بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الجزء يعتبر اكمالا لسلسلتنا في الرد كتاكيت اللاهوت الدفاعي في طعنهم في اسانيد القران

اولا : كلامه حديث حديث لعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها لعمرو بن العاص رضي الله عنه .

اقول : هذا كلام اجبنا عليه في الجزء الرابع وفصلناه في مسالة عدالة الصحابة و بينا مع ذلك ان الصحابة رضوان الله عليهم موثوقون في نقلهم وقد ذكرنا على ذلك امثلة و ساقتبس جزءا من ردي الذي كتبته في الجزء الرابع


ولا : ذكر المنصر ان الصحابة رضي الله عنهم كفروا مقتبسا ذلك من كلام الامام الذهبي رحمه الله و شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله من مجموع الفتاوي وقال ما معناه انهم اذا كفروا بعض فما مانع ان يكذبوا !!!
و لا ادري ما هو السبب المنطقي او الداعي الضروري لان يستلزم تكفير بعضهم بعضا ان يكونوا قد كذبوا !!! فما هو لازم وقوع الثاني ان وقع الاول اصلا !!!

يقول ابن الصلاح في مقدمته الجزء الاول النوع التاسع و الثلاثون :
((الثَّانِيَةُ: لِلصَّحَابَةِ بِأَسْرِهِمْ خَصِيصَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، لِكَوْنِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُعَدَّلِينَ بِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ مِنَ الْأُمَّةِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لْآيَةَ، قِيلَ: اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ وَارِدٌ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ). وَهَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمَوْجُودِينَ حِينَئِذٍ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) الْآيَةَ.
وَفِي نُصُوصِ السُّنَّةِ الشَّاهِدَةِ بِذَلِكَ كَثْرَةٌ، مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ".
ثُمَّ إِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى تَعْدِيلِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ مِنْهُمُ فَكَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ، إِحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمْ، وَنَظَرًا إِلَى مَا تَمَهَّدَ لَهُمْ مِنَ الْمَآثِرِ، وَكَأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَتَاحَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ نَقَلَةَ الشَّرِيعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ))

و نقرا من كتاب منهج النقد في علوم الحديث الباب الثاني: في علوم رواة الحديث الفصل الأول: في العلوم المعرفة بحال الراوي:
((عدالة الصحابة:
وقد اختص الله الصحابة رضي الله عنهم بخصيصة ليست لطبقة من الناس غير طبقتهم، وهي أنهم لا يسأل عن عدالة أحد منهم، فهم جميعهم عدول ثبتت عدالتهم بأقوى ما تثبت به عدالة أحد، فقد ثبتت بالكتاب، والسنة، وبالإجماع، والمعقول.
أما القرآن: فقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
وهذا ينطبق على الصحابة كلهم، لأنهم المخاطبون مباشرة بهذا النص.
وكذا قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}.
وغير ذلك كثير من الآيات في فضل الصحابة والشهادة بعدالتهم.
وأما السنة: ففي نصوصها الشاهدة بذلك كثرة غزيرة، منها:
حديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
وتواتر عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم" (2) ....وأما الإجماع: فيقول أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب (2) "قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول".
وقال الخطيب في الكفاية (3): "هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء".
ونقل الإجماع محمد بن الوزير اليماني عن أهل السنة وعن الزيدية والمعتزلة أيضا وكذا الصنعاني (4)
وقال ابن الصلاح (1): "ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة". ))

و من ظواهر صدقهم اننا نجد ان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في معركة صفين وهو في صف معاوية رضي الله عنه يروي حديث "ويح عمار تقتله الفئة الباغية" و لم ينكر ذلك لا عمرو و لا معاوية رضي الله عنهما
نقرا من مسند الامام احمد مسند الشاميين مسند عمرو بن العاص رضي الله عنه
((17778 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ابْنِ (1) طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ دَخَلَ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ "، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَزِعًا يُرَجِّعُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ قُتِلَ عَمَّارٌ، فَمَاذَا؟ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ " فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: دُحِضْتَ فِي بَوْلِكَ، أَوَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ، جَاءُوا بِهِ حَتَّى....))
صحح الحديث الشيخ شعيب الارنؤوط في تحقيقه لمسند الامام احمد و قال :
(( إسناده صحيح. ابن طاووس: هو عبد الله. والحديث في "مصنف" عبد الرزاق (20427) ، ومن طريقه أخرجه أبو يعلى (7175) و (7346) ، والحاكم 2/155-156، والبيهقي في "الدلائل" 2/551.))

