بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


وصفة لتحرير فلسطين
الاثنين 09 رجب 1431 الموافق 21 يونيو 2010



د. محمد مورو

هل يمكنُنا أن نمتلكَ من الخيال الإيجابي والثقة في النفس ما يجعلنا نناقش وصفة بسيطة لتحرير فلسطين -كل فلسطين- عن طريق القوافل الشعبية البريَّة والبحرية ولكن بالملايين من البشر غير المسلمين من العالم العربي والإسلامي وأحرار العالم، وكل فلسطينيي الشتات، وهل هذا ممكن فعلا؟!

كَشفت قوافل الحرية لغزة, التي نظَّمتها منظمات إنسانية أهليَّة، وعدد من الناشطين الأحرار في مختلف أنحاء العالم عن أن هناك طريقًا خصبًا لتحريك القضايا المعقَّدة, بل وتحقيق نتائج لم تكن في حسبان أحد, ويرى المحلِّل البريطاني المنصف روبرت فيسك أن القرار الآن لم تعد تتخذه الحكومات ولا وزارات الخارجية بل النشطاء والمنظمات الأهلية, والصحيح أن تقول بناء على رأي روبرت فيسك أن الفساد وازدواج المعايير قد أصاب الحكومات في معظم أنحاء العالم, بحيث أنها أصبحت غير قادرة أو غير راغبة على اتخاذ الموقف العادل في مختلف القضايا, علينا أن نقرأ المستجدات ونستخلص النتائج.

فالذي حدث أن عددًا من السفن تحمل مواد غذائية وطبية وإنشائية قد عزمت على التوجه إلى غزة لمساعدة أهلها, فتصدَّت لها قوات بحرية وجوية إسرائيلية، واعتدت عليها وقتلت عشرة من أفرادها وجرحت خمسين آخرين, واهتزَّ ضمير العالم, وبات من الممكن جدًّا أن يتمَّ كسر الحصار على غزة لو استمرت تلك القوافل, وقد يقول البعض أن الضمير الإنساني قد اهتزَّ نتيجة حماقة إسرائيل في قيامها بالتصدي للقوافل والبواخر في المياه الدولية، وكذا قتلها وجرحها عددًا من الناشطين، وهذا صحيح جزئيًّا؛ لأن العدوان والقتل زاد من تأثر الضمير الإنساني في كل أنحاء العالم, ولكن هذا التأثر كان سيحدث أيضًا لو لم يسقط قتلى وجرحى, وكذا فإن الغريزة الاستعمارية عمومًا, والصهيونية خصوصًا, لا بدَّ أن تقود الدول الاستكبارية إلى مثل هذه التصرفات الحمقاء, والشيخ رائد صلاح وهو من عرب 1948 الذين يعيشون داخل فلسطين المحتلة, ويحتكّ يوميًّا مع سلطات الاحتلال الصهيوني, يعرف طبيعة تركيب المجتمع الصهيوني, ويرى أنه كيان متغطرِس وغبي, ونضيف إليه أنه أيضًا هشّ, والغطرسة والغباء والإحساس بالمأزق داخل المجتمع الصهيوني سيقود حتمًا إلى المزيد من الممارسات الغبية التي تؤجِّج الرأي العام العالمي ضد إسرائيل, ونحن في عالم الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية والإنترنت لا يمكن تجاهل التحركات الأهلية ذات الطابع السلمي, لا يمكن لإسرائيل أو أمريكا أو أحد أن يتجاهل أو يتجاوز هذا الفعل الإنساني, وهكذا كانت قافلة الحرية كلها خير رغم سقوط شهداء, كانت خيرًا لغزة, وخيرًا لفلسطين كلها وخيرًا لمن شارك فيها, وبدايةً فإن قافلة الحرية لغزة قد كشفت عددًا من الحقائق كالتالي:

- أن الكيان الصهيوني كيان متغطرس وغبي وأحمق وهش.

- أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تصلح وسيطًا, بل هي نفسها تتحمل جزءًا من المسئولية الجنائية والأخلاقية عما حدث.

- أن الأطر الرسمية الدولية لا قيمة لها, مثل مجلس الأمن أو غيره.

- أن أوروبا الرسمية منافقة.

- أن الحكومات العربية عاجزة.

