17
‏والسماء ذات البروج‏*‏

يستهل ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ سوره البروج بقسم عظيم بثلاث من اياته اولاها قوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ والسماء ذات البروج
وفي شرح دلاله هذا القسم القراني تعددت روي المفسرين بين قائل بان المقصود منه هو التنبيه الي روعه خلق السماء‏,‏ واتقان صنعها‏,‏ وحسن بهائها‏,‏ وقائل بان المقصود بالتنبيه اليه هي النجوم التي تنتشر فيها بتجمعاتها المبهره‏,‏ الي قائل بان المقصود بذلك هي منازل الشمس والقمر عبر تلك النجوم‏,‏ الي جامع بين هذه الروي جميعا‏.‏

ولما كان القسم في القران الكريم ياتي من اجل تنبيهنا الي اهميه الامر المقسوم به‏-‏ لان الله تعالي غني عن القسم لعباده‏-‏ فان السوا ل الذي يتبادر الي الذهن مباشره هو‏:‏ ماهي تلك البروج التي في السماء والتي اقسم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بها‏,‏ وسمي سوره من سور القران الكريم باسمها وماهي اهميتها لاستقامه الحياه علي الارض والتي اراد الله‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ تنبيهنا اليها؟
وقبل الاجابه عن هذين السوالين لابد لنا من توضيح دلاله لفظ‏(‏ البروج‏)‏ في كل من اللغه العربيه والقران الكريم‏.‏

‏(‏البروج‏)‏ في اللغه العربيه



بروج السماء كما تري من نصف الارض الجنوبي
يقال‏(‏ برج‏)‏ الشيء‏(‏ يبرج‏)(‏ بروجا‏)‏ اي ظهر وارتفع ويقال‏:(‏ برج‏)‏ و‏(‏ابرج‏)(‏ بروجا‏)‏ و‏(‏تبريجا‏)‏ اي بني‏(‏ برجا‏),‏ و‏(‏البرج‏)‏ وجمعه‏(‏ بروج‏)‏ و‏(‏ابراج‏)‏ و‏(‏ابرجه‏)‏ هو الحصن او القصر او البناء المرتفع علي شكل مستدير‏,‏ مستطيل او مربع‏,‏ ويكون منفردا او قسما من بنايه عظيمه ف‏(‏برج‏)‏ الحصن ركنه‏,‏ و‏(‏البرج‏)‏ ايضا هو واحد‏(‏بروج‏)‏ السماء وهي تسميه تطلق علي اثنتي عشره كوكبهتحيط بوسط الكره السماويه كما نراها من الارض علي هيئه حزام عند دائره البروج وهي الدائره التي تحيط بخط الاستواء الافتراضي للقبه السماويه‏.‏

وثوب‏(‏ مبرج‏)‏ اي صورت عليه‏(‏ بروج‏)‏ فاعتبر حسنه‏,‏ وقيل‏(‏ تبرجت‏)‏ المراه اي تشبهت بكل‏(‏ مبرج‏)‏ في اظهار المحاسن‏,‏ وقيل‏:‏ ظهرت من‏(‏ برجها‏)‏ اي قصرها‏,‏ و‏(‏التبرج‏)‏ هو سفور المراه واظهار زينتها ومحاسنها للرجال‏,‏ و‏(‏البرج‏)‏ ايضا هو سعه العين وحسنها تشبيها ب‏(‏ البرج‏)‏ في الامرين السابقين‏,‏ ويقال‏(‏ برجت‏)‏ عينه كان بياضها محدقا بالسواد كله‏,‏ ف‏(‏ البرج‏)‏ هو السعه في كل امر‏,‏ يقال‏(‏ برج‏)(‏ برجا‏)‏ اي اتسع امره في الاكل والشرب ونحوهما‏,‏ و‏(‏البرج‏)‏ هو الجميل وجمعه‏(‏ ابراج‏),‏ يقال‏(‏ برج‏)‏ و‏(‏برجت‏)‏ اي حسن وحسنت فهو‏(‏ ابرج‏)‏ وهي‏(‏ برجاء‏),‏ وجمعهما‏(‏ برج‏)‏ و‏(‏البارج‏)‏ هو الملاح الماهر‏,‏ و‏(‏البارجه‏)‏ وجمعها‏(‏ بوارج‏)‏ سفينه قتاليه كبيره‏,‏ ويقال‏:‏ سفينه‏(‏ بارجه‏)‏ اي لاغطاء لها‏,‏ و‏(‏تباريج‏)‏ النبات هي ازاهيره‏,‏ و‏(‏الابريج‏)‏الممخضه يمخض‏(‏ اي يخفق‏)‏ بها اللبن لاستخراج القشده منه‏.‏