و هذا الحديث نقله جمع من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان مع معاوية رضي الله عنه او مع علي رضي الله عنه او اعتزل القتال .
نقرا ما قاله بن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب الصلاة باب التعاون في بناء المسجد

((فَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو قَتَادَةَ فَذَكَرَهُ فَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى دِقَّةِ فَهْمِهِ وَتَبَحُّرِهِ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى عِلَلِ الْأَحَادِيثِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ أَيْضًا لَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهِيَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَهِيَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَمَّارُ أَلَا تَحْمِلُ كَمَا يَحْمِلُ أَصْحَابُكَ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ مِنَ اللَّهِ الْأَجْرَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ زِيَادَةُ مَعْمَرٍ فِيهِ أَيْضًا فَائِدَةٌ رَوَى حَدِيثَ تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةٍ مِنْهُمْ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَحُذَيْفَةُ وَأَبُو أَيُّوبَ وَأَبُو رَافِعٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَبُو الْيُسْرِ وَعَمَّارٌ نَفْسُهُ وَكُلُّهَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَغَالِبُ طُرُقِهَا صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ وَفِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ يَطُولُ عَدُّهُمْ ))



و العجيب في هذا المنصر انه نقل قول شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في تكفير وقتال بعض الصحابة بعضا و نحن نسال هنا :

ما هو اعظم قتال بعضهم لبعض بتاويل ام لعن بعضهم بعضا بتاويل

فان كانت الاجابة هي قتالهم فاين وجه الدلالة في تسقيط اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لعن احدا منهم الاخر بتاويل مع ان قتالهم لبعضهم البعض بتاويل لا يستوجب تسقيطهم و لا تفسيقهم و خاصة قتال الفتنة فان الدم و المال في الفتنة تلف .

نقرا من كتاب منهاج السنة لشيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله الجزد الرابع الفصل الثاني :
(( فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَتَلُوا قَوْمًا مُسْلِمِينَ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَقْتُلْهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا ضَمِنَ الْمَقْتُولَ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ، لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ مُتَأَوِّلًا. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: بَلْ كَانُوا أَسْلَمُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا، فَثَبَتَتْ فِي حَقِّهِمُ الْعِصْمَةُ الْمُؤَثِّمَةُ دُونَ الْمُضَمِّنَةِ، بِمَنْزِلَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانِهِمْ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ. ثُمَّ إِنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ [وَأَبِي حَنِيفَةَ] (1) وَأَحْمَدَ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَقُولُونَ: إِنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةِ إِذَا اقْتَتَلُوا بِالتَّأْوِيلِ لَمْ يَضْمَنْ هَؤُلَاءِ مَا أَتْلَفُوهُ لِهَؤُلَاءِ مِنَ النُّفُوسِ (2) وَالْأَمْوَالِ حَالَ الْقِتَالِ، وَلَمْ يَضْمَنْ هَؤُلَاءِ مَا أَتْلَفُوهُ لِهَؤُلَاءِ (3) .

كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (4) مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ، أَنْزَلُوهُمْ (5) مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ. يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ الْقَاتِلَ لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا (6) . وَإِنْ قِيلَ (7) : إِنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ ثَبَتَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَوَاتِرَةِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ إِذَا قَتَلَمُسْلِمًا أَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ، لَمْ يَضْمَنْهُ بِقَوَدٍ [وَلَا دِيَةٍ] (1) وَلَا كَفَّارَةٍ، مَعَ أَنَّ قَتْلَهُ لَهُ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَأَوِّلًا، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ فَاسِدًا.

وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّونَ الْمُمْتَنِعُونَ إِذَا قَتَلُوا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَضْمَنُوا دَمَهُ إِذَا عَادُوا إِلَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ (2) أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ مَنْ يَحْكِيهِ قَوْلًا، كَأَبِي بَكْر عَبْد الْعَزِيز (3) حَيْثُ قَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ.

فَهَذَا النَّصُّ فِي الْمُرْتَدِّ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَذَاكَ فِي الْمُحَارِبِ الْمُمْتَنِعِ، كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ (4) وَالْمُحَارِبِ، أَوْ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ; فَإِنَّ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ لَمْ يُضَمِّنْهُمُ الصَّحَابَةُ بَعْدَ عَوْدِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ بِمَا كَانُوا قَتَلُوهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَتْلَفُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ.

