اللقاء الشهري

اللقاء الشهري [48]
كان هذا اللقاء نصيحة موجهة إلى كل أب مهتم بابنه، أن يرعى مصالحه ويقوم على تربيته تربية إيمانية، فهو راع له ومسئول عنه يوم القيامة، وواجب عليه أن يلبي له حاجياته في الدنيا في صغره، وكذا نصيحة لكل مدرس بأن يتقي الله في أبناء الأمة ممن هم تحت يديه، وأن يحسن النية ويتقن العمل.
ثم أجاب الشيخ رحمه الله عن أسئلة متعلقة بالتربية للأبناء وكذا تعليمهم الخير، وكذا أسئلة متعلقة بالعبادات والمعاملات كما هي العادة في ذلك.

(48/1)


--------------------------------------------------------------------------------

نصائح قبل بداية العام الدراسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإنه بمناسبة قرب افتتاح المدارس لهذا العام؛ عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف أُذكِّر في هذه الليلة الحادي والعشرين من شهر ربيع الثاني عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف، أذكر بما ينبغي التذكير به في هذه المناسبة.

(48/2)


--------------------------------------------------------------------------------

نصائح للآباء للاهتمام بالأبناء
فأولاً: نذكر الآباء بأنه يجب عليهم مراعاة أولادهم الذكور والإناث عند ابتداء الدراسة في تهيئة كل ما يحتاجون إليه من أدوات مكتبية أو غيرها؛ لأن ذلك من الإنفاق عليهم، والإنفاق على الأولاد المعسرين الذين لا يجدون شيئاً واجب كما قال الله تبارك وتعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] ويعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه سواء كان بقدر ما أعطى الآخر أو أقل أو أكثر، وعلى هذا فمن دراسته متقدمة كالذين في الثانوي أو في المتوسط لا شك أنهم يحتاجون من الأدوات المدرسية أكثر مما يحتاجه من هو دونهم، فيعطي هؤلاء ما يحتاجون وهؤلاء ما يحتاجون.
كذلك بالنسبة للنساء قد تختلف دروسهن اللاتي تحتاجها المرأة عما يحتاجه الرجل أو الذكر، فيعطي كل إنسان ما يحتاجه.
ثانياً: على الآباء أن يحرصوا على مراعاة الأولاد؛ لأن الأولاد في ابتداء الدراسة يرون الزمن بعيداً فيهملون في أول السنة ويتكاسلون، ويقول القائل منهم: إذا قرب الاختبار راجعت، وهذا لا شك تفكير خاطئ، لأن الإنسان إذا أخر هضم الدروس إلى آخر الوقت فإنها لا يهضمها، وتكون علوماً سطحية لا يستفيد منها، لكن إذا كرس الجهود من أول السنة صار يتلقى العلوم شيئاً فشيئاً وترسخ في ذهنه، وإذا جاء وقت الامتحان لم يتعب التعب الشديد، أكثر الناس بهذا يهملون أولادهم ولا يبالون بهم، ولا يقول: يا ولدي ماذا صنعت اليوم؟ ولا يا ابنتي ماذا صنعت اليوم؟ هذا غلط؛ لأن الوالد صاحب البيت راع في بيته ومسئول عن رعيته.
ثالثاً: الأولاد سوف يختلطون بأولاد آخرين، والبنات كذلك تختلط ببنات أخريات، فيجب أن يلاحظ من الذين يصحبون ولده، أهم جلساء صالحون أم بالعكس؟ وذلك لأن الجليس يتأثر من جليسه كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يحذيك - بمعنى: يعطيك هدية - وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة) فعلى الوالد أن يسأل: من أصحاب الولد، أهم من السفهاء أم من الراشدين، فإذا كانوا من السفهاء حجب ولده عنهم بكل ما يستطيع من ترغيب أو ترهيب، وإذا كانوا من الراشدين حثه على ملازمتهم وعلى التخلق بأخلاقهم؛ لأن الجليس له أثر بالغ.
وكذلك -أيضاً- من الأمور المهمة أن يحرص الأب على متابعة الأولاد في عملهم الصالح: في الصلاة، في الطهارة، في البر، في الصدق حتى يكونوا صالحين، وهم إذا صلحوا فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد قال فيما صح عنه: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فالولد الصالح ينفعك في الحياة وبعد الممات، وغير الصالح ليس كالصالح في المنفعة لا في الدنيا ولا في الآخرة.
كذلك -أيضاً-: نوصي إخواننا أن يحرصوا على إلحاق أولادهم بحلقات تحفيظ القرآن في المساجد؛ لأن هذه الحلقات -ولله الحمد- يحصل فيها خير كثير، يحفظ الطالب من الصغر كلام الله عز وجل، ويتأدب بالآداب، ويستغل وقته الذي ليس وقتاً للدراسة النظامية في ما ينفعه في الدين والدنيا، ولا تغتر بما يتوهمه بعض الناس من أن الطالب إذا التحق بهذه الحلقات فإنه تكثر عليه العلوم ويُضيِّع بعضها بعضاً، فإن هذا التوهم من إملاء الشيطان -أعاذنا الله وإياكم منه- ولقد شهد الأساتذة الذين يدرسون في المدارس النظامية بأن الأولاد الذين يلتحقون بحلق القرآن في المساجد أحسن أخلاقاً من الآخرين، وأكثر متابعة للدروس النظامية، ولهذا تجدهم في مقدمة الطلاب، مما يدل على أن هذا الوهم وهم كاذب لا حقيقة له.

