النقد الباطن أو ما يعرف بنقد المتن

من الممكن أن يعمد بعض الكذابين إلى سرقة الأسانيد بأن يركبوا الإسناد الجيد على القول الموضوع , وهنا لجأ علماء الحديث إلى نقد المتن للتدقيق في صحة المتن كما دققوا في صحة الإسناد .

ونقد المتن علم قديم نجده في المناقشات الطويلة التي كانت تقوم بين الصحابة. ونشأة المذاهب الفقهية والاختلافات بين هذه المذاهب مبنية في معظمها على نقد المتن, فكثير من الاختلافات كانت تقوم على فهم النص لا في ثبوت النص.

ونقد المتن يقوم على العلوم التالية والتي هي منبثقة مما يعرف بعلم الحديث:

تعريف علم الحديث وهو ينقسم إلى قسمين :

القسم الأول: علم الحديث رواية

تعريفه: هو علم يشتمل على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها.

ويُبْحَث في هذا العلم عن رواية الأحاديث وضبطها ودراسة أسانيدها ومعرفة حال كل حديث من حيث القبول والرد ومعرفة شرحه ومعناه وما يُستنبط منه من فوائد.

القسم الثاني: علم الحديث دراية

ويُطلق عليه مصطلح الحديث أو أصول الحديث أو علوم الحديث.

تعريفه: هو العلم بقواعد يُعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول أو الرد أو هو القواعد المُعَرِّفة بحال الراوي والمروى.
وعلم الحديث دراية يُوَصِّل إلى معرفة المقبول من المردود بشكل عام أي بوضع قواعد عامة فأما علم رواية الحديث فإنه يَبْحث في هذا الحديث المُعَيَّن الذي تريده فَيُبَيِّن بتطبيق تلك القواعد أنه مقبول أو مردود ويضبط روايته وشرحه فهو إذًا يبحث بحثا جزئيا تطبيقيا فالفرق بينهما كالفرق بين النحو والإعراب وكالفرق بين أصول الفقه وبين الفقه .

تعريف الحديث: ما أُضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ويشمل أيضًا ما أُضيف إلى الصحابة والتابعين.

تعريف الخبر:قيل هو مرادف للحديث وقيل مغاير له فالحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والخبر ما جاء عن غيره أي أن الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والخبر ما جاء عنه أو عن غيره .

تعريف الأثر: قيل هو مرادف للحديث وقيل هو مغاير له وهو ما أُضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوال أو أفعال.

تعريف السند: هو سلسلة الرجال المُوَصِّلَة للمتن.

تعريف المتن: هو ما ينتهي إليه السند من الكلام.

تعريف الْمُسْنِد: هو من يروى الحديث بسنده سواء أكان عنده علم به أم ليس له إلا مجرد الرواية.

تعريف المُحَدِّث: هو من حصَّل جملة من متون الأحاديث وسمع كتبا متعددة من كتب الحديث وعرف الأسانيد والعلل وأسماء الرجال واشتغل بذلك .

تعريف الحافظ: هو من توسَّع حتى حفظ جملة مستكثرة من الحديث وحفظ الرجال طبقة طبقة بحيث يَعْرف من أحوالهم وتراجمهم وبلدانهم أكثر مما لا يَعْرف.

تعريف الحجة: هي لفظة تطلق على الحافظ من حيث الإتقان فإذا كان الحافظ عظيم الإتقان والتدقيق فيما يحفظ من الأسانيد والمتون لُقِّب بالحجة.

تعريف الحاكم: هو من أحاط بأكثر الأحاديث المروية متنا وإسنادا جرحا وتعديلا.

تعريف أمير المؤمنين: هو أرفع المراتب وأعلاها وهو من فاق حفظًا وإتقانًا وتعمقًا في علم الأحاديث وعللها كل من سبقه من المراتب بحيث يكون لإتقانه مرجعًا للحكام والحفاظ وغيرهم.

