وإذا كان أبو الفرج قد وُصِفَ بأنه شيعى زيدى فها هو ذا ما كتبه فى مقتل زيد بن على بن أبى طالب، الذى ينتسب إليه الزيدية. ولسوف يرى القارئ بنفسه أن الأصفهانى لم يورد أى شىء يدل على أن زيدا، رضى الله عنه، كان يدعو بالإمامة لنفسه، بل صوَّره رجلا مسالما يريد اجتماع كلمة المسلمين، وكفى. أفلو كان أبو الفرج كما قيل، أكان قلمه يطاوعه على هذا؟ فلنقرأ إذن ما خطه ذلك القلم: "زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويكنى أبا الحسين. وأمه أم ولد أهداها المختار بن أبي عبيدة لعلي بن الحسين فولدت له زيدا وعمر وعليًّا وخديجة. حدثني محمد بن الحسين الخثعمي وعلي بن العباس، قالا: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا الحسين بن حماد أخو الحسن بن حماد، قال: حدثنا زياد بن المنذر، قال: اشترى المختار بن أبي عبيدة جارية بثلاثين ألفا فقال لها: أدبري. فأدبرت. ثم قال لها: أقبلي. فأقبلت،. ثم قال: ما أدري أحدا أحق بها من علي بن الحسين. فبعث بها إليه، وهي أم زيد بن علي.

حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن الحسين الكندي عن خصيب الوابشي، قال: كنت إذا رأيت زيد بن علي رأيت أسارير النور في وجهه. حدثني الحسن بن علي السلولي، قال: حدثنا أحمد بن راشد، قال: حدثني عمي سعيد بن خيثم، قال: حدثني أبو قرة، قال: خرجت مع زيد بن علي ليلا إلى الجبان، وهو مرخي اليدين، لا شيء معه، فقال لي: يا أبا قرة، أجائع أنت؟ قلت نعم. فناولني كمثراة ملء الكف ما أدري أريحها أطيب أم طعمها، ثم قال لي: يا أبا قرة، أتدري أين نحن؟ نحن في روضة من رياض الجنة. نحن عند قبر أمير المؤمنين علي. ثم قال لي: يا أبا قرة، والذي يعلم ما تحت وريد زيد بن علي إن زيد بن علي لم يهتك لله محرما منذ عرف يمينه من شماله. يا أبا قرة، من أطاع الله أطاعه ما خلق. حدثي علي بن محمد بن علي بن مهدي العطار، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن الحسين عن أبي داود العلوي عن عاصم بن عبيد الله العمري، قال: ذكر عنده زيد بن علي فقال: أنا أكبر منه. رأيته بالمدينة وهو شاب يُذْكَر الله عنده فيغشى عليه حتى يقول القائل: ما يرجع إلى الدنيا. حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسين، قال: حدثنا هرون بن موسى، قال: سمعت محمد بن أيوب الرافقي يقول: كانت المرجئة وأهل النسك لا يَعْدِلون بزيدٍ أحدا.

حدثني علي بن العباس المقانعي ومحمد بن الحسين الخثعمي، قالا: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال المقانعي: عن عبد الله بن حرب، وقال الأشناني: عن عبد الله بن جرير، قال: رأيت جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب ويسوي ثيابه على السرج. حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال: حدثنا أبو معمر سعيد بن خيثم، قال: كان بين زيد بن علي وعبد الله بن الحسن مناظرة في صدقات علي، فكانا يتحاكمان إلى قاض من القضاة، فإذا قاما من عنده أسرع عبد الله إلى دابة زيد فأمسك له بالركاب.

حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن الفرات، قال: رأيت زيد بن علي وقد أثر السجود بوجهه أثرا خفيفا. حدثنا محمد بن علي بن مهدي، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن أبي عاصم، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن البابكي، واسمه عبد الله بن مسلم بن بابك، قال: خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة، فلما كان نصف الليل واستوت الثريا قال: يا بابكي، أما ترى هذه الثريا؟ أترى أحدا ينالها؟ قلت: لا. قال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع فأتقطع قطعة قطعة وأن الله أصلح بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم. حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين عن يحيى بن مساور عن أبي الجارود، قال: قدمتُ المدينة فجعلتُ كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي: ذاك حليف القرآن.

حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى، قال: سألت الحسن بن يحيى: كم كانت سن زيد بن علي يوم قُتِل؟ قال: اثنتان وأربعون سنة. حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن إسحاق الراشدي، قال: حدثنا محمد بن داود بن عبد الجبار عن أبيه عن جابر عن أبي جعفر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسين: "يخرج رجل من صلبك يقال له: "زيد" يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غُرًّا محجَّلين، يدخلون الجنة بغير حساب". حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال أخبرنا خالد بن عيسى أبو زيد العكلي عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُقْتَل رجل من أهل بيتي فيُصْلَب لا ترى الجنة عين رأت عورته". أخبرني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن قني، قال: حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقرئ، قال: حدثنا أبو حفص الأعشى عن أبي داود المدني عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي، قال: يخرج بظهر الكوفة رجل يقال له: "زيد" في أبهة والأبهة الملك، لا يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون، إلا من عمل بمثل عمله، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطوامير أو شبه الطوامير حتى يتخطَّوْا أعناق الخلائق تتلقاهم الملائكة فيقولون: هؤلاء حلف الخلف، ودعاة الحق، ويستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "يا بَنِيَّ، قد عملتم ما أُمِرْتم به، فادخلوا الجنة بغير حساب" .

حدثني علي بن العباس، ومحمد بن الحسين، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا الحسين بن زيد بن علي عن ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية عن أبيها، قال: مر زيد بن علي بن الحسين على محمد بن الحنفية فرقّ له وأجلسه وقال: أعيذك بالله يا ابن أخي أن تكون زيدا المصلوب بالعراق، ولا ينظر أحد إلى عورته ولا ينظره إلا كان في أسفل درك من جهنم. حدثني محمد بن علي بن مهدي بالكوفة على سبيل المذاكرة، ونبأني أحمد بن محمد في إسناده، قال: حدثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا عيسى بن كثير الأسدي، قال: حدثنا خالد موالى آل الزبير، قال: كنا عند علي بن الحسين فدعا ابنا له يقال له: زيد، فكبا لوجهه وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: أعيذك بالله أن تكون زيدا المصاب بالكناسة، من نظر إلى عورته متعمدا أصلى الله وجهه النار. حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني أحمد بن محمد قني، قال: حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: سعيد بن عمرو عن يونس بن جناب، قال: جئت مع أبي جعفر إلى الكتاب فدعا زيدا فاعتنقه وألزق بطنه ببطنه وقال: أعيذك بالله أن تكون صليب الكناسة.

حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا موسى الصفار عن محمد بن فرات، قال: رأيت زيد بن علي يوم السبخة، وعلى رأسه سحابة صفراء تظله من الشمس تدور معه حيث ما دار. حدثني الحسن بن علي، قال: حدثنا جعفر بن أحمد الأزدي، قال: حدثنا حسين بن نصر، عن أبيه عن أبي خالد، قال: كان في خاتم زيد بن علي "اصبر تؤجر، وتَوَقَّ تَنْجُ" .

حدثني علي بن أحمد بن حاتم، قال: حدثنا الحسين بن عبد الواحد، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الهمداني، قال: حدثتني عمتي عزيز بنت زكريا عن أبيها، قال: أردت الخروج إلى الحج فمررت بالمدينة فقلت: لو دخلت على زيد بن علي. فدخلت فسلمت عليه، فسمعته يتمثل:

ومن يطلب المال الممنَّع بالقنا * يعش ماجدا أو تخترمْه المخارمُ

متى تجمع القلب الذكي وصارما * وأنفًا حميًّا تجتنبْك المظالـمُ

وكنتُ إذا قوم غزَوْني غزوتُهم * فهل أنا في ذا يالهمدان ظالـمُ؟

قال: فخرجت من عنده وظننت أن في نفسه شيئا، وكان من أمره ما كان.

حدثني به محمد بن علي بن شاذان، قال: حدثنا أحمد بن راشد، قال: حدثني عمي أبو معمر سعيد بن خيثم، وحدثني علي بن العباس، قال: أخبرنا محمد بن مروان قال: حدثان زيد بن المعذل النمري، قال: أخبرنا يحيى بن صالح الطيانسي، وكان قد أدرك زمان زيد بن علي، وحدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا المنذر بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، قال: حدثنا أبو مخنف، وأخبرني المنذر بن محمد في كتابه إلي بإجازته أن أرويه عنه من حيث دخل، يعني حديث بعضهم في حديث الآخرين، وذكرت الاتفاق بينهم مجملا، ونسبت ما كان من خلاف في رواية إلى رواية. قالوا: كان أول أمر زيد بن علي، صلوات الله عليه، أن خالد بن عبد الله القسري ادعى مالاً قِبَل زيد بن علي ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وداود بن علي بن عبد الله بن عباس وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وأيوب بن سلمة بن عبد الله بن عباس بن الوليد بن المغيرة المخزومي. وكتب فيهم يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم، عامل هشام على العراق، إلى هشام، وزيد بن علي ومحمد بن عمر يومئذ بالرصافة. وزيد يخاصم الحسن بن الحسن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما قدمت كتب يوسف بعث إليهم فذكر ما كتب به يوسف، فأنكروا فقال لهم هشام: فإنا باعثون بكم إليه يجمع بينكم وبينه.

قال له زيد: أَنْشُدك الله والرَّحِم أن لا تبعث بنا إلى يوسف. قال له هشام: وما الذي تخاف من يوسف؟ قال: أخاف أن يتعدى علينا. فدعا هشام كاتبه فكتب إلى يوسف: "أما بعد، فإذا قدم عليك زيد وفلان وفلان فاجمع بينهم وبينه: فإن أقروا بما ادعى عليهم فسرِّحْ بهم إليَّ، وإن هم أنكروا فاسأله البينة. فإن لم يقمها فاستحلفهم بعد صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما استودعهم وديعة ولا له قِبَلهم شيء، ثم خَلِّ سبيلهم". فقالوا لهشام: إنا نخاف أن يتعدى كاتبك ويطول علينا. قال: كلا. أنا باعث معكم رجلا من الحرس ليأخذه بذلك حتى يفرغ ويعجل. قالوا: جزاك الله عن الرحم خيرا، لقد حكمت بالعدل. فسرَّح بهم إلى يوسف، وهو يومئذ بالحيرة، فاجتنبوا أيوب بن سلمة لخؤولته من هشام ولم يؤخذ بشيء من ذلك. فلما قدموا على يوسف دخلوا عليه فسلموا، فأجلس زيدا قريبا منه ولاطفه في المسألة، ثم سألهم عن المال فأنكروا، فأخرجه يوسف إليهم، وقال: هذا زيد بن علي ومحمد بن عمر بن علي اللذان ادعيتَ قِبَلهما ما ادعيت. قال: ما لي قِبَلهما قليل ولا كثير. قال له يوسف: أفبي كنت تهزأ وبأمير المؤمنين؟ فعذبه عذابا ظن أنه قد قتله.

ثم أخرج زيدا وأصحابه بعد صلاة العصر إلى المسجد فاستحلفهم، فحلفوا، فكتب يوسف إلى هشام يعلمه ذلك، فكتب إليه هشام: خَلِّ سبيلهم. فخلى سبيلهم. فأقام زيد بعد خروجه من عند يوسف بالكوفة أياما، وجعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتلّ عليه بالشغل وبأشياء يبتاعها، فألح عليه حتى خرج فأتى القادسية. ثم إن الشيعة لقُوا زيدا فقالوا له: أين تخرج عنه، رحمك الله، ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بني أمية بها دونك، وليس قبلنا من أهل الشام إلا عِدّة يسيرة؟ فأبى عليهم، فما زالوا يناشدونه حتى رجع بعد أن أعطوْه العهود والمواثيق. فقال له محمد بن عمر: أُذْكِرك الله يا أبا الحسين لـمّا لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك، فإنهم لا يفون لك. أليسوا أصحاب جدك الحسين بن علي؟ قال: أجل. وأبى أن يرجع. وأقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه ويبايعون حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان.

وأقام بالكوفة بضعة عشر شهرا وأرسل دعاته إلى الآفاق والكور يدعون الناس إلى بيعته، فلما دنا خروجه أمر أصحابه بالاستعداد والتهيؤ فجعل من يريد أن يفي له يستعد. وشاع ذلك، فانطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر وأخبره خبر زيد، فبعث يوسف فطلب زيدا ليلا فلم يوجد عند الرجلين اللذين سعى إليه أنه عندهما. فأتى بهما يوسف، فلما كلمهما استبان أمر زيد وأصحابه، وأمر بهما يوسف فضربت أعناقهما. وبلغ الخبر زيدا، صلوات الله عليه، فتخوف أن يؤخذ عليه الطريق فتعجل الخروج قبل الأجل الذي بينه وبين أهل الأمصار. واستتب لزيد خروجه، وكان قد وعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة فخرج قبل الأجل. وبلغ ذلك يوسف بن عمر فبعث الحكم بن الصلت يأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم فيحصرهم فيه، فبعث الحكم إلى العرفاء والشُّرَط والمناكب والمقاتلة فأدخلوهم المسجد، ثم نادى مناديه: أيما رجل من العرب والموالي أدركناه في رحبة المسجد فقد برئت منه الذمة. ائتوا المسجد الأعظم. فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد، وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، فخرج ليلا، وذلك ليلة الأربعاء لسبع بقين من المحرم في ليلة شديدة البرد، من دار معاوية بن إسحاق، فرفعوا الهرادي فيها النيران، ونادوا بشعارهم شعار رسول الله: "يا منصور، أمت"، فما زالوا كذلك حتى أصبحوا. فلما أصبحوا بعث زيد عليه السلام القاسم بن عمر التبعي ورجلا آخر يناديان بشعارهما. وقال سعيد بن خيثم في رواية القاسم بن كثير بن يحيى بن صالح بن يحيى بن عزيز بن عمرو بن مالك بن خزيمة التبعي، وسمى الآخر الرجل، وذكر أنه صدام، قال سعيد: وبعثني أيضا، وكنت رجلا صيتا أنادي بشعاره. قال: ورفع أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني هرديًّا من ميمنتهم ونادى بشعار زيد. فلما كانوا في صحارى عبد القيس لقيهما جعفر بن العباس الكندي، فشدوا عليه وعلى أصحابه، فقتل الرجل الذي كان مع القاسم، وارتث القاسم فأتى به الحكم بن الصلت فكلمه فلم يرد عليه، فأمر به فضربت عنقه على باب القصر، وكان أول قتيل منهم رضوان الله عليه.