لفظه‏(‏ البروج‏)‏ في القران الكريم



بروج السماء كما تري من نصف الارض الشمالي
وردت لفظه‏(‏ البروج‏)‏ مرتبطه بالسماء ثلاث مرات في القران الكريم علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين‏(‏ الحجر‏:16)‏

‏(2)‏ تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا‏*(‏ الفرقان‏:61)‏
‏(3)‏ والسماء ذات البروج‏*(‏ البروج‏:1)‏

كما جاءت لفظه‏(‏ البروج‏)‏ بمعني الحصن مره واحده في قوله‏(‏ تعالي‏):‏
اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيده‏*(‏ النساء‏:78)‏

وجاء الفعل‏(‏ تبرج‏)‏ والاسم‏(‏ تبرج‏)‏ والصفه‏(‏ متبرجات‏)‏ في النهي عن السفور وابداء الزينه في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهليه الاولي‏..*(‏ الاحزاب‏:33)‏

وفي قوله‏(‏ تعالي‏):.‏
فليس عليهن جناح ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينه‏..*(‏ النور‏:60)‏

اراء المفسرين



احداثيات السماء
في تفسير الايه القرانيه الكريمه التي يقول فيها الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
والسماء ذات البروج‏*‏

ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ان الله تعالي يقسم بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام‏,‏ واشار الي قول ابن عباس‏(‏ رضي الله تبارك وتعالي عنهما‏)‏ ان البروج هي النجوم‏,‏ والي قول يحيي بن رافع‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ان البروج هي قصور في السماء‏,‏ والي قول المنهال بن عمرو‏(‏ رحمه الله‏)‏ انها هي الخلق الحسن‏,‏ والي قول ابن جرير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ انها منازل الشمس والقمر‏,‏ وهي اثنا عشر منزلا‏(‏ برجا‏)‏ تسير الشمس في كل واحد منها شهرا‏,‏ ويسير القمر في كل واحد منها يومين وثلثا‏,‏ فذلك ثمانيه وعشرون منزلا‏,‏ ويستتر ليلتين‏.‏
وذكر مخلوف‏(‏ يرحمه الله‏):(‏ والسماء‏)‏ اقسم الله بها وبما بعدها‏(‏ ذات البروج‏)‏ ذات المنازل والطرق الاثني عشر التي تسير فيها الكواكب‏,‏ شبهت بالقصور لنزول الكواكب بها‏,‏ كما ينزل الاكابر والاشارف بالقصور‏,‏ جمع‏(‏ برج‏)‏ وهو القصر العالي‏.‏

وذكر صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):‏ تبدا السوره‏-‏ قبل الاشاره الي حادث الاخدود‏-‏ بهذا القسم‏:‏ والسماء ذات البروج‏,‏ وهي اما ان تكون اجرام النجوم الهائله وكانها بروج السماء الضخمه اي قصورها المبنيه‏..‏ واما ان تكون هي المنازل التي تنتقل فيها تلك الاجرام في اثناء دورانها‏,‏ وهي مجالاتها التي لا تتعداها في جريانها في السماء‏,‏ والاشاره اليها توحي بالضخامه وهي الظل المراد القاوه في هذا الجو‏..‏ وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ في معني هذه الايه الكريمه اقسم بالسماء ذات المنازل التي تنزلها الكواكب اثناء سيرها‏,‏ وفي التعليق الهامشي اشاروا الي ان البروج في هذه المجموعات من مواقع النجوم التي تظهر علي اشكال مختلفه في السماء مقسمه الي اثني عشر قسما تمر خلالها الارض والكواكب في اثناء دورتها حول الشمس‏..‏
وذكر الصابوني‏(‏ امد الله في عمره‏):‏
اي واقسم بالسماء البديعه ذات المنازل الرفيعه‏,‏ التي تنزلها الكواكب اثناء سيرها‏,‏ واشار الي اقوال عدد من المفسرين السابقين بان هذه المنازل سميت‏(‏ بروجا‏)‏ لظهورها‏,‏ وشبهت بالقصور لعلوها وارتفاعها لانها منازل للكواكب السياره‏.‏

