذا. وقال عنه ابن
كثير: .. فقد كان صيناً في نفسه حازماً في رأيه يقال: إنه لا تعرف
له صبوة
المراسلات بين الوليد وملك الروم
كانت هناك مراسلات بين الوليد وبين ملك الروم ولاسيما حينما
هدم الوليد كنيسة دمشق، فكتب إليه ملك الروم: إنك هدمت
الكنيسة التي رأى أبوك تركها، فإن كان صواباً فقد أخطأت، وإن
كان خطأ فما عذرك؟. فكتب إليه الوليد: ((وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ
يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ
* فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)) (الأنبياء ، الآيتان :
78 ـ 79). وحين قرر الوليد بن عبد الملك فتح القسطنطينية
وأعد العدة لذلك أرسل قيصر الروم سفيراً يدعى دانيا حاكم مدينة
سينوب إلى دمشق للتداول مع الخليفة حول إمكانية عقد هدنة
بين الطرفين وزوده بتعليمات سرية ترمي إلى الوقوف على مدى
استعدادات المسلمين لحصارالقسطنطينية، وعند رجوعه اطلعهم
على استعداد العرب للحملة وحث الروم على اتخاذ التدابير الكفيلة
لمواجهة الموقف، وهذا يدل على أن الروم كانوا يتخذون من
السفراء والوفد وسيلة لجمع المعلومات في الدولة الإسلامية
واستعداداتهم إتجاه الروم والتجسس على الدولةالإسلامية
مستغلين كونهم رسلاً بين الدولتين مستفيدين من طبيعة المهمة
السلمية التي يقومون بها وكانت هناك مراسلات وتبادل هدايا بين
الخليفة الوليد بن عبد الملك وبين ملوك الروم حين أراد بناء
الجامع الأموي، فعلى سبيل المثال لا الحصر ما أهداه الوليد إلى
ملك الروم من كميات الفلفل قدرت قيمتها بعشرين ألف دينار،
وهناك روايات كثيرة تشير إلى التعامل السلمي وتبادل الخبرات
كان موجود بين الوليد وقيصر الروم، فقد أراد الوليد الاستفادة
من خبرات الروم في صناعة الفسيفساء والبناء والعمران،
وكانت هناك مراسلات متعلقة بالأسرى والرهائن بين الطرفين،
فقد كانت من المسائل المهمة جداًَ وكانت المفاوضات بشأنها
تجري أما في دمشق أو في القسطنطينية، وليس في مدن محلية
صغيرة.
المفضلات