القاري لتاريخ اليهود في حقبة مولد بني الله عيسي يتضح له ان عيسي ولد في وقت كانت فيه اسرائيل مستعمرة رومانية صغيرة، مقطعة الأوصال مهيضة الجانب، مذلولة الكرامة، تستصرخ ربها يهوه أن يرسل إليها مسيحا يخلصها من عبودية الرومان و يعيد إليها مجد داود و ذهب سليمان.
ولد عيسي وسط هذه الألام و الأمال، و حاول كتاب الأناجيل أن يلقوا في روع الناس أن عيسي هو المسيح المنتظر، المسيح الجديد، الذي اتي ليخلصهم من عبودية روما و يعيد إليهم مجدهم الضائع، وتهافت كتاب الأناجيل علي استدعاء ايات العهد القديم، واستنطاق أنبيائه قسرا، وتحوير الكامات و الروايات التي تحدثتعن المسيح المنتظر ليكون المقصود بها عيسي، بل شكلوا عيسي نفسه ليوضع في قالب المكسيح المخلص. ولقد سبق أن ذكرنا أن أكثر النبوءات شيوعا عن المخلص الذي سيرسله الله لتحرير اسرائيل أنه سيكون من سلالة داود ملك العصر الذهبي لليهود، من أجل هذا قرر كتاب الأناجيل أن عيسي من سلالة داود، وأجبروا مريم في صحفهم علي أن تترك بلدتها الناصرة و تذهب إلي بيت لحم التي كانت منبت داود لتلد فيها عيسي.
ولكن هؤلاء الكتاب قد وقعوا في مأزق عجيب، بل و في تناقض صارخ، فبينما يقررون أن عيسي ولد من مريم دون أن يمسها رجل، يعودون فيقررون – جريا وراء اسطوره المسيح المخلص – أن عيسي من نسل داود، ولو كان عيسي ينتسب إلي داود من جهه امه مريم لكان الأمر من الممكن قبوله، أي لو كانت مريم من ذرية داود لكانت نسبه عيسي إلي داود أمرا مفهوما، ولكن الدهشة تعلو وجوهنا عندما نراهم يربطون بين عيسي و داود عن طريق يوسف النجار. يقول الحواري متي عن نسب عيسي: (( كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم، ابراهيم ولد اسحق، و إسحق ولد يعقوب، يعقوب ولد يهوذا و إخوته، يهوذا ولد فارص و زراح من ثامار .. و يعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعي المسيح فجميع الأجيال من ابراهيم إلي داود أربعه عشر جيلا، و من داود إلي سبي بابل أربعه عشر جيلا/ و من سبي بابل إلي المسيح أربعة عشر جيلا)) متي (ص 1:1-17).
ويتحدث لوقا أيضا عن نسب عيسي أيضا رابطا بينه و بين داود عن طريق زوج أمه يوسف النجار، يقول لوقا إن مريم كانت مخطوبه لرجل من بيت داود اسمه يوسف ... ثم يستطرد فيؤكد أن عيسي سيخلف جده داود علي عرش إسرائيل، و يعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه و يملك علي بيت يعقوب إلي الأبد، ولا يكون لملكه نهاية ((لوقا ( ص 1:27 ، 32-33)).

كذلك بولس، يقول بولس ان يسوع كان اسرائيليا (رومية 9:4-5) و لا يعرفه بأنه كان يهوديا.
يقول بولس ايضا ان يسوع من نسل داود ( رومية 1 : 3 ، تيموثاوس 2 : 8)
ونلاحظ أن بولس لا يتحدث في رسائله عن والد يسوع، ولا يذكر والدته بالأسم في إشارته الوحيده لها ( غلاطيه 4 : 4) . أضف أن لا إشاره في رسائل بولس تشير إلي أن يسوع ولد من امرأة عذراء

هكذا ربطوا بين عيسي و داود برابطة الدم والقرابة، وجعلوا أولهم فرعاُ للثاني و خارجا من صلبه، كل هذا عن طريق رجل تؤكد الأناجيل أنه لم يمس مريم أثناء حملها بعيسي ، ولم يضاجعها إلا بعد مولده، فكيف يسوغ هذا في العقل و المنطق؟ الواقع انهم هنا في مأزق خطير، لقد أرادوا أن يلبسوا عيسي ثوب المسيح المنتظر فخلعوا عليه كلية أوصافه و ليم يبق إلا أن يكون عيسي من نسل داود، ولما كانت مريم أم عيسي ليست من نسل داود فلم يكن بد من أن يربطوا بينها و بين رجل من سلالة داود و هو يوسف، ربطوا بين مريم و يوسف برباط الحب و الخطبة، و جعلوا من يوسف خطيب مريم أبا ليعسي و أصلا له، فعلوا ذلك في الوقت الذي اختارت فيه السماء مريم لتلد إحدي معجزات الله، فشوهوا بذلك من قيمة المعجزة، وجعلوا مريم تنشغل بخطيب ظنه الناس عاشقا و رفيقا، بل تمادي فجعلوه والد عيسي، كل ذلك ليكون عيسي ابن داود.

و الواقع انهم بجريهم وراء أسطوره المسيح المخلص و محاولتهم خلع الناس لباس المسيح علي عيسي، قد جردوا عيسي ابن مريم ابن العذراء من ميزته الكبري و معجزاته العظمي، جردوه من حيث لا يشعرون من معجزة ميلاده دون زرع رجل، بل وصموه و أمه دون أن يشعروا بأشنع الوصاف وأحط الأتهامات، فسايروا بذلك أفتراءات اعداءه عن دنس مولده و فحش امه.هكذا فضلوا الأسطورةعلي الحقيقة، فضلوا اسطوره المسيح ابن داود علي حقيقة عيسي ابن العذراء،جعلوا عيسي المسيح بن يوسف ابن داود، ورفضوا ان يكون عيسي المبارك صاحب الميلاد العجز الفريد.

المصادر :
1- العهد الجديد ( كما ورد الأشاره في النص
2- كتاب المسيح إنسان أم اله للمستشار الدكتور : محمد مجدي مرجان
3- البحث عن يسوع للدكتور كمال الصليبي