مختصر تاريخ دمشق
ابن منظور
(1/2702)
أوحى الله تعالى إلى عيسى بن مريم : يا عيسى خذ في أمري ولا تهن واسمع وأطع يا بن الطاهرة البكر البتول إنك من غير فحل وأنا خلقتك آية للعالمين إياي فاعبد وعلي فتوكل خذ الكتاب بقوة فسر لأهل السريانية السريانية بلغ بين يديك أني أنا الحي القائم الذي لا أزول صدقوا النبي الأمي العربي صاحب الجمل والتاج - وهي العمامة - والمدرعة والنعلين والهراوة - وهو القضيب - الأنجل العينين الصلت الجبين الواضح الخدين الجعد الرأس الكث اللحية المقرون الحاجبين الأقنى الأنف المفلج الثنايا البادي العنفقة الذي كأن عنقه إبريق فضة كأن الذهب يجري في تراقيه له شعيرات من لبته إلى سرته يجري كالقضيب ليس على بطنه ولا على صدره شعر غيره شثن الكف والقدم إذا التفت التفت جميعا وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر وينحدر من صبب عرقه في وجهه كاللؤلؤة ريح المسك ينفح منه لم ير قبله ولا بعده - يعني مثله - الحسن القامة الطيب الريح نكاح النساء ذا النسل القليل إنما نسله من مباركة لها بيت - يعني في الجنة - من قصب لانصب فيه ولا صخب ؛ تكفله يا عيسى في آخر الزمان كما كفل زكريا امك له منها فرحان مستشهدان وله عندي منزلة ليس لأحد من البشر كلامه القرآن ودينه الإسلام وأنا السلام طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيامه وسمع كلامه . قال عيسى : يا رب ! وما طوبى ؟ قال : غرس شجرة أنا غرستها بيدي فهي الجنان كلها أصلها من رضوان وماؤه من تسنيم وبردها برد الكافور وطعمها طعم الزنجبيل وريحها ريح المسك من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا . قال عيسى : يا رب اسقني منها قال : حرام على النبيين أن يشربوا منها حتى يشرب ذاك النبي وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب أمة ذاك النبي . قال : يا عيسى أرفعك إلي قال : يا رب ! ولم ترفعني ؟ قال : أرفعك ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب ولتعينهم على قتال اللعين الدجال أهبطك في وقت صلاة ثم لا تصل بهم لأنهم أمة مرحومة ولا نبي بعد نبيهم وروي أن عيسى بن مريم قال : رب أنبئني عن هذه الأمة المرحومة ؟ قال : أمة أحمد صلى الله عليه و سلم هم علماء حلماء كأنهم انبياء يرضون مني بالقليل من العطاء وأرضى منهم باليسير من العمل وأدخلهم الجنة بلا إله إلا الله ياعيسى هم أكثر سكان أهل الجنة لأنها لم تذل ألسن قوم قط بلا إله إلا الله كما ذلت ألسنتهم ولم تذل رقاب قوم قط بالسجود كما ذلت رقابهم وعن عبد الله بن عوسجة قال : أوحى الله إلى عيسى بن مريم ؛ أنزلني من نفسك كهمك واجعلني ذخرا لك في معادك وتقرب إلي بالنوافل أحبك ولا تول غيري فأخذلك اصبر على البلاء وارضى بالقضاء وكن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى وكن مني قريبا وأحي ذكري بلسانك ولتكن مودتي في صدره يقظ من ساعات الغفلة واحكم لي لطف الفطنة وكن لي راغبا راهبا وأمت قلبك من الخشية لي وراع الليل بحق مسرتي واظم نهارك ليوم الري عندي نافس في الخيرات جهدك واعرف بالخير حيث توجهت - تفسيره : يقول : ولتعرف بالخير - وقم في الخلائق بنصيحتي واحكم في عبادي بعدك فقد أنزلت عليك شفاء وساوس الصدر من مرض النسيان وجلاء الأبصار من غشا الكلال ؛ ولا تكن حلسا كأنك مقبوض وأنت حيتنفس ؛ ياعيسى بن مريم ما أمنتني خليقة إلا خشعت ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي فأشهدك أنها آمنة من عقابي ما لم تغير أو تبدل سنتي ؛ يا عيسى بن مريم البكر البتول ابك على نفسك ايام الحياة بكاء من ودع الأهل وقلى الدنيا وترك اللذات لأهلها وارتفعت رغبته فيما عند إلهه وكن في ذلك تلين الكلام وتفشي السلام وكن يقظانا إذا نامت عيون الأنام حذار ما هو آت من أمر المعاد وزلازل شدائد الأهوال قبل أن لا ينفع أهل ولا مال واكحل عينك بملمول الحزن إذا ضحك البطالون وكن في ذلك صابرا محتسبا فطوبى لك إن نالك ما وعدت الصابرين زج من الدنيا بالله يوم بيوم وذق مذاقه ما هرب منك أين طعمه ؟ وما لم يأتك كيف لذته ؟ فزج من الدنيا بالبلغة وليكفك منها الخشن الخشب قد رأيت إلى ما تصير ؛ اعمل على حساب فإنك مسؤول ؛ لو رات عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك
زاد في آخر : اشتياقا إليهم