فَالْبُغَاةُ الْمُتَأَوِّلُونَ كَذَلِكَ لَمْ تَضْمَنْهُمُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِذَا كَانَ هَذَا (5) فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، مَعَ أَنَّ مَنْ أَتْلَفَهَا خَطَأً ضَمِنَهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ فِي الْأَعْرَاضِ (6) ؟ مِثْلِ لَعْنِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَتَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. ))

و نقرا من تفسير القرطبي رحمه الله لسورة الحجرات :
(( السادسة- قوله تَعَالَى:" فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ" وَمِنَ العدل في صلحهم ألا يطالبون بِمَا جَرَى بَيْنَهُمْ مِنْ دَمٍ وَلَا مَالٍ، فَإِنَّهُ تَلَفٌ عَلَى تَأْوِيلٍ. وَفِي طَلَبِهِمْ تَنْفِيرٌ لَهُمْ عَنِ الصُّلْحِ وَاسْتِشْرَاءٌ «3» فِي الْبَغْيِ. وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْمَصْلَحَةِ. وَقَدْ قَالَ لِسَانُ الْأُمَّةِ: إِنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَرْبِ الصَّحَابَةِ التَّعْرِيفُ مِنْهُمْ لِأَحْكَامِ قِتَالِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، إِذْ كَانَ أَحْكَامُ قِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ قَدْ عُرِفَتْ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله....الْعَاشِرَةُ- لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خَطَأٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، إِذْ كَانُوا كُلَّهُمُ اجْتَهَدُوا فِيمَا فَعَلُوهُ وَأَرَادُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُمْ كُلُّهُمْ لَنَا أَئِمَّةٌ، وَقَدْ تَعَبَّدْنَا بِالْكَفِّ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَأَلَّا نَذْكُرَهُمْ إِلَّا بِأَحْسَنَ الذِّكْرِ، لِحُرْمَةِ الصُّحْبَةِ وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُمْ، وَأَخْبَرَ بِالرِّضَا عَنْهُمْ. هَذَا مَعَ مَا قَدْ وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ طَلْحَةَ شَهِيدٌ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَلَوْ كَانَ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ مِنَ الْحَرْبِ عِصْيَانًا لَمْ يَكُنْ بِالْقَتْلِ فِيهِ شَهِيدًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ خَطَأً فِي التَّأْوِيلِ وَتَقْصِيرًا فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِقَتْلٍ فِي طَاعَةٍ، فَوَجَبَ حَمْلُ أَمْرِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ....وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لَعْنَهُمْ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَتَفْسِيقَهُمْ، وَإِبْطَالَ فَضَائِلِهِمْ وَجِهَادَهُمْ، وَعَظِيمَ غِنَائِهِمْ فِي الدِّينِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُهُمِ عَنِ الدِّمَاءِ الَّتِي أُرِيقَتْ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالَ:" تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ" «1» [البقرة: 141]. وسيل بَعْضُهُمْ عَنْهَا أَيْضًا فَقَالَ: تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا يَدِي، فَلَا أُخَضِّبُ بِهَا لِسَانِي. يَعْنِي فِي التَّحَرُّزِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي خَطَأٍ، وَالْحُكْمِ عَلَى بَعْضِهِمْ بِمَا لَا يَكُونُ مُصِيبًا فِيهِ. قَالَ ابْنُ فَوْرِكٍ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إِنَّ سَبِيلَ مَا جَرَتْ بَيْنَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمُنَازَعَاتِ كَسَبِيلِ مَا جَرَى بَيْنَ إِخْوَةِ يُوسُفَ مَعَ يُوسُفَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ الْوَلَايَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِيمَا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ: فَأَمَّا الدِّمَاءُ فَقَدْ أَشْكَلَ عَلَيْنَا الْقَوْلُ فِيهَا بِاخْتِلَافِهِمْ. وَقَدْ سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ قِتَالِهِمْ فَقَالَ: قِتَالٌ شَهِدَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغِبْنَا، وَعَلِمُوا وَجَهِلْنَا، وَاجْتَمَعُوا فَاتَّبَعْنَا، وَاخْتَلَفُوا فَوَقَفْنَا. قَالَ الْمُحَاسِبِيُّ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، وَنَعْلَمُ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَعْلَمَ بِمَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَّا، وَنَتَّبِعُ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَنَقِفُ عِنْدَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَا نَبْتَدِعُ رَأْيًا مِنَّا، وَنَعْلَمُ أَنَّهُمُ اجْتَهَدُوا وَأَرَادُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، إِذْ كَانُوا غَيْرَ مُتَّهَمِينَ فِي الدين، ونسأل الله التوفيق ))

