من موقع اسلاميات

آية (129):
*ما دلالة تقديم وتأخير (يغفر) في قوله تعالى (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) آل عمران) (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) المائدة) ؟

د.حسام النعيمى :
لو نظرنا في الآيات سنجد أن تقديم المغفرة على العذاب هو الأصل لأنه (كتب ربكم على نفسه الرحمة) وفي الحديث في صحيح البخاري "رحمتي سبقت غضبي" لكن في الآية 40 في سورة المائدة؟ هذا الأمر يتعلق بقطع اليد (والسارق والسارقة)قدّم العذاب لأن الكلام في البداية كان على عذاب ثم على مغفرة فلا بد أن يتقدم العذاب ولو عسكت لما إستقام الكلام. بينما الأماكن الأخرى الكلام كان إعتيادياً على مغفرة الله تعالى وعذابه فدائماً يقدم الرحمة ويردف بالعذاب يقدم الرحمة ترغيباً للمطيعين ويؤخر العذاب ويذكره تحذيراً من المعصية.
د.أحمد الكبيسى :
ننتقل إلى الموضوع الآخر رب العالمين قال (سبقت رحمتي غضبي) هذا شيء معروف، وفي كل القرآن عندما تأتي على المغفرة والعذاب يقول يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴿284﴾ البقرة) يقدّم المغفرة على العذاب ما من موضوع في القرآن الكريم رب العالمين تكلم عن عباده الصالحين والطالحين ثم قال (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴿284﴾ البقرة)، في آل عمران (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿129﴾ آل عمران)، وفي المائدة (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴿18﴾ المائدة) هكذا موضع واحد فقط خالف هذا النسق العظيم من تقديم المغفرة أملاً واستبشاراً ورحمة تطبيقاً لقوله تعالى (سبقت رحمتي غضبي) ورحمة الله واسعة (ليرحمنّ الله الناس رحمة يوم القيامة يتطاول لها إبليس)، موقع واحد قال وهو في المائدة في سورة المائدة فقط تكلم عن هذا. الفرق أنه قال (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿40﴾ المائدة) لماذا هذه فقط التعذيب فيها مقدّم؟ ما هو نسق الآيات التي قبلها؟ رب العالمين أرحم لعباده من آبائهم وأمهاتهم تكلّم رب العالمين عن جرائم خطيرة بشعة إذا استشرت في أي مجتمع تُنهيه، تُلقي الخوف والرعب وعدم الاستقرار كما هو في بعض بلدان العالم العربي الآن كالعراق والصومال وما لف لفهما. تكلم رب العالمين عن جريمتين عظيمتين الأولى قطع الطريق الحرابة (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿33﴾ المائدة) يا الله! حرابة، يعني رب العالمين شن الحرب عليهم سموها آية الحرابة أنت تخيل أنت في مجتمع ما إن تخرج من بيتك يقتلونك، عندك سيارة يقتلوك ويأخذوها عندك في البيت شيء بسيط يقتلوك ويأخذوه لا تخرج من بيتك لأن هؤلاء (يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا) وهو قطع الطريق سواء كان بالداخل أو بالخارج ما دام صار قتل فهي حرابة، كل من يستعمل القتل للآخر بمجتمعه في الشارع في الطريق في الطرق العامة سلباً ونهباً وانتقاماً وطائفية وحزبياً هذا محارب لله ورسوله ولهذا أنت انظر إلى العقوبة (تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ) تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ثم إذا عاد لفعله تقطعهم بالعكس حتى يصبح مقطعاً (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) كل هذا متى؟ إذا لم يتب، قبل أن يُلقى القبض عليه. شخص قطع الطريق وقتل فلان والخ وقال تبنا إلى الله والآن هنالك وسائل إعلام هناك صحافة وهناك تلفزيونات وقال نحن الجماعة الفلانيين تبنا إلى الله ونعتذر عما فعلنا من قتل مواطنينا وقتل الناس الذين يمشون في الشارع وهجومنا عليهم في بيوتهم الخ نحن نعتذر ومستعدين نحن للعقوبة سنسلم أنفسنا للسلطة. هذا إذا تاب لا يفعلون به شيئاً ولكن يعاقب عقوبة أخرى من حبس أو أن يرجع الأشياء هذا أولاً. الثاني وراءها مباشرة السارق (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿38﴾ المائدة) والسرقة هذه أن تكسر حِرزاً، تكسر باب تكسر بيتاً، الناس نائمون تخرق الجدار والناس نائمون بالليل تروّعهم ثم تسرق ما عندهم تقطع يدك وتربط هذه اليد في عنقك شهر يعني والله العظيم عقوبات تقشعر منها الأبدان ولهذا أحاطها الله بسياج من الشروط بحيث ما تطبق إلا في المليون حالة حالة لرعبها (سبعين شرطاً) حتى توقع عليك عقوبة القطع. وحينئذٍ إذا تطبقت عليك الشروط فمعناها أنت مجرم خطير لا مجرم مثلك على وجه الأرض كل الشروط الإجرامية توفرت في هذه الجريمة تقطع يدك مثل جزاء المحصن (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴿2﴾ النور). بعد هاتين الجريمتين بعد قتل الناس في الشوارع كما يحدث في العراق وفي الصومال وفي دول أخرى قادمة - نعوذ بالله من هذا كما يراد للعرب جميعاً - هذا إذا لم يتب قبل أن تلقي الشرطة عليه القبض، هو متى ما ألقت الشرطة عليه القبض فهذه هي العقوبات ولا يحق لقاضٍ أن يحكم بغير هذا، القاضي فقط يبلّغ حكم الله يا فلان أنت قطعت الطريق قتلت فلان وفلان وفلان وحققنا ووجدناك أنت القاتل أو أنت اعترفت فعقوبة الله عليك أن تقطّع يداك ورجلاك من خلاف يد يمنى مع رجل يسرى أو تُنفى من الأرض إذا كنت ما قتلت.