تحديد مواقع نجوم السماء



بعض الهيئات التي تري عليها بروج السماء
نظرا لتعاظم ابعاد مواقع النجوم عنا كان لابد من وضع نظام مساحي يمكن بواسطته تحديد تلك المواقع علي القبه السماويه باستخدام مجموعه احداثيات مشابهه لتلك الاحداثيات الموظفه في المساحه الارضيه‏,‏ وذلك باسقاطها علي القبه السماويه‏,‏ فكما ان هناك خط استواء للارض تم اقتراح خط استواء للقبه السماويه‏,‏ ينطبق علي خط الاستواء الارضي ويقع فوقه بارتفاع هائل‏,‏ وكما ان هناك قطبين للارض‏(‏ شمالي وجنوبي‏)‏ تم اقتراح قطبين مماثلين للقبه السماويه يقعان علي امتداد محور دوران الارض‏,‏ وكما ان هناك خطوط طول وخطوط عرض للارض تبدا من خط طول اساسي ومن خط الاستواء‏(‏ علي التوالي‏)‏ تم اقتراح خطوط مماثله للقبه السماويه‏,‏ وبواسطه تلك الخطوط يمكن تحديد مواقع النجوم‏.‏
ولما كانت الارض تدور حول محورها من الغرب الي الشرق دوره كامله كل‏24‏ ساعه تقريبا‏(‏ كل‏23‏ ساعه‏,56‏ دقيقه‏)‏ فان كلا من النجوم واحداثيات القبه السماويه تبدو بالنسبه لراصد من الارض وكانها هي التي تدور من الشرق الي الغرب بنفس المعدل في نفس الفتره الزمنيه‏.‏

وبينما النجوم ثابته في مواقعها من السماء الدنيا ثباتا نسبيا لتعاظم ابعادها عنا‏,‏ والشمس تجري علي مقربه نسبيه منا‏(‏ مائه وخمسين مليون كيلو متر‏)‏ فان مواقع الشمس تظهر للراصد الارضي متحركه في صفحه السماء‏,‏ ويسمي مدار الشمس السنوي الظاهري علي القبه السماويه‏(‏ اي ممر مواقع الشمس في قبه السماء بالنسبه الي النجوم البعيده عنا‏)‏ باسم دائره البروج
‏(The Zodiacor The Ecliptic)‏
وهي دائره تميل بمقدار‏(2327)‏ علي خط الاستواء السماوي‏,‏ وتتقاطع الدائرتان في نقطتي الاعتدالين الربيعي والخريفي في نصف الكره الشمالي‏(‏ في حوالي‏21‏ من مارس‏,23‏ من سبتمبر علي التوالي‏)‏ وفي هذين الاعتدالين يتساوي طول كل من الليل والنهار‏.‏
وفي حوالي‏12/21,6/21‏ من كل عام تصل الشمس الي اقرب نقطتين الي الشمال والي الجنوب‏(‏ علي التوالي‏)‏ وهما بدايتا كل من الصيف والشتاء‏(‏ علي التوالي ايضا‏)‏ وتسميان نقطتي الانقلاب الصيفي والشتوي وتحسب احداثيات السماء باستخدام دوائر الساعه‏,‏ وهي دوائر عظمي تمر باقطاب القبه السماويه وتقطع خط استوائها عموديا‏,‏ وحيث ان الارض تتم دورتها حول محورها في اربع وعشرين ساعه تقريبا‏,‏ فان كل ساعه تساوي خمس عشره درجه‏(360‏ درجه‏%24‏ ساعه‏=15‏ درجه‏),‏ وتقسم الدرجه الي ستين دقيقه‏,‏ وتقسم الدقيقه الي ستين ثانيه‏,‏ وتشرق نجوم السماء وتغرب بزوايا علي افق السماء كما تشرق الشمس وتغرب بزوايا علي افق الارض‏.‏