قال سعيد بن خيثم: قالت بنته سكينة:

عَيْنُ، جودي لقاسم بن كثير * بدرورٍ من الدموع غزيرِ

أدركته سيوفُ قومٍ لئامٍ * من أولي الشرك والردى والشرورِ

سوف أبكيك ما تغنى حمامٌ * فوق غصنٍ من الغصون نضيرِ

قال أبو مخنف: وقال يوسف بن عمر وهو بالحيرة: من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء فيأتينا بخبرهم؟ قال عبد الله بن العباس المنتوف الهمداني: أنا آتيك بخبرهم، فركب في خمسين فارسا، ثم أقبل حتى أتى جبانة سالم فاستخبر ثم رجع إلى يوسف فأخبره. فلما أصبح يوسف خرج إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومعه قريش وأشراف الناس، وأمير شرطته يومئذ العباس بن سعيد المزني. قال: وبعث الريان بن سلمة البَلَوِيّ في نحو من ألفي فارس وثلثمائة من القيقانية رجالة ناشبة. قال: وأصبح زيد بن علي، وجميع من وافاه تلك الليلة مائتان وثمانية عشر من الرجالة، فقال زيد بن علي عليه السلام: سبحان الله! فأين الناس؟ قيل: هم محصورون في المسجد. فقال: لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر. قال: وأقبل نصر بن خزيمة إلى زيد فتلقاه عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيل من جهينة عند دار الزبير بن أبي حكيمة في الطريق الذي يخرج إلى مسد بني عدي فقال: يا منصور، أمت. فلم يرد عليه عمر شيئا، فشد نصر عليه وعلى أصحابه فقتله، وانهزم من كان معه. وأقبل زيد حتى انتهى إلى جبانة الصيادين وبها خمسمائة من أهل الشام، فحمل عليهم زيد في أصحابه فهزمهم، ثم مضى حتى انتهى إلى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام فهزمهم. ثم شلهم حتى الظهر إلى المقبرة، ويوسف بن عمر على التل ينظر إلى زيد وأصحابه وهم يكرون، ولو شاء زيد أن يقتل يوسف يومئذ قتله.

ثم إن زيدا أخذ ذات اليمين على مصلى خالد بن عبد الله حتى دخل الكوفة، فقال بعض أصحابه لبعض: ألا ننطلق إلى جبانة كندة؟ فما زاد الرجل أن تكلم بهذا إذ طلع أهل الشام عليهم. فلما رأَوْهم دخلوا زُقَاقًا ضيقًا فمضوا فيه، وتخلف رجل منهم فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم خرج إليهم فضاربهم بسيفه وجعلوا يضربونه بأسيافهم، ثم نادى رجل منهم فارس مقنَّع بالحديد: اكشفوا المِغْفَر عن وجهه واضربوا رأسه بالعمود. ففعلوا، فقُتِل الرجل، وحمل أصحابه عليهم فكشفوهم عنه، واقتطع أهل الشام رجلا منهم فذهب ذلك الرجل حتى دخل على عبد الله بن عوف بن الأحمر فأسروه، وذهبوا به إلى يوسف بن عمر فقتله. وأقبل زيد بن علي فقال: يا نصر بن خزيمة، أتخاف أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية؟ قال: جعلني الله فداك. أما أنا فوالله لأضربن بسيفي هذا معك حتى أموت. ثم خرج بهم زيد يقودهم نحو المسجد، فخرج إليه عبيد الله بن العباس الكندي في أهل الشام، فالتقَوْا على باب عمر بن سعد، فانهزم عبيد الله بن العباس وأصحابه حتى انتهَوْا إلى دار عمر بن حريث، وتبعهم زيد عليه السلام حتى انتهَوْا إلى باب الفيل، وجعل أصحاب زيد يُدْخِلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون: يا أهل المسجد، اخرجوا. وجعل نصر بن خزيمة يناديهم: يا أهل الكوفة، اخرجوا من الذل إلى العز، وإلى الدين والدنيا. قال: وجعل أهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة، وكانت يومئذ مناوشة بالكوفة في نواحيها. وقيل: في جبانة سالم.

وبعث يوسف بن عمر الريان بن سلمة في خيل إلى دار الرزق، فقاتلوا زيدا عليه السلام قتالا شديدا. وخرج من أهل الشام جرحى كثيرة، وشلهم أصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهَوْا إلى المسجد الأعظم، فرجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء وهم أسوأ شيءٍ ظنًّا. فلما كان غداة يوم الخميس دعا يوسف بن عمر الريان بن سلمة فأفف به، فقال له: أف لك من صاحب خيل! ودعا العباس بن سعد المزني صاحب شرطته فبعثه إلى أهل الشام، فسار بهم حتى انتهَوْا إلى زيد في دار الرزق، وخرج إليهم زيد، وعلى مجنبته نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق. فلما رآهم العباس نادى: يا أهل الشام، الأرض. فنزل ناس كثير واقتتلوا قتالا شديدا في المعركة. وقد كان رجل من أهل الشام من بني عبس يقال له: نائل بن فروة قال ليوسف: والله لئن ملأت عيني من نصر بن خزيمة لأقتلنَّه أو ليقتلنّي. فقال له يوسف: خذ هذا السيف. فدفع إليه سيفا لا يمر بشيء إلا قطعه. فلما التقى أصحاب العباس بن سعد وأصحاب زيد أبصر نائل، لعنه الله، نصر بن خزيمة، رضوان الله عليه، فضربه فقطع فخذه، وضربه نصر فقتله، ومات نصر رحمه الله. ثم إن زيدا عليه السلام هزمهم، وانصرفوا يومئذ بأسوأ حال. فلما كان العشي عبأهم يوسف ثم سرحهم نحو زيد، وأقبلوا حتى التقَوْا فحمل عليهم زيد فكشفهم ثم تبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة ثم شد عليهم حتى أخرجهم من بني سليم فأخذوا على المسناة. ثم ظهر لهم زيد فيما بين بارق ورؤاس فقاتلهم قتالا شديدا، وصاحب لوائه رجل من بني سعد بن بكر يقال له: عبد الصمد. قال سعيد بن خيثم: وكنا مع زيد في خمسمائة، وأهل الشام اثنا عشر ألفا. وكان بايع زيدا أكثر من اثني عشر ألفا فغدروا، إذ فصل رجل من أهل الشام من كلب على فرس رائع فلم يزل شتما لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل زيد يبكي حتى ابتلت لحيته وجعل يقول: أما أحد يغضب لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما أحد يغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما أحد يغضب لله؟ قال: ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة. قال: وكان الناس فرقتين: نظارة ومقاتلة. قال سعيد: فجئت إلى مولى فأخذت منه مشملا كان معه، ثم استترت من خلف النظارة حتى إذا صرت من ورائه ضربت عنقه وأنا متمكن منه بالمشمل، فوقع رأسه بين يدي بغلته، ثم رميت جيفته عن السرج، وشد أصحابه عليَّ حتى كادوا يرهقونني، وكبَّر أصحاب زيد وحملوا عليهم واستنقذوني، فركبت فأتيت زيدا فجعل يقبل بين عيني ويقول: أدركت والله ثأرنا، أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرها. اذهب بالبغلة، فقد نفّلتكها. قال: وجعلت خيل أهل الشام لا تثبت لخيل زيد بن علي، فبعث العباس بن سعد إلى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية، وسأله أن يبعث إليه الناشبة، فبعث إليه سليمان بن كيسان في القيقانية، وهم نجارية، وكانوا رماة، فجعلوا يرمون أصحاب زيد. وقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري يومئذ قتالا شديدا فقُتِل بين يدي زيد. وثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جنح الليل رُمِيَ زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ، فرجع ورجع أصحابه، ولا يظن أهل الشام أنهم رجعوا إلا للمساء والليل.