(48/3)


--------------------------------------------------------------------------------

نصائح للمدرسين بتقوى الله في تعليمهم
أما بالنسبة للأساتذة: فإنني أوصيهم أن يتقوا الله عز وجل في أداء المهمة التي من أجلها عينوا في هذه المدرسة أو في هذا المعهد أو في هذه الكلية، وأن يتجنبوا كلام اللغو الذي لا فائدة فيه، بل فيه مضرة، فإن بعض الأساتذة وهم - ولله الحمد قليل - إذا دخل في الدرس صار يتكلم بكلام لغو لا علاقة له فيما قرر عليه، وهذا حرام عليه؛ لأنه قيام بعمل ليس موكولاً إليه في عمل موكول إليه فيغير هذا بهذا.
وكلامي هذا لا يعني أنه يُمنع الأستاذ من كلمة طيبة -في بعض الأحيان- تكون موجهة للطلبة؛ لأن الأستاذ في الحقيقة يجب أن يكون معلماً مربياً، فإذا قدرنا أنه قد خصص لهذه الساعة أو الحصة قدراً معيناً من المقرر وانتهى قبل انتهاء الحصة فحينئذٍ يجيء دور التوجيه والإرشاد فيوجههم إلى ما فيه الخير في دينهم ودنياهم، ويدع الكلام اللغو الذي لا فائدة فيه.
وكذلك عليه - أي: على الأستاذ - ألا يفرق بين الشريف والوضيع، والقريب والبعيد، والغني والفقير، يجب أن يكون الطلبة عنده سواء؛ لأن المدرس كالقاضي يجب أن يجعل الناس عنده سواء، لا يقل: هذا قريبي، أو هذا ابن صديقي، أو هذا ابن الأمير، أو هذا ابن الوزير أو هذا ابن الرئيس، يجب أن يكون الكل عنده سواء {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46] .
وإني أرشد الأساتذة إلى أمر هام جداً ألا وهو تكوين الشخصية أمام الطلبة، بمعنى: أن يري الأستاذ الطلبة بأنه له السلطة عليهم حتى يهابوه ويحترموه، وليعلم أن الهيبة إنما تكون من أول وهلة، بمعنى: أن الأستاذ إذا ضاعت هيبته في أول الأمر فلن يستطيع ردها في آخر الأمر، لكن إذا أرى الطلبة هيبة من أول أمره هابوه، وصار يتحكم فيهم من جهة حضور القلب في الدرس أو عدم حضوره، ولهذا يبلغنا عن أناس من الأساتذة تهاونوا في أول أمرهم مع الطلبة ثم عجزوا بعد ذلك عن إدراك ما يريدونه من الطلبة، تجد الطلبة يمتهنونهم غاية الامتهان لأنهم لم يروهم هيبةً في أول الأمر، ويقول العوام: (إن الرمح الأول على أول ركزة) إذا كانت الهيبة في قلوب الطلاب من أول الأمر فحينئذٍ يملك الأستاذ الطلاب تماماً.
وإنني أوصي مدراء المدارس والمسئولين عنها من كتاب أو غيرهم: أن يراقبوا ويتابعوا الدراسة والعمل بين الأساتذة وبين الطلاب، بمعنى ألا يقولوا نحن نعتمد على الأستاذة فقط، فالأستاذ قد يقصر، تجد بعض الأساتذة ربما يتأخر عن حضور الدوام من أوله، أو يتقدم في الخروج أو ما أشبه ذلك، المهم أنه على المدراء -مدراء المدارس والمعاهد والعمداء- أن يتابعوا من تحت أيديهم من أساتذة وطلاب وكتاب وغير ذلك؛ حتى يتعاونوا على البر والتقوى.
وأما الإهمال وكون المدير يبقى في مكان إدارته ولا يسأل ولا يبحث فهذا فيه قصور، ينبغي للمدير أن يذهب هو بنفسه ويتفقد الفصول والطلاب والأساتذة ومعاملتهم مع طلابهم لا سيما إذا كان الأستاذ جديداً حتى يعرف القصور فيه ويحاول أن يتمم ذلك.
ثم إني أوصي الطلاب - ولا سيما من تقدموا في العلم - بحسن النية والقصد، بأن ينووا بطلبهم العلم إحياء الشريعة والدفاع عنها، وهداية الخلق، وبيان الحق، حتى يجعل الله في علمهم بركة، وأن يكونوا هم أول من يعمل بعلمهم، حتى لا يكونوا من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، أعاذنا الله وإياكم منها.
على طلاب العلم أن يحرصوا على تنفيذ ما علموه حتى لا يضيع عليهم الوقت، وهم بذلك سيحصلون على العلم، فإن من تعلم فعمل ورَّثه الله علم ما لم يكن يعلمه، ولهذا قيل في الحكمة: العلم يهتف بالعمل فإن أجاب والا ارتحل، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] .
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل عامنا هذا عام خير وبركة، وعلم نافع وعمل صالح، وأن يجعلنا من دعاة الحق وأنصاره إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
نبقى مع أسئلة هذا اللقاء وهو الثامن والأربعون.