آية (132):
* لماذا يرد في القرآن أحياناً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحياناً أخرى يرد وأطيعوا الله والرسول؟(د.فاضل السامرائى)
في القرآن قاعدة عامة وهي أنه إذا لم يتكرر لفظ الطاعة فالسياق يكون لله وحده في آيات السورة ولم يجري ذكر الرسول r في السياق أو أي إشارة إليه كما جاء في سورة آل عمران (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}). والأمر الآخر أنه إذا تكرر لفظ الطاعة فيكون قطعياً قد ذُكر فيه الرسول في السياق كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} النساء) و (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} النور) وهذا ما جرى عليه القرآن كله كقاعدة عامة.



آية (133):
*(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) ترى لو قلت وأسرعوا إلى مغفرة أتُحقق ذات الغرض والفائدة التي تحققها صيغة (وسارعوا)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)


بالطبع لا فالبيان القرآني جاء بصيغة سارعوا للمبالغة في طلب الإسراع. وتنكير (مغفرة) ووصلها بقوله (من ربكم) مع استطاعة الإضافة مباشرة بأن يقول: وسارعوا إلى مغفرة ربكم غرضه التضخيم والتعظيم. ثم لسائل أن يسأل لِمَ جاء البيان الإلهي بقوله جنة عرضها ولم يقل جنة طولها؟ سيأتي الجواب أن الكلام هنا على طريقة التشبيه البليغ والأصل: وجنة عرضها كعرض السماء والأرض كما جاء في سورة الحديد والغرض هنا أريد به تمثيل شدة الإتساع ليُطلق العنان لخيال السامع فإذا كان عرض الجنة بهذا الإتساع صعب التخيّل فكيف يكون طولها؟!