قال أبو مخنف: فحدثني سلمة بن ثابت، وكان من أصحاب زيد، وكان آخر من انصرف عنه هو وغلام لمعاوية بن إسحاق، قال: أقبلت أنا وأصحاب زيد نقتفي أثر زيد فنجده قد دخل بيت حران بن أبي كريمة في سكة البريد في دور أرحب وشاكر، فدخلت عليه فقلت له: جعلني الله فداك أبا الحسين. وانطلق ناس من أصحابه فجاؤا بطبيب يقال له: سفيان مولى لبني دواس، فقال له: إنك إن نزعته من رأسك متّ. قال: الموت أيسر علي مما أنا فيه. قال: فأخذ الكلبتين فانتزعه، فساعة انتزاعه مات صلوات الله عليه. قال القوم: أين ندفنه؟ وأين نواريه؟ فقال بعضهم: نلبسه درعين ثم نلقيه في الماء. وقال بعضهم: لا، بل نحتز رأسه، ثم نلقيه بين القتلى. قال: فقال يحيى بن زيد: لا والله لا يأكل أبي السباع. وقال بعضهم: نحمله إلى العباسية فندفنه فيها. فقبلوا رأيي.

قال: فانطلقنا فحفرنا له حفرتين، وفيهما يومئذ ماء كثير، حتى إذا نحن مكَّنّا له دفنّاه ثم أجرينا عليه الماء، ومعنا عبد سندي. قال سعيد بن خيثم في حديثه: عبد حبشي كان مولى لعبد الحميد الرؤاسي، وكان معمر بن خيثم قد أخذ صفقته لزيد. وقال يحيى بن صالح: هو مملوك لزيد سندي، وكان حَضَرهم. قال أبو مخنف عن كهمس، قال: كان نبطي يسقي زرعا له حين وجبت الشمس، فرآهم حيث دفنوه، فلما أصبح أتى الحكم بن الصلت فدلهم على موضع قبره، فسرّح إليه يوسف بن عمر العباس بن سعيد المزني. قال أبو مخنف: بعث الحجاج بن القاسم فاستخرجوه على بعير. قال هشام: فحدثني نصر بن قابوس، قال: فنظرت والله إليه حين أقبل به على جمل قد شد بالحبال، وعليه قميص أصفر هروي، فألقي من البعير على باب القصر فخر كأنه جبل. فأمر به فصُلِب بالكناسة، وصُلِب معه معاوية بن إسحاق وزياد الهندي ونصر بن خزيمة العبسي. قال أبو مخنف: وحدثني عبيد بن كلثوم أنه وجه برأس زيد مع زهرة بن سليم، فلما كان بضيعة ابن أم الحكم ضربه الفالج، فانصرف وأتته جائزته من عند هشام.

فحدثني الحسن بن علي الأدمي، قال: حدثنا أبو بكر الجبلي، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن العنبري، قال: حدثنا موسى بن محمد، قال: حدثنا الوليد بن محمد الموقري، قال: كنت مع الزهري بالرصافة، فسمع أصوات لعابين، فقال لي: يا وليد، انظر ما هذا. فأشرفت من كوة في بيته فقلت: هذا رأس زيد بن علي. فاستوى جالسا ثم قال: أهلك أهلَ هذا البيت العجلةُ. فقلت: أوينكلون؟ قال: حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: المهدي من ولدك. قال أبو مخنف: حدثني موسى بن أبي حبيب أنه مكث مصلوبا إلى أيام الوليد بن يزيد، فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد إلى يوسف: "أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عِجْل أهل العراق فأحرقه وانسفه في اليم نسفا، والسلام" . فأمر به يوسف، لعنه الله، عند ذلك خراش بن حوشب، فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار، ثم جعله في قواصر ثم حمله في سفينة ثم ذراه في الفرات.

حدثني الحسن بن عبد الله، قال: حدثنا جعفر بن يحيى الأزدي، قال: حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقرئ، قال: حدثنا أبو نعيم الملائي عن سماعة بن موسى الطحان، قال: رأيت زيد بن علي مصلوبا بالكناسة، فما رأى أحد له عورة. استرسل جلد من بطنه من قدامه ومن خفه حتى ستر عورته. حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عفير، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي عن جرير بن حازم، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو متساند إلى جذع زيد بن علي وهو مصلوب، وهو يقول للناس: "أهكذا تفعلون بولدي؟". حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر، قال: قتل زيد بن علي يوم الجمعة في صفر سنة إحدى وعشرين ومائتين".

فكما نرى لم يكن زيد بن على، حسبما صوره لنا أبو الفرج، يفكر فى الخروج على الدولة لولا أن جماعة من أهل العراق كالعادة أَغْرَوْه بذلك كما أغروا أخاه الحسين من قبل وبذلوا له المواعيد، وكانت كالعادة مواعيد كاذبة، فعندئذ خرج، وكان ما كان. إلا أن الملاحظ أثناء ذلك كله أنه لم يحول الأمر إلى دعوة ومجادلات وأخذ ورد، بل اقتصر أمره على وصف القتال، الذى انتهى فى خاتمة المطاف إلى مقتله بعد أن كانت الحرب فى بعض مراحلها تجرى فى صالحه عليه رضوان الله.