‏(‏البروج‏)‏ في علوم الفلك
البروج هي تجمعات للنجوم البعيده عنا‏,‏ تصورها الناس منذ القدم علي هيئه اشكال معينه كوسيله من وسائل التعرف المبدئي عليها‏,‏ والتمييز بينها‏,‏ واعطوا لهذه الاشكال اسماء محدده‏,‏ تباينت من دوله لاخري‏,‏ ومن حضاره الي حضاره‏,‏ ولكنها اجمعت علي تقسيم الحزام المحيط بوسط الكره السماويه الي اثني عشر برجا بعدد شهور السنه‏,‏ من مثل برج الحمل الذي يبدا في الظهور في حدود الحادي والعشرين من شهر مارس‏,‏ ثم برج الثور في حدود الحادي والعشرين من شهر ابريل‏,‏ وهكذا لكل شهر زمني برج من هذه الابراج بالترتيب التالي‏:‏ الحمل‏,‏ الثور‏,‏ الاسد‏,‏ الجوزاء‏,‏ السرطان‏,‏ العذراء‏(‏ السنبله‏)‏ الميزان‏,‏ العقرب‏,‏ القوس‏,‏ الجدي‏,‏ الدلو‏,‏ الحوت‏.‏
وتسمي هذه باسم كوكبات حزام البروج

‏(Zodiacal Constellations)‏
وهي تشكل شريطا ممتدا علي جانبي خلفيه مدار الارض حول الشمس‏,‏ بامتداد تسع درجات علي كل من جانبيه‏,‏ ويقسم الي اثنتي عشره منطقه اساسيه يشغل كل منها حوالي‏30‏ درجه من درجات خطوط الطول السماويه بزياده او بنقص قليل في كل منطقه‏.‏ وتمثل هذه البروج الخلفيه النجميه التي تجري عبرها المجموعه الشمسيه علي صفحه السماء خلال السنه الشمسيه‏,‏ وهذه البروج غير متساويه تماما في الطول‏,‏ ولا في تاريخ بداياتها‏,‏ فبرج الحمل مثلا لا يمثل نقطه بدايه الاعتدال الربيعي التي تحدث حول الحادي والعشرين من مارس في كل عام‏.‏
ومن المعروف ان الدائره المتوسطه لحزام البروج تميل علي خط الاستواء السماوي بمعدل ثلاث وعشرين درجه ونصف تقريبا‏(2327)‏ وتعرف هذه الدائره باسم دائره البروج
‏(The Zodiacor the Ecliptic)‏
وتتقاطع مع دائره خط الاستواء في نقطتين‏:‏ الاولي هي نقطه الاعتدال الربيعي‏,‏ والثانيه هي نقطه الاعتدال الخريفي‏.‏

والانسان يمكنه من فوق سطح الارض ان يري بالعين المجرده حوالي سته الاف نجم في الاجواء الصافيه‏,‏ ومنذ القدم حاول الانسان التعرف علي تلك النجوم‏,‏ ووصفها وتسميتها او ترقيمها‏,‏ ومعرفه موعد ظهورها‏,‏ وحاول رسم خرائط للسماء بواسطتها وقد سجل ذلك في اغلب الحضارات القديمه من مثل الحضارات المصريه‏,‏ والكلدانيه والفارسيه‏,‏ والهنديه والصينيه‏,‏ والاغريقيه والرومانيه وغيرها‏.‏
وكان اول ما فعله هولاء هو تقسيم النجوم التي تري من فوق سطح الارض في القبه السماويه بقسميها الشمالي والجنوبي في زمن واحد الي نطق يتميز كل منها بتجمع خاص من تجمعات النجوم عرفت باسم البروج او التجمعات النجميه
‏(Constellations),‏
وتركز ذلك في بادئ الامر علي التجمعات النجميه حول خط الاستواء الوهمي للقبه السماويه‏,‏ وهي ايسر ما يري بالعين المجرده من فوق سطح الارض‏,‏ وقد قسمت تلك التجمعات النجميه الي نطق محدده‏,‏ يتميز كل منها بتجمع خاص من تجمعات النجوم عرفت باسم البروج‏,‏ وسمي كل منها باسم خاص‏,‏ وتعددت حولها الاسماء‏,‏ وحيكت الخرافات والاساطير خاصه في ظل الوثنيات القديمه والحديثه‏.‏