أنواع الحديث

النوع الأول: الصحيح... النوع الثاني: الحسن
النوع الثالث: الضعيف... النوع الرابع: المسند
النوع الخامس: المُتَّصل... النوع السادس: المرفوع
النوع السابع: الموقوف... النوع الثامن: المقطوع
النوع التاسع: المرسل... النوع العاشر: المنقطع
النوع الحادي عشر: المُعْضَل.... النوع الثاني عشر: المُعَلَّق
النوع الثالث عشر: المُدَلَّس... النوع الرابع عشر: المرسل الخَفَيُّ...
النوع الخامس عشر: الشَّاذُ والمحفوظ ... النوع السادس عشر: المُنْكر والمعروف ...
النوع السابع عشر: المتروك... النوع الثامن عشر: المتابعات والشواهد...
النوع التاسع عشر : زيادة الثقات ... النوع العشرون: الفَرْد والغريب ...
النوع الحادي والعشرون المُعَلُّ... النوع الثاني والعشرون: المضطرب...
النوع الثالث والعشرون: المُدْرَج... النوع الرابع والعشرون: الموضوع...
النوع الخامس والعشرون: المقْلوب... النوع السادس والعشرون: معرفة من تقبل روايته ومن ترد روايته وما يتعلق به من جرح وتعديل...
النوع السابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه ...


النوع الأول: الصحيح


تعريفه: هو ما اتَّصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله ولم يكن شاذًّا ولا مُعَلاًّ .
وقد اشتمل هذا التعريف على شروط الحديث الصحيح وهى خمسة نوضحها فيما يلي:

1 ـ اتصال السند وهو أن يكون كل واحد من رواة الحديث قد سمعه ممن فوقه.

2 ـ عدالة رواته والعدالة مَلَكَةٌ تَحْمِل صاحبها على التقوى وتَحْجُزه عن المعاصي والكذب وعن ما يُخِلُّ بالمروءة والمراد بالمروءة عدم مخالفة العُرْف الصحيح.

3 ـ الضبط وهو أن يحفظ كل واحد من الرواة الحديث إما في صدره وإما في كتابه ثم يستحضره عند الأداء.

4 ـ أن لا يكون الحديث شاذًّا والشاذُّ هو ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه .

5ـ أن لا يكون الحديث مُعَلاًّ والمعلُّ هو الحديث الذي اطُّلِعَ فيه على عِلَّة خفية تقدح في صحته والظاهر السلامة منها .

وإذا قيل في حديث إنه صحيح فمعناه تحقق هذه الشروط فيه ولا يَلْزَم أن يكون مقطوعا به في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة وكذلك إذا قيل إنه غير صحيح فمعناه لم يصح إسناده على هذا الوجه المعتبر لا أنه كذب في نفس الأمر لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ وتتفاوت درجات الصحيح بحسب قوة شروطه مثاله ما رواه الإمام البخاري في أول صحيحه قال:
[ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏سُفْيَانُ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ ‏ ‏قَالَ أَخْبَرَنِي ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ ‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏ ‏عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ ‏ ‏يَقُولُ سَمِعْتُ ‏ ‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏عَلَى الْمِنْبَرِ ‏‏قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏إِنَّمَا الْأَعْمَالُ ‏ ‏بِالنِّيَّاتِ ‏ ‏وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا ‏ ‏يُصِيبُهَا ‏ ‏أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ].

وقد توافرت شروط الصحة في هذا الحديث فسنده متصل ورواته عدول ضابطون وغير شاذ وليس به علة .

مسائل


المسألة الأولى: المختار أنه لا يُجْزَم في إسناد بأنه أصح الأسانيد على الإطلاق لِعُسْرِ ذلك وإنما رَجَّحَ كل منهم بحسب ما قَوِىَ عنده .

المسألة الثانية: أول من صنف الصحيح المجرد هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ثم أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري وكتاباهما أصح الكتب بعد القرآن العزيز باتفاق العلماء.

ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا وأكثرهما فوائد وقال أبو على الحافظ النيسابوري وبعض شيوخ المغرب مسلم أصح والصواب الأول .

وعلى الجملة فقد قُدِّمَ صحيح البخاري على مسلم من جهتين:

الأولى: أن البُخَاري يشترط أن يكون كل راو في سلسلة السند قد ثبت لقاؤه بمن روى عنه ولو مرة بينما يكتفي مسلم بالمعاصرة وإن لم يثبت عنده لقاؤهما.

الثانية: ما ضَمَّنَهُ البُخَارِي أبوابه من التراجم التي عمل فيها على استنباط المسائل الكثيرة من الحديث الواحد وبسبب تقطيعه لهذا الحديث في عدة أبواب ولذا اشتهر قول جمع من الفضلاء فقه البُخَارِيِّ في تراجمه.
ويَتَرَجَّحُ صحيح مسلم بكونه أسهل متناولا حيث إنه جمع طرق الحديث في مكان واحد بأسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فَسَهُلَ تداوله بخلاف البُخَاري فإنه قَطَّعَهَا في الأبواب بسبب استنباطه الأحكام منها ولذلك يَصْعُبُ على الناظر جَمْعُ شَمْلِهَا ومَعْرِفَةُ الفائدة من اختلافها.