يتبع...وإذا كان أبو الفرج قد وُصِفَ بأنه شيعى زيدى فها هو ذا ما كتبه فى مقتل زيد بن على بن أبى طالب، الذى ينتسب إليه الزيدية. ولسوف يرى القارئ بنفسه أن الأصفهانى لم يورد أى شىء يدل على أن زيدا، رضى الله عنه، كان يدعو بالإمامة لنفسه، بل صوَّره رجلا مسالما يريد اجتماع كلمة المسلمين، وكفى. أفلو كان أبو الفرج كما قيل، أكان قلمه يطاوعه على هذا؟ فلنقرأ إذن ما خطه ذلك القلم: "زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويكنى أبا الحسين. وأمه أم ولد أهداها المختار بن أبي عبيدة لعلي بن الحسين فولدت له زيدا وعمر وعليًّا وخديجة. حدثني محمد بن الحسين الخثعمي وعلي بن العباس، قالا: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا الحسين بن حماد أخو الحسن بن حماد، قال: حدثنا زياد بن المنذر، قال: اشترى المختار بن أبي عبيدة جارية بثلاثين ألفا فقال لها: أدبري. فأدبرت. ثم قال لها: أقبلي. فأقبلت،. ثم قال: ما أدري أحدا أحق بها من علي بن الحسين. فبعث بها إليه، وهي أم زيد بن علي.

حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن الحسين الكندي عن خصيب الوابشي، قال: كنت إذا رأيت زيد بن علي رأيت أسارير النور في وجهه. حدثني الحسن بن علي السلولي، قال: حدثنا أحمد بن راشد، قال: حدثني عمي سعيد بن خيثم، قال: حدثني أبو قرة، قال: خرجت مع زيد بن علي ليلا إلى الجبان، وهو مرخي اليدين، لا شيء معه، فقال لي: يا أبا قرة، أجائع أنت؟ قلت نعم. فناولني كمثراة ملء الكف ما أدري أريحها أطيب أم طعمها، ثم قال لي: يا أبا قرة، أتدري أين نحن؟ نحن في روضة من رياض الجنة. نحن عند قبر أمير المؤمنين علي. ثم قال لي: يا أبا قرة، والذي يعلم ما تحت وريد زيد بن علي إن زيد بن علي لم يهتك لله محرما منذ عرف يمينه من شماله. يا أبا قرة، من أطاع الله أطاعه ما خلق. حدثي علي بن محمد بن علي بن مهدي العطار، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن الحسين عن أبي داود العلوي عن عاصم بن عبيد الله العمري، قال: ذكر عنده زيد بن علي فقال: أنا أكبر منه. رأيته بالمدينة وهو شاب يُذْكَر الله عنده فيغشى عليه حتى يقول القائل: ما يرجع إلى الدنيا. حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسين، قال: حدثنا هرون بن موسى، قال: سمعت محمد بن أيوب الرافقي يقول: كانت المرجئة وأهل النسك لا يَعْدِلون بزيدٍ أحدا.

حدثني علي بن العباس المقانعي ومحمد بن الحسين الخثعمي، قالا: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال المقانعي: عن عبد الله بن حرب، وقال الأشناني: عن عبد الله بن جرير، قال: رأيت جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب ويسوي ثيابه على السرج. حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال: حدثنا أبو معمر سعيد بن خيثم، قال: كان بين زيد بن علي وعبد الله بن الحسن مناظرة في صدقات علي، فكانا يتحاكمان إلى قاض من القضاة، فإذا قاما من عنده أسرع عبد الله إلى دابة زيد فأمسك له بالركاب.

حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن الفرات، قال: رأيت زيد بن علي وقد أثر السجود بوجهه أثرا خفيفا. حدثنا محمد بن علي بن مهدي، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن أبي عاصم، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن البابكي، واسمه عبد الله بن مسلم بن بابك، قال: خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة، فلما كان نصف الليل واستوت الثريا قال: يا بابكي، أما ترى هذه الثريا؟ أترى أحدا ينالها؟ قلت: لا. قال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع فأتقطع قطعة قطعة وأن الله أصلح بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم. حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين عن يحيى بن مساور عن أبي الجارود، قال: قدمتُ المدينة فجعلتُ كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي: ذاك حليف القرآن.

حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى، قال: سألت الحسن بن يحيى: كم كانت سن زيد بن علي يوم قُتِل؟ قال: اثنتان وأربعون سنة. حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن إسحاق الراشدي، قال: حدثنا محمد بن داود بن عبد الجبار عن أبيه عن جابر عن أبي جعفر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسين: "يخرج رجل من صلبك يقال له: "زيد" يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غُرًّا محجَّلين، يدخلون الجنة بغير حساب". حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال أخبرنا خالد بن عيسى أبو زيد العكلي عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُقْتَل رجل من أهل بيتي فيُصْلَب لا ترى الجنة عين رأت عورته". أخبرني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن قني، قال: حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقرئ، قال: حدثنا أبو حفص الأعشى عن أبي داود المدني عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي، قال: يخرج بظهر الكوفة رجل يقال له: "زيد" في أبهة والأبهة الملك، لا يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون، إلا من عمل بمثل عمله، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطوامير أو شبه الطوامير حتى يتخطَّوْا أعناق الخلائق تتلقاهم الملائكة فيقولون: هؤلاء حلف الخلف، ودعاة الحق، ويستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "يا بَنِيَّ، قد عملتم ما أُمِرْتم به، فادخلوا الجنة بغير حساب" .

حدثني علي بن العباس، ومحمد بن الحسين، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا الحسين بن زيد بن علي عن ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية عن أبيها، قال: مر زيد بن علي بن الحسين على محمد بن الحنفية فرقّ له وأجلسه وقال: أعيذك بالله يا ابن أخي أن تكون زيدا المصلوب بالعراق، ولا ينظر أحد إلى عورته ولا ينظره إلا كان في أسفل درك من جهنم. حدثني محمد بن علي بن مهدي بالكوفة على سبيل المذاكرة، ونبأني أحمد بن محمد في إسناده، قال: حدثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا عيسى بن كثير الأسدي، قال: حدثنا خالد موالى آل الزبير، قال: كنا عند علي بن الحسين فدعا ابنا له يقال له: زيد، فكبا لوجهه وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: أعيذك بالله أن تكون زيدا المصاب بالكناسة، من نظر إلى عورته متعمدا أصلى الله وجهه النار. حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني أحمد بن محمد قني، قال: حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: سعيد بن عمرو عن يونس بن جناب، قال: جئت مع أبي جعفر إلى الكتاب فدعا زيدا فاعتنقه وألزق بطنه ببطنه وقال: أعيذك بالله أن تكون صليب الكناسة.

حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا موسى الصفار عن محمد بن فرات، قال: رأيت زيد بن علي يوم السبخة، وعلى رأسه سحابة صفراء تظله من الشمس تدور معه حيث ما دار. حدثني الحسن بن علي، قال: حدثنا جعفر بن أحمد الأزدي، قال: حدثنا حسين بن نصر، عن أبيه عن أبي خالد، قال: كان في خاتم زيد بن علي "اصبر تؤجر، وتَوَقَّ تَنْجُ" .

حدثني علي بن أحمد بن حاتم، قال: حدثنا الحسين بن عبد الواحد، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الهمداني، قال: حدثتني عمتي عزيز بنت زكريا عن أبيها، قال: أردت الخروج إلى الحج فمررت بالمدينة فقلت: لو دخلت على زيد بن علي. فدخلت فسلمت عليه، فسمعته يتمثل:

ومن يطلب المال الممنَّع بالقنا * يعش ماجدا أو تخترمْه المخارمُ

متى تجمع القلب الذكي وصارما * وأنفًا حميًّا تجتنبْك المظالـمُ

وكنتُ إذا قوم غزَوْني غزوتُهم * فهل أنا في ذا يالهمدان ظالـمُ؟

قال: فخرجت من عنده وظننت أن في نفسه شيئا، وكان من أمره ما كان.

حدثني به محمد بن علي بن شاذان، قال: حدثنا أحمد بن راشد، قال: حدثني عمي أبو معمر سعيد بن خيثم، وحدثني علي بن العباس، قال: أخبرنا محمد بن مروان قال: حدثان زيد بن المعذل النمري، قال: أخبرنا يحيى بن صالح الطيانسي، وكان قد أدرك زمان زيد بن علي، وحدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا المنذر بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، قال: حدثنا أبو مخنف، وأخبرني المنذر بن محمد في كتابه إلي بإجازته أن أرويه عنه من حيث دخل، يعني حديث بعضهم في حديث الآخرين، وذكرت الاتفاق بينهم مجملا، ونسبت ما كان من خلاف في رواية إلى رواية. قالوا: كان أول أمر زيد بن علي، صلوات الله عليه، أن خالد بن عبد الله القسري ادعى مالاً قِبَل زيد بن علي ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وداود بن علي بن عبد الله بن عباس وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وأيوب بن سلمة بن عبد الله بن عباس بن الوليد بن المغيرة المخزومي. وكتب فيهم يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم، عامل هشام على العراق، إلى هشام، وزيد بن علي ومحمد بن عمر يومئذ بالرصافة. وزيد يخاصم الحسن بن الحسن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما قدمت كتب يوسف بعث إليهم فذكر ما كتب به يوسف، فأنكروا فقال لهم هشام: فإنا باعثون بكم إليه يجمع بينكم وبينه.

قال له زيد: أَنْشُدك الله والرَّحِم أن لا تبعث بنا إلى يوسف. قال له هشام: وما الذي تخاف من يوسف؟ قال: أخاف أن يتعدى علينا. فدعا هشام كاتبه فكتب إلى يوسف: "أما بعد، فإذا قدم عليك زيد وفلان وفلان فاجمع بينهم وبينه: فإن أقروا بما ادعى عليهم فسرِّحْ بهم إليَّ، وإن هم أنكروا فاسأله البينة. فإن لم يقمها فاستحلفهم بعد صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما استودعهم وديعة ولا له قِبَلهم شيء، ثم خَلِّ سبيلهم". فقالوا لهشام: إنا نخاف أن يتعدى كاتبك ويطول علينا. قال: كلا. أنا باعث معكم رجلا من الحرس ليأخذه بذلك حتى يفرغ ويعجل. قالوا: جزاك الله عن الرحم خيرا، لقد حكمت بالعدل. فسرَّح بهم إلى يوسف، وهو يومئذ بالحيرة، فاجتنبوا أيوب بن سلمة لخؤولته من هشام ولم يؤخذ بشيء من ذلك. فلما قدموا على يوسف دخلوا عليه فسلموا، فأجلس زيدا قريبا منه ولاطفه في المسألة، ثم سألهم عن المال فأنكروا، فأخرجه يوسف إليهم، وقال: هذا زيد بن علي ومحمد بن عمر بن علي اللذان ادعيتَ قِبَلهما ما ادعيت. قال: ما لي قِبَلهما قليل ولا كثير. قال له يوسف: أفبي كنت تهزأ وبأمير المؤمنين؟ فعذبه عذابا ظن أنه قد قتله.

ثم أخرج زيدا وأصحابه بعد صلاة العصر إلى المسجد فاستحلفهم، فحلفوا، فكتب يوسف إلى هشام يعلمه ذلك، فكتب إليه هشام: خَلِّ سبيلهم. فخلى سبيلهم. فأقام زيد بعد خروجه من عند يوسف بالكوفة أياما، وجعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتلّ عليه بالشغل وبأشياء يبتاعها، فألح عليه حتى خرج فأتى القادسية. ثم إن الشيعة لقُوا زيدا فقالوا له: أين تخرج عنه، رحمك الله، ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بني أمية بها دونك، وليس قبلنا من أهل الشام إلا عِدّة يسيرة؟ فأبى عليهم، فما زالوا يناشدونه حتى رجع بعد أن أعطوْه العهود والمواثيق. فقال له محمد بن عمر: أُذْكِرك الله يا أبا الحسين لـمّا لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك، فإنهم لا يفون لك. أليسوا أصحاب جدك الحسين بن علي؟ قال: أجل. وأبى أن يرجع. وأقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه ويبايعون حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان.

وأقام بالكوفة بضعة عشر شهرا وأرسل دعاته إلى الآفاق والكور يدعون الناس إلى بيعته، فلما دنا خروجه أمر أصحابه بالاستعداد والتهيؤ فجعل من يريد أن يفي له يستعد. وشاع ذلك، فانطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر وأخبره خبر زيد، فبعث يوسف فطلب زيدا ليلا فلم يوجد عند الرجلين اللذين سعى إليه أنه عندهما. فأتى بهما يوسف، فلما كلمهما استبان أمر زيد وأصحابه، وأمر بهما يوسف فضربت أعناقهما. وبلغ الخبر زيدا، صلوات الله عليه، فتخوف أن يؤخذ عليه الطريق فتعجل الخروج قبل الأجل الذي بينه وبين أهل الأمصار. واستتب لزيد خروجه، وكان قد وعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة فخرج قبل الأجل. وبلغ ذلك يوسف بن عمر فبعث الحكم بن الصلت يأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم فيحصرهم فيه، فبعث الحكم إلى العرفاء والشُّرَط والمناكب والمقاتلة فأدخلوهم المسجد، ثم نادى مناديه: أيما رجل من العرب والموالي أدركناه في رحبة المسجد فقد برئت منه الذمة. ائتوا المسجد الأعظم. فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد، وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، فخرج ليلا، وذلك ليلة الأربعاء لسبع بقين من المحرم في ليلة شديدة البرد، من دار معاوية بن إسحاق، فرفعوا الهرادي فيها النيران، ونادوا بشعارهم شعار رسول الله: "يا منصور، أمت"، فما زالوا كذلك حتى أصبحوا. فلما أصبحوا بعث زيد عليه السلام القاسم بن عمر التبعي ورجلا آخر يناديان بشعارهما. وقال سعيد بن خيثم في رواية القاسم بن كثير بن يحيى بن صالح بن يحيى بن عزيز بن عمرو بن مالك بن خزيمة التبعي، وسمى الآخر الرجل، وذكر أنه صدام، قال سعيد: وبعثني أيضا، وكنت رجلا صيتا أنادي بشعاره. قال: ورفع أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني هرديًّا من ميمنتهم ونادى بشعار زيد. فلما كانوا في صحارى عبد القيس لقيهما جعفر بن العباس الكندي، فشدوا عليه وعلى أصحابه، فقتل الرجل الذي كان مع القاسم، وارتث القاسم فأتى به الحكم بن الصلت فكلمه فلم يرد عليه، فأمر به فضربت عنقه على باب القصر، وكان أول قتيل منهم رضوان الله عليه.

