إذا لم تستح فاصنع ما شئت !

يا أيها القمص ألا تستحي من قولك : " نصوص من القرن الثالث " . فهل عجز ربكم الذي أحيا الموتى وشفا المرضى ( مع التحفظ ) أن يخلف إنجيلاً كاملاً معتمدًا منه يعود إلى الزمن الذي كان يعيش فيه قبل أن يموت ( زعمًا ) ؟!

إن الناظر إلى حقيقة تلك المخطوطات القديمة يجد أنه :

1-لا يوجد مخطوط أقدم من القرن الرابع .

2-لا يوجد مخطوط يشتمل على العهد الجديد بأكمله , أو على العهد القديم بأكمله .

3-لا يوجد مخطوط باللغة الأصلية التي نزل بها الكلام الإلهي .

4-لا يوجد مخطوط ألفه المؤلف نفسه ( أو أُلفت في عصر المؤلف ) .

5-لا يعلم أحد من الذي كتب تلك المخطوطات ولا زمن كتابتها ولا مكان كتابتها .

وقبل أن أخوض في المقال أقول : إن المسلمين لم يدَّعوا قط أن التحريف قد حدث بعد كتابة هذه المخطوطات , بل الذي عليه الجمهور أن التحريف في هذه المخطوطات واقع لا محالة .


الفاتيكانية والسينائية في عيون يسوعية !

والأن أيها النصارى الفضلاء هيئوا أنفسكم إلى تلك الصدمة والتي مصدرها مقدمة العهد الجديد للترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية والتي أشرف على إخراج مقدمتها صفوة من علماء الكتاب المقدس :

( بلغنا نص الأسفار السبعة وعشرين في عدد كبير من المخطوطات التي أنشأت في كثير من مختلف اللغات وهي محفوظة الآن في المكتبات في طول العالم وعرضه وليس في هذه المخطوطات كتاب واحد بخط المؤلف نفسه , بل هي كلها نسخ أو نسخ النسخ للكتب التي خطها يد المؤلف نفسه أو أملاها إملاء . وأقدم الكتب الخطية التي تحتوي على معظم العهد الجديد أو نصه الكامل كتابان مقدسان على الرق يعودان إلى القرن الرابع وأجلّهما المجلد الفاتيكاني .. وهذا المخطوط مجهول المصدر ، وقد أصيب بأضرار لسوء الحظ ، ولكنه يحتوي على العهد الجديد ما عدا الرسالة إلى العبرانيين ( 9/14 - 13/25 ) والرسالتين الأولى والثانية إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس ، والرسالة إلى فليمون ، والرؤيا. والعهد الجديد كامل في الكتاب المخطوط الذي يقال له المجلد السينائي .. لا بل أضيف إلى العهد الجديد الرسالة إلى برنابا وجزء من ( الراعي ) لهرماس ، وهما مؤلفان لم يحفظا في قانون العهد الجديد صيغته في الأخيرة ) ( مقدمة العهد الجديد للترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية ص 12 - الطبعة السادسة 2000م - دار المشرق , بيروت ) .


مخطوطات متضاربات !

لقد أفردت الترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية جزءً كبيرًا في مقدمتها للعهد الجديد عن المخطوطات , والجدير بالذكر أن هذه الترجمة تعد من أهم المراجع المسيحية , لاحتوائها على مقدمات وشواهد مأخوذة من الترجمة المسكونية الفرنسية والتي عكف على ضبطها أعظم علماء الكتاب المقدس مكانة وعلمًا , لذا أنقل ما جاء فيها عن مخطوطات العهد الجديد على وجه التحديد :

( إن نسخ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلها واحدة , بل يمكن المرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية , ولكن عددها كثير جدًا على كل حال , هناك فوارق أخرى بين المخطوطات تتناول معنى فقرات بأكملها , واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير , فإن نص العهد الجديد قد نُسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء التي تحول دون أن تتصف أية نسخة كانت مهما بُذل فيها من الجهد ، ويضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحيانا عن حسن نية أن يصوبوا ما جاء فى مثالهم وبدا لهو أنه يحتوى على أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي ، وهكذا أدخلوا على النص قراءات جديدة تكاد تكون كلها خطأ ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الإستعمال لكثير من الفقرات للعهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدى أحيانا كثيرة إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت عليها التلاوة بصوت عال ، ومن الواضح أن ما ادخله النساخ من التبديل على مر القرون قد تراكم بعضه على بعضه الأخر فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلاً بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات ) (الترجمة الكاثوليكية اليسوعية ص 12-13) .

وتقول دائرة المعارف الأمريكية : ( هناك خلاف وفروق عديدة بين النسخ القديمة للمخطوطات ) (وفي سنة (1707م) عدَّ "جون ميل " الخلافات الموجودة في العهد الجديد فقط . فوجدها ثلاثين ألفًا ).

Encyclo.Americana,vol.3,p656; George Milligan : The New Testament And Its Transmission(London & Glagow,1932),pp.3,108.)

ولكن البحوث والإحصائيات المتأخرة أثبتت عددها ما يقرب إلى مائتين وخمسين ألفًا 250.000 .

(Danial-Rops: Life Of Jesus,p.32)

وتقول دائرة المعارف البريطانية : (آلاف من التعارضات والفروق بين الوثائق والمخطوطات المتداولة).

(Encyclo.Brit.(1973),vol.3,p.578)

ويمكن للقراء أن يراجعوا أي نسخة من الكتاب المقدس , وسوف يجدون في الهوامش الإشارة إلى المتون المختلفة التي تخبرنا بكثرة الخلافات والتناقضات حيث ترد مثل العبارات التالية :

- لا يوجد هذا النص في أقدم المخطوطات ....

- بعض المخطوطات تضيف هذه الفقرات .....

- بعض المخطوطات تجعل هذه الفقرة في نهاية الإنجيل .... إلخ .

وهناك فهرس قديم لأسفار العهد الجديد , وقد نشر سنة 1740م عن مخطوط ينتمي إلى القرن الثامن, ويعرف بالنسخة الموراطورينية , فقيل : إنه كان معترفًا به حوالي سنة 170م . ولكن هذا الفهرس يخلو من خمس وثائق يتضمنها العهد الجديد المتداول الأن !

(Encyclo.Americana, vol.3, p.651; W.Barclay: Gospel Of John (Edinburgh, 1963).p.xxxvii)

والمخطوط السكندري الذي يستدل به النصارى مخطوط ناقص , ومعظم أوراقه تشتمل على العهد القديم , كما توجد فيه كتابات من العهد الجديد , أخرج معظمها من الكتاب المقدس فيما بعد , مثل رسائل كليمنت , ويشتمل هذا المخطوط على أجزاء ناقصة أيضًا لإنجيلي متَّى ويوحنا ورسائل بولس إلى كورنثس . ( مقدمة للكتاب المقدس ص 84 – يوحنا داربي ) .

(Encyclo.Americana,vol.3,p.652; Encyclo.Brit.(1973),vol.3,p.579; A.M Hunter : Introducing to the Old Testament(London,1976),p.13).

والمخطوط الإفرايمي يتضمن أجزاء من الأناجيل والأعمال والرسائل والرؤيا . ومكتوب على رق ممسوح وقد نشره تشندروف عام 1843م . ( مقدمة للكتاب المقدس ص 84 – يوحنا داربي ) .