* ما الفرق البياني بين آية 133 من سورة آل عمران وآية 21 من سورة الحديد؟(د.فاضل السامرائى)


قال تعالى في سورة آل عمران (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) وقال تعالى في سورة الحديد (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) .
في الآيتين أكثر من وقفة: قضية الواو وانعدامها، السموات والسماء، عرضها وكعرض، للمتقين و للذين آمنوا بالله ورسله، ذلك فضل الله ولم ترد في الآية الثانية.
*السماء والسموات :
السماء في اللغة وفي المدلول القرآني لها معنيان:
1ـ واحدة السموات السبع، كقوله تعالى: "ولقد زَيّنا السّماءَ الدنيا بِمَصابيح " الملك.
2ـ كل ما علا وارتفع عن الأرض ـ فسقف البيت في اللغة يسمى سماء.
قال تعالى: " مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ"الحج:15يقول المفسرون :(أي ليمد حبلا إلى سقف بيته ثم ليخنق نفسه) فالسماء هنا بمعنى السقف.
ـ وقد تكون بمعنى السحاب: "أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا " ّالرعد:17.
ـ وقد تكون بمعنى المطر : " ينزل السماء عليكم مدرارا" نوح.
ـ وقد تكون بمعنى الفضاء والجو : "أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ "النحل:79 .
ـ وذكرهذا الارتفاع العالى(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)(الأنعام:125) .
فالسماء كلمة واسعة جدا قد تكون بمعنى السحاب أو المطر أو الفضاء أو السقف ، وبهذا تكون السموات والسموات موطن الملائكة جزءا من السماء ، لأن السماء كل ما علا وارتفع مما عدا الأرض، والسموات جزء منها بهذا المعنى الواسع الذي يشمل الفضاء والسقف والمطر والسحاب، فإن (السماء) تكون أوسع من (السموات) فهي تشملها وغيرها.
قال تعالى: " قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الفرقان:6) وقال: "ربي يعلم القول في السماء والأرض" لأن القول أوسع من السر، فهو قد يكون سرا أوجهرا والسر جزء منه،
فلما وسع قال (القول) وسع وقال (في السماء). ولما ضيق وقال (السر) قال (السموات) .
*عرضها، كعرض :
ولذلك لما قال (السموات) قال (عرضها السموات)، ولكن عندما اتسعت اتساعا هائلا جاء بأداة التشبيه (عرضها كعرض السماء) لأن المشبه به عادة أبلغ من المشبه، فهي لا تبلغ هذا المبلغ الواسع الذي يشمل كل شيء.
كلمة (السماء) تأتي عامة "والسماء بنيناها بأيد" ، "وفي السماء رزقكم وما توعدون" ، "أأمنتم من في السماء.." ثم تتسع لأشياء أخرى، فعندما يقول: "سبع سموات طباقا" فهي ليست الفضاء ولا السقف ولا السحاب، فعندما اتسعت قال (كعرض السماء)لأنها أقوى وأوسع وأشمل وعلى هذا بني التعبير كله في الآيتين .
هناك استعمل الكاف للتشبيه وهنا لم يستخدمها. السموات جمع السماء. صحيح هي مفرد لكن حينما يأتي وحدها تأتي لعدة مصالح. السماء والأرض عظيمة جداً فاستعمل لها التشبيه لأنها غير محدودة لكن لما استعمل السموات إستعمل التحديد (عرضها السموات والأرض) للتقريب. لكن العربي لما يسمع عرضها عرض السموات والأرض قد يفهم منها السماء الأولى الواحدة لكن لما قال (كعرض السماء والأرض) يفهم أن هذا إطلاق. (كعرض) أقوى من (عرضها) وأشمل وأوسع هكذا يُفهم.
*أعدت للمتقين، أعدت للذين آمنوا :
عندما ضيق حددها للمتقين ثم وصفهم في الآيات التالية، وعندما وسع عمم القول ليسع الخلق (الذين آمنوا بالله ورسله) وهؤلاء المتقون جزء من الذين آمنوا، ولم يحدد عملا محددا لهؤلاء.
*سابقوا، سارعوا :
عندما قال (سارعوا) قال (عرضها السموات والأرض)، وعندما قال (سابقوا) قال (كعرض السماء والأرض)
كثرة الخلق المتجهين لمكان واحد تقتضي المسابقة، فإن قلّوا اقتضى ذلك المسارعة فقط ، وليس المسابقة.