وحقيقه التجمعات النجميه‏(‏ البروج‏),‏ انها مساحات محدده من السماء الدنيا‏,‏ يحوي كل منها في كل فتره زمنيه محدده اعدادا من النجوم التي تبدو لنا متقاربه مع بعضها البعض رغم المسافات الشاسعه التي تفصلها نظرا لبعدها الشاسع عنا ولوجودها في اتجاهات محدده‏,‏ بالنسبه لنا‏,‏ وهذه النجوم التي تبدو لنا من الارض في نفس الاتجاه‏,‏ قد تكون في مجموعات نجميه متفرقه تفرقا بعيدا وليست في مجموعه واحده‏,.‏
وتبدو هذه التجمعات النجميه وكانها تتحرك حركه ظاهريه بطيئه في صفحه السماء من الشرق الي الغرب تماثل الحركه الظاهريه للشمس في جريانها‏,‏ وتقابل حركه دوران الارض من الغرب الي الشرق‏,‏ فتبدو لنا النجوم وكانها تشرق من الشرق وتغرب في الغرب‏,‏ سواء في ذلك النجوم البطيئه‏(‏ الثوابت‏)‏ او النجوم السياره السريعه‏,‏ لان كل التجمعات النجميه تري بتلك الهيئه في الحركه‏.‏

في سنه‏150‏ م نشر احد ابناء صعيد مصر واحد تلامذه مدرسه الاسكندريه واسمه بطليموس الفلوزي الاسكندري كتابه المسمي باسم المجسطي
‏(Almagest)‏
الذي وصف فيه حوالي‏48‏ كوكبه من كوكبات السماء‏.‏
وبين القرنين الثامن والسادس عشر قام علماء المسلمين بنقد وتصحيح العلوم الفلكيه التي وجدوها في الحضارات السابقه عليهم‏,‏ واضافوا اليها اضافات جوهريه عديده كان اهمها تحويل علم الفلك من الحيز النظري المليء بالخرافات والاساطير الي الحيز العملي التطبيقي‏,‏ وطهروه من ادران التنجيم والشعوذه‏,‏ وجعلوه علما استقرائيا يعتمد علي الملاحظه الحسيه والمقاييس العلميه والحسابات الرياضيه والهندسيه‏,‏ فعرفوا منازل الشمس بالنسبه للبروج‏,‏ وقسموها الي اربعه منازل تمثل فصول السنه‏:‏ الربيع‏,‏ والصيف‏,‏ والخريف‏,‏ والشتاء‏,‏ وخصصوا لكل منزل ثلاثه بروج‏:(‏ الحمل والثور والجوزاء‏)‏ للربيع‏,‏ والسرطان والاسد والعذراء‏(‏ السنبله‏)‏ للصيف‏,‏ و‏(‏ الميزان والعقرب والقوس‏)‏ للخريف‏,‏ و‏(‏الجدي والدلو والحوت‏)‏ للشتاء‏.‏ والكثير من النجوم والبروج لاتزال تحمل اسماء عربيه من مثل‏:‏ سهيل‏,‏ والجوزاء‏,‏ والدب الاكبر‏,‏ والدب الاصغر‏,‏ والنسر الواقع‏,‏ والنسر الطائر‏,‏ والغول‏,‏ وبيت الجوز وغيرها وكثير من التعبيرات الفلكيه من مثل المجره والسمت وغيرها هي تعبيرات عربيه اصيله‏.‏

وكثير من الاجهزه الفلكيه من مثل البوصله والمزوله‏,‏ والاسطرلاب والمراصد كانت ابتكارات عربيه خالصه‏.‏
في سنه‏1603‏ م قام اليكسندر مير
‏(Alexander Mair)‏
بنقش فلك المجموعات النجميه في مرسمه للسماء‏,‏ واضاف اثنتي عشره كوكبه جديده الي ما كان قد ذكره بطليموس‏.‏

وفي سنه‏1664‏ م اضاف جاكوب بارتش
‏(Jacob Bartsch)‏
ثلاث كوكبات اخري‏,‏ واضاف نيكولاس لويز
‏(Nicolas Louis)‏
كوكبه جديده في نفس الفتره تقريبا‏,‏ ثم اضاف‏14‏ كوكبه اخري بعد ذلك بسنوات قليله‏.‏
في سنه‏1690‏ م اضاف جوهان هيفيليوس
‏(Jehannes Hevelius)‏
تسعه كوكبات جنوبيه جديده‏,‏ واصبح عدد الكوكبات المعروفه الان ثمانيه وثمانين كوكبه‏,‏ يختلف ظهورها في السماء باختلاف خطوط العرض الارضيه‏,‏ وباختلاف الفصول المناخيه‏(‏ اي باختلاف موقع الارض في مدارها حول الشمس علي مدار السنه‏),‏ وعلي ذلك فان هناك كوكبات للصيف‏,‏ وكوكبات للربيع‏,‏ وكوكبات للخريف‏,‏ وكوكبات للشتاء مع بعض التداخلات الزمانيه والمكانيه‏.‏