(48/4)


--------------------------------------------------------------------------------

الأسئلة

(48/5)


--------------------------------------------------------------------------------

تعلم العلوم الطبيعية بنية خدمة الإسلام


السؤال
فضيلة الشيخ: نحن مجموعة من الشباب على عتبة باب الجامعة، وقد سمعنا وقرأنا فتوى فضيلتكم: في أن طلب العلم الشرعي أفضل من طلب غيره من العلوم، وأن صاحب العلم الشرعي هو الذي يحصل له الأجر أكثر من غيره، وهذا يعني أنه سيستحسن كثير من أبناء المسلمين طلب العلم الشرعي وترك غيره من العلوم كدراسة علم الطبيعة، مما يقتضي امتلاك الكفار لزمام الحياة وتقدمهم على المسلمين في شتى المجالات، وهذا جعلنا في حيرة من أمرنا، فسؤالنا يا فضيلة الشيخ: هل إذا توجهنا لدراسة علم الطبيعة بنية خدمة الإسلام فهل نستحق الأجر في الآخرة ونفع العباد كصاحب العلم الشرعي؟ نرجو توجيهنا في ذلك جزاكم الله خير الجزاء، وبارك فيكم وفي علمكم.


الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، أقول: إذا قيل هذا أفضل من هذا فليس يعني أن المفضول يترك ويهدر، بل من الناس من يلائمه العلوم الشرعية، ومن الناس من يلائمه العلوم العربية، ومنهم من يلائمه علم الفيزياء، ومنهم من يلائمه علم الطبيعة، ومنهم من يلائمه علم الصناعة، والناس كأصابع اليد كل إصبع يعين الآخر، وبتعاون الأصابع تشتد القبضة على ما في قبضة الإنسان، فإذا قلنا: إن تعلم العلم الشرعي أفضل العلوم فلا يعني ذلك أن العلوم الأخرى ليس فيها فضل، بل فيها فضل، وقد يكون الإنسان بإرادته نفع الإسلام والمسلمين حائزاً على أجر كبير.
والتفضيل بين العلوم هو تفضيل لذات العلوم بعضها على بعض، أما ما يحتك بها من أمور أخرى فقد يعرض في المفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، فمثلاً: علم الطب لا شك أنه علم فيه خير للأمة، فيه إنقاذ لحياة البشر، فيه إعادة لصحة المريض وما أشبه ذلك، علم الصنائع - أيضاً - فيه خير كثير للأمة، يسد العالم حاجة أمته ويعينها على شئون دنياها، فأيهما أفضل وأنفع: أحياناً نقول: هذا أنفع وأحياناً نقول هذا أنفع، حسب ما تقتضيه الحاجة الملحة، والأمة الإسلامية في أوج عزها كانت تملك زمام الأمر كله في العلوم الشرعية والعربية والصناعية والفلكية والطبية وغير ذلك، يعرف هذا من قرأ التاريخ وتأمل حياة الأمة الإسلامية في أوج عزها وكرامتها.

(48/6)


--------------------------------------------------------------------------------

مساعدة الطالب على النجاح بدرجات إضافية