قال سعيد بن خيثم: قالت بنته سكينة:

عَيْنُ، جودي لقاسم بن كثير * بدرورٍ من الدموع غزيرِ

أدركته سيوفُ قومٍ لئامٍ * من أولي الشرك والردى والشرورِ

سوف أبكيك ما تغنى حمامٌ * فوق غصنٍ من الغصون نضيرِ

قال أبو مخنف: وقال يوسف بن عمر وهو بالحيرة: من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء فيأتينا بخبرهم؟ قال عبد الله بن العباس المنتوف الهمداني: أنا آتيك بخبرهم، فركب في خمسين فارسا، ثم أقبل حتى أتى جبانة سالم فاستخبر ثم رجع إلى يوسف فأخبره. فلما أصبح يوسف خرج إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومعه قريش وأشراف الناس، وأمير شرطته يومئذ العباس بن سعيد المزني. قال: وبعث الريان بن سلمة البَلَوِيّ في نحو من ألفي فارس وثلثمائة من القيقانية رجالة ناشبة. قال: وأصبح زيد بن علي، وجميع من وافاه تلك الليلة مائتان وثمانية عشر من الرجالة، فقال زيد بن علي عليه السلام: سبحان الله! فأين الناس؟ قيل: هم محصورون في المسجد. فقال: لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر. قال: وأقبل نصر بن خزيمة إلى زيد فتلقاه عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيل من جهينة عند دار الزبير بن أبي حكيمة في الطريق الذي يخرج إلى مسد بني عدي فقال: يا منصور، أمت. فلم يرد عليه عمر شيئا، فشد نصر عليه وعلى أصحابه فقتله، وانهزم من كان معه. وأقبل زيد حتى انتهى إلى جبانة الصيادين وبها خمسمائة من أهل الشام، فحمل عليهم زيد في أصحابه فهزمهم، ثم مضى حتى انتهى إلى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام فهزمهم. ثم شلهم حتى الظهر إلى المقبرة، ويوسف بن عمر على التل ينظر إلى زيد وأصحابه وهم يكرون، ولو شاء زيد أن يقتل يوسف يومئذ قتله.

ثم إن زيدا أخذ ذات اليمين على مصلى خالد بن عبد الله حتى دخل الكوفة، فقال بعض أصحابه لبعض: ألا ننطلق إلى جبانة كندة؟ فما زاد الرجل أن تكلم بهذا إذ طلع أهل الشام عليهم. فلما رأَوْهم دخلوا زُقَاقًا ضيقًا فمضوا فيه، وتخلف رجل منهم فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم خرج إليهم فضاربهم بسيفه وجعلوا يضربونه بأسيافهم، ثم نادى رجل منهم فارس مقنَّع بالحديد: اكشفوا المِغْفَر عن وجهه واضربوا رأسه بالعمود. ففعلوا، فقُتِل الرجل، وحمل أصحابه عليهم فكشفوهم عنه، واقتطع أهل الشام رجلا منهم فذهب ذلك الرجل حتى دخل على عبد الله بن عوف بن الأحمر فأسروه، وذهبوا به إلى يوسف بن عمر فقتله. وأقبل زيد بن علي فقال: يا نصر بن خزيمة، أتخاف أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية؟ قال: جعلني الله فداك. أما أنا فوالله لأضربن بسيفي هذا معك حتى أموت. ثم خرج بهم زيد يقودهم نحو المسجد، فخرج إليه عبيد الله بن العباس الكندي في أهل الشام، فالتقَوْا على باب عمر بن سعد، فانهزم عبيد الله بن العباس وأصحابه حتى انتهَوْا إلى دار عمر بن حريث، وتبعهم زيد عليه السلام حتى انتهَوْا إلى باب الفيل، وجعل أصحاب زيد يُدْخِلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون: يا أهل المسجد، اخرجوا. وجعل نصر بن خزيمة يناديهم: يا أهل الكوفة، اخرجوا من الذل إلى العز، وإلى الدين والدنيا. قال: وجعل أهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة، وكانت يومئذ مناوشة بالكوفة في نواحيها. وقيل: في جبانة سالم.

وبعث يوسف بن عمر الريان بن سلمة في خيل إلى دار الرزق، فقاتلوا زيدا عليه السلام قتالا شديدا. وخرج من أهل الشام جرحى كثيرة، وشلهم أصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهَوْا إلى المسجد الأعظم، فرجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء وهم أسوأ شيءٍ ظنًّا. فلما كان غداة يوم الخميس دعا يوسف بن عمر الريان بن سلمة فأفف به، فقال له: أف لك من صاحب خيل! ودعا العباس بن سعد المزني صاحب شرطته فبعثه إلى أهل الشام، فسار بهم حتى انتهَوْا إلى زيد في دار الرزق، وخرج إليهم زيد، وعلى مجنبته نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق. فلما رآهم العباس نادى: يا أهل الشام، الأرض. فنزل ناس كثير واقتتلوا قتالا شديدا في المعركة. وقد كان رجل من أهل الشام من بني عبس يقال له: نائل بن فروة قال ليوسف: والله لئن ملأت عيني من نصر بن خزيمة لأقتلنَّه أو ليقتلنّي. فقال له يوسف: خذ هذا السيف. فدفع إليه سيفا لا يمر بشيء إلا قطعه. فلما التقى أصحاب العباس بن سعد وأصحاب زيد أبصر نائل، لعنه الله، نصر بن خزيمة، رضوان الله عليه، فضربه فقطع فخذه، وضربه نصر فقتله، ومات نصر رحمه الله. ثم إن زيدا عليه السلام هزمهم، وانصرفوا يومئذ بأسوأ حال. فلما كان العشي عبأهم يوسف ثم سرحهم نحو زيد، وأقبلوا حتى التقَوْا فحمل عليهم زيد فكشفهم ثم تبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة ثم شد عليهم حتى أخرجهم من بني سليم فأخذوا على المسناة. ثم ظهر لهم زيد فيما بين بارق ورؤاس فقاتلهم قتالا شديدا، وصاحب لوائه رجل من بني سعد بن بكر يقال له: عبد الصمد. قال سعيد بن خيثم: وكنا مع زيد في خمسمائة، وأهل الشام اثنا عشر ألفا. وكان بايع زيدا أكثر من اثني عشر ألفا فغدروا، إذ فصل رجل من أهل الشام من كلب على فرس رائع فلم يزل شتما لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل زيد يبكي حتى ابتلت لحيته وجعل يقول: أما أحد يغضب لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما أحد يغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما أحد يغضب لله؟ قال: ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة. قال: وكان الناس فرقتين: نظارة ومقاتلة. قال سعيد: فجئت إلى مولى فأخذت منه مشملا كان معه، ثم استترت من خلف النظارة حتى إذا صرت من ورائه ضربت عنقه وأنا متمكن منه بالمشمل، فوقع رأسه بين يدي بغلته، ثم رميت جيفته عن السرج، وشد أصحابه عليَّ حتى كادوا يرهقونني، وكبَّر أصحاب زيد وحملوا عليهم واستنقذوني، فركبت فأتيت زيدا فجعل يقبل بين عيني ويقول: أدركت والله ثأرنا، أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرها. اذهب بالبغلة، فقد نفّلتكها. قال: وجعلت خيل أهل الشام لا تثبت لخيل زيد بن علي، فبعث العباس بن سعد إلى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية، وسأله أن يبعث إليه الناشبة، فبعث إليه سليمان بن كيسان في القيقانية، وهم نجارية، وكانوا رماة، فجعلوا يرمون أصحاب زيد. وقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري يومئذ قتالا شديدا فقُتِل بين يدي زيد. وثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جنح الليل رُمِيَ زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ، فرجع ورجع أصحابه، ولا يظن أهل الشام أنهم رجعوا إلا للمساء والليل.