اتسع المكان فاتسع الخلق ، ذكر السماء التي تشمل السموات وزيادة ، وذكر الذين آمنوا بالله ورسله وهي تشمل المتقين وزيادة ، ثم زاد وقال: "ذلك فضل الله" . لأن الفضل أوسع مما جاء في آل عمران بل الفضل واضح إذ جاءت عامة
*تكرار العطف :
وكذلك لو لاحظنا الناحية الفنية لرأينا وضع كل واحدة يناسب ما هي فيه، ففي سورة الحديد تتكرر عبارات (آمنوا بالله) و(الفضل العظيم) و(يضاعف لهم) ففيها تفضلات كثيرة. وكذلك وضع الواو في سارعوا ، آية آل عمران فيها تعاطفات، أماالأخرى فبلا عطف وفي آل عمران نرى المتقين والأمر بالتقوى يتكرر عدة مرات.
لما نأتي إلى سياق الآيات لذا نقول دائماً فهم الآيات يكون بالرجوع إلى السياق. نلاحظ الآية الأولى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)) هناك تشريع ونهي عن ارتكاب إثم عظيم، ودعوة للتقوى، اتقوا ما يوصلكم إلى النار، لاحظ الواوات، ثم سارعوا إلى مغفرة) جاءت الآية في إطار العطف. بينما الآية الأخرى في سورة الحديد (أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)) فيها نوع من الإيضاح والشرح لقضية معينة ثم ما عندنا نهي أو أمر فجاءت (سابقوا) من غير الواو. (وسارعوا) لما يكون تشريع ويكون هناك إثم عظيم وهوالربا على ارتكاب المخالفة. وكان كثير من المسلمين يتعاطون بالربا قبل تحريمه فلما جاء التحريم طلب منهم أن يسارعوا وليست مسألة مسابقة وإنما كل واحد مسؤول عن فعله لأنه أمر شخصي فطلب إليه أن يُسرع إلى مغفرة. كيف يُسرع لها؟ بالتوبة والتوبة شخصية فجاءت كلمة سارعوا. ليس هناك مجال للمسابقة أنت وآخَر. الآن المناسبة تعنيك والكلام على الربا والربا شخصي. لكن (سابقوا) الكلام على الدنيا والدنيا فيها منافسات وتنافس ولعب وما من لعب إلا وفيه منافسة واللهو يتنافس فيه الناس والتفاخر الناس يتنافسون فيه. اللعب واللهو كلُ يريد أن يظهر شأنه فيه وتفاخر يتسابقون في الفخر. الموضوع ليس هنا ولكن المسابقة هي أن تتسابقوا إلى مغفرة من ربكم تلجأون إلى الله تعالى عن هذا اللهو والعبث لكن فيه تسابق والسباق قطعاً فيه سرعة وزيادة.
*د.أحمد الكبيسى :
السرعة ليست واحد هناك سرعة كسرعة الهواء، سرعة الغيم، سرعة الفرس، سرعة الريح، سرعة العاديات ضبحاً أقسم بها الله تعالى لأنها متميزة ومدربة وهدفها واحد. المفروض الفارس يبدأ بالسير ثم يسرع شيئاً فشيئاً يسابق الريح هذا نظام الفروسية لكن في بعض الحالات الفرس من أول ما ينطلق ينطلق كالهواء لذا قال (والعاديات ضبحاً) الفارس الذي يمكل زمام فرسه له تأثير خيالي على الفرس. لهذا امتدح الله تعالى الفرسان الذين من أول ما قال لهم انطلقوا انطلقوا من ساعتهم لأن الأمر جد خطير جاءهم احتلال تهديد فهؤلاء الفرسان من ساعة ما قال لهم انطلقوا بدأت الخيل تضبح. حينئذ قال تعالى (وسارعوا) على أين أنواع السرعة؟ سرعة الريح أو الحيوان أو السيارة؟ قال (سابقوا) يعني كسرعة المتسابقين فإذا كنت متسابقاً عليك أن تسرع فالمسابقات أنواع ليست كلها ركضاً ولكل مسابقة سرعتها المعروفة. المهم أنك أنت إلى الخيرات أن تارع مسارعة أيّ سباق كان هذا (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) المطففين) (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) الواقعة) كلاكما صليتما الجمعة خرجتما من البيت متوضئين لكن واحد ذهب إلى الصلاة بساعة والآخر ذهب قبل الصلاة بخمس دقائق لكن الأول سبق وكأنه قدّم بدنة والآخر قدم تمرة. في كل عمل من العبادات إذا سبقت غيرك فأنت قد سبقته. يبقى هذا السباق تختلف سرعته من عمل إلى عمل إذا قال حي على الفلاح فأنت في المسجد، كلما قيل للناس حي على الفلاح، أدركونا السابقون الأولون لهم القدح المعلّا عند كل الأمم. رب العالمين يعلمنا أن تكون سابقاً إلى الخيرات بسرعتك وكل عمل له سرعته المعروفة.

آية (134):
*(ورتل القرآن ترتيلاً):

فى قوله تعالى (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ (134) آل عمران) الكظم لغة الإخفاء والإمساك وهو مأخوذ من كظم القِربة إذا ملأها وأمسك فمها وعلى هذا تكون الآية تمثيلاً رائعاً بحق الخُلُق العظيم من جهتين: أولاً إخفاء الغضب من جهة وثانياً إمساكه عند وصوله حد الإمتلاء تماماً كالماء إذا خيف أن يظهر من القربة وهي هنا النفس الغاضبة.


آية (135):
*د.أحمد الكبيسى :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم – كما رواه البخاري- (إن عبداً أذنب ذنباً فقال يا رب أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال الرب: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر فقال يا رب قد أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال الرب:علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنباً آخر فقال يا رب قد أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال الرب: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب قد غفرت له وليفعل عبدي ما يشاء) إذا كان كلما أذنب استغفر فليذنب يعني لا ييأس من رحمتي ورب العالمين سبحانه وتعالى في الآية (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿135﴾ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴿136﴾ آل عمران) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما أصرّ من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة). إذاً يا سيدي الكريم إياك أن يلعب بك إبليس! تُب إلى الله عز وجل وادعُ الله أن يثبتك على التوبة ويتقبلها منك وإذا عدت مرة أخرى أسرع بالعودة إلى الله عز وجل هكذا (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴿19﴾ محمد).


آية (136):
*يقول تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) – (أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) – (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر)لماذا مرة (نعم أجر العاملين) ومرة بالواو (ونعم أجر العاملين) ومرة بالفاء (فنعم أجر العاملين)؟ (د.أحمد الكبيسى)
عندما تكرّم الأول في الجامعة هناك أول مكرر هناك أكثر من أول فأعطيت كل واحد سيارة هذا نعم أجر العاملين، لكن أول الأوائل الذي هو أولهم أخذ سيارتين هذا ونعم أجر العاملين هذه أقوى من الأولى، أما فنعم أجر العاملين هذه عندما يستلمون الجائزة.
قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) العنكبوت) غُرَف غرفات هذه كأنها درر وياقوت أعجوبة العجائب، نعم أجر العاملين على العمل الصالح يصوم ويصلي كما جميع المسلمين المؤمنين بالله إذا داوموا عليه لهم أجرهم العظيم التي هي الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علة قلب بشر هذا نِعم أجر العاملين. كل مؤمن بدينه ويطبقه بالشكل الذي أمر الله عز وجل عباده والرسل على أي وجه هذا نعم أجر العاملين. لكن هناك أناس عندهم دقة (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران) شهوات قوية صبروا عليها ويندمون ويعودون قال (ونعم أجر العاملين) هذه مرتبة أعلى. عندما تأتي يوم القيامة تحاسَب أو لا تحساب، تدخل الجنة وترى النعيم (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر) بالفاء أي استلمنا. (فنعم) لا تقولها إلا عندما تستلم جائزتك وأجرك. فالأجر إن وُعِدت به فهم (نعم أجر العاملين) إذا كان شيئاً متميزاً لأنك أنت متميز هذه (ونعم أجر العاملين) وإذا استلمته (فنعم أجر العاملين)، هذا هو الفرق.