السؤال
فضيلة الشيخ: أنا مدرس في مدرسة، وأحياناً يصحح المدرس ورقة طالب من الطلاب فيبقى عليه حتى ينجح -مثلاً- خمس درجات فنجد أن بعض الناس يقول: يجب على المدرس أن يزيده في الدرجات حتى ينجح، وبعضهم يقول: على المدرس ألا يعطي للطالب إلا حقه، فما رأي فضيلتكم حفظكم الله؟

الجواب
رأيي أنه يرجع في ذلك إلى النظام، إذا كان يسمح للمصحح أن يزيد في الدرجات هذا العدد الكبير -خمسة- قد تكون خمسة من كم؟ ما ندري، خمسة من مائة، نصف العشر، خمسة من ثلاثين؟ السدس، فهذا يرجع فيه إلى النظام.
ثم يجب أن ننظر -أيضاً- هل سبب النقص هو أن الطالب فهم السؤال على غير المراد أو أن الطالب فهم السؤال لكن جوابه ناقص، أحياناً يفهم الطالب السؤال على غير مراده فيجيب إجابة تامة على حسب فهم السؤال، ويكون هذا الطالب معلوماً بين الأساتذة بأنه حريص مجتهد محصل فهذا قد يقال: ينبغي أن تشكل له لجنة تنظر في موضوعه، وإلا فالأصل اتباع النظام على كل حال.

(48/7)


--------------------------------------------------------------------------------

حكم الكلام في الناس بالجرح والتعديل


السؤال
فضيلة الشيخ: أنا أدرس مادة التاريخ، وأحياناً أتكلم عن بعض الشخصيات بالذم والسب، فهل هذا يعتبر من الغيبة؟

الجواب
ما زال العلماء رحمهم الله الذين يؤلفون في تراجم الرجال يذكرون الإنسان بما فيه من خير وشر، وما دام المقصود بيان حال هذا الشخص فإنه لا بأس به، لكن هنا مسألة مهمة وهي: ما حصل بين الصحابة رضي الله عنهم من القتال والمنازعة فإنه لا يجوز التحدث فيه، لأن من عقيدة أهل السنة والجماعة الإمساك عما جرى بين الصحابة، كالذي حصل بين علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهما فإنه لا يجوز أن يتعرض لذلك؛ لأن الأمر كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: هي دماء طهر الله سيوفنا منها فيجب أن نطهر ألسنتنا منها.
وإن كان الإنسان إذا قرأ التاريخ تبين له أن علي بن أبي طالب أقرب إلى الصواب من معاوية، لكن كل منهما مجتهد، والمجتهد قد يصيب وقد يخطئ، والمجتهد من هذه الأمة إذا بذل وسعه في الوصول إلى الحق ولكنه لم يصب الحق فإن له أجراً كاملاً كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر) .
مثل هذه الأشياء الواقعة بين الصحابة لا ينبغي نشرها إطلاقاً بين الطلاب؛ لأنها قد تجعل في قلب الإنسان حقداً على بعض الصحابة، وهذا أمره خطير جداً، فالصحابة نكن لهم كلهم المحبة، ونرى أن بعضهم أفضل من بعض، وأن بعضهم أصوب من بعض، لكن كلهم من حيث المحبة محبوبون لدينا، لا نقدح في أحد منهم.