و نقرا من مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله الجزء الرابع فصل في افتراق الناس في يزيد بن معاوية :
((وَالثَّانِي: أَنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ مَا يَقْتَضِي ظُلْمَهُ وَفِسْقَهُ فِي سِيرَتِهِ؛ وَأَمْرُ الْحُسَيْنِ وَأَمْرُ أَهْلِ الْحَرَّةِ. وَأَمَّا الَّذِينَ لَعَنُوهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ وإلكيا الْهَرَّاسِي وَغَيْرِهِمَا: فَلَمَّا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُبِيحُ لَعْنَتَهُ ثُمَّ قَدْ يَقُولُونَ هُوَ فَاسِقٌ وَكُلُّ فَاسِقٍ يُلْعَنُ. وَقَدْ يَقُولُونَ بِلَعْنِ صَاحِبِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِفِسْقِهِ كَمَا لَعَنَ أَهْلُ صفين بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْقُنُوتِ فَلَعَنَ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ فِي قُنُوتِ الصَّلَاةِ رِجَالًا مُعَيَّنِينَ مَنْ أَهْلِ الشَّامِ؛ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشَّامِ لَعَنُوا مَعَ أَنَّ الْمُقْتَتِلِينَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ السَّائِغِ: الْعَادِلِينَ وَالْبَاغِينَ: لَا يَفْسُقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. وَقَدْ يُلْعَنُ لِخُصُوصِ ذُنُوبِهِ الْكِبَارِ؛ وَإِنْ كَانَ لَا يُلْعَنُ سَائِر الْفُسَّاقِ كَمَا لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْوَاعًا مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَأَشْخَاصًا مِنْ الْعُصَاةِ؛ وَإِنْ لَمْ يَلْعَنْ جَمِيعَهُمْ فَهَذِهِ (ثَلَاثَةُ مَآخِذَ لِلَعْنَتِهِ. ))

و كفانا ما قاله ايضا شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في منهاج السنة الجزء الرابع الفصل الثاني :
(( وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ لَعْنِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ التَّلَاعُنَ وَقَعَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَمَا وَقَعَتِ الْمُحَارَبَةُ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ يَلْعَنُونَ رُءُوسَ هَؤُلَاءِ فِي دُعَائِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ يَلْعَنُونَ رُءُوسَ هَؤُلَاءِ فِي دُعَائِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ كَانَتْ تَقْنُتُ عَلَى الْأُخْرَى. وَالْقِتَالُ بِالْيَدِ أَعْظَمُ مِنَ التَّلَاعُنِ بِاللِّسَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَنْبًا أَوِ اجْتِهَادًا: مُخْطِئًا أَوْ مُصِيبًا، فَإِنَّ مَغْفِرَةَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ تَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ))

ثانيا : الرد على اعتراضه بخصوص احسان الظن بالصحابة رضوان الله عليهم .

اقول: اعترض علينا المنصر التائه بكلام الامام النووي رحمه الله في تاويل حديث ((امر معاوية سعدا فسبه )) معيبا علينا التاويل و اقول : اين المانع طالما ان السياق و اللغة لا تمنع ذلك !!! و المنصر طبعا وضع صورة كلام الامام النووي رحمه الله لكنه لم يقرا باقي كلامه في هذه المسالة الا وهي ضابط التاويل الذي اشار اليه النووي رحمه الله .

نقرا من المنهاج في شرح صحيح مسلم للامام النووي رحمه الله :

((قَوْلُهُ (إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ الَّتِي فِي ظَاهِرِهَا دَخَلٌ عَلَى صَحَابِيٍّ يَجِبُ تَأْوِيلُهَا قَالُوا وَلَا يَقَعُ فِي رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ إِلَّا مَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ فَقَوْلُ مُعَاوِيَةَ هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَمَرَ سَعْدًا بِسَبِّهِ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنِ السَّبَبِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ السَّبِّ كَأَنَّهُ يَقُولُ هَلِ امْتَنَعْتَ تَوَرُّعًا أَوْ خَوْفًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ تَوَرُّعًا وَإِجْلَالًا لَهُ عَنِ السَّبِ فَأَنْتَ مُصِيبٌ مُحْسِنٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَهُ جَوَابٌ آخَرُ ولَعَلَّ سَعْدًا قَدْ كَانَ فِي طَائِفَةٍ يَسُبُّونَ فَلَمْ يَسُبَّ مَعَهُمْ وَعَجَزَ عَنِ الْإِنْكَارِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ قَالُوا وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخَطِّئَهُ فِي رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَتُظْهِرَ لِلنَّاسِ حُسْنَ رَأْيِنَا وَاجْتِهَادِنَا وَأَنَّهُ أَخْطَأَ قَوْلُهُ ))

و نقرا ما قاله القاضي عياض في كتابه اكمال المعلم بفوائد مسلم :

