حفظ الله للقرآن

ممّا يدلّ على صدق نبوّة الرّسول صلى الله عليه وسلم حفظ الكتاب الّذي أرسل به إلى

النّّاس، ألا وهو القرآن الكريم، فقد حفظ هذا الكتاب حفظا لم يعرف له نظير من قبل

في الكتب السّماويّة الأخرى؛لأن الله هو الذي تولّى حفظه، وسخّر لذلك ما شاء من

الأسباب، فحفظه الأمة في المحارب، و الصبيان في الكتاتيب، لا تسأل عن نقطه

و شكله، ولا عن نسخه و رسمه

فقد تفنن في ذالك المسلمون أيّما تفنن، فجلس القراء يقرئونه في المساجد، والعلماء

يفسّرونه في المعاهد، لا يحول أحد تحريف حرف منه إلا افتضح من توّه

قال الباجي رحمه الله : كتابنا محفوظ يحفظه الصغير و الكبير، لا يمكن لأحد الزيادة فيه

و لا النقصان ، والذي يقرأ به من أبعد المشرق هو الذي يقرأ به من في أبعد المغرب

دون زيادة حرف و لا لفظة و لا اختلاف في الحركة و لا نقطة»

من مقدّمة محقّق كتاب الباجي{ فصول الحكمة}ص 62 ،

وفي التفسير القرطبي {10/5-6 }عن يحيى بن أكثم قال : " كان للمأمون- و هو أمير

إذاك- مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب

الرّائحة، قال:فلمّا تقوّض المجلس دعاه المأمون،

فقال له:إسرائيلي؟ قال: نعم! قال له:أسلم حتّى أفعل بك و أضع، ووعد، فقال: ديني

و دين أبائي!!وانصرف، قال:فلمّا كان بعد سنة جاءنا مسلما، قال: فتكلم على الفقه

فأحسن الكلام، فلمّا تقوّض المجلس دعاه المأمون،و قال:ألست صاحبنا بالأمس

قال له بلى!قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك، فأحببت أن أمتحن

هذه الأديان و أنت تراني حسن الحظفعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها

و نقصت، وأدخلتها الكنيسة، فاشتريت منّي، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ

فزدت فيها و نقصت، وأدخلتها البيعة فاشترت مني، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث

نسخ وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الورّاقين فتصفّحوها، فلمّا أن وجدوا فيها الزيادة

و النقصان راموا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا إسلامي

قال يحيى بن أكثر:فحججت تلك السّنة فلقيت سفيان بن عيينة، فذكرت له الخبر

فقاللي: مصداق هذا في كتاب الله عزّ و جلّ، قال: قلت: في أي موضع؟ قال: في قول

الله تبارك و تعالى في التوراة و الإنجيل: {بما أستحفظوا من كتب الله} المائدة (44).

فجعل حفظه إليهم فضاع،

و قول الله تبارك {إنا نزّلنا الذّكر و إنا له لحفظون}

الحجر(9 ) فحفظها لله عزّ و جلّ علينا فلم

يضع »


كتاب: من كل أية فائدة
المؤلف : عبد المالك رمضاني الجزائري