وفي سنه‏1928‏ م وافق الاتحاد الفلكي الدولي علي تقسيم الكره السماويه بنصفيها الشمالي والجنوبي الي ثمان وثمانين مجموعه نجميه‏(‏ كوكبه‏),‏ بحيث يمكن نسبه اي نجم في السماء الي اي من هذه الكوكبات التي قد تختلف اسماوها من بلد الي اخر‏.‏ وكل كوكبه من هذه الكوكبات‏(‏ اي كل برج من هذه البروج‏)‏ تبدو لنا ثابته لتعاظم بعدها عنا‏,‏ كما تبدو لنا متقاربه حتي لتوحي لنا باتصالها فتعطي هيئه معينه‏,‏ او شكلا محددا‏,‏ وقد اعطي كل منها اسما معينا يتفق مع الشكل او الهيئه المستوحاه من تقارب نجومه‏,‏ وفي المنظور الفلكي يعتبر البرج او الكوكبه منطقه علي الكره السماويه تظهر بها مواقع للنجوم الذي يعطي تقارب مواقعها ايحاء بالشكل او الهيئه المستوحاه من هذا التقارب‏.‏ وحسب موقعها بالنسبه لخط الاستواء الوهمي للقبه السماويه يمكن التمييز بين كوكبات نصف الكره السماويه الشمالي‏(‏ الكوكبات الشماليه‏),‏ وكوكبات المنطقه الاستوائيه السماويه‏(‏ كوكبات دائره البروج‏),‏ وكوكبات نصف الكره السماويه الجنوبي‏(‏ الكوكبات الجنوبيه‏).‏ ولما كانت الشمس في حركتها السنويه الظاهريه علي البروج دائمه الانتقال الي مناطق مختلفه من السماء فان الكوكبات التي تري بعد غروب الشمس تتغير دوريا مع فصول السنه‏,‏ وبذلك يمكننا ان نميز بين كوكبات صيفيه‏(‏ مثل السلياق والعقاب‏),‏ وكوكبات شتويه‏(‏ مثل الجبار والكلب الاكبر‏)‏

ولا يدل الانتظام الظاهري لافراد الكوكبه عند رويتها من الارض علي انها تكون وحده حقيقيه في صفحه السماء الدنيا‏,‏ فقد تكون هذه المواقع النجميه بعيده جدا عن بعضها البعض‏,‏ ولكنها تظهر لنا متقاربه لتعاظم ابعادها عنا‏,‏ ولوقوعها في نفس الاتجاه بالنسبه للناظر اليها من فوق سطح الارض‏,‏ وتري تلك المواقع النجميه متساويه اللمعان تقريبا لتباين ابعادها عنا‏.‏
ومع دوران الارض حول محورها امام الشمس يشاهد الراصد الليلي النجوم في حركتها الظاهريه ساعه بعد اخري من مواقع مختلفه علي سطح الارض‏,‏ اما في سبح الارض عبر حركتها الانتقاليه في مدارها حول الشمس فان الراصد الليلي يشاهد مجموعات مختلفه من كوكبات النجوم في مواقع مختلفه من القبه السماويه حسب كل من موقع الراصد من الارض وموقع الارض في مدارها في كل شهر من شهور السنه‏.‏

اهميه بروج السماء
البروج‏(‏ او الكوكبات‏)‏ هي تجمعات للنجوم‏,‏ وقد فصل القران الكريم فوائد النجوم في كونها علامات يهتدي بها في ظلمات البر والبحر‏,‏ وزينه للسماء الدنيا‏,‏ ورجوما للشياطين‏,‏ ومصدرا من مصادر الرزق في السماء وجندا مسخره للامساك باطراف السماء الدنيا بما وهبها الله‏(‏ تعالي‏)‏ من قوي الترابط والتماسك والتجاذب‏,‏ وذلك علي النحو التالي‏:‏