قال أبو مخنف: فحدثني سلمة بن ثابت، وكان من أصحاب زيد، وكان آخر من انصرف عنه هو وغلام لمعاوية بن إسحاق، قال: أقبلت أنا وأصحاب زيد نقتفي أثر زيد فنجده قد دخل بيت حران بن أبي كريمة في سكة البريد في دور أرحب وشاكر، فدخلت عليه فقلت له: جعلني الله فداك أبا الحسين. وانطلق ناس من أصحابه فجاؤا بطبيب يقال له: سفيان مولى لبني دواس، فقال له: إنك إن نزعته من رأسك متّ. قال: الموت أيسر علي مما أنا فيه. قال: فأخذ الكلبتين فانتزعه، فساعة انتزاعه مات صلوات الله عليه. قال القوم: أين ندفنه؟ وأين نواريه؟ فقال بعضهم: نلبسه درعين ثم نلقيه في الماء. وقال بعضهم: لا، بل نحتز رأسه، ثم نلقيه بين القتلى. قال: فقال يحيى بن زيد: لا والله لا يأكل أبي السباع. وقال بعضهم: نحمله إلى العباسية فندفنه فيها. فقبلوا رأيي.

قال: فانطلقنا فحفرنا له حفرتين، وفيهما يومئذ ماء كثير، حتى إذا نحن مكَّنّا له دفنّاه ثم أجرينا عليه الماء، ومعنا عبد سندي. قال سعيد بن خيثم في حديثه: عبد حبشي كان مولى لعبد الحميد الرؤاسي، وكان معمر بن خيثم قد أخذ صفقته لزيد. وقال يحيى بن صالح: هو مملوك لزيد سندي، وكان حَضَرهم. قال أبو مخنف عن كهمس، قال: كان نبطي يسقي زرعا له حين وجبت الشمس، فرآهم حيث دفنوه، فلما أصبح أتى الحكم بن الصلت فدلهم على موضع قبره، فسرّح إليه يوسف بن عمر العباس بن سعيد المزني. قال أبو مخنف: بعث الحجاج بن القاسم فاستخرجوه على بعير. قال هشام: فحدثني نصر بن قابوس، قال: فنظرت والله إليه حين أقبل به على جمل قد شد بالحبال، وعليه قميص أصفر هروي، فألقي من البعير على باب القصر فخر كأنه جبل. فأمر به فصُلِب بالكناسة، وصُلِب معه معاوية بن إسحاق وزياد الهندي ونصر بن خزيمة العبسي. قال أبو مخنف: وحدثني عبيد بن كلثوم أنه وجه برأس زيد مع زهرة بن سليم، فلما كان بضيعة ابن أم الحكم ضربه الفالج، فانصرف وأتته جائزته من عند هشام.

فحدثني الحسن بن علي الأدمي، قال: حدثنا أبو بكر الجبلي، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن العنبري، قال: حدثنا موسى بن محمد، قال: حدثنا الوليد بن محمد الموقري، قال: كنت مع الزهري بالرصافة، فسمع أصوات لعابين، فقال لي: يا وليد، انظر ما هذا. فأشرفت من كوة في بيته فقلت: هذا رأس زيد بن علي. فاستوى جالسا ثم قال: أهلك أهلَ هذا البيت العجلةُ. فقلت: أوينكلون؟ قال: حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: المهدي من ولدك. قال أبو مخنف: حدثني موسى بن أبي حبيب أنه مكث مصلوبا إلى أيام الوليد بن يزيد، فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد إلى يوسف: "أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عِجْل أهل العراق فأحرقه وانسفه في اليم نسفا، والسلام" . فأمر به يوسف، لعنه الله، عند ذلك خراش بن حوشب، فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار، ثم جعله في قواصر ثم حمله في سفينة ثم ذراه في الفرات.

حدثني الحسن بن عبد الله، قال: حدثنا جعفر بن يحيى الأزدي، قال: حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقرئ، قال: حدثنا أبو نعيم الملائي عن سماعة بن موسى الطحان، قال: رأيت زيد بن علي مصلوبا بالكناسة، فما رأى أحد له عورة. استرسل جلد من بطنه من قدامه ومن خفه حتى ستر عورته. حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عفير، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي عن جرير بن حازم، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو متساند إلى جذع زيد بن علي وهو مصلوب، وهو يقول للناس: "أهكذا تفعلون بولدي؟". حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر، قال: قتل زيد بن علي يوم الجمعة في صفر سنة إحدى وعشرين ومائتين".

فكما نرى لم يكن زيد بن على، حسبما صوره لنا أبو الفرج، يفكر فى الخروج على الدولة لولا أن جماعة من أهل العراق كالعادة أَغْرَوْه بذلك كما أغروا أخاه الحسين من قبل وبذلوا له المواعيد، وكانت كالعادة مواعيد كاذبة، فعندئذ خرج، وكان ما كان. إلا أن الملاحظ أثناء ذلك كله أنه لم يحول الأمر إلى دعوة ومجادلات وأخذ ورد، بل اقتصر أمره على وصف القتال، الذى انتهى فى خاتمة المطاف إلى مقتله بعد أن كانت الحرب فى بعض مراحلها تجرى فى صالحه عليه رضوان الله.


يتبع...