المسألة الثالثة : السنن الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة تشتمل على الصحيح وغيره والكتب الستة في مجموعها تشتمل على أغلب الأحاديث الصحيحة والزيادة في الصحيح على ما فيها يُعْرَف من الكتب المعتمدة كصحيح ابن خزيمة وابن السكن وموطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد ومسند البزار ومسند أبى يعلى وغيرها من الكتب منصوصا على صحته فيها ولا يَكْفِى في صحته كونه موجودا في شيء منها إلا في كتاب مَنْ شَرَطَ أنه لا يأتي إلا بالصحيح ككتاب ابن خزيمة وابن السكن والكتب المُسْتَخْرَجَة على الصحيحين ككتاب أبى بكر الإسماعيلي وكتاب أبى بكر البُرْقَانِي وكتاب أبى عوانة الإسفرائيني وغيرهم .

المسألة الرابعة: طريقة المُسْتَخْرَج أن يَعْمَدَ المُحَدِّثُ إلى حديث في البخاري مثلا فيرويه بإسناده حتى يلتقي مع البخاري في أحد رواته ولا يَلْزَم من ذلك الاتفاق في اللفظ والمعنى لأن المُسْتَخْرِج يذكر الحديث في كتاب المُسْتَخْرَج حسبما وصل إليه من الرواة وهو في أغلب الأحيان اختلاف يسير لا يُغَيِّر المعنى وللكتب المخرجة على الصحيحين فوائد منها:

1 ـ عُلُو الإسناد.
2 ـ الزيادة في قدر الصحيح فإن تلك الزيادات صحيحة لإخراجها بإسناد الصحيح.
3 ـ زيادة قوة الحديث بكثرة الطرق.
4 ـ أغلب أحاديث الصحيحين المنتقدة جاءت روايتها في المستخرجات سالمة من ذلك النقد.

المسألة الخامسة: اعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بضبط الزائد من الصحيح على ما في الصحيحين فجمعه في كتابه المستدرك فذكر ما ليس في واحد من الصحيحين مما رآه على شرطهما أو شرط أحدهما أو أدى اجتهاده إلى صحته ومعنى كونه على شرطهما أنهما أخرجا لرواته في صحيحيهما والحاكم رحمه الله متساهل في التصحيح معروف عند أهل العلم بذلك والمشاهدة تدل عليه وإنما وقع له التساهل لأنه سوَّد الكتاب لينقحه فتعجلته المنية وقد لخص الحافظ الذهبي المستدرك وحكم على كل حديث بما يليق به فحكم على نحو ربع الكتاب بالضعف والنكارة منها نحو مائة حديث موضوع ووافقه في تصحيح ما عدا ذلك مثاله: ما رواه الحاكم من طريق الحسين بن عُلْوان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوا لي سيِّد العرب فقلت يا رسول الله ألست سيد العرب قال أنا سيِّد ولد آدم وعَلِىٌّ سيد العرب قال الذهبي وضعه ابن علوان والحسين بن علوان الكلبي كذَّبه يحيى بن معين وابن حبان والنسائي وصحة الحديث كما رواه ابن ماجة في سننه :

[ حَدَّثَنَا ‏ ‏مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى ‏ ‏وَأَبُو إِسْحَقَ الْهَرَوِيُّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاتِمٍ ‏ ‏قَالَا حَدَّثَنَا ‏ ‏هُشَيْمٌ ‏ ‏أَنْبَأَنَا ‏‏عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي نَضْرَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ ‏ ‏آدَمَ ‏ ‏وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ] ابن ماجة في سننه حديث رقم 4298..

المسألة السادسة: إذا قالوا في حديث هذا صحيح متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفق البخاري ومسلم على روايته لا يعنون اتفاق الأمة لَكِنِ اتفاق الأمة حاصل من ذلك لأنها اتفقت على تلقى ما روياه أو أحدهما بالقبول سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره وهى معروفة وقد أجاب عن تلك الأحرف آخرون .
وأحاديث الآحاد تفيد الظن إلا أن أحاديث الصحيحين احْتَفَّتْ بها قرائن قَرُبَتْ بها إلى العلم لجلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول .

المسألة السابعة: جاز لمن تمكَّن وقويت معرفته أن يحكم على إسناد بالصحة أو بالضعف تبعا لما يليق به بعد البحث والتحري والأحوط أن يقول صحيح الإسناد أو ضعيف الإسناد لاحتمال علة في الحديث خَفِيَتْ عليه أو طريق صحيح لم يقف عليه .