‏(1)‏ البروج كوسيله الاهتداء في ظلمات البر والبحر‏:‏
يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه‏:‏
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البروالبحر قد فصلنا الايات لقوم يعلمون‏(‏ الانعام‏:97)‏

ومن معاني هذه الايه الكريمه ان الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ قد رتب النجوم في مجموعات من الكوكبات‏(‏ البروج‏)‏ يمكن بواسطتها تحديد الاتجاهات الاربع الاصليه كما هو الحال مع النجم القطبي المعروف باسم نجم القطبيه او نجم الجدي او كوكبه الشمال او مسمار الفلك كما يحلو لعدد من الفلكيين ان يسموه
‏(Polaris Pole Staror Polar Star)‏
وهو نجم ثلاثي من العماليق العظام ويعتبر المع نجم في كوكبه الدب الاصغر يبعد عنا مسافه‏650‏ سنه ضوئيه ويقدر قطره بمائه مره قدر قطر الشمس‏,‏ وتقدر قوه اشعاعه بخمسه الاف ضعف اشعاع الشمس‏,‏ وقد اعطي هذا الاسم لقربه الشديد من قطب السماء الشمالي‏(‏ الذي لا يبعد عنه الا باقل من درجه واحده‏),‏ وتبلغ دورته حول محوره حوالي اربعه ايام‏(3,97‏ يوم‏)‏ ولذلك فانه يصنع دائره صغيره جدا حول القطب الشمالي لقبه السماء خلال الدوران اليومي الظاهري لها‏.‏
ونظرا لدوران الارض حول محورها من الغرب الي الشرق تبدو القبه السماويه وكانها تدور من الشرق الي الغرب في حركه ظاهريه بكافه نجومها فيما عدا النجم القطبي الذي وضعه الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علي الامتداد الشمالي لمحور دوران الارض فيبدو لنا ساكنا‏,‏ ويحدد بموقعه اتجاه الشمال الحقيقي‏,‏ ومن ثم يعين علي تحديد الجهات الاربع الاصليه علي الارض وفي صفحه السماء مما يساعد علي التوجه الصحيح في ظلمات البر والبحر‏,‏ وفي تحديد القبله‏,‏ وفي تحديد غيرها من المواقع والاتجاهات‏.‏

ويحدد موقع النجم القطبي في قبه السماء بواسطه العربه الكبري‏(‏ المغرفه‏)‏ في كوكبه الدب الاكبر وذلك بمد الخط الواصل بين خلفيتي العربه الكبري‏(‏ اي الدليلتين اللتين تسبقان في اثناء الحركه اليوميه الظاهريه‏)‏ حوالي خمس مرات قدر المسافه بينهما‏,‏ ولولا وجود النجم القطبي ما استطاع الانسان التوجه في ظلمات البر والبحر‏.‏

‏(2)‏ البروج زينه السماء الدنيا‏:‏
فالبروج مثل كل من النجوم والكواكب من خواص السماء الدنيا وزينتها لقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين‏(‏ الحجر‏:16)‏

وقوله‏(‏ سبحانه‏)‏
انا زينا السماء الدنيا بزينه الكواكب
‏(‏الصافات‏:6)‏
وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
فقضاهن سبع سموات في يومين واوحي في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم‏(‏ فصلت‏:12)‏

وقوله‏(‏ تبارك اسمه‏):‏
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير
‏(‏ الملك‏:5)‏
والبروج والنجوم‏(‏ المصابيح‏)‏ والكواكب والاقمار هي من اهم الوسائل في اناره ظلمه الليل‏,‏ الاولي باضوائها الذاتيه‏,‏ والكواكب والاقمار بانعكاس اضواء النجوم عليها نورا‏,‏ ولولا ذلك لاصبح ليل الارض حالك السواد‏,‏ قابضا للانفس‏,‏ مخيفا مزعجا‏.‏

‏(3)‏ البروج والنجوم والكواكب رجوما للشياطين‏:‏
يعتقد كثير من الناس ان رجوم الشياطين هي الشهب وحدها لقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين‏.‏ وحفظناها من كل شيطان رجيم‏.‏ الا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين‏.‏
‏(‏الحجر‏:16‏ ‏18)‏

وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
انا زينا السماء الدنيا بزينه الكواكب‏.‏ وحفظا من كل شيطان مارد‏.‏ لا يسمعون الي الملا الاعلي ويقذفون من كل جانب‏.‏ دحورا ولهم عذاب واصب‏.‏ الا من خطف الخطفه فاتبعه شهاب ثاقب‏(‏ الصافات‏:6‏ ‏10)‏
وقوله‏(‏ تعالي‏)‏ علي لسان الجن‏:‏
وانا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا‏.(‏ الجن‏:8)‏

ولكن الذي يعلم حقيقه تبادل الماده بين دخان السماء وكافه اجرامها ادرك جانبا من روعه البيان القراني في الاشاره الي البروج في ايات سوره الحجر‏(16‏ ‏18),‏ والي الكواكب في ايات سوره الصافات‏(6‏ ‏10)‏ والي الشهب في كل من السورتين الكريمتين‏,‏ وفي سوره الجن‏(8)‏
والشهب عباره عن اجسام صلبه تدخل الغلاف الغازي للارض بسرعات كبيره جدا تصل الي‏40‏ كيلو مترا في الثانيه فتحتك بجزيئات الغلاف الغازي احتكاكا شديدا يودي الي اشتعالها واحتراقها اما احتراقا كاملا او جزئيا بحيث يتبقي عن احتراقها فضلات صلبه تعرف باسم النيازك التي ترتطم بالارض بشده بالغه‏.‏

ويروي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم قوله‏):‏ ان الملائكه تتحدث في العنان بالامر يكون في الارض‏,‏ فتسمع الشياطين الكلمه فيقرها في اذن الكاهن كما تقر القاروره فيزيدون مائه كذبه
فالشياطين في محاولاتهم استراق السمع في عمليه من التجسس والتلصص علي اخبار السماء الدنيا يلقون بشئ من ذلك الي اعوانهم من الدجالين والمنجمين و‏,‏الكهان والعرافين من اجل اضلال بني ادم وصرفهم عن التوكل علي رب العالمين قد حيل بينهم وبين استراق ذلك السمع بعد بعثه المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وبقيت الشهب وهي من ماده بروج ونجوم وكواكب السماء لهم بالمرصاد

‏(4)‏ البروج والنجوم والكواكب كمصدر من مصادر الرزق في السماء‏:‏
يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه‏:‏
وفي السماء رزقكم وماتوعدون‏.‏
‏(‏الذاريات‏:22)‏

وفسر بعض المفسرين هذه الايه الكريمه بامر الرزق وتقدير الموعود‏,‏ بان الموعود به هو الجنه او النار‏,‏ والثواب او العقاب‏,‏ وفسرها البعض الاخر بانه المطر‏,‏ وفسر السماء بالسحاب‏,‏ وهذا كله صحيح ولكن ياتي العلم التجريبي ليوكد لنا ان كافه العناصر يخلقها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في قلب النجوم‏,‏ وان الله تعالي ينزل منها الي الارض بقدر معلوم‏,‏ فالبروج والنجوم والكواكب والشهب والنيازك من اهم مصادر الرزق علي الارض

‏(5)‏ البروج بنجومها جند مسخره للامساك باطراف السماء الدنيا‏:‏
ان البروج بنجومها وباقي اجرامها‏,‏ والاجرام بمواقعها وكتلها جند مسخره من قبل الله‏(‏ تعالي‏)‏ للامساك باطراف السماء الدنيا‏,‏ علي الرغم من المسافات الشاسعه التي تفصلها‏,‏ فهي مرتبطه مع بعضها بالاتزان الدقيق بين قوي الجاذبيه والقوي الطارده المركزيه‏,‏ علي الرغم من تحركها بسرعات مذهله في صفحه السماء‏,‏ وفي حركات عديده معقده تشهد لله الخالق العظيم بطلاقه القدره وبديع الصنعه‏.‏
من هنا تتضح بعض جوانب الاهميه الكبري للبروج والتي نبهنا ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ اليها بهذا القسم الجامع
والسماء ذات البروج

وقد يري القادمون في هذا القسم مالا نراه نحن اليوم حتي تظل هذه الاشارات الكونيه في كتاب الله شاهده له بالربانيه الخالصه‏,‏ وللرسول الخاتم الذي تلقاه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالنبوه والرساله‏,‏ وبانه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ماكان ينطق عن الهوي‏..!!‏