بسم الله الرحمن الرحيم

المسألة الثانية:

روي عن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ قال: رجل قتل نبياً أو رجلاً أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقرأ هذه الآية ثم قال: يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيّاً من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة رجل وإثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل، فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعاً من آخر النهار في ذلك اليوم فهم الذين ذكرهم الله تعالى، وأيضاً القوم قتلوا يحيـى بن ذكريا، وزعموا أنهم قتلوا عيسى بن مريم فعلى قولهم ثبت أنهم كانوا يقتلون الأنبياء.

وفي الآية سؤالات :

السؤال الأول:

إذا كان قوله {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بَِٔايَـٰتِ ٱللَّهِ} في حكم المستقبل، لأنه وعيد لمن كان في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يقع منهم قتل الأنبياء ولا القائمين بالقسط فكيف يصح ذلك؟.

والجواب من وجهين الأول: أن هذه الطريقة لما كانت طريقة أسلافهم صحت هذه الإضافة إليهم، إذ كانوا مصوبين وبطريقتهم راضين، فإن صنع الأب قد يضاف إلى الابن إذا كان راضياً به وجارياً على

طريقته الثاني: إن القوم كانوا يريدون قتل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقتل والمؤمنين إلا أنه تعالى عصمه منهم، فلما كانوا في غاية الرغبة في ذلك صح إطلاق هذا الاسم عليهم على سبيل المجاز، كما يقال: النار محرقة، والسم قاتل، أي ذلك من شأنهما إذا وجد القابل، فكذا ههنا لا يصح أن يكون إلا كذلك.

السؤال الثاني: ما الفائدة في قوله

{وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۧنَ بِغَيْرِ حَقٍّ} وقتل الأنبياء لا يكون إلا كذلك.

/والجواب: ذكرنا وجوه ذلك في سورة البقرة، والمراد منه شرح عظم ذنبهم، وأيضاً يجوز أن يكون المراد أنهم قصدوا بطريقة الظلم في قتلهم طريقة العدل.

السؤال الثالث: قوله {وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۧنَ} ظاهره مشعر بأنهم قتلوا الكل، ومعلوم أنهم ما قتلوا الكل ولا الأكثر ولا النصف.

والجواب: الألف واللام محمولان على المعهود لا على الاستغراق.

الصفة الثالثة: قوله {وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ} وفيه مسائل:

المسألة الأولى: قرأ حمزة وحده بالألف والباقون {ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ} وهما سواء، لأنهم قد يقاتلون فيقتلون بالقتال، وقد يقتلون ابتداء من غير قتال وقرأ أُبي {وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۧنَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ} .

المسألة الثانية: قال الحسن: هذه الآية تدل على أن القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الخوف، تلي منزلته في العظم منزلة الأنبياء، وروي أن رجلاً قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: أي الجهاد أفضل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».

واعلم أنه تعالى كما وصفهم بهذه الصفات الثلاثة، فقد ذكر وعيدهم من ثلاثة أوجه الأول: قوله {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: إنما دخلت الفاء في قوله {فَبَشِّرْهُم} مع أنه خبران، لأنه في معنى الجزاء والتقدير: من يكفر فبشرهم.


ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد انتقاله إلى المدنية صار إلى حالة ثانية من الامتحان وكانت محنته فيها باليهود وآذوه وظاهروا عليه وهموا بإلقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه الله كما نجى عيسى منهم ثم سموه في الشاة فلم تزل تلك الأكلة تعاده حتى قطعت أبهره كما قال عند الموت وهكذا فعلوا بابني الخالة عيسى ويحيى. قوله تعاده يقال عادته اللسعة إذا أتته لعداد بالكسر أي: لوقت وفي الحديث: «ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري» وهو عرق في الظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه وذلك أن يهودية أتت رسول الله بشاة مسمومة فأكل منها وأكل القوم فقال عليه السلام: «ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة» فمات بشر بن البراء منه فجيىء بها إلى رسول الله فسألها عن ذلك فقالت: أردت أن أقتلك فقال عليه السلام: «ما كان الله ليسلط على ذلك» أي: على قتلي. قال الشيخ افتاده قدس سره: وإنما لم يؤثر السم فيه عليه السلام إلى الاحتضار لأن إرشاده عليه السلام وإن كان في عالم التنزل غير أن تنزله كان من مرتبة الروح وهي أعدل المراتب فلم يؤثر فيه إلى الاحتضار فلما احتضر تنزل إلى أدنى المراتب لأن الموت إنما يجري على البشرية فلما تنزل إلى تلك المرتبة أثر فيه