أ.د. عبدالحليم عويس
تأكيدًا لأصالة الحوار في الإسلام وحضارته؛ نسوق بعض نماذج الحوار عبر عصور الإسلام المختلفة.. تتصدَّرها نماذج الحوار النبويّ والصدر الأول.وتعدّ حوارات النبيّ محمد ص النموذج الأول للتأصيل الحواري العملي مع أصحاب الأديان الأخرى, فقد حاور الرسول محمد اليهود في المدينة وهو يعلم أنهم لا يريدون الحق؛ بل النيل من الرسالة والرسول، ومع ذلك قبل حوارهم، وعاملهم معاملة حكيمة حسنة.



عن عبدالله بن مسعود ] قال: بينما أنا أمشي مع النبي ص في طرف المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه، فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح، وقال بعضهم لا تسألوه؛ لا يجيء بشيء تكرهونه، فقال بعضهم: لنسألنه؛ فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم: ما الروح؟ فسكت:فقلت إنه يوحى إليه، فقمت فلما انجلى عنه قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا}(1).وقد أجابهم الرسول ص بقوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا}، قالوا له: من جاءك بهذا؟، فقال لهم النبي ص: «جاءني به جبريل من عند الله»، فقالوا: والله ما قاله إلا عدو لنا.وفي قصة أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «أتي رسول الله ص بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعًا (أي زنيا)، فقال لهم: ما تجدون في كتابكم؟ قالوا إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبية. قال عبدالله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة، فأتي بها فوضع أحدهم يده على آيةالرجم، وجعل يقرأ ما قبلها، وما بعدها، فقال ابن سلام: ارفع يدك، فإذا بآية الرجم تحت يده، فأمر بهما رسول الله ص فرجما» (2).وبعيدًا عن المشاعر الشخصية الأليمة التي عانى منها المسلمون في المدينة من اليهود؛ بعد أن عقد محمد رسول الله ص معهم معاهدة المواطنة الكاملة (صحيفة الدستور)؛ فإذا ببعضهم (وهم بنوقينقاع) يحاولون مرة الاعتداء على عرض امرأة مسلمة في أسواقهم (سنة 2هـ)، ومرة أخرىنرى بعضهم (وهم بنوالنضير) يتآمرون على قتل الرسول نفسه (سنة4هـ)، ومرة ثالثة يقدمون على خيانة جماعية عظمى لمواطنيهم المسلمين، وهم في محنة حرب الخندق (بنوقريظة سنة 5هـ).بعيدًا عن كل هذه الخيانات، وعن الحرب التآمرية الباردة الدائمة المتآزرة مع مشركي الجزيرة، ومخالفتها للدستور.بعيدًا عن كل ذلك؛ يفتح الرسول والمسلمون لليهود صفحة الحوار دائمًا؛ حتى لا يظل المستقبل يدفع ثمن أخطاء الماضي.فمن المعروف أنه بمجرد أن أقام المسلمون إمبراطوريتهم العالمية الخاصة، وطوروا نظامًا متقدمًا في شريعتهم؛ أسسوا نظام تسامح؛ ظل يسود الأجزاء المتمدينة في الشرق العربي لمدة طويلة؛ حيث تعايشت مجموعات دينية في ظله جنبًا إلى جنب. إن المعاداة للسامية خطيئة مسيحية غربية،وليست خطيئة إسلامية، ويجب أن يكون ذلك حاضرًا في أذهاننا؛ كي لا نخضع لإجراء التعميمات.ففي ظل الإمبراطورية الإسلامية تمتع اليهود مثلهم مثل المسيحيين بحرية دينية كاملة، وعاش اليهود في المنطقة في سلام؛ حتى إقامة دولة الكيان الصهيوني في سنة 1947م.