تمهيد
إن الله عز وجل أنزل على عبده، ورسوله عيسى ابن مريم كتابا اسمه الإنجيل، ولكن هذا الإنجيل لا وجود له حاليا في أية لغة من اللغات، ولا بأي شكل من الأشكال.
والموجود حاليا هو ما يسمى بالعهد الجديد، وهو يتكون من أربعة أناجيل: متى ومرقس. ولوقا، ويوحنا. كما يحتوي على رسائل لتلاميذ عيسى، وتلاميذ تلاميذه. بالإضافة إلى أعمال الرسل.
ولم تكن الأناجيل في البداية أربعة فقط، بل زادت عن المائة ، ولكن معظمها تجاهلته الكنيسة، وأهملته لمنافاتها للعقائد، والطقوس التي قبلتها تلك المجامع. وعندما جاء عيسى عليه السلام برسالته لم يقصد تقديم دين جديد، بل جاء لتعزيز شريعة موسى، وحث الناس على المحبة، والزهد، والتسامح، وفعل الخير. كما جاء ليبشر بقدوم النبي محمد عليه الصلاة والسلام. يقول الله تعالى :(ومبشرا برسول ياتي من بعدي اسمه أحمد).
إن لفظة "إنجيل"، تعني البشارة وإن عيسى جاء لبني إسرائيل فقط.
ولكن تعاليم عيسى لم تبق كما هي، ولم يبق هذا الإنجيل محفوظا. فقد حدثت أحداث كثيرة غيرت تعاليم المسيح عيسى بن مريم لذلك نذكر ملاحظات أهمها:
1- ضاع إنجيل عيسى، الإنجيل الذي أنزله الله عليه.
2- ظهرت عشرات الأناجيل المتعارضة، وكل إنجيل يصّر على أن روايته هي الصحيحة.
3- ضاعت مخطوطات الأناجيل الأصلية.
2- ظهرت أناجيل مترجمة من أصول مفقودة، كما حصل لإنجيل متى الذي كتب بالآرامية، ثم فقد الأصل ألأرامي، فظهرت الترجمة اليونانية.
3- استبعدت الكنيسة الأناجيل غير المعتمدة في نظرها، وحكمت ببطلانها.
ورغم هذا ، فإنه لا زال المسيحيون يعتبرون الإنجيل كتابا مقدسا، ففي مناظرة بين جيمس سواجرت، وأحمد ديدات. قال سواجرت: إن الإنسان هو الذي كتب الإنجيل بوحي من الله.
فهل الإنجيل كلمة الله؟ هذا هو السؤال الذي سأجيب عليه من خلال المقارنة بين إنجيل متى وإنجيل لوقا – إن شاء الله-
إن مدخل أي كتاب يدعي الوحي هو السند. ذلك الأمر الذي لا يستقيم حال أي ذلك الكتاب إلا به. إذ عليه تتوقف صحة نسبة الكتاب إلى صاحبه، أو عدم نسبته.
وحول أهمية السند يقول الإمام البيقوني:
وكل مالم يتصل بحال إسناده منقطع الأوصال
والإسناد من الدين. ولو لا الإسناد لقال من شاء: ما شاء
والإنجيل ككتاب مقدس حسب زعمهم. لا ينبغي أن يخرج عن هذه القاعدة، أي وجود السند.
إلا أن الطامة الكبرى أنني عندما تصفحت هذا الكتاب لم أجد بين دفتيه السند. والسند عنه اللغويون هو الرفع، أو ضم كلمة إلى أخرى على وجه إفادة المعنى
أما في الاصطلاح هو الإخبار عن طريق المتن
وعلى هذا فالسند مجموعة من الرجال الذين رو و الخبر من أوله إلى آخره. و أسنده كل واحد إلى من سمع منه حتى وصل إلينا.
ويجيب القسى فرنج الإنجليزي بقوله: إن سند كتب العهد الجديد موجود في كلام القدماء، موجود في كتب آباءنا الكرام. ولكن فندر لم يعرض لنا هذا السند ولو من غير مرجع. وإذا افترضنا أنه جاء به فهو مطالب ببيان صحته وتواتره، ولأجل أن يكون الكتاب حجة يجب أن تكون نسبة الكتاب إلى صاحبه أي عيسى عليه السلام بالطريق القطعي، كما أنه إن وجد هذا السند يجب التحقق من رجال السند بما يلي:
1- استقامة الدين ومروءة الراوي
2- اتصال الأزمنة بين طبقات الرواة
3- اللقاء و المعاصرة
وهذا ما لا يوجد في الكتاب المقدس، إذ إن السند مفقود أصلا، كما أن الإنجيليين الذين كتبوه لا يمكن لنا التحقق من سيرتهم، لنعرف مدى استقامتهم، ومروءتهم، وقد حاولت جاهدا أن أحصل على سيرتهم من أي مصدر كان، ولكن للأسف لم أعثر عليها. بل حتى الذين نسبت إليهم كتابة هذا الكتاب ليس أمرا قطعيا. وغالبا ما اصطدم بعبارة التي يفترض فيه .
كما أني لا أستطيع أن أبرهن على اتصال الأزمنة بين طبقات الرواة لأن السند أصلا مفقودا، وهو الذي يتيح لي معرفة مدى اتصال الأزمنة بينهم، أو انقطاعها معتمدا في ذلك على التاريخ، فنقول فلا ن سمع من فلان. أو فلان أخذ عن فلان، ولكن الأمر ليس كذلك إذ غدت رواية الأناجيل كحكاية مجهولة عن مجهول. وهذا جنس إسناد الأكاذيب. فلو قيل من هؤلاء الرواة؟ وما زامانهم؟ وما أسماؤهم؟، لم نعرف عنهم شيئا، وأخبار المجهولين لا تقبل شهادة، ولا رواية. والمجهول عندنا لا يحتج به. وعليه فلإنجيل فاقد لأهم ما يجعله منسوبا نسبة صحيحة إلى عيسى عليه السلام