- أن الدور التركي يتعاظم في المنطقة على حساب الدور الإيراني مثلا, وهناك ترحيب من الشعوب العربية والإسلامية بهذا الدور لأنه لا يغير حساسية طائفية, فتركيا دولة مسلمة سُنيَّة.

وقد حققت قافلة الحرية لغزة عددًا من النتائج الإيجابية كالتالي:

- اضطرَّت حكومة مصر لفتح معبر رفح، وهو أمر لم يتحقق من قبلُ بسهولة.

- اضطرَّت حكومات عربية إلى تجميد مشاركتها في مبادرة السلام العربية.

- اضطرت سلطة أبو مازن لإدانة إسرائيل.

- حققت نوعًا من التضامن الشعبي في مختلف أنحاء العالم مع أهالي غزة, وأعادت قضية حصار غزة وأهلها إلى الصدارة بعد أن تم إهمالُها طويلًا.

- حقَّقت للحكومة التركية رغبتها في تقليص العلاقات مع إسرائيل تمهيدًا لقطعها في النهاية, لأن من المعروف أن القرار الاستراتيجي في تركيا ليس بيد وزارة حزب العدالة والتنمية, بل هي مسألة معقدة يدخل فيها الجيش والقضاء والدستور العلماني التركي, وإذا كانت حكومة أردوغان لم تكن لتستطيع تقليص التعاون العسكري التركي الإسرائيلي أو التوجه في آخر المدى إلى القضاء العربي والإسلامي؛ لأن ذلك سيثير العلمانيين الأتراك ومجلس الأمن القومي التركي والقضاء والجيش في تركيا، فإن ما أراده حزب العدالة والتنمية في التوجه إلى القضاء الإسلامي, أو تقليص العلاقات مع إسرائيل قد أصبح مطلبًا للأحزاب العلمانية ذاتها, بل واتخذ الجيش التركي نفسه قرارًا بإلغاء المناورات العسكرية مع إسرائيل؛ لأن كرامة تركيا قد امتهنت على يد الجيش الصهيوني, وسالت دماء شهداء أتراك.


وقد يقول البعض أن هذا المكسب الذي حقَّقه حزب العدالة والتنمية داخل تركيا سيكون أمرًا مؤقتًا, فالجيش والأحزاب العلمانية التركية سوف تعود لامتلاك زمام المبادرة وحصار هذه الرغبة لرجال أردوغان وأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تضغط على تركيا لتحسين علاقاتها مع إسرائيل مرة أخرى, ولكننا نرى أن حزب العدالة والتنمية وأردوغان لا يتراجع بسهولة عن مكسب حققه خاصةً أن المجتمع التركي كان شديد الاستفزاز تجاه إسرائيل، وأن الولايات المتحدة الأمريكية تعرف أن الصدام مع تركيا فيه خسارةٌ مؤكدة للولايات المتحدة الأمريكية على مستوى استراتيجيتها العالمية في الحرب على الإرهاب؛ فوجود حزب قوي ذي ميول إسلامية معتدلة في تركيا ضرورة لعدم انتشار الإرهاب عن طريق تركيا أو في تركيا ذاتها ممتدًّا إلى أوروبا وأمريكا, وحكومة أردوغان تعرف هذا الأمر وتتصدى بثقة تجاه الولايات المتحدة.

إذا أردنا أن نستفيد من تلك التجربة, فإن علينا الدعوة إلى مزيد من القوافل لتحقيق كسر الحصار عن غزة, بل يمكننا أيضًا الدعوة إلى قوافل برية مليونية عن طريق تجمع العرب والمسلمين وأحرار العالم وكل فلسطيني في الخارج أيضًا على الحدود مع الكيان الصهيوني من خلال الحدود المصرية والأردنية واللبنانية والسورية وعن طريق قوافل الحرية كبيرة جدًّا أمام الشواطئ الفلسطينية المحتلَّة, وإذا نجحنا في تحقيق عدد من المظاهرات المليونية على الحدود ومن البحر, فربما تكون هذه هي نهاية إسرائيل بالفعل ولا يعتقدن أحد أن هذا مجرد خيال لن يتحقق, فإن الثقة في الله تعالى والثقة في شعوبنا العربية والإسلامية والثقة في أحرار العالم والثقة في منظمات المجتمع المدني أكبر كثيرًا مما نتصور.



الإسلام اليوم