بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصلني سؤال على صفحتي عبر الفيس بوك، فقررت ان انقل الموضوع هنا على العام عسى ان تكون فيه فائدة

والسؤال كان بخصوص قوله تعالى :

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( 157 ) النساء

والاشكالية في جزئين :

الأول :

قول اليهود على المسيح " إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ "

فكيف يقولون عنه رسول الله مع أنهم كانوا - وما يزالوا - يقولون عنه أنه إبن زنى

والثاني :

القرآن الكريم يقول " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ " والضمير في الجملة عائد على اليهود، مع أن اليهود لم يصلبوه أو يقتلوه وأن القاتل والذي صلبه هم الرومان وليس اليهود، وهذا طبعا حسب وجهة النظر النصرانية


وللرد نقول :

أنه بخصوص الإعتراض الأول فأن جوابه من عدة وجوه ومنها :

أنه من قول اليهود بمعنى رسول الله في زعمه.

ومنه أنه من قول الله تعالى لا على وجه الإخبار عنهم، وتقديره: الذي هو رسولي. [1]

ومنه انهم قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء كقول فرعون

قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ( 27 ) الشعراء

وكقول قوم شعيب عليه السلام له :

قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ( 87 ) هود

وهذا له مثال عندهم، ففي الانجيل المنسوب الى متي 27 : 29


ومنه أيضاً أن يكون من كلام الله تعالى وضع الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنه رفعاً لعيسى عليه السلام، كما كانوا يذكرونه به [2]

أما عن الشق الثاني من السؤال وزعمهم أن هذا خطأ قرآني ان يتم نسبة القتل لليهود وليس الرومان فإن هذا من باب عدم المعرفة بطريقة قراءة القرآن أصلاً والجهل بلغته، بل وبكتابهم المقدس أصلاً

فالآية الكريمة :

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( 157 ) النساء

فقوله وما قتلوه وما صلبوه هو من باب المجاز العقلي وغرض الإسناد فيه إلى السبب وهو من باب إسناد الفعل أو ما في معنى الفعل إلى غير من هو له

فجاء في البلاغة الواضحة :

وكما في إسناد الشيء إلى سببه أو مكانه أو زمانه في المجاز العقلي ،فإن البلاغة توجبُ أنْ يختار السبب القوي والمكان والزمان المختصان. [3]


فقوله تعالى حكاية عنهم : " إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ "

هو من باب إسناد الأمر لهم من حيث السبب وليس من حيث التنفيذ

كما في قوله تعالى :

الْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) القصص

والمعنى هذا ليكون لهم حزناً ، والإسناد مجاز عقلي لأنه سبب الحزن وليس هو حزناً [4]

وكقوله :

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( 4 ) القصص

فجاء في هذه الآية إسنادُ تذبيح أبناء المستضعفين إلى فرعونَ، مع أنَّه لم يكن هو الذي يقوم بأعمال التذبيح، إنّما كان يأمُرُ جنوده بذلك فيُطيعون أمره.[5]

وهذا أيضاً مذكور في كتابهم ومع ذلك يعترضون عليه بكل لا مبالاة

الإنجيل المنسوب لمرقص 14 :

55 وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةً عَلَى يَسُوعَ لِيَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا.

ومعلوم أن رؤساء الكهنة لم يكونوا منوطين بتنفيذ حكم الإعدام عليه، بل كان الرومان، ومع ذلك نسب إليهم فعل القتل لنسبة السبب اليهم

وبهذا يزول الإشكال واللبس

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
_____________________________

[1] النكت والعيون 1/543

[2] البحر المحيط 3/405

[3] البلاغة الواضحة 1/143

[4] سورة القصص, دراسة تحليلية 1/278

[5] البلاغة العربية 1/686