-
آلام المسيح ومتاعبه في الحديقة :هل جاء يسوع ليبذل نفسه
يقول مرقس : " وجاءوا إلى ضيعة اسمها جثسيماني ، فقال لتلاميذه : اجلسوا هاهنا حتى أصلي .
ثم أخذ معه بطرس ويعقوب وابتدأ يدهش ويكتئب . وقال لهم : نفسي حزينة جدا حتى الموت . امكثوا هاهنا واسهروا .
ثم تقدم قليلا وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن وقال يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك . فاجز عني هذه الكأس . ولكن ليكن لا ما أريد أنا ، بل ما تريد أنت .
ثم جاء ووجدهم نياما . فقال لبطرس يا سمعان أنت نائم . أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة ؟ اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة . أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف . ومضى أيضا وصلى قائلًا ذلك الكلام بعينه . ثم رجع ووجدهم نياما إذ كانت أعينهم ثقيلة فلم يعلموا بماذا يجيبونه . ثم جاء ثالثة وقال لهم : الآن استريحوا ، يكفي ، قد أتت الساعة ، هو ذا ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة ، قوموا لنذهب ، هو ذا الذي يسلمني قد اقترب " (14-32-42) .
إن أبسط تعليق على هذا الكلام هو أنه واضح تماما أن المسيح لم يكن يتوقع هذه المفاجأة المذهلة وهي أن أعداءه سيقتنصونه ، وطبعا هو يعلم أنهم عندما يمسكونه فلسوف يقتلونه . ولذلك كان يصلي في كل وقت لكي تعبر عنه هذه الساعة أو هذه المحنة أو هذه الكأس ، حتى ينجو .
إذن نستطيع أن نقرر- مبدئيا- بأن أي قول يقول أنه جاء ليبذل نفسه فدية عن كثيرين ، أو أن سفك دمه كان ضروريا للتكفير عن خطيئة آدم أو خطايا البشر ، كل ذلك لا يمكن قبوله .
وإذا كان عصيان آدم ، يكون تكفيره بقتل ابن الإله غصبا عن ابن الإله نفسه ، فهذه كارثة أكبر ؟ لأن الخطيئة تتضاعف تماما بهذه الصورة .
بعد ذلك نذهب لمعرفة آراء العلماء ومفسرو الأناجيل .
يقول دنيس نينهام : " لقد انقسمت الآراء بعنف حول القيمة التاريخية لهذا الجزء وجرى تساؤل عما إذا كان يعتبر في الحقيقة جزءا من المصدر الذي روى عنه القديس مرقس .
ويؤكد آخرون أنه لم يكن في مقدور أحد أن يكون شاهدا لأغلب الحوادث المذكورة هنا ، كما لم يكن في مقدوره أن يعلم ماهية الصلاة التي صلاها يسوع وحيدا . ولذلك فإنهم يعتبرون أن الصلاة النموذجية (في العدد 36) وتكرارها ثلاث مرات إنما هي شيء مصطنع مثل القول بإنكار بطرس ثلاث مرات .
إن القرار الموثوق منه (حول حقيقة ما جرى في الحديقة) مستحيل (تفسير إنجيل مرقس) .
أما رواية لوقا عن آلام المسيح فنجد فيها ما يجعلنا نعرضها- إذ أنها تقول : " وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون وتبعه أيضا تلاميذه ، ولما صار إلى المكان قال لهم صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة .
وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى قائلًا : يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس ، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك . وظهر له ملاك من السماء يقويه . وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض . ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياما من الحزن ، فقال لهم : لماذا أنتم نيام قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة " (22 : 39-46) .
يقول جورج كيرد في تفسيره لهذه الفقرات : " حسب رواية مرقس (الذي كان مصدرا للوقا ) نجد أن يسوع بدأ يكتنفه الآن الفزع والذهول وقد تحدث إلى تلاميذه عن الحزن الذي صحب استنزاف حياته وتلاشيها . ولما كان غير قادر على رفقة أعز أصحابه (تلاميذه) فإنه قضى الليل في تشنجات متتالية من صلاة المكروب . ولكن رواية لوقا المختصرة (بالنسبة لرواية مرقس ) تعطينا بقدر الإمكان انطباعا أقوى من حالة الاضطراب التي حلت بيسوع . فلقد أخبرنا أن يسوع هو الذي انتزع نفسه بعيدا عن أصحابه ، وأنه كان في ألم مبرح ، وأن عرقه صار مثل قطرات الدم .
وعندما نتذكر الشجاعة والثبات التي واجه بها الموت رجال آخرون شجعان بكل أشكاله البربرية وما كان يصحب ذلك من تعذيب مفرط ، فلا يسعنا إلا أن نتساءل عن ماهية الكأس التي كان يسوع يرجو الله- في صلاته- أن يجيزها عنه . إن صلاة يسوع ترينا أن عذاب الشك كان أحد عناصر محنته المعقدة .
فلكم تنبأ بآلامه لكنه الآن عشية حدوثها نجده ينكص على عقبيه .
هذا- ولما كانت بعض المراجع القديمة تحذف العددين 43 ، 44 اللذين يقولان : (وظهر له ملاك من السماء يقويه . وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة ، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض) ، ورغم وجودهما في أغلب النسخ وإلمام علماء المسيحية في القرن الثاني بهما " فإن هذا الحذف يمكن إرجاع سببه (كما يقول جورج كيرد ) إلى فهم أحد الكتبة بأن صورة يسوع هنا ، وقد اكتنفها الضعف البشري ، كان يتضارب مع اعتقاده في الابن الإلهي الذي شارك أباه في قدرته القاهرة " (تفسير إنجيل لوقا ) .
فإذا سلمنا بأن هذا هو حقيقة ما حدث للمسيح في الحديقة فإن هذا يعني بوضوح أنه لم يكن يتوقع القتل إطلاقا . وبالنسبة لعذاب الشك الذي أصابه فيمكن إرجاعه إلى أنه لا بد وقد اطمأن مسبقا إلى أن أعداءه لن يتمكنوا من اصطياده- وهو ما سوف نعود إلى الحديث عنه بشيء من التفصيل تحت عنوان : " تنبؤات المسيح بنجاته من القتل " - أما وقد رأى أعداءه على وشك اصطياده ، فهناك أصابه عذاب الشك فيما إذا كان سينجو حقا أم أنهم سيقضون عليه .
المصدر :مناظرة بين الاسلام والمسيحية
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة صدى الحقيقة في المنتدى البشارات بالرسول صلى الله عليه وسلم
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 28-12-2011, 06:49 PM
-
بواسطة dahab في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-01-2011, 08:51 PM
-
بواسطة dahab في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-01-2011, 08:49 PM
-
بواسطة مجاهد في الله في المنتدى البشارات بالرسول صلى الله عليه وسلم
مشاركات: 60
آخر مشاركة: 12-06-2010, 03:19 AM
-
بواسطة مسلمة وكفى بها نعمة في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 12
آخر مشاركة: 21-11-2008, 08:43 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات