يقول القس عبد المسيح بسيط : ( وذكر البيضاوي أربعة روايات تبدأ بإلقاء شبه المسيح على غيره وتنتهي بصلبه : .... ) .

ثم نقل القس ثلاثة روايات حتى جاء إلى الرابعة فزعم أن البيضاوي رحمه الله قال : (وقال قوم : صلب اللاهوت وصعد الناسوت)(هل صلب المسيح حقيقة أم شبه لهم ؟ ص 17).

ولما عدتُ إلى تفسير البيضاوي " أنوار التنـزيل وأسرار التأويل " ( 3/157 ) وجدتُ أن القس وضع الناسوت محل اللاهوت والعكس ! :

( {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ } في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام ،فإنه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود: إنه كان كذباً فقتلناه حقاً، وتردد آخرون فقال بعضهم: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا، وقال بعضهم: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا، وقال من سمع منه أن الله سبحانه وتعالى يرفعني إلى السماء: أنه رفع إلى السماء. وقال قوم: صلب الناسوت وصعد اللاهوت ) .

ثم عاد القس في نفس الصفحة فوضع اللاهوت محل الناسوت والعكس مرة أخرى ! (هل صلب المسيح حقيقة أم شبه لهم ؟ ص 17 ) .

ثم استطرد القس عبد المسيح بسيط بعد هذه ( الفبركة ) فقال : (لم تُأخذ هذه الروايات لا عن القرآن ولا عن السنة الصحيحة ولا عن أي وثيقة من أي دين) (المصدر السابق).

ثم عاد فقال في تناقض مضحك : ( اعتمدت هذه الروايات بالدرجة الأولى على الفكر الغنوسي , الذي سنشرحه لاحقًا , والذي تأثر به بعض البسطاء من عامة البادية وذلك إلى جانب الفكر النسطوري , الذي انتشر بواسطة الرهبان النسطوريين الذين عاشوا في الصحارى وكان بعضهم يعيش بالقرب من طرق الرحلات التجارية , والذين كانوا يعتقدون أن المسيح مكون من شخصين متصاحبين هما الإله الذي كان يقوم بالمعجزات والإنسان الذي كان يتحمل الآلام ) ( المصدر السابق ص 18 ) .

ثم عاد في تتمة كلامه فوضع الناسوت محل اللاهوت والعكس مرة أخرى ! : ( ... وبالتالي فقد صلب الإنسان لا الإله , أي صلب الناسوت ولم يصلب اللاهوت كما ذكر بعض ناقلي هذه الروايات : " وقيل صلب الناسوت ولم يُصلب اللاهوت " ) ( المصدر السابق ) !


إن مقولة : " صلب الناسوت ورفع اللاهوت " التي نقلها البيضاوي رحمه الله عن نصارى زمانه , لا تزال تشغل عقول النصارى إلى يومنا هذا , بل قالها واعتقد بها - على عكس ما زعمه القس عبد المسيح بسيط - أكابر علماء النصارى , ولا يزال يعتقد بها أكابر العلماء !

ثم ما لنا نذهب بعيدًا وعندنا شهادة الرجل الذي كان مرشحًا للجلوس على كرسي الباباوية المرقسية الأرثوذكسية , وهو القمص متَّى المسكين , أو كما يقول عنه النصارى اليوم بعد وفاته : القديس متَّى المسكين !

يقول القمص متَّى المسكين في تفسيره لإنجيل متَّى ص 821 : ( إذن لابد أن الإبن يعاني موت الجسد , باعتباره واحدًا مع جسده . هنا الصعوبة والإستحالة تأتي من الإتصال الجوهري بحياة الآب . فأي موت للإبن حتى بالجسد يطال الإتصال بين الآب والإبن . إذن هنا يتحتم لكي يموت الإبن بالجسد , أن يترك الآب الإبن المتجسد حتى يموت , وإلا إستحالة الموت على الإبن بالجسد ) .

وقال أيضًا : ( والآن جاءت ساعة الموت . وترك الآب الإبن ليجوز الموت بالجسد وهو رب الحياة ) .

وقال أيضًا : ( وهذا ضمن المروعات التي عاناها الإبن في جثسيماني كيف يصير خطية ؟ إذ يتحتم أن يتغرب عن الآب .. ) .



يقول القس عبد المسيح بسيط : ( وهناك نظرية قال بها الشيخ محمد رشيد رضا أسماها بـ " نظريتي قي قصة صلب المسيح وقيامته من الأموات " ..... ) ( هل صلب المسيح حقيقة أم شبه لهم ؟ ص 26 ) .

وهذا كذب على الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله , لأن كتاب : " نظريتي في قصة صلب المسيح وقيامته من الأموات " من تأليف الدكتور محمد توفيق صدقي , وليس من تأليف الشيخ محمد رشيد رضا رحمهما الله . إنما قام الشيخ محمد رشيد رضا بنشر هذه النظرية في ملحق كتابه : " عقيدة الصلب والفداء " .

يقول العلامة محمد رشيد رضا في كتابه : " عقيدة الصلب والفداء " صفحة 64 : ( لما اطلع صديقي وتلميذي الدكتور محمد توفيق صدقي تغمده الله برحمته على ما كتبته في عقيدة الصلب والفداء النصرانية البوليسية كتب رسالة نفيسة في الموضوع جعلتها علاوة للمسألة , وذيلاً للرسالة, وهاك نصها : " نظريتي قي قصة صلب المسيح وقيامته من الأموات " من قلم الدكتور محمد توفيق أفندي صدقي ... ) .



يتبع ....