(48/8)


--------------------------------------------------------------------------------

حكم من أراد بتدريسه الدنيا


السؤال
فضيلة الشيخ: إذا قصد مدرس المواد الشرعية طلب المعيشة والرزق، فهل يكون داخلاً في من أراد بعلمه الدنيا؟

الجواب
لا شك أن هذه النية نية قاصرة إذا كان دخل من أجل المال، ولكن خير من ذلك أن يدخل بنية طلب العلم والمال سيأتي، لأن المال حاصل على كل حال، والثواب ينقص إذا أراد الإنسان بعمله الدنيا، ولهذا نقول في الجواب عما يورده بعض الإخوة من الإشكال يقول: كل هؤلاء الذين يدرسون في المدارس النظامية كلهم نيتهم باطلة وليس لهم أجر -أعوذ بالله! - هذا خطأ، خطأ عظيم، لأن هؤلاء الدارسين في المدارس النظامية يريدون أن يتوصلوا إلى شهادة تؤهلهم إلى توجيه الأمة، تؤهلهم أن يتبوءوا مقعداً يدرسون فيه، أو مقعداً قيادياً يوجهون فيه من إدارة أو غيرها، وهذه نية صحيحة يثاب عليها العبد.
ولذلك أقول: ينبغي للذين يدرسون هؤلاء أن يوجهوهم إلى هذه النية: أنهم يريدون بطلب العلم الوصول إلى مراتب لا تحصل لهم إلا إذا حصلوا على الشهادة، وهم يريدون من هذه المراتب أن يتوصلوا إلى نفع الناس بالتدريس والتوجيه والإدارة وغير ذلك، وهذه نية لا شك أنها نية سليمة، وليس من نواها مريداً للدنيا إنما أراد المصلحة العامة.

(48/9)


--------------------------------------------------------------------------------

نصيحة لمن منع أولاده من الدراسة


السؤال
ما حكم طلب العلم علماً أن والدي رفض ذهابي للمعاهد بسبب حاجته لي، وأخي مدرس في المنطقة التي فيها والدي؟

الجواب
أرى أن الوالد أخطأ في منع ولده من دخول المعاهد؛ لأننا في عصر لا ينتفع به الإنسان ولا ينفع غيره إلا إذا نال الشهادة، فمشورتي لهذا الرجل: أن يدع أولاده يدرسون في ما يناسب حالهم من معاهد أو مدارس أو غير ذلك مما علمه علم نافع، وإذا كان محتاجاً إلى خدمة فبإمكانه إن كان الله قد أغناه أن يستجلب خادماً يكون عنده يقضي حاجته، أما أن يحرم ولده العلم من أجل أنه محتاج إليه فهذا فيه شيء من الضرر على الابن.

(48/10)


--------------------------------------------------------------------------------

حكم مس المصحف للأطفال


السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجب على مدرس القرآن للطلاب الصغار أن يلزمهم بالطهارة قبل مس المصحف في حصة القرآن الكريم إذا كان ذلك قد يؤدي إلى ضياع جزء من وقت الحصة؟

الجواب
الصحيح أن الصغار يتساهل فيهم بالنسبة لمسّ المصحف، أولاً: لأنهم غير مكلفين، وثانياً: أن بعضهم قد لا يعرف يتوضأ كالذين في الابتدائي، وثالثاً: أنه ربما تضيع الحصة كما قال السائل، فليحثهم على الوضوء ويقول: لا تأتوا إلا متوضئين، ولكن يسترخي معهم بعض الشيء، وإذا علم أن الطالب استأذن ليتوضأ وأن الطالب بريء ونزيه لا يريد أن يتحيل على الخروج من الفصل فليأذن له.

(48/11)


--------------------------------------------------------------------------------

مفهوم هيبة الطلاب من المدرس


السؤال
فضيلة الشيخ: ذكرت وفقك الله هيبة المربي، ولكن بعض المدرسين يفهم أن الهيبة في الشدة والضرب وغيره، فيهابه الطلاب لكن مع الكراهة له فلا يأخذون عنه علماً بسبب كرههم له، فما رأي فضيلتكم وما توجيهكم؟

الجواب
أنا قلت: إنه ينبغي للإنسان أن يتخذ لنفسه شخصيةً مهيبة، لا أن يكون شديداً؛ لأن الذي يريد أن يكون مهيباً في الشدة والضرب لا يكون مهيباً، يستغل الطلاب غفلته في أي لحظة ويقومون باللعب والفوضى، لكن إذا كان شخصية بمعنى: أنه يري الطلاب أنه رجل جدي لا يريد اللعب فإنه يكفي من ذلك أن يلتفت إليهم بغضب ويصمت هكذا كأنه يريد أن يستنكر ما هم عليه فيكون بهذا قد قوى شخصيته، أما الضرب فالضرب كما نعلم ممنوع إلا ما دعت الضرورة إليه، وليس هو الذي يجعل الإنسان مهيباً وإنما يجعل الإنسان مخوفاً، ولا يكون محبوباً عند الناس، لكن الهيبة شيء والرهبة شيء آخر.

(48/12)


--------------------------------------------------------------------------------

حكم إقامة الجمعيات بين الموظفين ووجوب الزكاة فيها


السؤال
فضيلة الشيخ: نحن مجموعة من المعلمين في مدرسة واحدة اتفقنا على عمل جمعية تعاونية من خمسة آلاف ريال، واتفقنا على ترتيب معين بتواريخ معينة، ومكتوب لكل واحد منا متى سيستلم هذا المبلغ، مع العلم أن كل فرد منا سيأخذ ما دفعه لزملائه عند حلول دوره في الاستلام دون زيادة أو نقصان، ولكن اعترض علينا بعض الحاضرين ونقل لكم فتوى تقضي بعدم جواز هذه الطريقة من الجمعيات معللاً ذلك بقوله: لا تشترط أو تحدد تاريخ دورك في استلام المبلغ لأن في ذلك ريح ربا -كما يقول صاحبنا- بل ضعوا قرعة بينكم بالأرقام وكل واحد منكم يسحب ورقة ويكون ترتيبه حسب الرقم الموجود وبذلك تكون مباحةً وحلالاً، السؤال يا فضيلة الشيخ: ما حكم هذه الطريقة وما صحة الفتوى؟ وهل تجب فيها إذا كانت صحيحة الزكاة؟

الجواب
أما الفتوى فلا أعلم عنها مع أنها منسوبة إلي، ويعني هذا أنها غير صحيحة وأنها كذب.
أرى أن هذه الطريقة طريقة سليمة، أعني: أن يجتمعوا على أن يجعلوا لكل واحد خمسة آلاف ريال أو ألف ريال أو أقل أو أكثر يدور عليهم، لأن في ذلك تعاوناً وتكاتفاً، ربما يحتاج أحد المدرسين أو أحد الموظفين في هذا الشهر إلى عشرين ألف ريال مثلاً ولا يستطيعها، فيكون عليه الدور فيأخذها بالقرض، وليس هذا من باب القرض الذي جر نفعاً كما توهمه بعض الناس لأن كل واحد من المقرضين لم يأته أكثر مما أقرض، أقرض ألفاً فرد إليه ألف.
وأما كون كل واحد قد علم أنه سوف يستقرض إذا أقرض فهذا لا بأس به، وهذا من العدل أن يكون كل واحد منا إذا أقرض اليوم استقرض هو غداً.
أما ترتيب البدء فهذا يرجع إلى ما يراه المجتمعون على هذه الجمعية، قد يرون أن من الأفضل أن ترتب على الحروف الهجائية، فمثلاً يكون إبراهيم قبل أحمد، ويكون علي قبل محمد وهكذا، وقد يرون أن من المصلحة أن يبدأ بالأحوج فالأحوج، وقد يرون أن من المصلحة إذا طرأت حاجة لشخص منهم وهو لم يأخذ نصيبه أن يبدأ به، كما لو احتاج إلى مهر أو غرامة في حادث أو غير ذلك، المهم أن ترتيب الاستقراض هذا يرجع إلى الإخوة أنفسهم، فليصنعوا فيه ما شاءوا.
والدين هذا فيه الزكاة؛ لأنه دين مؤجل باختيار صاحبه، والدين المؤجل باختيار صاحبه فيه الزكاة.