((قال الإمام - وفقه الله -: مذهب أفاضل العلماء أن ما وقع من الأحاديث القادحة فى [حديث] (2) عدالة [بعض] (3) الصحابة، والمضيفة إليهم ما لا يليق بهم، فإنها ترد ولا تقبل إذا كان رواتها غير ثقات، فإن أحب بعض العلماء تأويلها قطعاً للشغب نزل وراح، وإن رواها الثقات تأولت على الوجه اللائق بهم إذا أمكن التأويل، ولا يقع فى روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله، ولابد أن يتأول قول معاوية هذا، فتقول: ليس فيه تصريح بأنه أمره بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، وقد سئل عن مثل هذا السؤال من يستجيز سب المسؤول عنه [وسئل عنه] (4) من لا يستخبره.

فقد يكون معاوية رأى سعدًا بين قوم يسبونه، ولا يمكن الإنكار عليهم، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؛ ليستخرج منه مثل ما استخرج مما حكاه عن النبى - عليه الصلاة والسلام - فيكون له حجة على من سبه ممن ينضاف إليه من غوغاء جنده، فيحصل على المراد على لسان غيره من الصحابة، ولو لم يسلك هذا المسلك وحملنا عليه أنه قصد ضد هذا مما يثيره [عنه] (1) الموجدة، ويقع فى حين الحنق، لأمكن أن يريد السب الذى هو بمعنى التغيير للمذهب والرأى، وقد سمى ذلك فى العرف سباً، ويقال فى فرقة: إنها تسب أخرى إذا سمع منهم أنهم أخطؤوا فى مذاهبهم، وحادوا عن الصواب، وأكثروا من التشنيع عليهم، فمن الممكن أن يريد معاوية من سعد بقوله: " ما منعك أن تسب أبا تراب " أى يظهر للناس خطأه فى رأيه، وإن رأينا ما نحن عليه أشد وأصوب. هذا مما لا يمكن أحد أن يمنع من احتمال قوله له، وقد ذكرنا ما يمكن أن يحمل قوله عليه ورأيه فيه جميل أو غير جميل فى هذين الجوابين. فمثل هذا المعنى ينبغى أن يسلك فيما وقع فى أمثال هذا ))

و العجب من جحش الفرا حينما يقرا كلام النووي رحمه الله " و لا يقع في روايات الثقات الا ما امكن تاويله " بانه تاويل مطلق فانظروا الى جهل المتكلم حيث لا يعلم ان النووي رحمه الله منع استحالة التاويل في روايات الثقات و هي اشارة و لفتة لا يفطن اليها من كان مثل هذا الانوك المنصر اذ ان المتتبع للروايات الصحيحة يعلم امكانية تاويل الرواية حسب السياق و اللغة .

ثالثا : الرد على النقطة التي تكلم عنها في مقطع سابق الا وهي " مسالة الاختلاف على صحبة الراوي من عدمه "

اقول : و قد سبق ان بينا تهافت و غباء الاستدلال بهذا المورد لاسقاط علم الحديث و معايير تصحيح الاحاديث من عدمها . فالاصل كما سب ان بينا هو قيام الدليل الصحيح على ثبوت صحبة الراوي من عدمها و ثبوتها عند عالم و نفيها عند اخر لا يعني اسقاط علم الحديث و الاسناد فعامة الروايات عن صحابة اجمع على صحبتهم

فهل ينكر احد صحبة ابي هريرة و عائشة و ابن عباس و جابر و ابو سعيد الخدري و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و ابن مسعود و غيرهم من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم !!!

و ليت شعري كم ان حجته داحضة تافهة !!

وقد استشهد برسالة ماجستير اسمها " تعقبات الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه الاصابة علي ابي نعيم الاصبهاني في كتابه معرفة الصحابة" - وطبعا المصدر معاضر مجرد بحث على قوقل كمعظم مصادره !- و نقل من الصفحة 19 الاختلاف على صحبة زياد بن جارية التميمي الدمشقي و لكنه اقتطع كلام المؤلف في الصفحة العشرين و السبب او الدليل الذي جعل ابن حجر يرفض صحبة زياد ويجعله في التابعين :
(( والراجح أن زياد بن جارية تابعي، ُذكر في الصحابة وهماً، بسبب إرساله حديثا ، وروايته عن حبيببن مسممة الفيري تثبت بأنه تابعي والله تعالى اعلم .))

و هذا ما اقتطعه المدلس يثبت عدم صحبة زياد بالاضافة طبعا الى اننا نتعامل مع " ابن كنيسة بامتياز" لانه يجيد لغة التدليس و القطع و هذا من فنون التدليس و الكذب كما علمه دينه