الفصل الاول



لا إله إلا الله محمد رسول الله


الشهادتان
دعوة موسى وعيسى ومحمد-عليهم الصلاة والسلام.




الإسلام دعوة كل الأنبياء

العقل البشري هو النافذة التي يطل منها الكائن البشري على الوجود، والتي يترجم بها ما تدركه حواسه المادية كالسمع والبصر واللمس والشم إلى أفكار ومعاني، ثم يجري عليها عمليات التحليل والتركيب وغيرها من العمليات العقلية ليخرج منها بما يقتنع به من معتقدات، وأعظم أنواع المعتقدات شأنا؛والتي شغلت فكر الإنسان- منذ كان فكر- هي ما يتعلق بالكون الرحب من حوله: الخلق- الكنه – البداية – والمصير، وهي أمور تقصر حواس الإنسان المادية المحدودة- وحدها- دون إدراكها؛ فنحن لا نرى من الأشياء والأجسام إلا ما يصدر منه ضوء يتراوح طوله الموجي من 4 إلى 7×7-10مترا، ولا نسمع من الأصوات بوضوح إلا ما يحدث ذبذبات بمعدل 2500 إلى 4000 ذبذبة/ ثانية. .



أما ما وراء ذلك من أشياء وأصوات فلا نبصرها ولا نسمعها وإن كانت على مرأى البصر ومدى السمع ولو عاشت وتحركت بيننا أو خلالنا، فإن تطلعنا إلى الفضاء البعيد بأبصارنا أو معدات لإبصارنا (كالمجاهر)، أو بسمعنا أو معدات سمعنا (كالاستقبال اللاسلكي) فإن رؤيتنا وسمعنا يحدها – في الزمان – السرعة المحددة للضوء أو الموجات الكهرومغنطيسية، فهذه وتلك يستغرق للوصول إلينا زمانا يطول ويطول كلما تطلعنا إلى الفضاء البعيد والأبعد، فضوء الشمس التي هي أقرب النجوم إلينا يستغرق وصوله إلينا ثمان دقائق، بينهما تبعد غيرها من النجوم سنين ضوئية (أي يصلنا ضوؤها فنبصره بعد سنين)، والمجرات البعيدة عنا تبعد عن الأرض آلاف وملايين وبلايين السنين الضوئية، وهنا فإن حواسنا وأجهزتنا العملية لا ولن تدرك ما يجري في الكون الآن – مهما تقدمت الأجهزة العلمية – ولعل أحداثا جساما قد بدأت أو انتهت ولا نراها؛ حتى يمتد إلينا أثرها بعد حين – طال أو قصر.ذلك شأن الإنسان وهوان أمره في مقابل قدرة الله الأحد ولانهائيته المطلقة في الصفات والزمان والمكان والخَلْق.



لا نهائية الله في الزمان بديهة من بديهات العقل الرشيد الذي يدرك أن للكون خالقا، هو الأول منذ الأزل وهو الآخر الباقي في لا نهائية الأبد. لانهائية المكان نرى منها اليوم قبسا ضئيلا بمنظار العلم الذي كشف الإتساع اللانهائي للكون نحو آفاق مجهولة؛ وسنظل كذلك أبد الآبدين، لأننا - مهما امتد بنا البصر في الفضاء الخارجي إلى عوالم وظواهر على بعد آلاف أو ملايين السنيين الضوئية- فإن ذلك يعني في الواقع أننا نبصر ما كان هناك منذ تلك آلالاف أو الملايين من السنين، ومن ثم فإنه يستحيل- عمليا - مهما أوتينا من قدرات عملية أو نظرية - أن ندرك ما عليه الفضاء السحيق الآن.

إن ما نراه حولنا في كوكبنا الأرضي المحدود من تنوع مذهل في ملايين المخلوقات شكلا وتركيبا ووظائف، وما تتكون به من بلايين الخلايا والجينات والمركبات والذرات ليشي هو الآخر بلانهائية الخلق وتنوعه في بلايين الأجرام السماوية وما تحمله من خلائق لا يعلمها إلا الله منشئها والمهيمن على نظمها وقوانينها والقائم على بقائها واستمرارها. وما دام الأمر كذلك فإن عقولنا لا تستطيع أن تهتدي إلى التصور الصحيح للكون: خالقه ومداه ونشأته ومستقبله أي: لا تستطيع وحدها أن تعرف الدين الحق.

ومن هنا امتدت رحمة الله المنعم - الذي أنعم من قبل على الإنسان بالوجود والعقل والحواس - لتهديه إلى الدين الحق عن طريق الرسالات والمرسلين، ولكي تطمئن عقول البشر إلى صدق المرسلين أيدهم الله بالمعجزات المادية التي تدركها الحواس ليسلم الناس بأنها ما أتت إلا بقدرة الخالق الأعظم، حتى ارتقى الفكر والمعارف الإنسانية إلى القدر الذي أصبح الإنسان مؤهلا للاقتناع عن طريق الحجج العقلية والنصوص الفكرية فنزلت الكتب السماوية: التوراة ثم الإنجيل ثم القرآن؛ ليبقى خاتمها: القرآن الكريم برهانا عقليا فكريا دائما إلى قيام الساعة.

الرسالات السماوية - كما نزلت - تشترك في جوهرها: التوحيد منهج الله الهادي، وفي أنها إنما تخاطب العقل وتحرره من الجهل والهوى؛ وتتخذ من المجادلة بالحسنى أسلوبا للدعوة والإقناع، وتحرر بني الإنسان من اتباع بعضهم البعض – القوم أو القبيلة أو الأباء أو الكبراء – دون ما فكر أو تمحيص. كما أن عقل الإنسان القاصر يزين له القريب المحسوس ويصده عن حقائق الغيب الكبرى؛ فيلجأ إلى الأوثان من تماثيل وصور وبشر: يقدسها أو يعبدها أو يتقرب بها إلى رب أو أرباب؛ ولا يخرجه من ضيق الجهالة إلى أفق الحقائق الرحيب إلا هدى الله الرحيم الذي أرسل به من اصطفاهم من رسله إلى كل أمة من أمم الأرض على مدار التاريخ، مؤيَّدين بالأدلة والبراهين العقلية والمادية التي تتناسب مع أطوار تقدم العقل البشري.